ملخص
قطاع الذكاء الاصطناعي في بريطانيا يفتقد إلى التشريعات المناسبة ويعوزه وجود النساء المحقق للمساواة.
لا يختلف اثنان على أن الذكاء الاصطناعي يحقق إنجازات كثيرة فعلاً. من بينها مثلاً، تزويدنا بتحليل أكثر سرعة وموثوقية لصور الثدي بالأشعة السينية (فحص الماموغرام).
تتقدم هذه التكنولوجيا بسرعة مهولة، ولا ريب في أنها ستحمل معها في المستقبل قدراً أكبر من المنافع. ولا بد لنا كبلد أن نسخر ثرواتنا الكثيرة في تحقيق أقصى استفادة منها، ولكن مع ذلك، تبدو ضعيفة استجابة الحكومة لهذه الحدود التكنولوجية الجديدة.
يتعين علينا أن نضع استراتيجية للقوى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي تكون ملحة وذات رؤية ثاقبة على شاكلة استراتيجية الموظفين في "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية. والأجدر بنا أن نحرص على أن يشكل الذكاء الاصطناعي جزءاً من أجندة دعم المجتمعات على قدم المساواة في البلاد، وتوفير فرص العمل للجميع والاستفادة من المواهب في المنطقة برمتها، بما في ذلك اسكتلندا وويلز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علاوة على ذلك، ينبغي علينا التنسيق بين مختلف مؤسسات القطاع العام التي تشق دربها صوب هذه التكنولوجيا، وإنما تقوم بذلك كل على حدة باعتماد مبدأ التجربة والخطأ. ويجدر بنا أن ننظر إلى البيانات باعتبارها جزءاً من تطوير بنيتنا الأساسية هذه، التي لا تقل أهمية عن الطرقات والسكك الحديد التي نستخدمها في طريقنا إلى العمل.
وكي نضمن اتباع هذه التكنولوجيا مساراً سلساً في تطورها هنا في المملكة المتحدة، تلزمنا أيضاً قوانين تنظيمية تسمح بازدهار الذكاء الاصطناعي، ولكن في مقدورها أيضاً وضع الإصبع على المشكلات وحلها قبل أن تقع.
ومعلوم أن التشريعات تتدرج بدءاً بالتشريع الأساس، ثم يكمله التشريع الثانوي، الذي يقره البرلمان وتتولى تنفيذه الجهات التنظيمية المخولة بموجب القوانين.
ولكن المعضلة التي يجلبها الذكاء الاصطناعي أنه سريع الخطى، في حين تتحرك عجلة سن التشريعات الخاصة به بخطوات ثقيلة جداً، وتسلك منحى بطيئاً أكثر عندما يجد البرلمان نفسه أمام فهم تطور جديد ومعقد. والمشكلة أن قوانيننا يكون قد عفا عليها الزمن فعلاً وتجاوزتها الأحداث بحلول وقت تحظى فيه بالموافقة الملكية.
10 سنوات تفصل بين إصدار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون إعلانه السياسي الأول وإقرار "مشروع قانون السلامة على الإنترنت"، وهو نطاق زمني ميؤوس منه بالنسبة إلى إيجاد تشريعات تنظم الذكاء الاصطناعي. ليس في يدنا أن نقر قوانين تنظيمية لا تكون عقيمة عندما نعجز حتى عن وضع تصور متكامل للقطاع الذي نعمل على صوغ تدابير تحكمه. وعلى رغم علمنا أن الذكاء الاصطناعي سيتطور بمرور الوقت، يتعذر علينا أن نتكهن تماماً الشكل الذي سيتخذه هذا التطور.
ويكمن الحل في ألا ندع الحكومة البريطانية وحدها تضع قواعد تشريعية تنظم عالم الذكاء الاصطناعي من طريق السلطة التنفيذية. في الواقع، إننا إزاء قضايا مهمة تتعلق بالسياسة العامة في البلد، وعلى البرلمان بدوره أن يمسك بزمام الأمور. كذلك لا يجدر بنا أن نترك للجهات التنظيمية أن تحدد هذه السياسة. بل يتعين على البرلمان أن يقرر السياسة العامة، فيما يجب أن يتمثل دور الهيئات التنظيمية في إنفاذها.
يسعنا أن نحصل على قوانين وتشريعات سريعة وذكية يقرها البرلمان، بخبرته وفي الوقت الفعلي، ولكن القيام بذلك يتطلب منا إدخال تغييرات على إجراءاتنا البرلمانية كي نتصدى لهذا التحدي. كذلك في وسعنا أن نعزز قوة "لجنة العلوم والابتكار والتكنولوجيا" في البرلمان البريطاني (وربما بالتعاون مع "لجنة الأعمال والتجارة المختارة") عبر تخصيص موارد إضافية لها، ومن خلال التشريع الأساس، نمنح اللجان المختارة سلطة وضع قواعد تشريعية، نيابة عن البرلمان.
ومن شأن القانون الرئيس أن يعطي اللجنة المختارة سلطة واسعة تسمح بصوغ تشريعات تنظيمية. وبعد ذلك، سيبقي البرلمان، بالطريقة المعتادة، عمل اللجنة المختارة قيد المراجعة. وبهذه الطريقة، نحصل على لجنة تتكون من أعضاء البرلمان ذوي الخبرة الحقيقية، ونحمل سلطة البرلمان الداخلية على صياغة تشريعات تنظيمية تحكم عالم الذكاء الاصطناعي وبنفس السرعة التي يتطور بها الأخير.
في حالات سابقة عدة رأينا البرلمان يتبنى إجراءات جديدة عندما نحتاج إلى ذلك، ويشكل اعتماد إجراءات جديدة لتنظيم الذكاء الاصطناعي مبررات كلاسيكية للتغيير.
ولكن المشكلة التي غابت عن ذهن الحكومة البريطانية خطر تحول الذكاء الاصطناعي إلى مسرح لثقافة "خبراء التكنولوجيا الذكور"، وتحول التحيز والتمييز العنصري إلى جزء متأصل في مجموعات البيانات المستخدمة فيه، من ثم ترسيخ التمييز الذي تسعى السياسة العامة إلى استئصاله من جذوره. صحيح أن التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الطبقة الاجتماعية، يبدو سلوكاً سيئاً جداً عندما يكون واضحاً للعيان وعند الوقوف في وجهه، بيد أن التحيز الخفي الأقوى من أن ننازله سيكون مروعاً من جهته. ليس مستبعداً أن هذا النوع من التمييز سيوقف التقدم الذي أحرزناه نحو المساواة، بل إنه سيعيد عقارب الساعة إلى الوراء إذا أدى إلى تلويث مجموعات البيانات لدينا ووجد طريقه إلى الخوارزميات التكنولوجية. ومن ضمن مؤسسات كثيرة عاملة في هذا المجال، يدعو "معهد البيانات المفتوحة" (اختصاراً ODI) إلى الالتزام ببنية أساسية قوية للبيانات بوصفها خطوة بالغة الأهمية نحو وضع حد لعدم المساواة والتحيز والتمييز.
في الحقيقة، يبدو أن ثقافة "خبراء التكنولوجيا الذكور" غير المنصفة تشوب فعلاً عالم الذكاء الاصطناعي. في هذا الصدد، وجد بحث نهضت به "جمعية فوسيت" البريطانية في وقت سابق من العام الحالي أن نحو نصف الرجال العاملين في هذا القطاع يعتقدون أن حدوث توازن بين الجنسين في القوى العاملة في هذا القطاع لن يعود عليهم بالنفع. ويرى رجل واحد من كل خمسة رجال أن الذكاء الاصطناعي ليس مجال عمل ملائماً للنساء. وأظهر البحث أن هذا الموقف يثني النساء عن البقاء في هذا القطاع، ومن ثم يحرمه من موهبة نصف السكان.
تقدم الذكاء الاصطناعي يصب في مصلحتنا جميعاً. ونحن كلنا لا بد من أن نعطي رأينا، من خلال البرلمان، في طريقة صوغ تشريعات تنظيمية لهذا القطاع. والنساء، شأنهن شأن الرجال، عنصر ضروري للمضي قدماً به.
هارييت هارمان نائبة بريطانية عمالية عن كامبرويل وبيكهام
© The Independent