Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبول ضعيف لخطاب رئيس وزراء فرنسا أمام الجمعية الوطنية

أظهر استطلاع رأي أن 58 في المئة لم يقتنعوا بحديثه على رغم الموافقة على إجراءاته وأدائه المبشر

رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال يلقي خطابه أمام الجمعية الوطنية  (أ ف ب)

ملخص

خطاب رئيس الوزراء الفرنسي أمام الجمعية الوطنية... الرؤية السياسية وتقييم الأحزاب

شكلت مهمة رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال تحدياً كبيراً عندما ألقى خطابه أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، إذ كشف عن خطوط سياسته العامة في زمن تشهد فيه الشوارع الفرنسية احتجاجات واسعة واندفاعاً سياسياً لا مثيل له.

وكان على أتال أن يقدم رؤيته السياسية بقوة وإقناع لينال استحسان الرأي العام، إذ يعتبر هذا الحدث حاسماً في مسار السياسة الفرنسية ويتيح الفرصة لتوضيح الأولويات الحكومية والتوجهات السياسية في ظل الظروف الراهنة المعقدة، وقد استقرئ هذا الخطاب بعناية من قبل الأحزاب السياسية "اليمينية" و"اليسارية"، وسعى كل منها إلى تقييم فعالية الخطاب في إقناع وتعبئة الرأي العام.

وفي خطابه أمام البرلمان تطرق رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال إلى محاور عدة ومنها العمل والبيئة والصحة وأوروبا كقوة تمثل هوية فرنسا، مؤكداً تعزيز سيادة البلاد في الجوانب الاقتصادية والزراعية والرقمية والنووية، مع وعود بإعادة تقييم العمل وضمان عيش كريم للطبقة المتوسطة، كما تعهد بتعزيز الأمن الداخلي وحماية الحدود ومضاعفة موازنة الدفاع، إضافة إلى أنه في مجال الصحة سيركز على تسوية أوضاع الأطباء الأجانب وتوفير الأطباء اللازمين للبلاد، مع وعد بجعل الزراعة استثناء وطنياً ومواصلة الجهود لمواجهة تحديات التغير المناخي وتقليص الاحتباس الحراري.

تحليل خطاب

وأكد المحلل السياسي مصطفى طوسه أن إعلان السياسية العامة الذي ألقاه غابرييل أتال استقبل بنوع من الارتياح في صفوف "اليمين التقليدي"، نظراً إلى اقتباسه كثيراً من الأفكار والإجراءات من منطلق "اليمين" و"الوسط"، ومن بين هذه الإجراءات الأساس إعادة الحديث عن السلطة الحكومية، إذ يجب أن تدار بها كل القضايا الأساس في فرنسا مما يشير إلى مفهوم اللجوء إلى السلطة، وهو شيء كانت الغالبية الرأسية تفتقده خلال الولاية الأولى لإيمانويل ماكرون.

وفي تعليقه على سياسة أتال قال المحلل السياسي "عندما قدم خطته السياسية ومجموعة من المبادرات في خطابه العام، أصبح من الواضح أنه اقترب من التيار ’اليميني التقليدي‘ أكثر من أي وقت مضى، وانتقد بعض المحللين السياسيين خطاب أتال ونهجه السياسي الذي قدمه للفرنسيين، إذ اعتبروا أنه يتبع خطى نيكولا ساركوزي المعروف بأنه رجل يميني يسعى جاهداً إلى ممارسة السلطة السياسية بجميع أشكالها لضمان عدم وقوع أية انزلاقات أمنية".

وأضاف طوسه أن "التحدث عن مقاربة ساركوزية في خطاب غابرييل أتال يميز هذه الخطة السياسية مما يوفر لنا دليلاً على أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال فترة ولايته الثانية الباقية يسعى إلى إعادة مفهوم السلطة في جوانب الإدارة والسياسة الحكومية".

ويرى طوسه أن الانتقادات التي يتعرض لها إيمانويل ماكرون وغابرييل أتال من "اليسار" و"حركة الخضر" أمر طبيعي، إذ تعتبران أن المسار الذي اتخذته الحكومة الفرنسية يمثل خيبة أمل من ماكرون، وبخاصة مع النظر إلى الدور الرئيس الذي لعبه "اليسار" في منع مارين لوبان، مرشحة "اليمين المتطرف"، من الوصول إلى القصر الرئاسي، وكانوا يتوقعون أن يظل ماكرون ملتزماً بتلك القيم اليسارية بعد فوزه بولاية ثانية.

أفكار وإجراءات

وفي تحليله للمشهد السياسي في فرنسا يرى مصطفى طوسه أن غابرييل أتال يواجه تحديات كبيرة بوصفه رئيس الحكومة الحالي في البلاد، وفي الوقت ذاته يتولى منصب زعيم الغالبية ويقود الحملات الانتخابية الأوروبية المقبلة، ويؤمن بأن كل الخطوات والإجراءات التي سيتخذها تهدف في الأساس إلى منع "اليمين المتطرف" بزعامة مارين لوبان من تحقيق نجاح كبير خلال الانتخابات الأوروبية المنتظرة.

وعبّر المحلل السياسي عن رأيه الشخصي في خطاب رئيس الوزراء الفرنسي مشيراً إلى أنه "يبدو واضحاً في كلمات أتال أنه يعتمد على أفكار سياسية جديدة ومقترحات مختلفة عما قدمته الحكومة السابقة بقيادة اليزابت بورن، فعندما يتحدث عن خروج فرنسا من البيروقراطية ورفع الأجور واتخاذ تدابير أمنية لحماية المواطنين الفرنسيين، يبدي الانطباع بأنه يسعى إلى الانضمام لخطة عملية تهدف إلى تغيير واقع الفرنسيين".

ويطرح طوسه سؤالاً حاسماً قائلاً "بأي غالبية رئاسية يمكن لغابرييل ترجمة هذه الأفكار والإجراءات إلى قوانين ومشاريع إصلاحية في البرلمان؟"، لافتاً إلى أنه "لا يتمتع بأية غالبية رئاسية مطلقة، وبالتالي يجد نفسه مضطراً في كل خطوة مهمة إلى البحث عن تحالفات حزبية خارج الغالبية الرئاسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواصل، "لا أحد يتوقع أن تسارع القوى المنتقدة لغابرييل أتال إلى دعمه على المستوى البرلماني ومنحه غالبية مطلقة، وفي هذا السياق يواجه صعوبات وانتقادات من ’الوسط‘ بزعامة فرانسوا بيرو، وكذلك من ’اليمين التقليدي‘ بزعامة الكسوتي، وهو يظهر هنا تحدياً كبيراً أمام أتال، لكن كيف يمكن لرئيس الوزراء أن يمرر قوانينه من دون اللجوء إلى المادة (49)؟ وكيف يمكن أن يأتي بمقاربة مختلفة عن إدارة إليزابيث بورن في الولاية الثانية؟".

ويوضح الباحث في الشؤون الأوروبية والعلاقات الدولية طارق وهبي أن "خطاب أتال كان عبارة عن نسخة جديدة لما قاله ماكرون خلال مؤتمره الصحافي قبل ثلاثة أسابيع"، عاداً أن غابريال "يخوض معركة جديدة ضمن هذا الخطاب، إذ يرغب في استحصال بعض الأصوات من ’الوسط‘ ويريد أن يبين أن الائتلاف الحاكم الذي يترأسه قادر على إقرار القوانين من دون اللجوء إلى المادة (49) في الدستور".

وفي اعتقاد طارق وهبي أن خطاب رئيس الوزراء لم يحظ بإعجاب الأحزاب، خصوصاً أنه كان يتهجم على "اليمين المتطرف" باعتبار ما يقدمه هذا الحزب في المجلس النيابي عبارة عن شعبوية.

ويرى الباحث في الشؤون الأوروبية والعلاقات الدولية أن رئيس الوزراء ذهب في خطابه نحو سياسة "اليمين التقليدي"، مؤكداً الثقافة الفرنسية، وهذا ما تدعو إليه مارين لوبان في خطاباتها.

