وسط تزايد الحديث عن إقالة حكومة نور الدين بدوي والاحتفاظ فقط بنائب وزير الدفاع وتعيين وزير العدل الحالي وزيراً أولاً، صادق مجلس الوزراء برئاسة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، الاثنين التاسع من سبتمبر (أيلول) 2019، على مشروع قانون السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بصفتها هيئة دائمة مستقلة تمارس مهامها من دون تحيز، ويعني ذلك انتقال مشروع تنظيم الرئاسيات وفق آليات قانونية جديدة إلى مرحلة التجسيد. وبإقرار مجلس الوزراء الذي يرأسه رئيس الجمهورية من دون غيره، مشروع القانون، يكون الضوء الأخضر قد مُنح لمكتب البرلمان الجزائري، لبرمجة عملية مناقشة مواد القانون عبر لجنة الشؤون القانونية قبل برمجة جلسة علنية للنواب الـ462 للمناقشة والمصادقة.
نداء للجزائريين
ووجه رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، نداء للجزائريين "للانخراط في المقاربة الرامية إلى تهيئة الظروف من أجل الإسراع في تنظيم انتخابات رئاسية"، مشيداً بجهود "هيئة الحوار والوساطة" التي أعدت مقترحاً قانونياً لسلطة مستقلة تشرف على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقائلاً "ما خلصت إليه الهيئة، يصبّ في مساعي الدولة لتهيئة ظروف تنظيم الانتخابات الرئاسية".
عرض الرئاسة
ولضمان نزاهة الرئاسيات، قدمت رئاسة الجمهورية "عرضاً" للجزائريين مقابل الانخراط في الاستحقاق الانتخابي "في أقرب الآجال"، بكشفها عن المشروع القانوني المؤسس للسلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يخص الصلاحيات العامة للسلطة المستقلة، ستتولى تحضير الانتخابات وتنظيمها وإدارتها والإشراف عليها ورقابتها. وهذه المهام ترافق مسار العملية الانتخابية بدءًا من عملية التسجيل في القوائم الانتخابية ومراجعتها، وصولاً إلى إعلان النتائج الأولية.
ومن صلاحيات هذه السلطة أيضاً بتّ النزاعات الانتخابية وفق التشريع الساري المفعول، إضافة إلى عمليات التصويت والفرز. كذلك، تنسق السلطة المستقلة مع السلطات العمومية المختصة، الإجراءات الأمنية المتعلقة بالعمليات الانتخابية، لضمان سيرها في مكاتب التصويت والفرز ومراكزها.
صلاحيات التدخل
وعلى الورق، منح المشروع صلاحيات واسعة لسلطة الإشراف والتنظيم، ما يعني "عزل" الحكومة نهائياً عن العملية الانتخابية سواء سياسياً أو تقنياً، إذ تتدخل السلطة المستقلة تلقائياً في حال خرقت أحكام القانون المتعلقة بنظام الانتخابات، كما تتلقى كل عريضة أو تبليغ أو احتجاج وارد من الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات أو مترشح أو منتخب.
وبحسب نص التشريع، فإن السلطة المستقلة تمسك بالبطاقة الوطنية للهيئة الناخبة والقوائم البلدية، وتُطلعها على كل جديد بشكل متواصل ودوري. وتهدف هذه المادة، إلى سحب عملية تطهير القوائم من يد الإدارة، بعد الخروقات التي كانت تُسجل، من خلال إبقاء المتوفين في القوائم وعدم شطب المواطنين الذين غيّروا مقر سكنهم لتوظيفها كأرقام لصالح مرشح على حساب آخر.
تمويل الحملات
وفي الشق المتعلق بتمويل الحملات الانتخابية التي أثارت سخطاً كبيراً، في مسألة توظيف المال في السياسة من قبل رجال أعمال انخرطوا في حملة الرئيس السابق وموّلوها بميزانيات ضخمة، يمنح مشروع القانون صلاحية مراقبة تمويل الحملات الانتخابية والسهر على مطابقته للقوانين السارية المفعول.
ويلزم النص القانوني كل مرشح لانتخابات رئاسة الجمهورية أو قائمة المرشحين للانتخابات التشريعية، أن يُعدَّ حساب حملة يتضمن مجموع الإيرادات الحاصل عليها والنفقات الحقيقية ومصدرها وطبيعتها، ويسلم هذا الحساب المقدم من قبل محاسب خبير أو محافظ حسابات، إلى المجلس الدستوري والسلطة المستقلة.
بن صالح ورئيس الأركان في اجتماع واحد
وأفاد مصدر حكومي لـ "اندبندنت عربية" بأن "مجلس الوزراء شهد تقديم نائب وزير الدفاع، رئيس الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، عرضاً "أمنياً" حول الوضع في البلاد وبعضاً من دوافع اقتراح المؤسسة العسكرية، إجراء الرئاسيات قبل نهاية العام. وكان صالح في عرضه الشفهي يشير إلى "ظرف إقليمي يحاول استدراج الجزائر لتعطيل آلية الانتخابات لصالح استمرار الشغور في أعلى هرم السلطة".
وشكّل حضور رئيس الأركان بقبعته السياسية المدنية (نائب وزير الدفاع) رداً على أنباء حول خصومة بين الرجلين، فبلغ الحد بكتابات جزائرية أن تحدثت عن "حجر" على رئيس الدولة في مقر الإقامة الرئاسية، بفعل ما سمته "استفراد" المؤسسة العسكرية بمقترح دعوة الهيئة الناخبة، وهو مسار يؤسس لانتخابات في ظرف الـ 90 يوماً التي تعقبها.
وأكثر من ذلك، وجه بن صالح تحية للمؤسسة العسكرية، ونقل بيان للرئاسة عنه قوله إن "الجيش نجح في مرافقة مطالب الشعب وقيادة الأركان تستحق الثناء لمحافظتها على النهج الدستوري وسير مؤسسات الدولة ومرافقة مسعى العدالة في مكافحة الفساد والحفاظ على الاستقرار"، وختم "لذلك أوجه تحية خاصة للقيادة العليا للجيش وعلى رأسها الفريق أحمد قايد صالح".
يونس... يتقدم ثم يتراجع
وفي سياق تطور الأحداث السياسية في البلاد، سارع رئيس هيئة الحوار والوساطة كريم يونس إلى نفي ما نُقل عنه أن رئيس الدولة يستعد لإقالة حكومة نور الدين بدوي، علماً انه كان قال أولاً إن رئيس الدولة "لم يعارض فكرة رحيل حكومة بدوي، بل لمسنا قبولاً لديه". وكان رحيل الحكومة من بين أهم المقترحات التي قدمتها اللجنة عقب لقائها جمعيات وشخصيات وطنية، إضافةً إلى إنشاء سلطة تنظيم الانتخابات.
لكن يونس عاد في تصريح لاحق مساء الأحد الثامن من سبتمبر، لينفي أن يكون قد صرح بذلك، قائلاً "جددنا أمام رئيس الدولة مطلب ضرورة إقالة حكومة نور الدين بدوي خلال لقائنا به. أجابنا عن كل المطالب، إلاّ في ما يتعلّق بالحكومة، فقد التزم الصمت".
تحية للحكومة
ولعل الخطاب الذي وجهه رئيس الدولة لحكومة بدوي، وفقاً لبيان الرئاسة حول مجلس الوزراء، يأتي ليضع حداً لتسريبات توحي بتغيير حكومي وشيك. فقد نقل البيان عن بن صالح قوله إنه "يحيي الحكومة بقيادة الوزير الأول نور الدين بدوي على الجهود المخلصة التي لاقت صدى طيباً من قبل الشعب، ومكّنت من استمرار الدولة. أذكر هنا جهود الحكومة في المناسبات الخاصة، مثل ضمان التحضير الجيد لشهر رمضان والدخول المدرسي والسهر على سلامة الحجاج".