Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سقطت المعارضة العراقية في الفخ الأميركي؟

تكشف وثائق بريطانية عن أن التيارات السياسية التي تصدرت المشهد عام 1993 استهدفت الدولة العراقية لا تغيير النظام عبر الدعم الأجنبي وهذا ما فعلته واشنطن مع حزب المؤتمر الوطني ورئيسه

وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت مع زعماء المعارضة العراقية في واشنطن مايو 1999 (أ ف ب)

في الحلقة السابقة التي أجابت عن: كيف تقبل المجتمع الدولي المعارضة العراقية عام 1993؟ كان واضحاً أن مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والجنرال حسن النقيب، ولأسباب شخصية كانا مترددين في زيارة الكويت نيابة عن المؤتمر الوطني العراقي عام 1993.

لكن وثيقة بريطانية أخرى تكشف عن السبب الحقيقي وراء ترددهما في الذهاب إلى الكويت، وهو عدم ثقتهما بالإدارة المالية والسياسية لرئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الشلبي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية.

فساد مالي وإداري

يقول الدبلوماسي البريطاني المخضرم جي ووكر في وثيقة، "أخبرني صباح الكاظم أن الجنرال النقيب ليس قلقاً بخصوص زيارة الكويت خوفاً على سمعته داخل العراق، بل لأنه وببساطة لا يرغب في الذهاب في زيارة لجمع التبرعات لأحمد الشلبي. ربما لاحظتم اهتمام أحمد عند الإشارة غير المتعمدة إلى الجنرال خلال مكالمته، أشك في أن يكون الشلبي استشار الآخرين في شأن إنشاء الإدارة المالية للمؤتمر الوطني العراقي".

 

وتتحدث الوثيقة، وهي عبارة عن تقرير سري لمقابلة أجراها جي ووكر من قسم البحوث وتحليل المعلومات في دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية وشؤون الكومنولث البريطانية مع أحد أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو محسن دزاي، عن ظهور ملامح الفساد المالي والإداري لدى رئيس المؤتمر الوطني العراقي، أحمد الشلبي في تلك المرحلة. أجريت المقابلة في الـ25 من حزيران (يونيو) 1993.

تقول الوثيقة "كان طارق عزيز يقول إنه لا توجد معارضة حقيقية في العراق، لكن كان هناك الأكراد طالباني وبارزاني، وكان هناك حزب الدعوة الذي كانت لديه قوات كبيرة في الجنوب. ويبدو أن محسن يرى أن المؤتمر الوطني العراقي يفتقر إلى الإدارة المناسبة حتى الآن، وأن أحمد الشلبي يبدو أنه يتلاعب بكل شيء، من دون كثير من التشاور، ولم يكن أحد يعرف كم من المال كان لديه. إذا لم يرغب الأميركيون في أن يعرف أحد، فلا بأس بذلك، لكن في الأقل يجب أن تكون هناك إدارة مناسبة لأي أموال أخرى تصل إلى (المؤتمر الوطني العراقي)".

خلافات جوهرية داخل المؤتمر

لم تكن قضية النزاهة والشفافية في إدارة "المؤتمر الوطني العراقي" وسعي القيادات الحزبية إلى تحقيق مكاسب شخصية، هي القضية الوحيدة التي تشير إلى وجود خلافات جوهرية داخل "المؤتمر الوطني العراقي" آنذاك، إذ كانت هناك خلافات أخرى أكثر خطورة على الدولة العراقية ومستقبلها، إذ أغلب التيارات السياسية التي تصدرت المشهد لم تكن مدعومة من دول أجنبية معادية للنظام العراقي فحسب، بل التيارات نفسها كانت تتبنى أيديولوجيات خطرة تستهدف الدولة العراقية بدل تغيير النظام السياسي في بغداد.

وحول طبيعة المعارضة العراقية وأهدافها تذكر الوثيقة، "نظراً إلى طبيعة المعارضة في المنفى مع وجود متسع من الحرية لانتقاد الآخرين، والأفراد الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب شخصية من خلال نشاطهم، والاختلافات الأيديولوجية وما إلى ذلك، إضافة إلى الضغوط المفروضة على الفصائل المختلفة من الممولين الخارجيين، لا يمكننا أن نتوقع أبداً أن هناك معارضة موحدة ومتجانسة".

 

وتركز الوثيقة على "المؤتمر الوطني"، مؤكدة أنه "أفضل مظلة لدينا، لكنه يفسح المجال لاتهامات الهيمنة من الأكراد والشيعة، على رغم أن محمد بحر العلوم، بالمقارنة مع باقر الحكيم، على رغم ترويضه، لا يتمتع إلا بمتابعة سياسية قليلة نسبياً".

وعلى رغم وصف الوثيقة "المؤتمر الوطني" بأنه الأفضل، فإنها تتطرق إلى جوانب ضعفه، لأنه "ائتلاف من فصائل وأعضاء مختلفين، وأن عديداً من مسؤوليه جرى اختيارهم في أروقة صلاح الدين بدلاً من انتخابهم، وأن عديداً منهم، على سبيل المثال أحمد الشلبي، لا يتمتع بسمعة طيبة في ما يتعلق بالنزاهة".

وتذهب الوثيقة إلى شخص أحمد الشلبي بوصفه معارضاً والدعم الذي تلقاه، مشيرة إلى أن "الأميركيين يمولون أحمد، هناك حركات خارج المؤتمر الوطني العراقي أو داخله لديها تحفظات على سيطرته على المعارضة، نحن بحاجة إلى البقاء على اتصال معها، ومن بين هؤلاء الإسلاميون وتنظيمات الأكراد والملكيون والقوميون والشيعة المتمركزون في طهران، الذين نحتاج إلى البقاء على اتصال معهم".

الوفاق الوطني العراقي ورهانه على الداخل

في الـ23 من أبريل (نيسان) 1993، ومن محضر مقابلة أجراها السير مايكل بيرتون مع إياد علاوي وصلاح الشيخلي من الوفاق الوطني العراقي يبدو أن قيادة "الوفاق" كانت تميز ما بين عملية إسقاط الدولة العراقية وإسقاط النظام السياسي العراقي، وكذلك فإن قيادة المؤتمر كانت تتبنى فلسفة سياسية ورؤية مختلفة عن بقية تيارات المعارضة العراقية.

ويرصد محضر المقابلة أن "السير مايكل رحب بزائريه وسألهم عن إينا (الاسم المختصر للوفاق الوطني العراقي). وأوضح إياد أن الائتلاف الوطني العراقي كان موجوداً في المؤتمر الوطني العراقي منذ بدايته، وحضر مؤتمري فيينا وصلاح الدين، ويعتقد أنه مظلة جيدة للمعارضة. لكن كانت هناك حاجة إلى تحرك داخل العراق بشكل منفصل من الوفاق، الذي تمكن أعضاؤه، كأعضاء سابقين في حزب البعث والحكومة، من إعادة علاقاتهم مع الأعضاء الحاليين داخل البلاد".

 

ويضيف المحضر، "كانت قاعدتهم (الوفاق) في شمال العراق وأجنحة عسكرية ومدنية. وفي الجناح العسكري كان الجنرال نوري، الذي أسس القوات الخاصة العراقية في السبعينيات، هو المسؤول. وفي الجانب المدني كان الأعضاء السابقون في الحكومة والحزب مسؤولين".

ويكشف المحضر عن الرؤية التي يتبناها الوفاق "لم يكن يؤمن بهجمات الكر والفر وحرب العصابات كما يتبناها الإسلاميون في الجنوب، لقد أرادوا جعل المؤسسة العراقية تنقلب ضد صدام، وكانوا يحاولون إقناع جماعات المعارضة بقبول أن التغيير سيأتي من داخل العراق. وكان لديهم تشكيلة أعضاء متنوعة من الشيعة والسنة والمسيحيين والعرب والأكراد والتركمان. لقد أسسوا حركتهم في أغسطس (آب) 1990".

وسأل السير مايكل عن علاقة الوفاق مع التيارات الرئيسة الأخرى في المعارضة، فأجاب إياد أن الوفاق "كان لديه تفاهم وتنسيق وثيق مع مسعود (قوات الدفاع الكردستانية) على الأرض وتنسيق سياسي مع جلال (الاتحاد الوطني الكردستاني). وكان مسؤولاً عن تنظيمات الجناح العسكري، مع الجماعات الإسلامية كانت هناك علاقة جيدة مع محمد باقر الحكيم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، لكن ليس كثيراً مع حزب الدعوة والجماعات الأخرى. مشكلة الجماعات الإسلامية هي أنهم كانوا تحت ضغط إيران وليسوا طليقين".

وبحسب المحضر فإن إياد قال إن التفاهم بين الأطراف داخل المؤتمر الوطني العراقي "يتحسن يوماً بعد يوم، وكانت هذه المناقشات ثنائية وجرت في لندن وأوروبا وداخل العراق".

وأبدى السير مايكل تفهمه بأنه "يجب اتخاذ إجراء داخل العراق للتخلص من صدام، وإن هذا سيحتاج إلى جهد منسق هائل. لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، لكن كيف يمكن أن تعمل؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يكشف المحضر عن أن إياد علاوي قال إن "فصائل المعارضة متنوعة، وكان بعضها نشطاً، وبعضها مفيد أكاديمياً ومفيد لعملية الديمقراطية، وبعضها الآخر لم يكن له أية علاقة بالتغيير في العراق. ومع تقدمهم في المؤتمر الوطني العراقي يجب على المجموعات النشطة والفعالة المتفقة على ضرورة تنسيق جهودها داخل العراق وفق خطة محددة غير معلنة لجميع أعضاء المؤتمر الوطني العراقي. ويؤمن الوفاق ومسعود والنقيب بهذه الفكرة، وأن الآخرين سيلعبون أدواراً مهمة للغاية في مرحلة ما بعد تغيير النظام في ما يتعلق بالعمل والفلسفة السياسية".

أما الإسلاميون فقال علاوي إنهم "لا يمكن لهم أن يكونوا في البنية الأساسية. كان المؤتمر الوطني العراقي تشكيلاً سياسياً تشكل في الخارج، وليس له امتداد داخل العراق. وكانت الوفاق باشرت بعد غزو الكويت بمحاولة جعل العسكريين في العراق يفهمون أنهم بحاجة إلى التخلص من صدام والانشقاق منعاً لاستهدافهم من التحالف. ولقد نجحوا تقريباً. والآن أصبحوا ضامنين لنحو ربع مليون من أعضاء حزب البعث، فإذا جرت الإطاحة بالنظام، فإنهم سيتمكنون من البقاء على قيد الحياة".

واتفق علاوي مع السير مايكل على أن هذا الأمر "قد يقلق غير البعثيين داخل العراق، لكنه قال إن جميع أعضاء الوفاق كانوا منذ فترة طويلة خارج النظام البعثي في المعارضة، وتعرض عديد منهم للهجوم من النظام. وأوضح صلاح أن برزان كتب إلى الوفاق يقترح إجراء حوار. وأوضح أن المؤتمر الوطني العراقي كان مهماً في إبقاء المسألة العراقية حية على المستوى الدولي، وفي طمأنة من هم في الداخل بأنه سيكون هناك دعم دولي لمعارضة صدام".

ما بعد سقوط النظام

وتستشرف الوثيقة البريطانية الأحداث الدامية المتوقع حدوثها ما بعد سقوط النظام العراقي، "إذا رحل صدام فإنني أتوقع أننا سنشهد فترة من عدم الاستقرار وإراقة الدماء، إذ سيقتل في القتال والعمليات الانتقامية التي تعقب ذلك عدد كبير من أعضاء النظام البارزين الذين لم يعفوا عنهم (المؤتمر الوطني العراقي)، ويكاد يكون من المؤكد أن الأجهزة الأمنية التابعة لصدام وحزب البعث لن تتمكن من البقاء".

 

وتضيف الوثيقة، "أتوقع أن يصبح واحد أو اثنين من قادة الجيش البارزين في موقف الضعف النسبي، مما يضطرون إلى التفاوض مع الأكراد والشيعة المتمركزين في طهران. وستزداد الضغوط على مختلف أعضاء المجلس الوطني الانتقالي، وإزاء ما يصبح التعاون بينهم أكثر تجذراً مما هو عليه في الوقت الحاضر أظن أنه سيتفكك. لكن إذا استمر إيمان الأعضاء بالتعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والحكم بموجب الدستور، فيمكننا أن نأمل في مستقبل عراق أفضل، ولن يكون من المبالغة في التفاؤل أننا نأمل في حل لا يهدد استقرار وأمن دول المنطقة كما فعل صدام".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق