Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتخلى أوكرانيا عن بعض مناطقها مقابل عضويتها في الاتحاد الأوروبي؟

المفاوضات بين موسكو وكييف يمكن أن تكون أهم أحداث عام 2024

كل ما يدور في شأن احتمالات المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا يظل في إطار التكهنات (أ ف ب)

ملخص

"فقدان شبه جزيرة القرم ودونباس قد يكون الثمن الذي يجب أن تدفعه كييف مقابل عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي"

مع بداية العام الجديد يقف العالم حائراً أمام مختلف التوقعات حول مستقبل أوكرانيا ونتيجة الصراع القائم بينها وبين روسيا. لكن الواضح والمؤكد ألا أحد يستطيع بعد الكشف عما يمكن أن يؤول إليه هذا الصراع الذي يقترب من دخول عامه الثالث من دون أن تلوح له نهاية، وإن كانت الشواهد تقول إن الأوضاع لن تعود إلى ما كانت عليه قبل بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا. وها هو ذا الجانب الروسي يكشف عن بعض ما يرومه من أهداف تقول في مجملها إن أوكرانيا في سبيلها إلى التقسيم، وهو ما تشير إليه كثير من تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين، ومنها ما قاله حول أن أوديسا الواقعة على ضفاف البحر الأسود، "مدينة روسية"، وذلك ما يجب التوقف عنده بكثير من الاهتمام لما له من أبعاد جيوسياسية.

أوديسا مدينة روسية!

لم يكن غريباً أن يؤكد الرئيس بوتين في حواره المباشر مع مواطنيه في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن أوديسا مدينة روسية. قال بوتين "على رغم وقوع المأساة، فإن الروس والأوكرانيين شعب واحد، وبذلك يكون ما يجري اليوم أشبه بالحرب الأهلية". ومضى الرئيس الروسي قائلاً "إن الجنوب الشرقي من الأراضي الأوكرانية كان دوماً ناطقاً بالروسية ولا علاقة تربط بين شبه جزيرة القرم، وكل منطقة البحر الأسود بأوكرانيا، كذلك فإن المواجهة الروسية - التركية أسفرت عن تحول كل منطقة البحر الأسود بأكملها إلى روسيا. فما علاقة أوكرانيا بذلك؟". وخلص إلى القول "لقد اخترعوا كل أنواع الادعاءات التاريخية". ومن منظور ما قاله عميد الدبلوماسية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر حول "الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ"، "نقول إن ما صدر عن بوتين من استنتاجات لا يمكن إلا أن نتوقف عنده بكثير من الاهتمام"، وذلك ما فعله ضابط الاستخبارات الأميركية السابق سكوت ريتر في حديث له مع قناة "يوتيوب" بما أعلنه من توقعات حول "أن أوديسا ونيكولاييف (جنوب غربي أوكرانيا)، وخاركيف وهي العاصمة التاريخية لأوكرانيا (في الشمال على مسافة 40 كيلومتراً من الحدود الجنوبية لروسيا)، إلى جانب دنيبروبيتروفسك (في الجنوب الشرقي)، ستصبح مع نهاية الصراع بين روسيا وأوكرانيا جزءاً من روسيا".

وكان الحديث يدور "على استحياء" منذ بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا" حول ضرورة "عودة" أو "استعادة" أوديسا، ونيكولايف، إلى "أحضان الوطن الأم"، وكان تركيز الإعلام الروسي واضحاً على إدانة كل تصرفات السلطات الأوكرانية التي دأبت منذ تولي الرئيس الأوكراني السابق بيتر بوروشينكو، على إزالة كل النصب التذكارية والتماثيل المقامة في أوكرانيا للرموز الروسية التاريخية، ومنها تمثال الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية في أوديسا في ذكرى الانتصار التاريخي الذي حققته الإمبراطورية الروسية معها على القوات التركية في القرم عام 1774. ولعل نظرة سريعة على خريطة المنطقة تبدو كافية لاستجلاء أبعاد الإشارة إلى أن "أوديسا مدينة روسية"، واستيضاح المعنى الجيوسياسي لما قاله بوتين حول أوديسا، وهو ما أكده ضابط الاستخبارات الأميركي السابق سكوت ريتر في استعراضه لما ستكون عليه خريطة أوكرانيا مع نهاية الصراع القائم.

"الملل" يحدد ملامح أوكرانيا

وبعيداً من التوقعات حول ما قد يحمله عام 2024، وسرد ما يتنبأ به المعلقون والمنجمون، نتوقف عند ما يتبدى من سخط واستياء من جانب كثير من زعماء الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يبدو انعكاساً لما هي عليه حال نواب الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، بعد أن حالوا دون اعتماد المخصصات المالية التي طلبتها الإدارة الأميركية لدعم كل من أوكرانيا وإسرائيل في نهاية العام الماضي. وقد جاء كل ذلك في توقيت مواكب لما يجري في الداخل الأوكراني من صراعات وخلافات، وعلى وقع تراجع حملات التعبئة العامة وتصاعد شكوى الجنود الأوكرانيين على الجبهة من النقص الحاد في الذخيرة والأسلحة، وما أدركهم من إرهاق وتعب بسبب غياب البدلاء الذين يمكن أن يحلوا محلهم. وقد بلغ الأمر حد تصاعد الشكوى من "عدم فعالية القيادات، وإعلان أن الأوضاع تتطلب حلولاً عاجلة، بما يمكن معه مواجهة ما تملكه القوات الروسية من مخزون لا ينضب من الذخيرة والقذائف، فضلاً عن تفوقها العددي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونقلت المصادر الروسية عن المؤرخ والكاتب البريطاني أوين ماثيوز ما كتبه في عموده في مجلة The Spectator الأسبوعية، حول ما يجري من تطورات على صعيد الأزمة الأوكرانية، وأن المشكلة التي تواجه السياسيين الغربيين هي أنه وبغض النظر عن مدى معاناة روسيا بسبب العقوبات والعواقب الأخرى للصراع في أوكرانيا، فإن غياب الهزيمة يعني انتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان أوين ماثيوز أشار أيضاً إلى أن "الرئيس الأميركي جو بايدن فشل في تعبئة ما يكفي من الإرادة السياسية، إما لجعل أوكرانيا حرباً عالمية من أجل الديمقراطية، أو لتحويل الغرب إلى ترسانة لأوكرانيا"، مشيراً إلى أن "مصير الصراع لن يتقرر في كييف، ولكن في واشنطن". ومن اللافت أن الكاتب البريطاني انضم إلى كثير ممن رصدوا ملامح الخلاف الجاري حول قبول بعض القيادات الأوكرانية بضرورة عدم التوقف عند "تقسيم أوكرانيا"، بوصفه الأمر الواقع "على رغم أن هذه الحقيقة غير معترف بها علناً في واشنطن وبروكسل". وقال إنه على رغم الرغبة التي أعلنتها القيادة الأوكرانية في استعادة جميع الأراضي المفقودة، فإنه بالكاد يمكن تحقيق ذلك بالوسائل العسكرية بسبب الخسائر التي يمكن أن تكون محفوفة بهذه المحاولة، وبسبب مقاومة سكان المناطق التي تم توحيدها مع روسيا"، وتوقف ماثيوز عند ما قاله المستشار السابق لمدير مكتب الرئيس الأوكراني أليكسي أريستوفيتش، الذي اعترف بأن فقدان شبه جزيرة القرم ودونباس قد يكون الثمن الذي يجب أن تدفعه أوكرانيا مقابل عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ونقل عن عضو سابق رفيع المستوى في حكومة زيلينسكي، يفكر في الانضمام إلى المعارضة، بشرط عدم الكشف عن هويته: "يحتاج دونباس إلى بتره كطرف متأثر بالغرغرينا".

احتمالات المفاوضات الروسية - الأوكرانية

على رغم أن الجانب الأوكراني كشف أكثر من مرة عن موقفه من المفاوضات التي ربط بين موافقته عليها بموافقة الجانب الروسي على القبول بما يطرحه الرئيس زيلينسكي من شروط أهمها عودة روسيا إلى حدود 1991، فقد أشارت مجلة "فوربس" الأميركية إلى أن المفاوضات بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا يمكن أن تكون أهم أحداث عام 2024. وقالت المجلة إنها "تبني توقعاتها على ما جمعته المجلة من أهم 10 مفاوضات يمكن أن تتم عام 2024، وذلك لأن الصراع الروسي - الأوكراني يؤثر في الاقتصاد العالمي بأكمله"، على حد قول المجلة الأميركية. وكانت "فوربس" نشرت توقعاتها حول احتمالات المفاوضات الروسية - الأوكرانية، في وقت مواكب لما نقلته مجلة "بوليتيكو" الأميركية عن السفير الأميركي السابق لدى حلف شمال الأطلسي إيفو دالدر، حول هزيمة أوكرانيا في النصف الأول من عام 2024، على خلفية التغيرات السياسية في الولايات المتحدة. وقد عزا السفير الأميركي السابق توقعاته إلى "أن أوروبا ليست لديها احتياطات وقدرة إنتاجية لتعويض نقص الأسلحة"، في وقت تعتمد فيه أوكرانيا بالدرجة الأولى على خط الاتصال بشكل مباشر مع الولايات المتحدة. ونقلت صحيفة "أزفيستيا" الروسية، عن صحيفة "ذا نيشن" الأميركية، ما كتبته حول "أن انتصار كييف غير مرجح، لذلك يجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية حمل الرئيس الأوكراني زيلينسكي على الجلوس إلى مائدة المفاوضات". وكان النائب الأول لمساعد رئيس الولايات المتحدة للأمن القومي جوناثان فاينر، ذكر في ديسمبر الماضي "أن واشنطن تعتزم ضمان أن روسيا ستتفاوض على الصراع الأوكراني بشروط مواتية لأوكرانيا في نهاية عام 2024"، وهو ما سارع الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بالرد عليه قائلاً "إن مثل هذه النوايا غير واقعية على الإطلاق". كل ما يدور في شأن احتمالات المفاوضات يظل في إطار التكهنات، في وقت يدرك فيه الجانب الأوكراني أن التخلي رسمياً عن محاولات استعادة ما ضمته روسيا من أراض "أوكرانية" سيعني نهاية الحياة المهنية لأي رئيس أوكراني! ولعل ذلك ما قد يكون تفسيراً لما يضعه الرئيس الأوكراني زيلينسكي من شروط "تعجيزية"، يعلم سلفاً أن الجانب الروسي لن يقبل بها، وذلك في وقت تطرح فيه موسكو استعدادها للمحادثات، لكن شرط قبول الجانب الأوكراني "بالأمر الواقع"، وانطلاقاً من "التغيرات الموجودة على الأرض". ومن هذا المنظور يستعيد كثر ما اعترف به المستشار السابق لرئيس مكتب رئيس أوكرانيا ألكسي أريستوفستش في أغسطس (آب) من العام الماضي، حول "أن فقدان شبه جزيرة القرم ودونباس قد يكون الثمن الذي يجب أن تدفعه أوكرانيا مقابل عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي" كما سبق أن أشرنا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير