Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تمرد أفريقي" ثلاثي على "عملة الاستعمار" الفرنسية

هل تتجاوز بوركينا فاسو ومالي والنيجر "الخطوط الحمراء" لباريس؟ وما هي السيناريوهات المحتملة؟

عملة الفرنك الأفريقي (مواقع التواصل)

منعطفات غير مسبوقة أثارتها دول بوركينا فاسو ومالي والنيجر في غرب أفريقيا، بدأت بفك الارتباط السياسي والعسكري مع باريس، وامتدت اليوم إلى مراجعة السياسات المالية عن طريق التمهيد للتخلص من "الفرنك الأفريقي"، الذي يوصف بأنه عملة استعمارية، وهي خطوات تجدد مخاوف مراقبين من سيناريوهات تجاوز "الخطوط الحمراء" الفرنسية.

ويدرس التحالف الثلاثي الانفصال عن "الفرنك الأفريقي" في مبادرة تأتي عقب انسحابها المعلن من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في يناير (كانون الثاني) الماضي، فقد أعربت هذه البلدان، بقيادة المجالس العسكرية التي جاءت عبر انقلابات عن رغبتها في الانفصال عما تعتبره "بقايا النفوذ الاستعماري الفرنسي"، من خلال إنشاء عملتها الخاصة بمنطقة الساحل.

ويثير هذا الطموح تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية لمثل هذا المشروع، نظراً للوضع غير المستقر الذي تجد هذه الدول نفسها فيه، لكن بالنسبة إلى المسؤولين الذين أثاروا الموضوع بالفعل، فهو ضرورة لحفظ "سيادة الدول الثلاث".

استعادة السيادة

ودان اثنان من القادة العسكريين الحاكمين، وهما الجنرال عبدالرحمن تياني من النيجر وإبراهيم تراوري من بوركينا فاسو، علناً الاستغلال التاريخي لبلديهما من قبل فرنسا، وقدموا إنشاء عملة جديدة كرمز لاستعادة السيادة. وعد هذا الخطاب جزءاً من سياق أوسع للرغبة في الاستقلال الاقتصادي والسياسي عن القوى الاستعمارية السابقة والهياكل الإقليمية الحالية.

ومع أن دول غرب أفريقيا تتميز بتنوع مواردها الطبيعية بامتلاك 40 في المئة من احتياطات الذهب و9 في المئة من إجمالي احتياطي النفط العالمي، إلا أن المنطقة تعيش حالة من عدم الاستقرار وتعد من الأفقر في العالم.

وقال رئيس المجلس العسكري في النيجر الجنرال تياني، في مقابلة على التلفزيون الوطني المحلي الأحد الماضي، "لقد سلبتنا فرنسا أكثر من 107 أعوام، وعليها أن تدفع نقداً ديون 65 عاماً من النهب الممنهج لمواردنا، و42 عاماً (بعد الاستقلال)، وسنجد جدولاً زمنياً حتى نتمكن من التساوي مع فرنسا".

وأضاف قائد الانقلاب العسكري أن "العملة هي خطوة للخروج من هذا الاستعمار"، لافتاً إلى أن دول الساحل الثلاث "لديها خبراء نقديون، وسيقررون في الوقت المناسب". وأكد أن "العملة هي علامة على السيادة، وأن دول المنطقة منخرطة في عملية استعادة سيادتها الكاملة"، بعد أن كانت "البقرة الحلوب لفرنسا"، بحسب تعبيره.

التحرر من العبودية

أما إبراهيم تراوري، فقد صرح بأن "الأمر لا يتعلق بالعملة فحسب، بل بالتحرر من كل قيد يبقينا في العبودية"، وفق ما قاله في مقابلة عبر "يوتيوب".

ويعود إنشاء العملة الموحدة "الفرنك الأفريقي" بمستعمرات فرنسا السابقة في أفريقيا جنوب الصحراء إلى عام 1945، إذ تواصل 14 دولة في غرب ووسط القارة إلى يومنا هذا استخدام هذه العملة المصممة لمنح فرنسا امتيازات مالية كبيرة.

 

 

وقد ربط الفرنك الأفريقي بعملة الفرنك الفرنسي في البداية، ثم اليورو، أي يتحكم البنك المركزي في باريس في السياسات المالية للدول الأفريقية المنتمية إلى مجموعة "إيكواس" والتي تجبرهم على إيداع 50 في المئة من احتياطاتها من العملات الأجنبية لدى الخزانة الفرنسية، ما عزز الهيمنة الفرنسية على اقتصادات دول النيجر وبوركينا فاسو وتشاد ومالي والسنغال وتوغو وبنين وساحل العاج وغينيا بيساو والكاميرون والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وتجبر هذه الدول على اقتسام ما تحصله من تصدير خيراتها ومواردها الطبيعية مع فرنسا، إذ لا يسمح لحكومات تلك الدول سوى بإنفاق 20 في المئة فقط من إيراداتها من مواردها من العام السابق، ومن النتائج السلبية، لذلك عندما يكون معدل التضخم في منطقة اليورو أعلى يكون العائد منخفضاً، مثلما حدث في عام 2022 حين اقترب سعر اليورو والدولار الأميركي من التساوي، تراجع الفرنك الأفريقي وفقد قرابة 12 في المئة من قيمته مقابل الدولار.

عواقب اقتصادية خطرة

وفي رأي الخبراء قرار ترك الفرنك الأفريقي لا يأتي من دون أخطار، إذ تعتمد اقتصادات هذه البلدان الزراعية وغير الساحلية بصورة كبيرة على تكاملها الإقليمي في جوانب عدة مثل الطاقة والوصول إلى الأسواق المالية الدولية، وقد يؤدي الخروج المتسرع إلى عواقب اقتصادية خطرة، بما في ذلك انخفاض قيمة العملة الجديدة وخفض تصنيفها في الأسواق المالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن التحديات التي لا يوجد إجابة لها لحد الآن، فضلاً عن طباعة الأوراق النقدية الجديدة، ضرورة إنشاء مصرف مركزي وكيفية إدارة الانتقال نحو التخلي عن الفرنك الأفريقي.

وقصد التخفيف من حدة المخاوف، تبذل الجهود لطمأنة اللاعبين الاقتصاديين المحليين وشعوب المنطقة في شأن الفوائد المحتملة لهذا التحول.

وخلال اجتماع عقد في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، في الـ15 من فبراير (شباط) الجاري، أكد 3 وزراء من تلك الدول الالتزام المشترك بالانسحاب من "إيكواس" بلا تأخير ومواصلة التعاون بموجب اتفاق معروف بتحالف دول الساحل الذي أسس في ديسمبر (كانون الأول) 2023.

وذكرت وزارة خارجية مالي، في بيان، أن الدول الثلاث "أكدت التزامها بالمضي قدماً بحزم في عملية تنفيذ تحالف دول الساحل وإنشاء اتحاد بينها".

ليس لديهم ما يخسرونه

ووصف الناشط التشادي والخبير في الشؤون الأفريقية إبراهيم زين كونجي عملة الفرنك الأفريقي بـ"عملة الاستعمار"، لذلك قررت دول الساحل الثلاث التي أعلنت أخيراً الخروج من "إيكواس"، وهم على وشك أيضاً مغادرة العملة الفرنسية، معتقداً بنجاحهم في هذا التوجه خلال المستقبل القريب، لأن ليس لديهم ما يخسرونه.

وأكد زين كونجي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن هؤلاء لا يستفيدون من الفرنك الأفريقي، إذ أكثر من نصف الاحتياطي الأجنبي مخزن في فرنسا وعليهم أن يدفعوا الأموال لتصل إليهم. ويعتقد أن كل عوامل نجاحهم متوفرة، لأن عليهم إثبات جدارتهم في المجتمع الدولي والإقليمي ولدى شعوب الدول الثلاث، خصوصاً أنهم يملكون المعادن الثمينة واليورانيوم والذهب والنفط وبدلاً من أن يدفعوا لفرنسا الأموال الآن تعود عليهم بالفائدة، لكن الناشط التشادي حذر من تجاوز ما سماها "الخطوط الحمراء" لفرنسا، التي تعد بالنسبة لها بمثابة إعلان حرب، منها التخلي عن اللغة الفرنسية أو عملة الفرنك الأفريقي أو محاولة تطوير البلاد والانضمام إلى مصاف الدول الكبرى.

أحداث سوداء

واستذكر الخبير أحداث سوداء عدة وقعت حين حاول الرئيس التوغولوي صك عملة جديدة ومنع استنزاف ثروات بلاده، فكان مصيره تنحيته عن طريق انقلاب عسكري. وفي مالي حين حاول ماديبو كيتا صك عملة كان مصيره تنحيته عسكرياً أيضاً من طرف موسى تراوري وسجنه حتى قتل في السجن والأمر ينطبق على جزر القمر.

وفي ستينيات القرن الماضي، قررت غينيا إصدار عملتها الوطنية لتتدخل فرنسا عن طريق تنظيم عمليات تخريبية لزعزعة استقرار الدولة، كما دعمت عملاء محليين وأغرقت البلاد بأوراق نقدية مزورة واعترضت شحنات الأغذية لتجويع الغينيين ولتركيعهم، وفق ما كشف الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية بيير ميسمير في مذكراته.

أما مصير رئيس بوركينا فاسو توماس سانكارا الذي قطع العلاقات مع فرنسا، وعطل اتفاقيات التعاون معها وقاطع القمة الفرنسية الأفريقية المنعقدة في ديسمبر 1984، فقد تعرض للاغتيال مع 12 من مساعديه ووجهت أصابع الاتهام في دعم الانقلاب عليه واغتياله إلى شبكات نفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة مع أن باريس نفت ذلك رسمياً.

واستدرك الخبير في الشؤون الأفريقي بلفت الانتباه إلى اختلاف الوضع اليوم مع الشعوب الأفريقية التي أدركت ما يحاك ضدها من نهب واستهداف من القوى الكبرى.

ليست جديدة

من جانبه، يرى المحلل السياسي الموريتاني المتخصص في الشأن الأفريقي سلطان البان في تصريح خاص أن جدلية تخلي الدول الأفريقية عن الفرنك ليست جديدة، وسبق لمنظمة "إيكواس" أن وضعت المسألة ضمن أهدافها المستقبلية في 2019، وكانت الشعوب المنطقة تنتظر دخول القرار عام 2020، لكن لم يحدث ذلك.

وأشار سلطان البان إلى اجتماع وزراء الدول الثلاث الخارجية والدفاع والاتصال في واغادوغو لترتيب إطلاق عملة جديدة مع إمكانية إنهاء العملة المعروفة باسم "سيفا" التي تطبعها فرنسا، وإذا نجح هذا الأمر فإن المنظمة ستقدم على الفعل ذاته.

وانطلاقاً من المنطق الفرنسي سيترتب عقوبات لا محالة على الخطوات المنتهجة، لكن نبه البان إلى "الوضع السياسي في أفريقيا المختلف الآن"، إذ إن باريس لا تمتلك الكثير من الأوراق للضغط لتوجيه عقاب ضد منطقة الساحل الأفريقي.

المزيد من تقارير