ويشير وهبي إلى أن "ما يرغب فيه غابرييل أتال هو اعتماد خطط سياسية محكمة لضمان عدم فقدان فريق ماكرون مواقعهم في الاتحاد الأوروبي خلال الانتخابات، كما يحاول أتال أيضاً منح بعض القوانين صلاحيات لاستيعابها من دون اللجوء إلى المادة (49) من الدستور"، وهذا الخطاب مهم نوعاً ما في بعض الإجراءات مثل "قانون نهاية الحياة"، ومهم على الصعيد الوطني، وهناك من يدعو إلى ذلك، وفق طارق وهبي الذي أضاف، "فيما يخص ملف الزراعة فلا شك في أن برنامجه الزراعي الذي دعا إليه لا يخلو من الأهمية، فقد دعا إلى تطوير وتخفيف البيروقراطيات داخل إطار السياسات الزراعية التي تأتي من أوروبا والحكومة".

ردود فعل مختلطة

وتقول نتائج استطلاع أجرته شركة "أودوكسا- باكبون الفرنسية للاستشارات" لصحيفة "لوفيغارو" إن 58 في المئة من الفرنسيين لم يقتنعوا بخطاب رئيس الوزراء.

ويظهر الاستطلاع أن غابرييل أتال يتمتع بأداء أفضل من سابقيه، إذ حصد خطابه معدل إعجاب أعلى بـ 20 نقطة مقارنة بخطاب إليزابيث بورن عام 2022، وبفارق 14 نقطة عن خطاب إدوار فيليب منذ ما يقارب ثمانية أعوام، ومع ذلك فقد نجح في إقناع 41 في المئة فقط من هذا الجمهور الكبير، أي أقل بـ 10 نقاط من نسبة إقناع إدوار فيليب وإليزابيث بورن، وكانت نسبة إقناعهما تبلغ 51 في المئة بعد إعلان السياسة العامة.

وتشير الأرقام إلى أن الغالبية العظمى من أنصار حزب "العمال" (87 في المئة) اعتبروا رئيس الوزراء مقنعاً بالشكل نفسه الذي اعتبره 58 في المئة من الناخبين "الجمهوريين".

وفي المقابل أعلن ناخبو "التجمع الوطني" أنهم غير راضين بنسبة 78 في المئة عن هذا الخطاب، ومن المثير للاهتمام أن الغالبية العظمى (73 في المئة) من الفرنسيين يوافقون على الإجراءات الرئيسة الست التي أُعلنت أمام الجمعية الوطنية.

كما يفيد الاستطلاع بأن غابرييل أتال يتمتع بصورة جيدة بين الفرنسيين، إذ يصفه 75 في المئة منهم بأنه "ديناميكي"، و66 في المئة بأنه "متعاطف"، و64 في المئة بأنه "منفتح على الحوار".

ومع ذلك يعبر 64 في المئة منهم عن شكوكهم في قدرته على الوقوف في وجه إيمانويل ماكرون، ففي ما يتعلق بالأزمة الزراعية الحالية فإن 72 في المئة من الفرنسيين لا يعتقدون أن إعلانات رئيس الوزراء ستحل الصراع، وحتى الأكثرية الضئيلة (56 في المئة) من مؤيدي حزب "النهضة" يرون أنه لن ينهي الصراع، وهو ما يقل بصورة طفيفة عن نسبة الشكوك لدى دعاة حماية البيئة و"الجمهوريين" بنسبة 61 في المئة.

تحديات ماكرون وأتال

ويبقى التحدي الأساس والسؤال المطروح اليوم هو ما إذا كان إيمانويل ماكرون وحليفه الشاب غابرييل أتال سينجحان في إقناع الفرنسيين بصحة برنامجهما السياسي، وهل سيكونان قادرين على تقديم حلول وإجراءات سياسية تمنع المواطنين الفرنسيين من اللجوء إلى اليمين المتطرف خلال الانتخابات الأوروبية المقبلة، وهذا هو السؤال المحوري الذي يتعين عليهم مواجهته، وسيتطلب ذلك جهداً مشتركاً وإستراتيجيات مدروسة لاستعادة ثقة الجمهور وتحقيق أهدافهم السياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير