يعتبرها الكثيرون شخصية مثيرة للجدل في شخصيتها كما في أفلامها، خاضت تجربة التقديم، كما حاولت خوض تجربة الإخراج التلفزيوني ولكنها لم توفّق. إيناس الدغيدي المبتعدة منذ سنوات طويلة عن الإخراج السينمائي، تحدثت عن الأسباب قائلة "ابتعادي سببه ظروف السوق المصرية لأن الدول العربية في معظمها لا تشتري أفلاماً مصرية نتيجة المشاكل التي تعاني منها. التسويق ليس جيداً وهو يعتمد على السوق الداخلية فقط، والمسيطرة حالياً، هي أفلام الكوميديا والحركة، والموزعون والمنتجون يقولون إن الأفلام الاجتماعية ليست مطلوبة في هذه المرحلة، وأنا أجد أن هذا الكلام غير صحيح بل هم يرفضون المجازفة، وتوجد بين يدي أفلام ولكن موضوعاتها حساسة والمنتجون لا يريدون مشاكل".
إنتاج وخسارة
وعن سبب إحجامها عن الإنتاج لنفسها، أوضحت "أنا توليت إنتاج فيلميّ الأخيرين لكنني تكبّدت الخسارة، بسبب مشاكل التوزيع، عدا عن أن الأفلام أصبحت تُعرض على "اليوتيوب" ولم تعد تُباع، مشاكل السينما كثيرة، والمجهود يضيع في الخلافات والمشاكل أكثر من صناعة الفيلم نفسه". وعما إذا كانت تشعر بالندم لأنها تعمل في هذا المجال، أجابت "على الإطلاق. أنا أحب عملي كثيراً وأخرجت أفلاماً جميلة، وحصلت على شهرتي من ورائها. كل تاريخي صنعته في السينما وأنا أحبها جداً ولم أعمل فيها مرغمة، وعملي المقبل يجب أن يكون أهم وأفضل من الأعمال التي قدمتها سابقاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكيف تتوقع أن يكون الحلّ لعودتها كمخرجة في ظل كل تلك المشاكل، تقول "أنا ابتعدت خلال الفترة الماضية عن الإخراج، ولكنني لم أبتعد عن المجال الفني، من خلال تقديم مجموعة من البرامج التلفزيونية التي عبّرت من خلالها عن آرائي وأفكاري. إلى ذلك، يوجد لديّ مسلسلان لم يتم تصويرهما لأسباب إنتاجية، كما أن هناك أيضاً فيلم "الصمت"، ولكنني أنتظر لكي أعرف كيف ستؤول إليه الأمور، لأنني لا أريد أن أخسر مادياً. صحيح أنني أملك شركة إنتاج، ولكنها ليست ضخمة ولا يمكن أن أنتج أكثر من فيلم دفعة واحدة. لا بد من أن يكون هناك حلّ ما، خصوصاً مع انفتاح السوق السعودية على السينما والأفلام. إخراج المسلسلات لا يدخل في إطار تخصصي، ولا أرغب بالإقدام على خطوة مماثلة، بل أفضل إخراج الأفلام لأنني أحبه".
مشاهد جريئة
وعن موقفها من اتجاه المخرجين العالميين نحو التلفزيون بسبب الطلب عليه ولأن القضايا التي تطرحها الدراما التلفزيونية أكثر عمقاً وجرأة، أجابت الدغيدي "التلفزيون تحّده مواصفات معينة، كونه يستقطب كل الشرائح العمرية، ومهما طرحت الدراما التلفزيونية قضايا جريئة، تبقى جرعة الحرية في السينما أكبر على مستوى الأفكار والتعابير والمشاهد، لأنها ليست موجودة في بيوت كل الناس بل هم يقصدونها. فيلمي الجديد "الصمت" يدور موضوعه حول قضية "زنا المحارم" وهي قضية عالمية، لكن المنتجين يخافون من إنتاجه لأنهم يعتبرون أن موضوعه حساس جداً، مع أنه لا يتضمن أي مشاهد جريئة، بل يتناول طريقة عيش بعض الأشخاص الذين مروا بمثل هذه التجربة، لكنهم لا يقتنعون بكلامي ويعتبرون أن مجرد ارتباطه بإسمي يمكن أن يسبب لهم وجع الرأس ويبدو أن اسمي يخيفهم".
التمسك بالمبدأ
وهل تعتبر الدغيدي أن الألقاب التي ترافق اسمها كالمخرجة المثيرة للجدل أو المخرجة الجريئة تلحق بها وبأعمالها الأذى؟ ردّت "لست أنا من صنع هذه الألقاب، وهي لا تمثل واقع أفلامي. أنا قدمت أفكاراً في أفلامي وطرحتها بجرأة، ولكن هناك من لا يعجبه ذلك بل يريد أفكاراً خفيفة وبسيطة وسطحية".
وعن سبب تمنعها عن إخراج أفلام أخرى بأفكار مختلفة مقبولة إنتاجاً وتوزيعاً، أوضحت "من يتمسك بمبدأ معين يفكر به ويدافع عنه، فإنه يعمل من أجله. أنا أعمل من أجل اسمي ومكانتي ويمكن أن أعمل من دون مقابل من أجل الارتقاء بهما أكثر. لا أريد أفلاماً لا أضع فكري فيها، لأنني لا أعمل من أجل المال، والحمد لله يمكنني أن أنتج وأن أصرف على نفسي، ولا أريد أفلاماً تجعلني أحيد عن مبدأي".
ولأن هناك أفكاراً جريئة أخرى غير تلك التي تطرحها في فيلمها، قالت "بصراحة، هم يخافون من جيلنا ويفضلون التعامل مع الجيل الشاب لأنهم يتحكمون به. للأسف لم يعد هناك دور للمخرج، والممثل القوي لم يكن موجوداً. كل المخرجين الذين هم من جيلي وكان لهم "ثقل" في السوق يجلسون حالياً في بيوتهم، لأنهم لا يريدون مخرجين يملكون شخصية قوية بل يفضلون عليهم مخرجين يتحكم بهم منتجو الأفلام وأبطالهم".
تقليد السينما الأميركية
وهل تقصد أن هناك جيلاً فنياً انكفأ بأكمله؟ تجيب "المخرجون الموجودون على الساحة حالياً هم "الأولاد الصُغيّرون" الذين يحاولون إثبات وجودهم، والذين تتحكم بهم السوق على مستوى الوقت والأفكار والنجوم. لا يمكن أن أخرج فيلماً، يطلب مني منتجه إنهاءه خلال ثلاثة أسابيع وبميزانية لا تتجاوز ثلاثة ملايين جنيه. معظم الأفلام التي تنتج حالياً أفلام "أكشن" و"خناقات" ومشاكل وهي بعيدة عن مجتمعنا وعن المجتمع العربي، وأنا لا أشاهد عندما أسير في الشارع أناساً يمسكون مسدسات ويطلقون النار على بعضهم. هم يحاولون تقليد السينما الأميركية".
وعن وضع الدراما المصرية وسبب تراجعها، قالت الدغيدي "مصر سيطرت لفترة طويلة على السوق الدرامية، وفي رمضان الماضي تابعت مسلسلات سورية ولبنانية وخليجية، ولاحظت أنها أصبحت منافسة قوية للمسلسلات المصرية ولفتني مسلسل "خمسة ونص". أضافت "مشكلة المسلسلات المصرية أن ميزانيتها محدودة جداً وكل هدف صناعها جمع المال. المخرجون يباشرون التصوير وبين أيديهم حلقتان فقط من أصل 35 حلقة، ونحن غير معتادين أبداً على مثل هذا الأمر. كيف يمكن للمخرج أن يعمل ولا توجد أوراق بين يديه ولا يعرف ما هي أحداث الحلقة المقبلة. كل ما يقدم حالياً لا علاقة له بالفن".
وعن مصير مسلسل "عصر الحريم" الذي كان يفترض أن تتولى إخراجه، أوضحت "العمل تاريخي ويتناول موضوعه نضال المرأة من أجل الحصول على حريتها، ولكنه لم يُنتج لأن تكلفته المادية عالية جداً".
تراجع وتدهور
هل تتوقع الدغيدي أن يستمرّ الفن في تدهوره وتراجعه؟ تجيب "عندما كنت شابة ودخلت مجال الإخراج كان هناك رضوان الكاشف وعاطف الطيّب، ومن الجيل الذي قبلنا كان أشرف زكي وعلي عبد الخالق، وكما كان هناك أيضاً هنري بركات وصلاح أبو سيف، وكنا نعمل معاً الجيل الكبير والجيل الوسط وجيل الشباب، بينما اليوم، فمن يعمل هم جيل الشباب فقط، وهم مخرجو فيديو وأغان وإعلانات وليسوا مخرجي دراما بل اعتدوا على المهنة. أنا تعلمت من الجيلين الوسط والكبير، أما اليوم فلا دور للمخرج بل حتى أن دوره غير محترم، وأنا لا يمكنني أن أتواجد في مثل هذه الأجواء التي أصبح فيها المال هو الهدف الرئيسي ويعمل كل شيء. نحن جيل لم نكن نهتم للفلوس. أنا حزينة لأنني لا أعمل ولكنني لن أرمي بنفسي وأقول لأحد أريد أن أعمل، لأنني مخرجة ومنتجة في آن معاً، ومن يعملون حالياً أسماء غير معروفة لا خبرة لديها ولا تجربة".
الدغيدي تعيش مرحلة سلام مع نفسها كما تقول، وتمضي وقتها بين القراءة والسفر ومشاهدة الأفلام والاجتماع بالأصدقاء.