Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإضراب" الحائر بين التقييد العالمي والحق القانوني

يعد ورقة ضغط للنقابات العمالية في تعزيز قدرتها على التنظيم والمفاوضة وتمثيل أعضائها

تتجدد إضرابات السكك الحددية في بريطانيا من حين لآخر   (أ ف ب)

ملخص

يعد الحق في الإضراب سلاحاً رئيساً للنقابات العمالية في تعزيز قدرتها على التنظيم والمفاوضة الجماعية وتمثيل أعضائها، وغالباً ما كان هذا الحق مقيداً للعاملين في الخدمة العامة والمؤسسات الرسمية والحكومية.

تعدل حكومات كثيرة قوانين الحق في الإضراب الذي كفلته القوانين الوطنية والدولية، وتوصل إليه العمال بعد عشرات العقود من النضال والاحتجاج والنقاش والتوافق مع الحكومات وأصحاب العمل.

 التشديد على الحد من هذا الحق يطاول فئة معينة من الموظفين يسمون "عمال الخدمات الأساسية" أي التي يعني التوقف عن أدائها إلى ضرر عام بسير المؤسسات وبالمواطنين، مثل رجال الشرطة والممرضات والقضاة والأساتذة وعمال القطارات والإطفاء وغيرهم كثر يمكن للحكومات أن توسعها وتضيقها بحسب حاجاتها، ولهذا كان الاعتراض واسعاً في بريطانيا خلال الأسبوع الماضي حين وصفت بعض وسائل الإعلام البريطانية مشروع قانون الإضرابات لحكومة ريشي سوناك الذي تم إقرار قراءته الثانية في البرلمان في الـ16 من يناير (كانون الثاني) الماضي، بأنه يجبر العمال في الخدمات العامة على العمل.

ويسمح القانون الجديد لأصحاب العمل والمؤسسات الحكومية باستدعاء موظفيها إلى العمل في ما يسمى قانون الحد الأدنى للخدمة أي أقل عدد من ساعات العمل الإجبارية ولو في حالة إعلان إضراب، وبات بإمكانها فصل من يرفض الالتحاق منهم ولو كان في حالة نزاع مع رؤسائه أو في حالة إضراب جماعي، ويمكن للمؤسسة مقاضاة نقابة العمال الداعية إلى الإضراب أيضاً.

وزير العمل البريطاني غرانت شابس قال إن منظمة العمل الدولية "تقول إن الحد الأدنى من مستويات الخدمة هي طريقة متناسبة لتحقيق التوازن بين الحق في الإضراب والحاجة إلى حماية الجمهور الأوسع" على رغم انتقاد عدد كبير من الخبراء تفسير وزير العمل لمواد قانون منظمة العمل الدولية بحسب حاجات القانون الذي يريد حزب المحافظين إقراره.

ويعتبر الحق في الإضراب سلاحاً رئيساً للنقابات العمالية في تعزيز قدرتها على التنظيم والمفاوضة الجماعية وتمثيل أعضائها، وغالباً ما كان هذا الحق مقيداً للعاملين في الخدمة العامة والمؤسسات الرسمية والحكومية. إلا أنه كان هناك عدد من التطورات المقلقة في السنوات الأخيرة حيث حاولت الحكومات والمؤسسات تقويض الحق في الإضراب.

في يوليو (تموز) 2018 صوت أعضاء نقابة PCS للخدمات العامة والتجارية في المملكة المتحدة أعلى تصويت بـ"نعم" في تاريخ النقابة لصالح الإضراب وتحقيق مطلب رفع الأجور، ومع ذلك كان التصويت باطلاً بسبب القيود المفروضة على إضراب القطاع العام التي فرضتها حكومة المحافظين من يمين الوسط في عام 2016.

تضييق ومناقشات واتفاقات

تعرف منظمة العمل الدولية الخدمات الأساسية بأنها تلك "التي قد يعرض انقطاع العاملين فيها عن العمل حياة السكان أو جزء منهم، للخطر أو سلامتهم الشخصية أو صحتهم". إلا أن هذه المادة واسعة التفسير وتقوم كل حكومة بتفسير معنى الخطر في مروحة واسعة للأعمال، وهذا ما يرفع من مطالب العمال في كثير من الدول.

في مطلع القرن الحالي قيدت دول عديدة ومنها أوروبية الحق في الإضراب لجميع العمال والموظفين، بل ومنعت تماماً أنواعاً معينة من العمال من الإضراب تحت طائلة الملاحقة القانونية.

وقارنت وسائل الإعلام البريطانية بين القانون الجديد وقوانين العمل الأوروبية فوجدت أن حق الفرنسيين في الإضراب حق فردي، ولا يمكن إقالة العامل أو مقاضاته لهذا السبب، على رغم أن العمال الفرنسيين يتمتعون بأسبوع عمل أقصر.

وفي إيطاليا يتم الاتفاق على الحد الأدنى لساعات العمل في اتفاقات جماعية مع النقابات وليس للحكومة الحق بإقالة أو مقاضاة العامل، وهذا ليس أيضاً من حق صاحب العمل، وفي إسبانيا تسيطر المحكمة الدستورية على جميع القيود المفروضة على الحق في الإضراب. أما في ألمانيا فتبرم النقابات اتفاقات جماعية للحد من ساعات الخدمة الأدنى، وعندما يتعذر التوصل إلى اتفاق يمكن اللجوء للمحكمة.

ولكن هناك دولاً وقعت على الاتفاقية الأوروبية للعمل ما زالت تفرض شروط الحد الأدنى لساعات الخدمة، ففي ألبانيا، على سبيل المثال، لا يحق لموظفي الخدمة المدنية الذين يعملون في الخدمات الأساسية لأنشطة الدولة، بما في ذلك النقل والتلفزيون العام والمياه والغاز والكهرباء وإدارة السجون وإدارة نظام العدالة وخدمات الدفاع الوطني وخدمات الطوارئ الطبية وخدمات الإمداد الغذائي ومراقبة الحركة الجوية الإضراب.

وتقول لجنة من خبراء منظمة العمل الدولية أن هذه ليست خدمات أساسية بالمعنى الدقيق للكلمة، في حين تقول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إن حرمان موظفي الخدمة المدنية ككل من الحق في الإضراب لا يمكن اعتباره متوافقاً مع القانون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للأمم المتحدة وذاك الصادر عن الاتحاد الأوروبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي يونيو (حزيران) 2018 أيضاً، أكد حكم المحكمة الدستورية الألمانية أن موظفي الخدمة المدنية ليس لديهم الحق في الإضراب. واستند الحكم إلى أن موظفي الخدمة المدنية لديهم علاقة ثقة خاصة مع الدولة. واعترضت النقابات الألمانية على الحكم ودعت أيضاً إلى تعزيز حقوق التمثيل والتفاوض لموظفي الخدمة المدنية.

 وعلى مدى السنوات الأخيرة، واجه مئات العمال من الاتحاد العام للعمال الإسباني واتحاد النقابات العمالية الإسبانية التهديد باتخاذ إجراءات قانونية، بما في ذلك أحكام بالسجن لفترات طويلة وغرامات، لمشاركتهم في الإضرابات. في يونيو 2017 حكم على عضوين من نقابة الاتحاد العام للعمال في إسبانيا بعقوبة السجن لمدة تصل إلى سبع سنوات لمشاركتهما في الإضراب العام لعام 2012.

تراجع فعالية الحق في الإضراب

الحق في الإضراب جزء لا يتجزأ من الحق الأساس في حرية تكوين الجمعيات ومعترف به في عديد من القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الاجتماعية وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR) الصادر عن الهيئة العامة لأمم المتحدة، وتقوم منظمة العمل الدولية على دفع الأعضاء فيها إلى الاعتراف بهذا الحق وتطبيق النصوص الوطنية والدولية بهذا الخصوص. وعلى المستوى الأوروبي يعترف ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي بالحق في الإضراب أيضاً، كما أنه معترف به ومحمي بالمثل من قبل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

على رغم أنه من الشائع استبعاد أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والقضاء وضباط الشرطة والسجون من الحق في الإضراب، فإن المنظمات النقابية نجحت في تحدي الحظر الصريح حتى في هذا النوع من الأعمال خلال القرن الـ20 وبعد نضالات طويلة ومناقشات داخل الأطر النقابية والعمالية وبينها وبين أصحاب العمل والبرلمانات داخل الدول. على سبيل المثال، أكدت اللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية التابعة لمجلس أوروبا أن الحظر المطلق على حق قوات الشرطة في الإضراب في إيرلندا يتجاوز الشروط التي حددها الميثاق الاجتماعي الأوروبي. وكانت لجنة الخبراء المعنية بتطبيق الاتفاقات والتوصيات التابعة لمنظمة العمل الدولية قد قررت في إحدى الحالات بأنه يجوز تقييد أو حظر الحق في الإضراب لموظفي الخدمة المدنية الذين يمارسون السلطة باسم الدولة في حال كان لذلك تأثير في الأمن العام أو في حالة الممتلكات العامة والخاصة.

لكن الأمثلة على الحالات التي يحظر فيها على مجموعة أوسع بكثير من العاملين في القطاع العام القيام بإضرابات، كثيرة أيضاً. ففي الجمهوريتين التشيكية والسلوفاكية، على سبيل المثال، يستبعد من الحق في الإضراب العاملون في قطاعات كاملة من الخدمة المدنية، والمرافق العامة، و"المؤسسات الحيوية"، والخدمات الأساسية. وهي تشمل العاملين في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية، إذ يمكن للإضراب أن يعرض حياة الناس أو صحتهم للخطر، والموظفين الذين يشغلون محطات أو معدات الطاقة النووية وعمال الإطفاء والإنقاذ ومراقبي الحركة الجوية وعمال الاتصالات السلكية واللاسلكية، إذ يمكن أن يعرض الإضراب الحياة أو الصحة للخطر أو يلحق الضرر بالممتلكات.

 أما في الدنمارك فتعتبر فئات معينة من موظفي الخدمة المدنية ملزمة علاقة ثقة خاصة ويحظر عليهم الإضراب. وتفرض ألمانيا حظراً عاماً على حق موظفي الخدمة المدنية في الإضراب نتيجة المفاهيم القانونية القديمة التي تشمل اعتبار موظفي الخدمة المدنية واجباً خاصاً بالولاء. وفي تركيا صدر قانون يمنع الموظفين العموميين تماماً من الإضراب في عام 2001.

وتفرض القواعد الإجرائية للدعوة إلى الإضرابات وتنفيذها مزيداً من القيود مع تأثير العاملين في الخدمة العامة خصوصاً. على سبيل المثال في جمهورية مقدونيا فإن الإجراءات القانونية لبدء إضراب في القطاع العام طويلة ومعقدة، إذ يجب على النقابات تسليم خطاب تحذير قبل سبعة أيام في الأقل من اعتزامها الدعوة إلى الإضراب، ثم يجب على الأطراف اقتراح حل للنزاع وإبلاغ العمال والجمهور بالاقتراح، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في غضون 15 يوماً يمكن للنقابة حينها الدعوة إلى الإضراب.

 وفي هولندا، تشكل القواعد الإجرائية واختبار التناسب قيوداً مهمة على العمل الصناعي، وهناك قلق من أن القضاة الهولنديين يتمتعون بنفوذ كبير على ممارسة الحق في الإضراب. وفي تركيا لا يمكن بدء الإضرابات إلا بعد استنفاد المفاوضات ويحدد عدد من البلدان أن الإضرابات يجب أن تكون الملاذ الأخير.

أوروبا والقوانين وحق المطلب

في تحقيق بعنوان "الإضرابات وقوانين الحد الأدنى من الخدمات في أوروبا" أشار باتريك بريون وخديجة زيدي إلى أن الحق في الإضراب والحق العام في حرية التجمع مكفولان بموجب المادة 11 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها جميع الدول الأوروبية، وهذا يشمل الحق في تنظيم النقابات العمالية واتخاذ إجراءات مطلبية.

وأدرجت فرنسا وإيطاليا الحق في الإضراب في دساتيرها الوطنية. وتطورت في معظم البلدان الأوروبية الأحكام القضائية حول تفسير الحق في الإضراب وعلاقته بالحقوق والحريات الأساسية بمرور الوقت. وتمنع بعض الدول الأوروبية أنواعاً من العاملين في القطاع العام من الإضراب تختلف قائمة المهن المشمولة من بلد إلى آخر، ومن بينها القوات المسلحة والشرطة والقضاة. كما تحظر بعض البلدان إضرابات عمال الإطفاء والإنقاذ أو المدعين العامين أو فئات رئيسة معينة من موظفي الخدمة المدنية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير