ملخص
حزب "الجمهوريين" يدعو إلى الاستفتاء على قانون الهجرة في فرنسا
قانون الهجرة يعود إلى الواجهة مرة أخرى، إذ أعلن كل من رئيس حزب "الجمهوريين" إريك سيوتي، وزعيم مجموعة الجمهوريين في مجلس الشيوخ برونو ريتيلو، وزعيم النواب أوليفييه مارليه عزمهم على مواصلة النقاش السياسي حول قانون الهجرة من خلال اللجوء إلى إجراء الاستفتاء التشريعي المشترك، وذلك بعد إلغاء عديد من المواد في القانون من قبل المجلس الدستوري في يناير (كانون الثاني) الماضي. وأكد الحزب في بيان أهمية إعادة إعطاء الكلمة للشعب الفرنسي لكي يتمكنوا من التصويت مباشرة من طريق الاستفتاء.
النجاح المحتمل
نجاح مبادرة الاستفتاء على قانون الهجرة قد يكون محتملاً، ولكنه يواجه تحديات كبيرة، ومن السابق لأوانه الجزم بمدى نجاحها، إذ تتطلب هذه المبادرة خطوات عدة قبل التصويت، بدءاً من جمع دعم الأعضاء في البرلمان وحتى الحصول على موافقة المجلس الدستوري، كما أن عملية الاستفتاء بمبادرة مشتركة، التي جرى تضمينها في الدستور عام 2008، لم تحقق النجاح حتى الآن بسبب صعوبة الشروط.
ويجب أن يبدأ الإجراء بتأييد 185 عضواً في البرلمان، ومن ثم الحصول على موافقة المجلس الدستوري في شهر واحد، وهذا يتطلب تفاوضاً وتواصلاً دبلوماسياً مع أعضاء البرلمان والقادة السياسيين، كما أنه بعد تأييد المجلس الدستوري، يجب على الحزب جمع دعم 195 عضواً في البرلمان، وهو خطوة أولى نحو النجاح.
وأخيراً، يتعين على الحزب جمع دعم يبلغ 10 في المئة من الجسم الانتخابي، وهو ما يقدر بنحو 4.8 مليون ناخب، للتصويت على الاستفتاء، ويجب على اليمين إثبات تأييد الشعب الفرنسي للإجراءات المقترحة من خلال جمع الدعم اللازم للتصويت، وهذه الخطوة الأخيرة تعد أساسية لاستكمال العملية الديمقراطية.
يبدو أن المشروع محفوف بالأخطار، حيث لم يتمكن أي اقتراح برلماني حتى الآن من تنظيم مبادرة شعبية بنجاح، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قبل المناقشات في البرلمان، أطلق الحزب عريضة عبر الإنترنت ضد "الهجرة غير الخاضعة للرقابة"، ولكن لم تجمع سوى ما يزيد قليلاً على 26 ألف توقيع، ويوضح ذلك أنه على رغم وجود تأييد للقضية، فإن جمع الدعم اللازم لإجراء الاستفتاء قد يكون تحدياً.
الجمهوريون مقتنعون أيضاً بأن الاقتراحات الخمس المعتمدة تدخل ضمن نطاق الاستفتاء، معتبرين أنها تندرج ضمن مفهوم الإصلاح المتعلق بالسياسة الاجتماعية للدولة في معنى الفقرة الأولى من المادة 11 من الدستور، ومع ذلك، فإن الإجراء الناجح للاستفتاء بمبادرة مشتركة يتطلب جهوداً إضافية بالفعل، مثل التفاوض مع الأطراف المختلفة وتشجيع المشاركة.
موقف السياسيين
من جهته أوضح أحمد بويسان من "الحزب اليساري" الفرنسي، أن اقتراح حزب "الجمهوريين" لتنظيم "استشارة شعبية" حول الهجرة يعتبر محاولة يائسة للتأثير في قرار المجلس الدستوري الفرنسي، مشيراً إلى أن القانون الذي صدق عليه المجلس لا يزال يحوي تشريعات ظالمة بصورة خاصة ضد طالبي اللجوء.
وأكد اليساري أنه بصفته الشخصية يعارض اقتراح "الاستفتاء" حول الهجرة، معتبراً أنه يهدف إلى التأثير في المكاسب السياسية والديمقراطية التي حققها الشعب الفرنسي.
وأضاف بويسان أنه لا يعتقد أنه سيعتمد هذا الاستفتاء، معتبراً أنه مجرد اقتراح للتأثير في الناخبين في ظل اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، وأشار إلى أن حزب "الجمهوريين"، بزعامة سيوتي، قد انضم ضمنياً وبرنامجياً إلى حزب مارين لوبين "التجمع الوطني".
ولفت اليساري الفرنسي إلى أن من يطلق المبادرة هو الذي يمكنه جني الفوائد السياسية والانتخابية، وأن مبادرة "الجمهوريين" لا تبدو مجدية في الوقت الحالي، بخاصة مع المعارضة التي تواجهها من جانب "الوسط" بزعامة فرنسوا بايرو وجزء من نوابه اليساريين في البرلمان.
ويرى بويسان أن هدف اقتراح الجمهوريين يتبع اليمين المتطرف وأفكاره العنصرية، إذ يقول إن الفكرة الكامنة وراء هذا الاقتراح "عنصرية" تؤيد إقامة كيان وهمي يعتمد على "عرق صافي"، وهذا يتعارض مع تاريخ فرنسا وقيمها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، قال عضو حزب "الحركة الديمقراطية" طارق وهبي "ما يطرحه الجمهوريون بمثابة قرار خلاصي للخروج من قوقعته في انتخابات الرئاسة الفرنسية، فالحزب ذهب بعيداً في أطروحاته بتغيير بنود في الدستور الفرنسي تتعلق بالهجرة والمهاجرين.
ودعا وهبي إلى تذكر أن كل من المكونين الحزبيين كثيراً ما كانا خائفين من الاستفتاء، ولم يعتمدانه في تمرير اتفاق "ماستريتش وساركوزي" أو اتفاقية "لشبونة"، وأكد أن هذا النقاش يعطي بعداً سياسياً مهماً للاستخدام غير الهادف وطنياً للإجراءات الاستفتائية، كما يظهر الطرح الحالي فراغ الأفكار لدى الجمهوريين وسعيهم لاستيراد أفكار اليمين المتطرف لاستقطاب الناخبين الذين فروا من التمييع السياسي.
وأضاف عضو "الحركة الديمقراطية" أنه "يجب ألا ننسى أن القانون الذي تم تمريره جاء بعد الإخفاق الحزبي للرئيس إيمانويل ماكرون، إذ أسقط القانون المقترح قبل إدخاله إلى المناقشة في مجلس النواب، والأمر أكثر من ذلك، حيث اعتمدت النسخة القادمة من مجلس الشيوخ، والتي طبعت بأفكار اليمين التقليدي والجمهوريين الذين يشكلون الغالبية في هذا المجلس، لكن جاءت الصفعة القوية عندما حذف المجلس الدستوري عدداً مهماً من البنود التي وصفت بأنها عنصرية وتتعارض مع الدستور، بعد طلب رئيس الجمهورية مراجعة دستورية هذا القانون."
وسيلة ديمقراطية
وأشار وهبي إلى أن طلب الاستفتاء الآن يعتبر بمثابة القفز فوق الحكومة وآلياتها الدستورية، مما يدل على أن الجمهوريين يحاولون إظهار اهتمامهم بتلك الوسيلة الديمقراطية، ومع ذلك، يظهر من التوقيت والطلب أن هذا السلوك هو ببساطة "خبث سياسي ضعيف وغير مقنع"، والأكثر من ذلك، فإنه ليس هادفاً وطنياً، بل هو ضيق حزبي ويشبه قارب النجاة لهذا الحزب، حيث يسعى إلى تعزيز نفسه وجذب بعض ناخبيه للتماسك، خصوصاً في ظل عدم اليقين في شأن النتائج المتوقعة للانتخابات الأوروبية.
ولمح وهبي إلى أن الرئيس ماكرون والائتلاف الحزبي الذي يشكل غالبية نسبية في مجلس النواب يسعيان لاستكشاف طرق سياسية جديدة تسمح لهم بتمرير القوانين دون التصادم مع الأحزاب الأخرى، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة ستكون أكثر صعوبة بالنسبة لرئيس الحكومة غابرييل أتال، بخاصة مع اقتراب الانتخابات في فرنسا، حيث سيكون عليه تجاوز العقبات.
وأكد عضو "الحركة الديمقراطية" أن القانون الذي أصبح نافذاً بعد القرار الصادر من المجلس الدستوري، سيسمح بتنفيذ إجراءات فورية وموجهة للتصدي لتفاقم القضايا المتعلقة بالعمالة المتخصصة في القطاعات التي تفتقر إلى الأيدي العاملة المحلية الفرنسية، لافتاً إلى أن الأهم في الوقت الحالي هو الاستماع إلى أصحاب الشركات، الذين يشكلون المحرك الأساس للاقتصاد، وضمان التوافق مع التحديات المتعلقة بالعنصرية والخوف في أوروبا بصورة عامة، وليس فقط في فرنسا.
بدوره، أبدى المحلل السياسي مصطفى طوسة، الشكوك في شأن قابلية تطبيق هذه الفكرة على سياسياً، مشيراً إلى أن التنفيذ يتطلب وجود غالبية وإرادة سياسية حقيقية من الغالبية الرئاسية في البرلمان، وهو أمر يعتبر صعب التنبؤ به في الوقت الحالي نظراً إلى المخاوف ماكرون من تحول هذا الاستفتاء ضده.
استغلال سياسي
وأضاف طوسة أن حزب "الجمهوريين" يحاول استغلال هذه الفكرة في الساحة السياسية لجذب الأصوات المتجهة عادة نحو اليمين المتطرف، ويرسل رسالة بأنه يهتم بحماية فرنسا من أخطار الهجرة، موضحاً أن هذا الاقتراح جاء بعد سحب المجلس الدستوري جميع البنود المثيرة للجدل في قانون الهجرة الذي تم تبنيه في البرلمان الفرنسي، مشيراً إلى أن هذه الفكرة هي وسيلة انتخابية للحزب لأنه من الصعب تنفيذ هذا الاستفتاء.
وفي قياس نبض الرأي العام، أجرت شركة "إيلاب" استطلاعاً لصالح قناة "بي أف أم تي" الفرنسية، وأظهر أن 70 في المئة من الفرنسيين الذين شملتهم الاستطلاعات يعبرون عن رضاهم عن مشروع قانون الهجرة، ومن بينهم يرى 43 في المئة أن النص متوازن، بينما يعتقد 73 في المئة منهم أن هذا النص مستوحى من أفكار "التجمع الوطني".
ومع التوتر المتزايد حول هذا القانون، فإن التحديات تبقى مطروحة أمام حكومة ماكرون وغابرييل أتال، ومع اقتراب الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو (حزيران) 2024، سنرى ما إذا كانت الحكومة الفرنسية ستتمكن من تجاوز تحديات ملف الهجرة وسحب البساط من تحت أقدام الجماعات اليمينية المتطرفة أم لا.