Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حين انتظر "سبارتاكوس" رحيل ستالين قبل ظهوره وثورة العبيد عبر الفولكلور الأرمني

ليس للثوار الحقيقيين ولا للفنون الشعبية الحقيقية مكان في عالم البيروقراطية الحزبية

آرام خاتشادوريان (1903 - 1978) (موقع الكنيسة الأرمينية)

ملخص

"باليه سبارتاكوس" مكن خاتشادوريان من أن يفوز بجائزة ستالين على رغم وطيس الحرب العالمية الثانية... كيف ذلك؟

بالنسبة إلى كثير من هواة الموسيقى غير المتعمقين لم يكن الموسيقي الأرمني السوفياتي آرام خاتشادوريان سوى مؤلف قطعة واحدة كبيرة هي "رقصة السيف"، مثله في هذا مثل موريس رافيل الذي لا يكاد يعرف عنه هذا النوع من الهواة سوى أنه مؤلف "البوليرو" الشهير الذي كتب لترقص على أنغامه ايدا روبنتشتاين.

لكن الحقيقة هي أن خاتشادوريان وضع طوال حياته التي امتدت على مدى الأرباع الثلاثة الأولى من القرن الـ20 عدداً كبيراً من الأعمال الموزعة بين السيمفونية والكونشرتو والباليه. والحقيقة أيضاً هي أن "رقصة السيف" لا تشكل جزءاً من باليه "سبارتاكوس" الذي يعتبر أشهر باليه روسي كتب في القرن الـ20، بل من الباليه الآخر الكبير الذي كتبه خاتشادوريان، "غايانه" هذا الباليه الذي عالج فيه مؤلفه موضوعاً معاصراً "حياة فلاحة الكولخوز غايانه التي تكمن مأساتها في أن زوجها خان وطنه السوفياتي لمصلحة المحتل النازي خلال الحرب العالمية الثانية".

ومعروف أن هذا الباليه مكن خاتشادوريان من أن يفوز بجائزة ستالين، على رغم وطيس الحرب في عام 1943، فكان "تحية" ردها الموسيقي الأرمني بأحسن منها حين كتب سيمفونيته الكورالية "أغنية ستالين" التي نالت، ولا تزال، حظوة كبيرة في طول الاتحاد السوفياتي وعرضه.

الموسيقى الأيديولوجية

وهذا كله جعل خاتشادوريان يعتبر، حتى رحيله في عام 1978، "موسيقياً أيديولوجياً" بامتياز، وهو هوجم على هذا الأساس كثيراً في الغرب، ومع هذا لم يوفر هذا الغرب نفسه آيات الإعجاب إزاء باليه "سبارتاكوس" الذي لحنه خاتشادوريان في عام 1954، وصار يعتبر منذ ذلك الحين، من الأعمال الحاضرة في شكل دائم في "ريبرتوار" "البولشوي" وغيره من المسارح السوفياتية، ولا سيما منذ قدمه في مسرح كيروف بلينغراد سانت بطرسبورغ عام 1956 وكان يتألف من أربعة فصول وتسع لوحات، قبل أن يعاد تقديمه في موسكو في شكل جديد، في عام 1959، ليصبح مؤلفاً من ثلاثة فصول و12 لوحة، وهو الشكل النهائي الذي اتخذه منذ ذلك الحين، ونال عليه مؤلفه هذه المرة جائزة لينين، وهي أعلى جائزة تمنح لفنان أو مفكر في بلاد السوفيات.

غير أن الأهم من هذا كان النجاح الساحق الذي حققه الباليه وإقبال الجمهور العريض عليه في شكل لم يتح لأي باليه مشابه له، منذ "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي، في الأقل.

مزايا فنية

ومن الواضح أن نجاح "سبارتاكوس" يعزى في المقام الأول إلى مزاياه الفنية، وقوة التعبير الموسيقي فيه، وتمكن خاتشادوريان لدى تلحينه من استخدام كل مخزون ذاكرته من الموسيقى الشعبية، وبخاصة من الفولكلور الأرمني القوي، الملون والمعبر، الذي كان طوال حياته مصدر إلهامه. ولكن مؤكد أن البعد الأيديولوجي والبطولي في هذا الباليه كان أيضاً عنصر جذب للمشاهدين والمستمعين، لا سيما أن اسم سبارتاكوس ارتبط دائماً بفكرة الثورة على الطغاة، ورفض العبيد واقعهم ومحاولتهم التخلص من ذلك الواقع.

ونحن نعرف أن ذكرى العبد الروماني سبارتاكوس وثورته أيام الإمبراطورية الرومانية ألهمت الأحزاب الشيوعية كثيراً، وإلى درجة أن روزا لوكسمبورغ مثلاً أطلقت اسم "سبارتاكوس" على الحزب الشيوعي الألماني حين أسسته مع كارل ليبكنخت، وكذلك نعرف أن الشيوعيين الأرمن اللبنانيين، بقيادة ارتين مادويان سموا حزبهم "حزب سبارتاكوس" قبل أن ينضموا إلى الحزب الشيوعي اللبناني في العشرينيات.

إذاً، حين كتب خاتشادوريان باليه "سبارتاكوس" بدءاً من عام 1954، أي بعد عام من رحيل ستالين، كانت الأجواء كلها مهيأة لاستقبال هذا العمل، وهو استقبال ساعدت روعة موسيقى الفنان وتلونها، على جعله حاراً جداً إلى درجة أن خاتشادوريان سرعان ما استقل ببعض قطع الباليه، ليطلع منها، بين 1955 و1957 بمتتابعات موسيقية استعملت بذاتها وصارت تشكل منفردة أو مندمجة حياتها الخاصة، ومنها "صولو ايجينا" و"الفالس السريع" و"احتفال باكاناليا" وبخاصة "اداجيو سبارتاكوس وفريجيا" و"رقصة بنات قادش"... إلخ.

الحكاية والثورة

تدور أحداث باليه "سبارتاكوس" كما يمكننا أن نفترض في أيام الإمبراطورية الرومانية، ومن حول ثورة العبيد التي قادها العبد سبارتاكوس، الذي يطالعنا الطاغية كراسوس وهو يشتريه وزوجته فريجيا بعد أن وقعا في الأسر بعد المعارك مع التراقيين، غير أن سبارتاكوس لم يكن من النوع الذي يرضى بمصير كهذا، من هنا، إذ يفصل عن زوجته المحبوبة التي تقاد إلى قصر كراسوس لتضم إلى عشيقة هذا الأخير ايجينا، يبدأ التفكير بالثورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولاحقاً في لوحة تالية، حين يخوض عبدان مغمضي الأعين صراعاً بينهما للترفيه عن الطاغية، يجب أن ينتهي بقتل أحدهما الآخر، يتبين لنا أن العبد المنتصر في الصراع، والحزين على مصير غريمه ورفيقه في العبودية، إنما هو سبارتاكوس نفسه.

وإذ ينتقل بنا المشهد إلى مهجع العبيد، يطالعنا سبارتاكوس وهو يحض رفاقه على الثورة ضد الظلم اللاحق به وبهم، فيتبعونه مقسمين على الانتصار أو الموت.

في الفصل الثاني يبدأ برقصة الرعاة، وإذ يصل العبيد الثائرون الفارون إلى المكان يلحون على الرعاة لكي ينضموا إليهم في ثورتهم تحت قيادة سبارتاكوس فيقبلون، ويعلن القائد أنه لن يألو جهداً للوصول حتى الانتصار والحرية وتحرير زوجته.

تطلعات سياسية

وإثر ذلك، فيما يكون كراسوس محتفلاً بانتصاراته يصل سبارتاكوس ويساعد زوجته على الفرار، بينما تسعى ايجينا جهدها للسيطرة على كراسوس الذي يبدو لنا، هو الآخر، ذا تطلعات سياسية واسعة، ووسط الاحتفالات تنتشر الأنباء بأن سبارتاكوس والعبيد الآخرين يحاصرون المكان فيبادر كراسوس وايجينا ومن معهما إلى الفرار تاركين للعبيد أمر الاهتمام بالقصر، ويكون انتصار سبارتاكوس على خصمه الطاغية كبيراً، بل يأسره ويصارعه وينتصر عليه صارفاً إياه بدلاً من أن يقتله.

أما في الفصل التالي فإننا نجدنا أمام مؤامرة تعد من قبل كراسوس وايجينا ضد سبارتاكوس، وهما يجمعان جيشاً لجباً لتحقيق ذلك، لكن ايجينا تريد أن تلجأ إلى الحيلة أيضاً، وهكذا تدخل ليلاً معسكر العبيد، فيما تكون فريجيا قلقة تعبر عن ذلك القلق لزوجها الذي يطمئنها.

ثم تصل الأخبار بأن الرومان يزحفون للسيطرة عليهم، وهنا يضع سبارتاكوس خطة جريئة لا يوافق عليها مساعدوه، أما ايجينا فإنها، بمساعدة الخائن هرموديوس تحضر مجموعة من الفتيات لإلهاء جيش العبيد مما يؤدي إلى انتصار كراسوس عليهم، وينتهي ذلك كله بمصرع سبارتاكوس وبكاء فريجيا أمام جثمانه.

حكاية فنان

منذ طفولته اتجه خاتشادوريان الذي رحل عن عالمنا عام 1978 إلى الموسيقى إذ درس أولاً في "غنيسين" ثم في المعهد التربوي في موسكو، ولكن لم يكن ذلك إلا بعد فترة تردد دخل خلالها جامعة موسكو ليدرس البيولوجيا، غير أن السنوات التالية وشغفه بالعزف على البيانو حددا مستقبله، خصوصاً أنه في كونسرفاتوار موسكو التقى مياسكوفسكي، الذي كان أول من اكتشف المواهب الخفية لدى ذلك الفتى الأرمني، وهكذا من مجرد عازف على التشيلو الذي سيكتب له خاتشادوريان لاحقاً، كونشرتو كان من أروع إنتاجاته، تحول الفتى تدريجاً ليصبح واحداً من أكثر المواهب وعداً.

وكان أن تعهده أستاذه وراح يشجعه وأثمر ذلك بالفعل، ومنذ تخرجه في المعهد بدأ آرام خاتشادوريان يكتب أعماله المتلاحقة، وكان أول ما لفت الأنظار إليه كونشرتو كتبه للبيانو في عام 1936، غير أن انطلاقته الكبرى كانت مع موسيقى باليه "غايانه" التي كتبها في عام 1942، وتضمنت موسيقى "رقصة السيف" الشهيرة التي ستقتبس وتقتبس بعد ذلك من دون هوادة.

أنطولوجيا شرقية

مهما يكن في الأمر، خلال تلك السنوات راحت شهرة خاتشادوريان تتزايد، وصار يعتبر واحداً من ألمع الموسيقيين السوفيات، ثم أتت سيمفونيته الثانية لتعزز مكانته الرسمية في موسكو، في وقت كان بدأ يخف لديه فيه تأثير برليوز والغربيين، وصارت موسيقاه أشبه بأنطولوجيا للموسيقى الشرقية، تعمر بجمل قوية وبتعبيرات كان من الصعب العثور عليها خارج ذلك الإحساس القوقازي الذي كان يغمره.

وحسبنا اليوم للتيقن من هذا أن نستمع إلى الحركة الثانية من السيمفونية الثانية وإلى معظم الأجزاء المتتالية للسيمفونية "ماسكاراد" 1944 التي وضعها انطلاقاً من نص للشاعر ليرمنتوف، ولسوف يواصل خاتشادوريان طريقه على ذلك النحو على رغم العقبات البيروقراطية واتهامات اللجنة المركزية، ليصل إلى ذروة جديدة في عام 1953 حين كتب باليه "سبارتاكوس" الذي أعاد للحياة باليهاً قديماً كان كتبه عام 1939 بعنوان "السعادة".

وسوف يكرس عالمياً مع سيمفونيته الثالثة، ثم بخاصة مع كونشرتو للتشيلو، كتبه ويشبه كثر قوته بقوة كونشرتو دفوراك للتشيلو.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة