ملخص
في الآونة الأخيرة سيطر نوعان من "الداتا" على سائر أنواعها وهما العسكرية والإلكترونية. فمن لديه الأولى على نحو متقدم يربح الحرب، ومن يستحوذ على الأخيرة يملك أكبر ثروة موجودة في العالم اليوم
يصنف الخبراء المعلومات (الداتا) بأنها نفط القرن الـ21، كما كتب المحلل العسكري في صحيفة "الشرق الأوسط"، فمن دونها لا تدور عجلة حياة الإنسان في الكون برأيه، ولا تواصل من دونها ولا تطور، ومن يملكها يهيمن بالقوة ويربح.
باتت كلمة "الداتا" معروفة للجميع، فيقال داتا الاتصالات أو المعلومات أو العسكرية أو الإنترنت، ولكنها بمعناها الأوسع قد تشمل معلومات الخلية مثلاً، فنحن حين نحارب فيروس يجتاح الجسم البشري ولا يمكن لجهاز المناعة محاربته فلأنه لا يملك "داتا" عن هذا الفيروس فيأتي اللقاح وكأنه يمنح كنوع من البيانات لجهاز المناعة كي يتمكن من محاربة الدخيل القاتل.
ويمكن القول إن النحلة تجمع بيانات واسعة عن مكان عيشها والنباتات التي تنمو فيه والزهور ومصادر الغذاء والأعداء المحيطين، وهذا نوع من "داتا المعلومات"، حتى الأشخاص في المجتمع هم في حالة جمع بيانات دائمة عن كل ما يحيطهم وعن الأشخاص الذين يلتقونهم، فتساعدهم في تحديد الطريقة التي سيتعاملون بها مع هؤلاء الذين يقيمون معهم علاقات اقتصادية أو اجتماعية.
ثروة المستقبل
في الآونة الأخيرة سيطر نوعان من المعلومات على سائر أنواعها، وهما العسكرية والإلكترونية. فمن لديه الأولى على نحو متقدم يربح الحرب، ومن يستحوذ على الأخيرة يملك أكبر ثروة موجودة في العالم اليوم، فـ"داتا وسائل التواصل" مثلاً، تمكن مالكها من التأثير في الرأي العام وتوجيهه سواء سياسياً أو فكرياً أو إنتاجياً عبر تقديم ما يلائم المستهلكين من معلومات يحتاجونها حول ما سيستهلكونه من طعام أو من أدوات.
وبسبب أهمية هذين النوعين من المعلومات في المرحلة الحالية أقامت الحكومة أقساماً في جيوشها ومؤسساتها تعنى بجمع هذه المعلومات وسميت بالجيوش الإلكترونية، وهذه الجيوش تجمع المعلومات المناسبة حول العدو أو المنافس أو الصديق حتى، وتقوم أيضاً بالتشويش عليه عبر بث معلومات خاطئة وتحاربه أيضاً بواسطة هذه المعلومات إذا ما كانت تكشف نقاط ضعفه. يقال إن الجيوش الإلكترونية في عصرنا الراهن باتت في قوة الجيوش العسكرية المسلحة، بل وأقوى وذات نتائج أكثر فعالية، فلو تمكن الجيش الإلكتروني من قرصنة موقع لوزارة الدفاع أو لجيش آخر، فإنها قد تحقق فيه خسائر أكبر بكثير مما قد تفعل القذائف والصواريخ وحاملات الطائرات. فالجيش الإلكتروني يمكنه تعطيل حاملة طائرات برمتها أو برنامجاً نووياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من يملك الداتا يملك القدرة على اتخاذ القرارات، وفي المجتمعات البشرية فإن "الداتا" مجموع تراكم التجارب الإنسانية، وكل ما تركه الإنسان منذ اكتشف الكتابة، ولهذا فإن علماء التاريخ يقسمون الزمن إلى حقبة ما قبل التاريخ (أي ما قبل الكتابة) وحقبة الحضارة الإنسانية التي ابتدأت بالكتابة، واكتشاف الكتابة كان بداية جمع الداتا الإنسانية تلك التي تنير درب المعرفة في ما يتعلق بتطور الإنسان نفسه.
و"الداتا" تتطور بنفسها طالما يتم جمعها، ولكن الجمع وحده لا يكفي لاستخدامها، بل يجب فرزها وتحليلها، وعن الفرز والتحليل تنتج أخرى جديدة وهكذا دواليك. هناك سباق كبير بين الدول لجمع وتحليل البيانات، وبات الأمر أشبه بسباق التسلح التقليدي، خصوصاً أن حرب المعلومات تلعب الآن وستواصل دوراً حاسماً في الحروب المقبلة.
حرب المعلومات
"الداتا الحربية" تتمظهر في مستويات الحرب المختلفة أي المستوى الاستراتيجي والتكتيكي، وتتداخل هذه الأنواع من "الداتا" بعضها مع بعض في أثناء الحرب، مثلاً تجمع المسيرة بيانات عن حقل المعركة في أثناء طيرانها، وتنقل بدورها إلى التحليل واتخاذ القرار العسكري، ونتيجة هذا القرار العسكري ومساهمته في كسب الحرب يتأثر القرار السياسي العام والعلاقات بين الدول المتحاربة أو المتنافسة. ولا يتوقف دورها هنا، إذ هي بعد ذلك ضرورية لقياس النجاح بعد تنفيذ العملية، ومقياسه معلومات أخرى جديدة عن الأضرار التي لحقت بالهدف، والتي بدورها تسهم في تحسين أداء السلاح وتعديله بمواصفات وابتكار ما هو أفضل منه.
الداتا التكنولوجية
محررو الموسوعة البريطانية سجلوا أن مصطلح البيانات الضخمة في التكنولوجيا ظهر منتصف تسعينيات القرن العشرين ومن المحتمل أن صياغته قد تمت من قبل "دوغ ماشي" كبير العلماء في الشركة المصنعة لمحطات العمل الأميركي، ويشير هذا المصطلح إلى حجم البيانات الضخم والسرعة في إنتاجها وتحليلها ومن ثم إلى أنواع هذه البيانات واختلافاتها والفئات التي يجب أن تصنف فيها.
في عام 1999 تم إنتاج ما يقدر بنحو 1.5 إكسابايت (1 إكسابايت = 1 مليار غيغابايت) من البيانات في جميع أنحاء العالم. في عام 2020، ارتفع هذا الرقم إلى ما يقدر بـ64 زيتابايت (1 زيتابايت = 1.000 إكسابايت).
في وقتنا الراهن تستخدم كل مؤسسة تقريباً البيانات الضخمة. فتستخدم شركات الترفيه والإنتاج الغذائي وشركات الاتصالات والبث البيانات التي ينشئها المستهلكون لتحديد الأغنية أو الفيديو الذي قد يرغب مستهلك معين في رؤيته بعد ذلك أو حتى لتحديد نوع الفيلم أو المسلسل التلفزيوني الذي يجب على الشركات إنتاجه.
وتعتمد البنوك على البيانات الضخمة للعثور على الأنماط التي يمكن أن تشير إلى الاحتيال أو الأشخاص الذين قد يشكلون أخطاراً ائتمانية. ويستخدم المصنعون البيانات الضخمة لاكتشاف الأعطال في عملية الإنتاج وتجنب عمليات الإغلاق المكلفة من خلال إيجاد أفضل وقت لصيانة المعدات. ويتطلب تخزين كميات كبيرة من البيانات استثماراً كبيراً في المعدات. وتستخدم المباني المتخصصة التي تسمى مراكز البيانات من قبل شركات مثل Google و Amazon و Microsoft لتخزين البيانات، وتتطلب أكبر مراكز البيانات مليارات الليترات من المياه سنوياً للحفاظ على برودة المباني. وتصبح مشكلات تحليل البيانات الأساسية مثل ضمان دقة البيانات واكتمالها أكثر صعوبة مع نمو كمية البيانات. كما أن أمن البيانات ضروري بخاصة عندما تحتوي البيانات على معلومات حساسة عن الأفراد وعاداتهم.
أما عبارة "قاعدة البيانات" فتشير إلى مجموعة من البيانات أو المعلومات التي يتم تنظيمها خصيصاً للبحث السريع واسترجاعها بواسطة الكمبيوتر. يتم تنظيم قواعد البيانات لتسهيل تخزين البيانات واسترجاعها وتعديلها وحذفها بالتزامن مع عمليات معالجة البيانات المختلفة. وتميل المؤسسات التجارية الكبيرة وغيرها من المنظمات إلى إنشاء العديد من الملفات المستقلة التي تحتوي على بيانات مترابطة بل ومتداخلة، وكثيراً ما تتطلب أنشطة تجهيز البيانات الخاصة بها ربط البيانات من عدة ملفات. تم تطوير عدة أنواع مختلفة من نظم إدارة قواعد البيانات لدعم هذه المتطلبات: مسطحة، هرمية، شبكية.
أما عبارة "تحليل البيانات" فهي تشير إلى عملية جمع البيانات وتنظيفها وتحويلها ووصفها ونمذجتها وتفسيرها بشكل منهجي باستخدام التقنيات الإحصائية بشكل عام. وتحليل البيانات جزء مهم من البحث العلمي والأعمال التجارية، حيث نما الطلب خلال السنوات الأخيرة على اتخاذ القرارات القائمة على البيانات. وغالباً ما يتجاوز تحليل البيانات التحليل الوصفي إلى التحليل التنبئي، حيث يقوم بالتنبؤ حول المستقبل باستخدام تقنيات النمذجة التنبؤية. وقد يتضمن التحليل التنبئي اكتشاف أنماط مثيرة للاهتمام أو مفيدة في كميات كبيرة من المعلومات.