Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين شتات النزوح وأمل اللقاء... عائلات فرقتهم حرب غزة

التوغل الإسرائيلي في القطاع أبعد الأسر عن بعضها وتدمير أبراج الاتصالات منعهم من الاطمئنان على ذويهم

تفرقت عائلات غزة وفقدت التواصل مع بعضها بسبب النزوح (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

عائلات غزة مشتتة ولا تواصل بينها... إليكم قصص إنسانية من معاناتهم

يمسك حافظ هاتفه الذكي ويطلب رقم ابنته نسيم، لكن رداً آلياً يجيبه "سلام إلى غزة، لقد فقدنا الاتصال بالرقم المطلوب، حاول مرة أخرى لاحقاً"، لا يصدق الأب ما سمعه، ويكرر الاتصال عشرات المرات من دون أن يحصل على إجابة.

يغلي قلب حافظ على ابنته، فهو لا يعرف عنها أي معلومات ويجهل مكانها، وفي محاولة للوصول إليها، يكرر الاتصال بزوجها مرات كثيرة، لكن نفس الرد الآلي يسمعه، يتأفف الأب ويثور غضباً، فكل ما يطمح له أن يطمئن على أسرة "حبيبته".

 

تشتت العائلة

لا يزال الأب حافظ يعيش في مدينة غزة، ورفض النزوح منها، فيما هربت ابنته نسيم برفقة زوجها وأطفالها نحو مدينة خان يونس جنوب القطاع، بعد أن صدقت الدعاية الإسرائيلية التي روجت كثيراً أن الجنوب منطقة إنسانية.

يقول حافظ "تشتتت عائلتي داخل القطاع، لي ابنتان نزحتا نحو الجنوب، ولا أعرف أي معلومات عنهما، هل ما زالتا على قيد الحياة؟ هل زوجيهما بخير؟ هل يتوافر لديهن طعام؟ وكيف حال أحفادي؟ كل هذه الأسئلة تراودني ولا إجابات لديها".

يصمت الأب، ويمسك هاتفاً آخر ويطلب مجدداً ابنته الثانية، لكن لا اتصال هذه المرة، إذ تظهر له رسالة قصيرة "شبكة الهاتف المحمول ليست متاحة"، حائر حافظ ويموت قلقاً لكنه عاجز عن فعل أي شيء.

توغل عسكري

يضيف الأب "شارع صلاح الدين فقط ما يفصلني عن الوصول لابنتي، لكن إسرائيل قطعت الطريق، أصبحت الأسر في غزة مشتتة جزء منها في الجنوب والآخر في الشمال، ولا نستطيع الوصول لبعضنا ولا الاطمئنان على أحوالنا".

 

 

ما يقلق الأب أن نسيم أخبرته قبل الهدنة الإنسانية أنها تعيش في منزل استأجرته وسط خان يونس، ويوضح حافظ "الجيش نقل معركته العسكرية نحو تلك البقعة، وكل يوم أسمع أخباراً عن سقوط ضحايا ومجازر كبيرة في تلك المنطقة، فضلاً عن التوغل العسكري والتقدم إلى وسط خان يونس".

يرفع حافظ يديه نحو السماء ويقول "أتمنى أن يكونوا نزوحوا نحو رفح أقصى الجنوب، أتمنى النجاة لهم والسلامة، وأرجو حياة أفضل ووقفاً سريعاً للحرب، ليتمكنوا من العودة لنا"، خائف حافظ لدرجة أن يديه كانتا ترجفان من شدة التوتر.

مشاعر جياشة

في 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أمرت إسرائيل سكان غزة والشمال، بالنزوح نحو الجنوب، وانصاع لأوامرها نحو مليون نسمة وفقاً لما أوردته الأمم المتحدة، فيما رفض تلك التعليمات نحو 700 ألف آخرين، بحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني.

يقول الباحث الاجتماعي محمود هين "طبيعة الأسرة في مجتمع غزة أنها متماسكة وممتدة، وتربط العائلات علاقات اجتماعية جيدة، وبناء على التداخل هذا فإنه من المؤكد أن يكون هناك أشخاص من عائلة نزحوا نحو الجنوب فيما بقي آخرون في الشمال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف هين "في الحرب تصبح المشاعر جياشة بشكل مبالغ، بخاصة أن هذا القتال يختلف عن أي عملية عسكرية سابقة، ولذلك نسجل حالات قلق وتوتر متفاقم بين النازحين الذين يبدون تخوفهم على ذويهم الذين رفضوا التشرد".

ويكمل الباحث "بعد تكرار موجات النزوح لأكثر من خمس مرات، يمكننا القول إجزاماً بأن عائلات غزة تشتتت عن بعضها البعض حتى في الجنوب نفسه، ولم يعد هنا أي ربط أو تواصل بينهم، الأمر أصبح نفسي نفسي، وكل زوج يصطحب أسرته ويهرب بها، وهناك حالات قليلة تشتتت بها الأسر عن بعضها".

اتصال متقطع

ما يعيشه حافظ من انقطاع للتواصل مع بقية عائلته، يعاني منه الـ 700 ألف نسمة الذين ما زالوا في الجزء الشمالي للقطاع، وأيضاً يشعر به النازحون في الجنوب الذين يجهلون أيضاً معلومات عن ذويهم.

اتصال خلوي واحد متقطع، طمأن نغم التي نزحت إلى مخيم النصيرات وسط القطاع، على ابنها مصطفى الذي أصر على البقاء وحده في غزة، وكان ذلك التواصل منذ 22 يوماً، ومن بعده انقطعت الاتصالات عند كلا الطرفين أو واحد منهما على الأقل.

تقول نغم "كنت أعتقد أن ابني لا يزال في منزلي، لكن تفاجأت أنه نزح إلى مستشفى الشفاء، دعني أقول الحقيقة، كنت أظن أن الجيش اعتقله، لكن اطمأن قلبي عندما عرفت أنه نازح".

وتضيف "هذه المعلومات قديمة، مضى عليها 22 يوماً، كل ثانية هناك جديد في غزة، ولا أعرف أي أخبار عنه، تقطعت بنا السبل وتشتت شملنا ولا نعرف مصير بعضنا، في ظل قطع الطرق وانقطاع شبه دائم في الاتصالات".

أخبار مقطوعة

وحتى أن تشتت شمل العائلات ينطبق على الأسرة الواحدة التي ما زالت تعيش في غزة، يقول جواد "نزحت من حي الشجاعية في شرق غزة إلى مدرسة غرباً، وتركت هناك شقيقي، بسبب العملية البرية في الحي، لم أتمكن من معرفة أي أخبار عن أخي".

 

 

ويضيف جواد "قطعت إسرائيل الطرق، وانتشر جنودها، واعتلى القناصة المباني السكنية، ولذلك أصبح من الصعب علينا الذهاب لحي الشجاعية لأجل الاطمئنان على شقيقي، وحاولت الاتصال به لكن الشبكة معطلة، نعيش على الأمل ونقلق مع كل غارة".

لا يعرف جابر مصير أخيه، وكلما يسمع أخباراً يتداولها الناس عن غارات كثيفة في الشجاعية أو اشتباكات مسلحة يرتفع مستوى القلق عنده، ويتمنى أن تقف الحرب التي يكررها وبسببها تشتت شمل عائلته.

دمار شبكات الهاتف

المغتربون أيضاً يعيشون حالة إنسانية قاسية، وما أكثرهم، فهناك نحو 90 ألف فلسطيني من غزة يقطنون خارج الأراضي الفلسطينية، تقول مي التي تزوجت في ألمانيا "احتجت لنحو 13 يوماً من أجل الاتصال بعائلتي في غزة، واكتشفت أنهم نزحوا لخيمة في رفح".

منقطعة مي عن أخبار أهلها، تضيف "أحاول التقاط أي اتصال، إنها أكبر أمنية لي، أريد أن أسمع صوت أمي، لا أعرف عنهم أي شيء، تخيل أنك تعيش ولا تعرف إذا كان أبوك وأمك، على قيد الحياة أو أصابهم مكروه".

وتعد الاتصالات الملجأ الوحيد للحصول على المعلومات، لكن شبكات وأبراج التغطية تعرضت لأضرار بليغة بسبب القصف الإسرائيلي، ويقول وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إسحاق سدر "الغزيون فقدوا الاتصال ببعضهم أكثر من تسع مرات، هناك 66 منطقة لا توجد بها تغطية نهائياً".

ويضيف سدر "تعرضت 77 في المئة من أبراج تغطية الشبكات الفلسطينية لأضرار يصعب إصلاحها، وانقطاع أو تعطل الاتصالات يعني تعطل الإنترنت الذي لم يعد يستخدم إلا من قبل فئة قليلة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير