ملخص
ما وراء قضية اكتشاف أجهزة التنصت في مكتب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية
عاد الحديث يدور مجدداً حول احتمالات "إقالة" أو "استقالة" القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني. وقد جاء ذلك في توقيت مواكب لتفجر قضية الخلافات بين الرئيس فلاديمير زيلينسكي والجنرال زالوجني في أعقاب نشر صحيفة "إيكونوميست" البريطانية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي لحديث الأخير ومقاله اللذين انتقد فيهما سياسات زيلينسكي وحملته ضد الفساد في أوساط المفوضين العسكريين المسؤولين عن مكاتب التجنيد، فضلاً عما وجهه لعملية التعبئة العسكرية العامة من انتقادات.
ولم يمض من الزمن كثير حتى تفجرت قضية اكتشاف أجهزة التنصت في مكتب الجنرال فاليري زالوجني، وما واكبها من تصريحات مضادة، فضلاً عما تناوله الرئيس زيلينسكي من نقد وإدانة في حق نشاط القائد العام للقوات المسلحة في معرض مؤتمره الصحافي في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، مشيراً إلى مسؤوليته عن "النتائج في ساحة الحرب"، إذ قال "هناك تقييمات مختلفة، وبعض الأشياء التي تم حلها لم تنجح في المقدمة. ربما تكون هناك علاقات شخصية صعبة، لكن أوكرانيا لا تتعلق بالأمور الشخصية. أتوقع (من زالوجني) أشياء محددة للغاية في ساحة المعركة. أريد أن أرى التفاصيل".
توقعات حول الإقالة
وراحت كبريات الصحف الغربية، ومنها "واشنطن بوست" الأميركية و"فايننشال تايمز" البريطانية وكذلك الصحف الأوكرانية، ومنها "أوكراينسكايا برافدا"، تلوك أخبار العلاقة بين الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وزالوجني، على وقع ما يتردد في شأن ما يساور الرئيس الأوكراني من قلق حول الإمكانات السياسية للجنرال، ومدى احتمالات ترشحه للرئاسة في أوكرانيا، منذ نشرت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية حديثه، وما توقعته حول رفضه عرض تولي منصب أمين مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا. وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" أشارت إلى لقاء جمعه مع الرئيس زيلينسكي، وجرت خلاله مناقشة مستقبل الجنرال، وحقيقة موقفه من تولي منصب مستشار الحكومة الأوكرانية بعد استقالته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت صحيفة "البرافدا" الأوكرانية نشرت مقالاً قالت فيه إن مكتب الرئيس يدرس إمكانية إقالة زالوجني، وإن زيلينسكي يتواصل مع بعض القادة العسكريين متجاوزاً القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، ولا سيما مع قائد القوات البرية ألكسندر سيرسكي وقائد القوات الجوية نيكولاي أوليشوك. وكان الجنرال زالوجني سبق أن انتقد سياسات زيلينسكي في حديثه الذي أدلي به في نوفمبر الماضي إلى صحيفة "إيكونوميست"، والذي رفده بمقال لاحق قال فيهما "إن الصراع المسلح وصل إلى طريق مسدود، وهناك حاجة إلى قفزة تكنولوجية للخروج منه"، فضلاً عن انتقاده كثيراً من سياسات الرئيس زيلينسكي وتوجهاته.
كما نشرت الصحف والمجلات الغربية كثيراً من المواد والتقارير عن الفساد في الجيش الأوكراني واستقالة وزير الدفاع إلكسي ريزنيكوف، وتراجع الاهتمام العالمي بالصراع مع روسيا، وتزايد مصاعب حصول أوكرانيا على المساعدات المالية والعسكرية، فضلاً عن إشارتها إلى ما وصلت إليه القوات الأوكرانية من جمود في الجبهة، ومحدودية في الموارد. وأشارت "التايم" الأميركية إلى ما خلصت إليه القيادة العسكرية الأوكرانية من استنتاج مفاده "التخلي عن الهجوم"، في إشارة إلى "فشل الهجوم المضاد"، مما يتعارض مع موقف الرئيس زيلينسكي، الذي "في مواجهة مع خيار تجميد الحرب أو خسارتها، لا يرى أي خيار آخر سوى مواصلة القتال في الشتاء وما بعده".
في مكتب زالوجني
وعلى رغم حرص الرئاسة الأوكرانية على دحض كل ما يقال حول استقالة أو إقالة الجنرال زالوجني، فقد تفجرت عقب ذلك قضية العثور على أجهزة تنصت في مكتب الجنرال أثناء التفتيش الروتيني، وهو ما يعتقد أن الأجهزة الخاصة الأوكرانية ثبتتها لجمع أدلة الإدانة. وجرت بعد ذلك عمليات فحص في أماكن أخرى وعثر على أخطاء لدى بعض مرؤوسي القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، بما في ذلك مساعده الشخصي كونستانتين بوشويف. ومن المثير للاهتمام أن المتحدثين الذين يسيطر عليهم الرئيس زيلينسكي حاولوا التنصل من الفضيحة. وهكذا أفاد جهاز الأمن الأوكراني أن "الأخطاء" كانت معطلة، وكان مكتب زالوجني جاهزاً للاستخدام. وشدد جهاز الأمن الأوكراني على أنه "لم يعثر على وسيلة لتخزين المعلومات أو وسيلة لنقل التسجيلات الصوتية عن بعد".
لكن النائبة السابقة لوزير الدفاع الأوكراني آنا ماليار اعترفت بأن الأجهزة الخاصة يمكن أن تقوم بالتنصت على زالوجني بالفعل. وقالت "سأخبركم بتفاصيل العمل مع المناصب المسؤولة. فليس هناك افتراض للثقة، والأجهزة الخاصة ملزمة القيام بواجبها وضرورة التأكد من أن المسؤول لا يضر بأمن الدولة، كما أن العمل في المناصب العليا هو عمل تحت الرقابة المستمرة".
وفي وقت لاحق علق زالوجني على هذه الحادثة بقوله "لدي مواقع عدة أعمل فيها. وهذا ما حدث في واحد منها، لم أكن هناك منذ فترة طويلة، لكننا فحصنا هذا المكان واكتشفنا ما فيه"، مؤكداً أن مرؤوسيه تعرضوا أيضاً للتنصت على مكالماتهم.
وعلى رغم ذلك لم يعر القائد العام للقوات المسلحة اهتماماً كبيراً لهذا الأمر، نظراً إلى وجود ما هو أهم في علاقات القطبين الأوكرانيين.
حول أسباب الخلاف
لقد كان الخلاف مشتعلاً بين القطبين الأوكرانيين لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بتكتيك واستراتيجية العمليات القتالية. وتقول المصادر إن من المعروف أن القائد العام للقوات الأوكرانية عارض عدداً من العمليات الكبرى بما في ذلك الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية، في وقت كانت القيادة السياسية تطالب بالهجوم على المواقع الروسية، وهو ما تناوله زالوجني في حديثه إلى "إيكونوميست" البريطانية بقوله إن الأوضاع على الجبهة وصلت إلى طريق مسدود.
غير أن السبب الأهم قد يتعلق بما توقف عنده مراقبون كثر، ويتلخص في مدى خطورة شعبية زالوجني القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية. وكان معهد "كييف" الدولي للعلوم الاجتماعية أجرى في ديسمبر الماضي دراسة خلصت إلى حصول القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية على ثقة 62 في المئة من المواطنين الأوكرانيين، مقابل 88 في المئة حصل عليها الرئيس زيلينسكي. ووفقاً لاستطلاع أجرته مجموعة التقييم توصل إلى نتيجة مفادها أن زيلينسكي من الممكن أن يحصل على نسبة 47 في المئة من أصوات الناخبين، مقابل 30 في المئة لزالوجني، مما يعني أن الفائز يمكن أن يتحدد في الجولة الثانية من الانتخابات.
وفي دراسة أخرى توصلت الانتخابات البرلمانية الافتراضية إلى حصول الحزب الموالي لزالوجني على الغالبية. ولعل ذلك هو ما يثير القلق والتوتر لدى أنصار زيلينسكي. وثمة من يقول إن شعبية زالوجني تظل السبب الرئيس الذي قد يكون وراء رفض الرئيس زيلينسكي إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر، مارس (آذار) المقبل. ويقول كثير من المراقبين إن مكتب الرئيس يقف وراء تدبير الحملة الواسعة النطاق التي تستهدف تشويه سمعة ومكانة الجنرال زالوجني، في وقت لفتت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية الأنظار إلى أن زيلينسكي وزالوجني توقفا عن الظهور معاً في مكان واحد، في حين ظهر الرئيس زيلينسكي برفقة عديد من الجنرالات خلال زياراته الجبهة في الفترة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، أشار كثر إلى وقوف عضو البرلمان الأوكراني عن الحزب الحاكم "خادم الشعب" ماريانا بيزوغلايا وراء الهجوم ضد الجنرال زالوجني القائد العام للقوات الأوكرانية، بوصفه المسؤول عن سوء تقدير الأوضاع على الجبهة ومطالبتها له بالاستقالة من منصبه. وثمة أنباء تتردد حول أن ممثلي فريق زيلينسكي حاولوا تنسيق استقالة زالوجني مع الأميركيين. ونقلوا عن إلكسي جونشارينكو نائب البرلمان الأوكراني أن وزير الدفاع رستم عمروف شكا من القائد العام خلال اجتماعات في واشنطن في أوائل ديسمبر الماضي، والأنباء تتواتر بما دار في ذلك الحديث عن الهجوم المضاد والمنشورات في الصحافة الغربية. ولم يكشف النائب البرلماني عن مصادره في حين أن ثمة من يقول إن الولايات المتحدة رفضت فكرة تقديم هذه الاستقالة، وإن عمروف دحض بعد عودته من واشنطن مثل هذه التوجهات بقوله "إنه لا يوجد مثل هذا الموضوع. على رغم أنني أعلم أنه يتم الترويج له في الداخل والخارج". كما شارك وزير الدفاع زالوجني الظهور في الاحتفال بيوم القوات البرية، وهو ما جرى نشره على مواقع التواصل الاجتماعي.
مع ذلك، فإن الأنباء تتواتر حول صحة أخبار إقالة الجنرال زالوجني من منصبه، وهو ما تناولته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية التي قامت بترشيح المرشحين المحتملين لمنصب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، إذ أشارت إلى كل من قائد القوات البرية ألكسندر سيرسكي، ورئيس الاستخبارات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية كيريل بودانوف، وهي التوقعات ذاتها التي أشارت إليها شبكة "سي أن أن"، التي أضافت إليها أن "من المتوقع أن يوقع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مرسوماً في شأن استقالة القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني بحلول نهاية هذا الأسبوع".
وكان سيرغي نيكيفوروف المتحدث الرسمي باسم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي نفى في وقت سابق صحة المعلومات حول إقالة زالوجني، وهو الموقف نفسه الذي أعربت عنه وزارة الدفاع الأوكرانية بنفيها لصحة التقارير حول الإقالة.
ومن اللافت أن موسكو تتابع من كثب التقارير التي تشير إلى احتمال استقالة زالوجني. وأشار الناطق الرسمي باسم "الكرملين" دميتري بيسكوف إلى أن ما يحدث في كييف يظهر مرة أخرى عديداً من المشكلات الواضحة على الجانب الأوكراني. وقال بيسكوف "إن نظام كييف لديه كثير من المشكلات، فليس كل شيء على ما يرام هناك. هذا واضح". وكان بيسكوف سبق وأشار إلى "أن فشل الهجوم المضاد الذي شنته القوات المسلحة الأوكرانية أسفر عن تناقضات متزايدة بين القيادة الأوكرانية، ومن المتوقع تزايد هذه التناقضات على خلفية الاستمرار الناجح للعملية العسكرية الروسية الخاصة".