جاء ادعاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء الاثنين 10 سبتمبر (أيلول)، عن كشف مواقع سرية جديدة تابعة للبرنامج النووي الإيراني، ليعمق الشرخ الإسرائيلي بشأن كيفية التعامل مع الملف الإيراني. واتهم زعيم المعارضة، رئيس حزب أزرق- أبيض بيني غانتس، رئيس الحكومة بكشف أسرار في غاية الأهمية وعدم الالتزام بسياسة الضبابية التي تتبعها إسرائيل، تجاه الملف النووي الإيراني، بهدف استغلاله لزيادة شعبيته، عشية الانتخابات البرلمانية التي تبقى لها أسبوع واحد فقط.
وغانتس لم يكن وحيداً في انتقاد نتنياهو، فهناك جهات أمنية وخبراء حمّلوا رئيس الحكومة مسؤولية نتائج تصريحاته هذه. ورأى البعض أنه كلما اقترب موعد الانتخابات، اقترب نتنياهو من حافة الهاوية، ويصعب التمييز بين الاعتبارات السياسية والاستراتيجية والعملياتية. والجدول الزمني للحملة ينزلق إلى الجدول الأمني لرئيس الحكومة ووزير الدفاع. وطرح البعض السؤال "هل نتنياهو، الذي أدار بحذر ومسؤولية الجبهة الشمالية، يطمس الآن خطوط الفصل في إطار حرب بقائه على قيد الحياة؟".
وكان نتنياهو قد أعلن، مساء الاثنين، الكشف عن واحد من المواقع الأهم في إيران، هو موقع لتطوير الأسلحة النووية في آباده، جنوب أصفهان، وقال "كما حصل في تورقوزآباد، عندما أدركت إيران أننا كشفنا ممارساتها، بدأت على الفور محاولة إخفاء الموقع. وها هو الموقع في آباده قد دمّر".
ووفق ادعاء نتنياهو، فقد دعا الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى فحص تورقوزآباد، على الفور، فنفذت طلبه ووجدت مواد نووية أخفتها إيران خلافاً لتعهداتها الدولية.
وتابع نتنياهو أن "إسرائيل تمكنت من الكشف عن المشروع النووي السري لإيران، قبل نحو عام، ويضمن ذلك المخزون النووي السري في تركيزباد، حيث عُثر على كميات من اليوارنيوم أخفتها إيران، كان من المفترض ألاّ تكون بحوزتها. وأخفت إيران عتاداً نووياً كان يفترض ألا يكون بحوزتها، وأنه بعد الكشف عنه، عمدت إلى تمويه الموقع بتغطيته بالحصى".
وأشار نتنياهو إلى أن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد أعلن أخيراً عدم تعاون إيران مع الوكالة، معتبراً أنه عندما تكشف إسرائيل عن البرنامج النووي الإيراني، تحاول طهران تغطية المعالم وطمسها.
وبحسبه، فإن إسرائيل تعلم ما يجري في إيران، ومتى وأين. وأكد أن تل أبيب مصممة على منع إيران من حيازة سلاح نووي.
حديث نتنياهو هذا أثار نقاشاً إسرائيلياً، بل عمّق الشرخ في المؤسستين السياسية والعسكرية، اللّتين تتبنّيان سياسة خاصة تجاه إيران منذ سنوات، تكمن في الأساس في الحفاظ على السرية وعدم الإفصاح عن مختلف الجوانب المهمة والضرورية، في سياق سياسة الضبابية التي تتبعها إسرائيل.
تشويه سمعة إيران
ووصف الخبير العسكري رون بن يشاي، كشف نتنياهو عن منشأة أخرى لتطوير سلاح نووي، كمن يلقي قنبلة في الساحة السياسية الدولية. وبرأيه، فإنه أمام وضع كهذا على الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية ونتنياهو أن يعرضا معلومات أخرى تثبت أن إيران فعلاً كانت على وشك تطوير سلاح نووي في مفاعل آباده.
واعتبر بن يشاي أنّ صور الأقمار الاصطناعية للمفاعل قبل وبعد، لن تكفي لإقناع كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، الموقّعة على الاتفاق النووي مع إيران، ولا تقنع الإدارة الأميركية.
ولن تحقّق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك، استناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية، خصوصاً أن إيران ستلجأ بطبيعة الحال إلى النفي.
وأضاف أنه في حال قدمت إسرائيل إثباتات على ذلك بما يتيح للوكالة
الدولية فتح تحقيق، فإنّه سيشكّل حرجاً لإيران أمام الدول الموقعة على الاتفاق النووي، والمجتمع الدولي بشكل عام، لأنّ ذلك يعني أنها خرقت الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وخرقت ميثاق حظر نشر الأسلحة النووية.
أما عاموس هرئيل، فقال إن "كشف نتنياهو عن مفاعل آباده يُعتبر مخاطرة، إذ إنه في حال عدم تقديم إثباتات على ذلك، فسيوجَّه الاتهام إلى إسرائيل ونتنياهو بنشر أخبار كاذبة لتشويه سمعة إيران. وعندها، يمكن لهذه الأخيرة استخدام هذا الأمر لتعزيز موقفها من الولايات المتحدة والأوروبيين في المفاوضات التي يُرجّح أن تبدأ قريباً".
لقاء ترمب- روحاني
في إسرائيل، قناعة بأن اللقاء بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والإيراني حسن روحاني سيُعقد، وبالتالي، سيتّفقان حول الملف النووي الإيراني، وهذا ما لا يريده نتنياهو، الذي حاول استغلال ما كشفه من معلومات عن مواقع النووي الإيراني، لحث الرئيس ترمب على الإعلان الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار 2018. وعبّرت إسرائيل عن رفضها عقد القمة المخطط لها، بوساطة فرنسية، بين ترمب وروحاني. وقال مصدر مقرب من نتنياهو إنه يسعى إلى وقف الاقتراح الفرنسي إعطاء إيران مبلغ 15 مليار دولار حتى نهاية السنة، كجزء من رزمة استئناف المحادثات.
في هذه الحالة، وكما ترى جهات إسرائيلية، ليس مضموناً أن تصغي الإدارة الأميركية للإسرائيليين، وتخشى هذه الجهات أن تثق روسيا والصين وأوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية بحديث نتنياهو وتتعامل معه كأخبار كاذبة، قد تتحول إلى ضربة تجاه إسرائيل، بعكس ما كان نتنياهو يأمل.
وهاجم قادة حزب أزرق- أبيض استخدام نتنياهو المعلومات، من باب أنه "استعان بمعلومات أمنية حساسة لأغراض الدعاية الانتخابية، بما يشير إلى عدم المسؤولية وأن تقييماته غير دقيقة أو صحيحة وتثبت أنه لا يكترث إلاّ لنتنياهو"، وأنه تجاوز سياسة الضبابية المتفق عليها، وتحمّل المسؤولية بما يدفع الطرف الثاني إلى الرد.
محاولة الهرب
ورأت المعارضة الإسرائيلية أن نتنياهو يسعى إلى اختلاق قضايا جانبية، تشغل الرأي العام الإسرائيلي، بدلاً من الحديث عن "فشل الحكومة وتعطّلها".
واعتبر عضو الكنيست المعارض يائير لبيد نتنياهو رئيساً غير مسؤول، قائلاً إنه "يستخدم المعلومات الاستخبارية مرة أخرى في الدعاية الانتخابية له. إنها عدم مسؤولية وطنية".
أما موشيه يعلون، فكتب في حسابه على تويتر "حينما تفشل قضية اختلاق الكاميرات (المقصود طلب نتنياهو تعليق كاميرات في مراكز الانتخابات بحجة التزوير بين العرب ومن ثم رفض طلبه)، نختلق قضية جديدة، ونعرّض المصالح الأمنية وحياة الناس للخطر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتهم يعلون نتنياهو بـ"محاولة الهرب من مقعد المتهمين"، في إشارة إلى ملفات الفساد التي تحوم حوله".
من جهته، انتقد رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت رئيس الحكومة قائلاً إن "مؤتمره كان مخصصاً لدوافع شخصية وسياسية. نتنياهو يحاول صرف الانتباه عن مشاكله، مستخدماً شؤون إسرائيل الاستراتيجية بشكل غير مسؤول ويستخدم الأمن لتعزيز حاجاته الشخصية والسياسية".
ورأى قادة في حزب العمل إنه لم يتضح ما الذي كان عاجلاً أمنياً وسياسياً للكشف عن معلومات استخبارية سرية قبل 8 أيام من الانتخابات، ما يعني أن نتنياهو قد تجاوز خطوطاً حمراء، واستخدم الأمن القومي لأغراض سياسية".
أهداف نتنياهو
المعسكر الديمقراطي ذهب إلى أبعد من ذلك وتعامل مع نتنياهو كإنسان مرتشٍ ومحتال. وقال قادة المعسكر إنه "من الأفضل ألا يمس بمقدسات الأمن، من هو متهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة".
ووفق صحيفة "معاريف"، فإن رئيس الموساد يوسي كوهين، ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، يدعمان نتنياهو. ونُقل عن كوهين أن القصد من تصريحات نتنياهو، عدم الانجرار إلى منطقة إبادة سياسية بمحض إرادته في حملة الليكود الانتخابية.
ضمن النقاش الإسرائيلي حول تصريحات نتنياهو، مساء الاثنين، رأى البعض أن ما تحمله هذه التصريحات من أهداف هو منع أوروبا والصين من تقديم المساعدة لإيران وتجاوز العقوبات الأميركية، بادعاء أن طهران كذبت وما زالت تكذب، وتخرق كل اتفاق وكل ميثاق وقّعت عليه بشأن مشروعها النووي، ولذلك يجب أن تُعاقَب.
وهناك هدف آخر، يراه الإسرائيليون في تصريحات نتنياهو، هو إبراز الجانب الأمني ضمن حملته الانتخابية وتحويل الأنظار عن الفضائح التي تتكشف يومياً ضده، وبشهادات مقربين سابقين منه.