Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين التحريم ونبذ المشاركين... مقاطعة عربية لانتخابات بلدية القدس

يرى فلسطينيون أنها تشرع توحيد إسرائيل للمدينة وتسحق حلمهم بشقها الشرقي كعاصمة لدولتهم المرتقبة

غالبية الفلسطينيين يقاطعون انتخابات البلدية في القدس منذ احتلال الشطر الشرقي من المدينة عام 1967 (اندبندنت عربية)

ملخص

يجمع المقدسيون أن التوجه لانتخابات بلدية القدس في إطار تحصيل الخدمات والحقوق المعيشية، يندرج ضمن المحاولات الإسرائيلية لمقايضة حقوقهم السياسية بتسهيلات اقتصادية.

داخل صناديق الاقتراع بمدينة القدس، أودع نحو 215 ألف ناخب أصواتهم لاختيار رئيس وأعضاء مجلسهم البلدي، إلا أن نحو ربع مليون مقدسي ممن يحق لهم الانتخاب، عزفوا عن التوجه إليها، فهم لا يأبهون لسيرها ولا لنتائجها. كيف لا وهم غارقون في مخاوف جدية من سحب هوياتهم، ويعيشون قيوداً صارمة وغير مسبوقة على البناء والسكن والعمل. وعلى رغم أن البلدية وعدتهم بتغيير حالتهم المعيشية والاقتصادية، واحتواء الشباب في المؤسسات التعليمية الأكاديمية والمهنية، وبناء 2000 شقة للفلسطينيين سنوياً في القدس الشرقية ضمن الخطط الجديدة، فإن كل المرجعيات الوطنية والدينية والشعبية في القدس ظلت تعارض بأغلبية ساحقة منذ 57 عاماً المشاركة في الانتخابات. 

 

ويجمع المقدسيون أن التوجه لانتخابات بلدية القدس في إطار تحصيل الخدمات والحقوق المعيشية يندرج ضمن المحاولات الإسرائيلية لمقايضة حقوقهم السياسية بتسهيلات اقتصادية. وبينما تصر إسرائيل أن القدس موحدة بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لها، يتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف بسيطرة إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في عام 1981. وعززت الحرب على غزة والاهتمام العالمي المتزايد بضرورة قيام دولة مستقلة للفلسطينيين، كفة معارضي المشاركة في الانتخابات، وخلال دورات الانتخابات الأخيرة التي انتهت قبل أيام، لم تزد نسبة مشاركة المقدسيين فيها على واحد في المئة فقط.

يضم مجلس بلدية القدس 31 عضواً يهودياً، ينتمي 15 منهم للأحزاب الحريدية (المتدينة)، ويستحوذون على لجان التخطيط والبناء والمالية والتعليم وجميع اللجان الأخرى. ويصل عدد العاملين فيها إلى 12 ألفاً، فيما تبلغ ميزانيتها للعام الحالي نحو 14 مليار شيكل (3.8 مليار دولار). ووفقاً لأرقام رسمية إسرائيلية بلغ عدد سكان القدس بشطريها الشرقي والغربي 966 ألفاً، بواقع 590 ألف يهودي و375 ألف فلسطيني. وعلى رغم أن المقدسيين يشكلون نحو 40 في المئة من سكان المدينة، إلا أنهم يعاملون كمقيمين يحق لهم التصويت بالانتخابات المحلية فقط، في حين أن الانتخابات التشريعية للكنيست تقتصر فقط على من يحملون الجنسية الإسرائيلية. 

 

تحريم شرعي

يرى مؤيدو المشاركة في انتخابات بلدية القدس من الفلسطينيين أنها أداة ستحدث فرقاً في الحياة اليومية للسكان المقدسيين وتخفف من وتيرة هدم المنازل وحدة الفقر في القدس الشرقية التي بلغت أخيراً 85 في المئة. إلا أن قرار شخصيات فلسطينية عديدة ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية ويقيمون في القدس منذ عقود المشاركة بالانتخابات إلى جانب إسرائيليين في قائمة مشتركة، دفع مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين إلى إصدار فتوى بتحريم المشاركة أو الترشح في انتخابات بلدية القدس، وذلك استناداً إلى قواعد "المصالح والمفاسد". فيما عدتها شخصيات مقدسية واعتبارية خرقاً للإجماع الوطني. 

وأشار المجلس في وقت سابق إلى أن "المفاسد المترتبة على المشاركة في الانتخابات كبيرة وعظيمة إذا ما قورنت بالمصالح المستجلبة"، وذكر منها "الركون إلى الظالمين"، و"مساعدة الاحتلال في ترسيخ سياساته ومخططاته المتعلقة ببسط نفوذه على المدينة والقبول به حتى يصبح أمراً واقعاً"، و"المساعدة في تهويد المدينة، وتغيير معالمها التاريخية والدينية من خلال الإجراءات التي تقوم بها البلدية، و" تزوير الحقائق". وشدد المجلس في بيان على أن "المسائل الاستراتيجية المتعلقة بالمدينة كالمخططات الهيكلية، والبناء والاستيطان يتم تشريعها عن طريق الحكومة الإسرائيلية ووزارة الاستيطان، وليست من صلاحيات المجلس البلدي المنتخب". بدوره أكد المؤتمر الوطني الشعبي الفلسطيني في بيان أن المشاركة الفلسطينية في الانتخابات البلدية "تعطي شرعية لإجراءات البلدية في القدس المخالفة للقانون الدولي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خارج الصف

من جهته، اعتبر مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل) زياد الحموري أن عدم المشاركة بالانتخابات تصويتاً وترشيحاً ينسجم مع كل الاتفاقات والقرارات الدولية التي تعتبر مدينة القدس جزءاً من الأراضي المحتلة. في حين أكد الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات أن "لجان وهيئات محلية تخاطب البلدية باحتياجات ومطالب المقدسيين من دون الحاجة للانخراط في انتخابات". ويرى الكاتب أن "مشاركة الفلسطينيين هي بمثابة خروج عن الصف الوطني واعتراف صريح بأنها عاصمة موحدة لدولة إسرائيل".

ورداً على فتوى مجلس الإفتاء، كتب المرشح الفلسطيني لرئاسة بلدية القدس للمرة الأولى في تاريخ المدينة، وليد أبو تايه على مواقع التواصل الاجتماعي "هل هنالك فتوى في قضية التنسيق الأمني والمعتقلين الفلسطينيين في سجون أريحا، وقضية عدم الاهتمام ببيت المقدس، وضريبة المقاصة؟" ويرى أبو تايه أن "العيش المشترك بسلام في القدس المفتوحة شرقية وغربية هو نموذج وعينة مصغرة لحل الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية". 

خطة تطوير

عزوف الفلسطينيين عن انتخابات بلدية القدس بالمطلق لأكثر من 50 عاماً ترافق مع إجماع مقدسي متكرر، يؤكد تعمد البلدية التقصير وشح الخدمات المقدمة إلى السكان شرق القدس، وانعدامها كلياً في القرى والأحياء المعزولة خلف الجدار، التي تقع ضمن صلاحياتها. في المقابل، ترى البلدية أن الشطر الشرقي حاضر في خططها التطويرية، وقبل اشتعال الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بأسابيع عدة، صادقت الحكومة الإسرائيلية على الخطة الخمسية للأعوام 2024-2028 بمبلغ إجمالي يقارب 3.2 مليار شيكل (864 مليون دولار) بهدف "تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية في القدس الشرقية". وهي أكثر بنحو مليار شيكل (274 مليون دولار) من ميزانية الخطة الخمسية السابقة عام 2018، التي كانت أكبر استثمار للحكومة الإسرائيلية في القدس منذ عام 1967. 

 

وحسب قرار الحكومة الإسرائيلية تشمل الخطة الخمسية استثمارات لشرق القدس في قطاعات مختلفة، منها قطاع التربية والتعليم بقيمة 800 مليون شيكل (22 مليون دولار)، وقطاع التوظيف في التنمية الاقتصادية بقيمة 506 ملايين شيكل (139 مليون دولار) لدمج الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلية، وقطاع البنية التحتية بقيمة 833 مليون شيكل (231 مليون دولار) للدمج العمراني بين شطري المدينة. وقال وزير القدس والتقاليد الإسرائيلي مئير باروش إن الخطة الخمسية التي قدمت لتطوير شرق القدس وسد الفجوة بين شطري المدينة "تستجيب لنحو 20 قضية تتطلب اهتماماً عاجلاً، بخاصة بكل ما يتعلق بالتعليم والبنى التحتية". وأضاف "الحكومة تستثمر في السكان العرب لأنها أكثر الأشياء إنسانية ونحن نفعل ذلك بكل إرادتنا وبكل قلوبنا". 

قيود مشددة 

مقابل تلك التصريحات، أشارت معطيات رسمية فلسطينية إلى أن بلدية القدس على أرض الواقع، نفذت 292 عملية هدم خلال 2023، بينها 73 عملية هدم ذاتي، وهي التي يجبر فيها مقدسيون على هدم منازلهم بأيديهم تجنباً لدفع كلف باهظة تفرضها البلدية عليهم، في حال نفذت الهدم بآلياتها. ووفقاً لبيانات محافظة القدس، التي تعد أعلى تمثيل رسمي فلسطيني في القدس، شهد العام الماضي مقتل 41 فلسطينياً برصاص الجيش الإسرائيلي، فيما تعرض 2612 مقدسياً بينهم 308 أطفال و128 امرأة للاعتقال، في حين أصدرت المحاكم الإسرائيلية بالقدس أكثر من 143 أمر اعتقال إداري خلال الفترة ذاتها، و724 قرار إبعاد منها 577 عن المسجد الأقصى الذي اقتحمه حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 51 ألفاً و994 مستوطناً ومستوطنة. وأكدت البيانات خضوع 308 من المقدسيين لعقوبة الحبس المنزلي بينهم أطفال. 

من جانبه، أكد عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" حاتم عبدالقادر "إن سياسة التغلغل الناعم بالمقدسيين عبر دمجهم في المؤسسات وسوق العمل الإسرائيلية وخطط التطوير لن تفلح في احتواء المقدسيين وتهوديهم". وأضاف "يدرك المقدسيون في ظل ارتفاع عمليات الهدم والتنكيل والعقوبات الجماعية في حقهم وحرمانهم من الدخول للأقصى، أنهم لن ينالوا أي مكتسبات من الانتخابات البلدية التي لا ترى أي حق للفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة". 

المزيد من تقارير