مواقع ومنحوتات أثرية تحمل ما تحمله من قيم ثقافية ومعمارية وفنية وجمالية، ومنها ما كان مدرجا ضمن لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، تاريخ غائر في الماضي البعيد بات من التاريخ المنسي على يد تنظيم "داعش" الارهابي الذي، عن سابق تصور وتصميم، دمّر هذا التراث الحضاري وحاول أن يقتلع من ذاكرة حضارة هذا الشرق كنوزا لا تقدّ بثمن.
منذ العام 2015 حتى الآن، قام تنظيم داعش بتدمير مواقع ومنحوتات أثرية عدة، تحمل العديد من القيم الثقافية المختلفة من الناحية التاريخية، والأثرية، والمعمارية، وكذلك الفنية والجمالية، والمواقع والمعالم الأثرية التي دمرها "داعش" كلياً أو جزئياً كثيرة وموجعة، من المنارة الحدباء التي بناها نور الدين زنكي، عندما أسس جامعه في القرن السادس الهجري، وجامع النوري أو الجامع الكبير أو جامع النوري الكبير وهو من مساجد العراق التاريخية ويقع في الساحل الأيمن (الغربي) لمدينة الموصل، ومدينة النمرود وهي مدينة أثرية آشورية تقع جنوب شرق الموصل، ويعود تاريخها للقرن الـ13 قبل الميلاد، وكانت تعرف باسم "كلحو"، ومآسي التدمير تتوالى، مرورا بمتحف الموصل، وهو ثاني أهم المتاحف بعد المتحف الوطني في بغداد، ومرقد النبي يونس، وهو من أبرز المعالم في مدينة الموصل، بالإضافة لمكتبة الموصل، و"مرقد الاربعين" وغيرها من المعالم التي لا عدّ ولا حصر لها وكلها تلطّخت بـ"حضارة" داعش...
آثار العراق..بين التدمير والنهب
وقبل طرده من العراق عام 2017، إستولى داعش على آلاف القطع الأثرية، واستخدم النهب لتمويل عملياته من خلال شبكة تهريب امتدت عبر الشرق الأوسط وخارجه، ووسط هذا الهجوم "واسع النطاق" على هذه المعالم الحضارية في العراق، كما وصفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، شرع فريق دولي من الأثريين في عملية بحث بهدف استرداد ما يمكن استرداده منها، وقال برونو ديسلاندس وهو مهندس صيانة في منظمة (يونيسكو) "نحاول استرداد كثير من القطع الأثرية ونحتاج إلى كلّ الموارد المحلية والدولية للعمل، لا يقدر العراق على القيام بهذا بمفرده"، وكان ديسلاندس يتحدث في ورشة عمل في المتحف الوطني ببغداد عقدت لتنسيق الجهود الدولية لاسترداد الآثار.
والجدير ذكره أن "داعش" الذي إستعان بالجرافات والحفارات لتدمير جداريات وتماثيل في مدينة نمرود الآشورية القريبة من الموصل، قام بتهريب وبيع ما لم يتمكن من تدميره، وكان ديسلاندس أول خبير دولي يصل إلى الموقع في مطلع عام 2017 بينما كانت عملية طرد التنظيم ما تزال جارية، وكان عليه هو وفريقه أن يعملا سريعا لتقييم حجم الدمار في الموقع مستخدمين المسح الثلاثي الأبعاد والتصوير بالأقمار الصناعية، وجمعا في دقائق كنزاً من البيانات قالا إنها ستكون مهمة للغاية في اقتفاء أثر القطع المفقودة، وأوضح ديسلاندس "عندما تؤخذ قطعة أثرية، يمكننا توثيق البصمة التي تتركها"، وأضاف "نحن نوثق هذا بدقة شديدة... وبالتالي يمكننا استعادتها... عندما نجد قطعة في أوروبا أو مكان ما تضاهي هذه الخصائص فيمكننا استعادتها... نعم!"
"قمة جبل الجليد"..وتحرير المواقع لا يعني إنتهاء النهب
وشارك في ورشة العمل أفراد من الشرطة العراقية ومن الخارج ومسؤولون بالجمارك وخبراء في الآثار، وكانت الورشة الثانية خلال عامين تنظمها بعثة الاتحاد الأوروبي الاستشارية في العراق، وأشار مسؤولون بسلطات إنفاذ القانون إلى أن بوسعهم مساعدة الشرطة العراقية على اقتفاء أثر القطع المفقودة بالاستعانة بقواعد بيانات عمليات الضبط ومعلومات أخرى بما في ذلك ما يتعلق بممرات التهريب.
وقالت ماريا بولنر المسؤولة بمنظمة الجمارك العالمية إن تقارير مسؤولي الجمارك في أنحاء العالم بشأن عمليات الضبط المتعلقة بالتراث العالمي "ليست سوى قمة جبل الجليد" وإن تحسين التنسيق بين الدول أعضاء المنظمة البالغ عددها 183 ساعد في زيادة عمليات الاسترداد.
"هذه إحدى أكبر مشكلات الجريمة"
وقالت منظمة الجمارك العالمية إن ضباط الجمارك إستردوا عام 2017 أكثر من 14 ألف قطعة منهوبة في أنحاء العالم بينها آثار قديمة ولوحات وتماثيل، بزيادة 48 في المئة عن العام السابق، وأوضح إيكهارد لوفير وهو ضابط شرطة ألماني شارك في ورشة العمل أن العديد من هواة جمع الآثار من القطاع الخاص وبعض المتاحف لا يسأل في العادة عن مصدر القطع الأثرية، وأضاف "هذه إحدى أكبر مشكلات الجريمة".
وفي المحصلة، كان كلام لافت لـ"ديسلاندس" حذّر فيه من أن المواقع الاثرية داخل العراق لا تزال في خطر مضيفا "عندما يتم تحرير موقع، هذا لا يعني انتهاء أعمال النهب".