Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المبادرة الأوروبية في حرب غزة ومزيد من الشحوب الأوروبي

واصلت دول قليلة موقفها شديد الانحياز لإسرائيل

عندما بدأت الحرب الأخيرة في غزة اتخذت غالبية الدول الأوروبية موقفاً شديد الانحياز لإسرائيل (أ ب)

ملخص

المجر كانت الطرف الأوروبي الوحيد المتشكك أو غير المتحمس في دعم أوكرانيا

عندما انهار الاتحاد السوفياتي وخرجت الولايات المتحدة كالقطب الواحد المهيمن على النظام الدولي، خرجت طروحات بأن هذا النظام قد يتغير تدريجاً تجاه احتمال ظهور أقطاب أخرى في مقدّمها الاتحاد الأوروبي، وكانت هناك تصورات تدور حول قوتين أخريين، وهما اليابان وألمانيا، ولكن ما حدث بعد عقد من الزمن أن بدأت الأنظار تتجه نحو الصين وبوادر حسابات جديدة، ربما كنت قد عرضت لها في مقالات سابقة، وفى مقابل هذا، فإن ما حدث هو تراجع وشحوب أوروبي متزايد وضعف تأثير واضح في إدارة التفاعلات الدولية، وفى الحقيقة أنه ما من حدث أو أزمة دولية إلا ويتأكد فيها هذا التراجع الملحوظ .

المبادرة الجديدة في خلفية انقسام أوروبي

عندما بدأت الحرب الأخيرة في غزة اتخذت غالبية الدول الأوروبية موقفاً شديد الانحياز لإسرائيل ومن دون تقدير لخلفيات النزاع ودوافع التطور الأخير، وبالمخالفة حتى لكثير من المواقف الأوروبية السابقة التي كانت تنتقد السياسات الإسرائيلية، بل وبالمخالفة لتحذير بعض هذه المواقف من أثر التطرف الإسرائيلي على ردود الفعل الفلسطينية.

ولكن مع تصاعد قتل المدنيين وتدمير غزة، بدأت بعض المواقف الأوروبية في التحول التدريجي وبشكل خاص إسبانيا وبلجيكا، والأخيرة تعتبر من أكثر الدول الأوروبية انتقاداً لإسرائيل إلى حدّ اشتراكها في تبني مبادرة جنوب أفريقيا لمحاكمة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، وبدأت مجموعة أخرى من الدول في الدعوة إلى وقف إطلاق النار ووقف الحرب.

فبينما واصلت دول قليلة موقفها شديد الانحياز لإسرائيل وتأييدها موقف عدم وقف الحرب حتى تحقق إسرائيل أهدافها، وهى التشيك والنمسا وحتى ألمانيا، واصلت فرنسا ترددها مع ميل لوقف الحرب، وفى النهاية، انعكس كل هذا في نمط تصويت المجلس البرلماني الأوروبي الذي، على رغم حسم غالبيته للموقف لمصلحة إصدار قرار بوقف الحرب، إلا أن القرار عكس عمق الانقسام الأوروبي، والذى ظهر أيضاً في الموقف من انتهاكات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية إلى حدّ العجز عن اتخاذ قرار مشترك مشابه للقرار الأميركي بفرض عقوبات عليهم، واضطرت فرنسا المرتبكة والمترددة لاتخاذ هذا القرار منفردة .

في ظل هذه الخلفية، خرج مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل بما سماه خطة سلام ووقف الحرب في غزة، وهى في الحقيقة ليست إلا مجموعة من الأفكار العامة والخطوط العريضة التي يصعب وصفها بخطة متكاملة وتتضمن، إضافة لوقف الحرب، ما سمته عناصر أساسية للسلام الشامل بناء على قرارات الأمم المتحدة وجهود الوساطة والتشاور مع أطراف النزاع في كل خطوة، ومواصلة الخطة حتى لو توقفت الحرب بالتوازي مع العمل لتخفيف الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وتأييد إطلاق المحتجزين الإسرائيليين، ومنع التصعيد الإقليمي، وتعزيز الشرعية الديمقراطية للسلطة الفلسطينية، ودعم إعادة إعمار غزة، وأن يكون ذلك بهدف إقامة سلام شامل مبني على دولة فلسطينية مستقلة من خلال مؤتمر تحضيري للسلام بمشاركة الأطراف المعنية، وتتضمن الخطة ضمانات أمنية قوية لإسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة .

ومن الواضح، مما سبق، أن الخطة تفتقر إلى عناصر محددة وتكاد تعيد عموميات وتجارب سابقة لسلام الشرق الأوسط، ولا تستند لآليات محددة لتنفيذ هذه الخطة غير الواضحة، ولكن صعوبات الخطة أكبر حتى من ثغرات تكوينها وتمتد إلى عجز الطرف الذي أصدرها.

المظاهر الأخرى لتراجع التماسك الأوروبي

وليست حرب غزة وحدها ما يعكس الانقسام الأوروبي المتزايد، فالمشهد تجاه الحرب الأوكرانية يتحول بشكل تدريجي تجاه تراجع وحدة الموقف التي شابت الأمر منذ بداية الحرب، ولأكثر من عام، على رغم أن هذا التماسك كان في ذاته يعكس الهامشية والسير خلف واشنطن، وعدم وجود مواقف مستقلة ولا محاولات للعب أدوار حقيقية لمحاولة احتواء الحرب أو وقف توسعها، فالوضع الراهن تكاد تنفرد فيه ألمانيا بموقف قوي داعم عسكرياً وسياسياً لأوكرانيا، وهى عموماً الطرف الثاني بعد الولايات المتحدة في تقديم الأسلحة والدعم المادي لكييف في هذه الحرب والتي تتصاعد منها اللغة الأقرب لواشنطن في هذا الصدد .

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمفارقة أن المجر كانت الطرف الأوروبي الوحيد المتشكك أو غير المتحمس في دعم أوكرانيا، إلا أن الأرقام الفعلية للمساعدات الأوروبية الراهنة تكشف مدى هزالة هذه المساعدات في الإجمالي الكلي مما تتلقاه أوكرانيا، وأن أرقام الدعم الأوروبية في تراجع مستمر في ضوء أسباب عدة، على رأسها الشعور بعدم الجدوى في تحمل أعباء وضغوط اقتصادية وسياسية في معركة خاسرة، وأظن، أيضاً، شعوراً غير متبلور بجدوى السير في سياسات تابعة لواشنطن في ما يتعلق بمصالح هذه الشعوب والدول في الأجل الطويل، فضلاً عن تساؤلات في كثير من الأوساط الأوروبية عن تأثير الفساد في أوكرانيا، وعن المصير الفعلي لهذه المساعدات في ضوء تواتر معلومات مؤكدة عن حالات فساد وإساءة استعمال بعض هذه المساعدات.

لماذا تعسرت الطموحات

من يذكر ما كان يكتب عن النموذج الأوروبي منذ مسيرته الأولى ثم انطلاقه من السوق الأوروبية المشتركة إلى الاتحاد الأوروبي مروراً بالتوسع الكبير، والذى تم بشكل خاص في أعقاب انهيار الكتلة الشرقية وانضمام كثير من دول أوروبا الشرقية والوسطى للاتحاد الأوروبي، ربما ينظر، بقدر من الاندهاش، إلى المشهد الأوروبي الراهن وكيف يتزايد العجز الأوروبي عن تطوير سياسة خارجية مشتركة، بل يبدو متراجعاً عبر السنوات الأخيرة، فوحدها أوكرانيا من تمكّن من توحيد هذه الدول لفترة معقولة نسبياً ولكن في الواقع، أن هذا التوحد نفسه لم يكن يعكس القوة بقدر ما كان يعكس التبعية والضعف إزاء الحليف الأميركي الأقوى، وفى الحقيقة، القصة تعود إلى ما قبل ذلك، وبشكل خاص، يمكن تلخيصها في عدد من الأبعاد الرئيسة التي تفسّر هذا التراجع المستمر .

أول هذه الأبعاد أو العناوين هو التوسعة الكبيرة في الاتحاد، وانضمام عدد كبير من الدول بمستويات نمو سياسي واقتصادي واجتماعي متباينة، وتكلفة متزايدة على أعضاء الاتحاد الأصلية الغنية، وهنا، أي كيان يتسع بهذا الشكل الكبير حتى يصل إلى 27 دولة مستقلة ذات سيادة يتحول إلى كيان هشّ ويصعب تحقيق التوافق داخله.

البعد الثاني هو عدم القدرة على خلق سياسة مستقلة حقيقية عن الولايات المتحدة، وبالأساس بسبب عدم تطوير سياسة دفاعية ذاتية، وإنما مواصلة الاعتماد على الحليف الأميركي دفاعياً، والتخلي عن قاعدة أساسية في استقلالية السياسة الخارجية بهذا الصدد، وهى القدرة على حماية الأمن القومي، وعدم تطوير بديل حقيقي ممثلاً في سياسات تعاون واحتواء للعدو المحتمل، وهو روسيا في منظومة واحدة مترابطة اقتصادياً وسياسياً، وهنا يقول البعض إن روسيا هي من لم تكن تتجاوب، وفى الحقيقة، أن هذا ليس دقيقاً، فالمشكلة هي في تذبذب السياسات التي طبقها الاتحاد تجاه روسيا لاستيعاب الأخطار العسكرية والسياسية المحتملة .

البعد الثالث هو عبء انضمام وخروج بريطانيا، ولمن يريد أن يتذكر كان شارل ديغول غير متحمس لانضمام بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة مدركاً روابطها الخاصة بالولايات المتحدة، ومدركاً أيضاً، بعمق، أن طريق قيام كيان أوروبي مؤثر يقتضي تبني رؤية سياسية مستقلة بقدر ما، وهو البعد سابق الذكر، وحافظت فرنسا بقدر من هذا التوجه لعقود، ولكن انضمام بريطانيا لاحقاً كلّف الاتحاد مواقف سياسية مرتبكة، ثم تكلّف، مرة أخرى، بخروجها، وتكلفة هذا الاقتصادية والسياسية.

وأخيراً، معضلة تراجع وجود قوة مركزية رئيسة كانت في البداية ممثلة في القيادة الألمانية - الفرنسية التي تعرضت لتحديات في منتصف الطريق بانضمام بريطانيا، ثم أكثر عمقاً بتراجع فرنسا ذاتها، والتنافسات والحساسيات التاريخية مع دول كإيطاليا مثلاً في التنافس حول ليبيا، وعموماً تراجع مكانة فرنسا، بشكل عام، انعكس بصورة كبيرة في تراجع القيادة المشتركة وصعوبة السيطرة على عدد أكبر من الدول.

من كل هذا، يمكن تفهم التراجع الملحوظ في الحضور والمكانة الأوروبية ويتبدّى تراجع نفوذها، مجتمعة وفرادى، في مناطق عدة من العالم بخاصة أفريقيا والشرق الأوسط، فإن تأتي بمبادرة، وهي لا تملك أدوات التأثير في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وفى ظل جهود من الأطراف الفاعلة، وهي الولايات المتحدة ومصر، واليوم، قطر بدور بارز، يبدو هذا التحرك وكأنه مجرد بديل اتخاذ موقف أوروبي موحد تجاه هذه الحرب، كان أدعى وسيضيف للضغوط على إسرائيل، ولينضم إلى طروحات ومشروعات أوروبية جماعية وفردية عدة تجاه الشرق الأوسط وأفريقيا، فشلت خلال السنوات الأخيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل