ملخص
أحدث دخول القوات المهاجمة إلى قلب المدينة حالاً من الصدمة والرعب ترافقت مع موجات كبيرة ومتزايدة من النزوح نحو ولايتي سنار والقضارف المجاورتين.
بينما كان السودانيون يتابعون أنباء المعارك الضارية على المشارف الشرقية لمدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة منذ صباح أمس الإثنين، وصمود قوات الجيش حتى بعد منتصف النهار، أعلن على نحو مفاجئ في الخامسة عصراً، اجتياح قوات "الدعم السريع" للمدينة وسقوطها في قبضتها، كما اجتاحت في الوقت نفسه مدينة رفاعة أكبر مدن شرق الجزيرة التجارية.
وقال الجيش السوداني في بيان اليوم الثلاثاء إن قواته انسحبت من مواقعها في مدينة ود مدني، مضيفا أنه سيحقق في أسباب الانسحاب من المدينة المكتظة بالنازحين وتعتبر مركزا للمساعدات.
رعب ونزوح
أحدث دخول القوات المهاجمة إلى قلب المدينة حالاً من الصدمة والرعب ترافقت مع موجات كبيرة ومتزايدة من النزوح نحو ولايتي سنار والقضارف المجاورتين.
وأصدرت قوات "الدعم السريع" بياناً على موقعها بمنصة "إكس" أكدت فيه أن قواتها تمكنت من دخول ود مدني بعد اجتيازها معسكر شرطة الاحتياط المركزي وكوبري حنتوب في المدخل الشرقي للمدينة.
وكانت قوات "الدعم السريع" قد جددت هجومها على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة لليوم الرابع على التوالي، متجاهلة كل التحذيرات والمناشدات المحلية والدولية وسط تضارب الأنباء وعديد من مقاطع الفيديو للطرفين المتقاتلين، يؤكد فيها كل منهما سيطرته على المدينة.
كما أعلنت عن إسقاطها ظهر أمس طائرة حربية من طراز (ميغ) تابعة للجيش، منددة بقصف الطيران الحربي المتواصل المدنيين في كل من ود مدني والخرطوم ونيالا ومدن أخرى متسبباً في مقتل المواطنين الأبرياء وتدمير البنى التحتية الحيوية.
في المقابل، أشارت مصادر ميدانية، إلى أن المواجهات ما زالت مستمرة بعدد من المناطق والأحياء داخل المدينة.
ونشر الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد الركن نبيل عبدالله، عبر صفحة القوات المسلحة في "فيسبوك"، أن القوات المسلحة والشرطة وقوات جهاز الأمن والاستخبارات العامة والمتطوعين والمستنفرين سيبذلون الغالي والنفيس وتتضافر جهودهم في أداء الواجب الوطني للمحافظة على الاستقرار في مدينة ود مدني، حتى القضاء على آخر متمرد.
اجتياح رفاعة
وأفاد شهود عيان أن قوات "الدعم السريع" اجتاحت كذلك مدينة رفاعة وعدداً من القرى والمدن الصغيرة على الطريق الرابط بين الخرطوم وود مدني في برانكو والهلالية والجنيد وود الفضل وكديوة والشرفة وحنتوب وأم شانق، واستولت على أموال وسيارات وأسرت عدداً كبيراً من الشباب بتلك القري ما زال مصيرهم مجهولاً، كما سطت على مصنع سكر الجنيد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت لجان مقاومة وحدة حنتوب الإدارية عن نزوح نحو 5 آلاف من سكان أحياء الرياض والقادسية وحنتوب والتكيلات والإنقاذ والملكية وأبو حراز، إلى منطقة الفاو والقضارف وسنار، وهم الآن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ظل أوضاع إنسانية غاية الصعوبة وهناك مرضى وكبار سن.
وجه بيان للجان نداءً عاجلاً إلى منظمات المجتمع المدني بالوقوف مع المواطنين وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، بعد تعرضهم للقتل والنهب والاحتجاز وهدم البيوت وانقطاع المياه والكهرباء، خلال ثلاثة أيام من الاشتباكات المتواصلة داخل المنطقة.
وأكد بيان للجان مقاومة ود مدني انتشار قوات "الدعم السريع" داخل أحياء المدينة ونصبها نقاط ارتكاز في شوارعها، كما بدأت في سرقة المنازل والسيارات في ظل اختفاء تام للجيش والشرطة.
ممرات إنسانية
وناشدت منظمة محامو الطوارئ طرفي النزاع السماح بدخول المسعفين والعاملين بالحقل الطبي والناشطين بغرف الطوارئ وفتح ممرات إنسانية لإجلاء المرضى العالقين بالمستشفيات والمراكز الطبية بود مدني، المحتاجين للرعاية الطبية وداخل المنازل وكل الراغبين بالخروج إلى مناطق آمنة.
ولفت بيان للمنظمة إلى جرائم تصفية وتعذيب واعتقال على أساس عرقي وحرق وتمثيل بالجثث وقعت بالمدينة. وحذر من رواج لخطابات كراهية وعنصرية وحملات اعتقالات بولاية الجزيرة وولايات آمنة أخرى كتصعيد خطر للغاية بالتوازي مع إعلان حالة طوارئ في جميع الولايات.
هدوء حذر في الخرطوم
في الأثناء تشهد جبهة القتال بالعاصمة السودانية هدوءاً نسبياً للأوضاع بخاصة في وسط الخرطوم ومناطق سلاح الإشارة بالخرطوم بحري، باستثناء دوي انفجارات وغارات جوية شنها الطيران الحربي والمسيرات التابعة للجيش فجر أمس على مواقع "الدعم السريع" في أحياء المنشية وأطراف وبري والرياض شرق الخرطوم.
كما سمع مواطنون في شمال أم درمان أصوات إطلاق نار متقطع في منطقة الثورات بمحلية كرري.
قصف جوي بدارفور
غرباً واصلت مقاتلات الجيش الحربية أمس عمليات القصف الجوي التي تشنها منذ أيام على أهداف لـ"الدعم السريع" في مدينة نيالا.
ويعيش المدنيون في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" أوضاعاً إنسانية مأسوية بانقطاع خدمات المياه والكهرباء وشبكات الاتصال وندرة وغلاء الغذاء، إضافة إلى حالة من الانفلات الأمني بانتشار جرائم النهب والسرقة في أحياء الجير والنهضة والسلام.
وأفادت مصادر ميدانية أن الطيران الحربي شن أمس غارات جوية متتالية على قاعدة الزرق العسكرية التابعة لقوات "الدعم السريع" في شمال دارفور.
ما بعد ود مدني
في السياق اعتبر المحلل العسكري إسماعيل يوسف دخول قوات "الدعم السريع" إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، ذات الثقل الاقتصادي والكثافة السكانية الثانية بعد العاصمة، تحولاً نوعياً خطراً في مسار الحرب واستهدف تكثيف أقصى الضغوط على الجيش عبر طاولة المفاوضات.
وتوقع يوسف أن يتبع سقوط ود مدني متغيرات على مستوى المسارين العسكري الحربي والسياسي التفاوضي، فهي من الناحية السياسية قد يحرك جمود مفاوضات منبر جدة بوضع مزيد من الضغوط الميدانية على الجيش لصالح تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جدة وقمة (إيغاد) الطارئة الأخيرة.
أما عسكرياً بحسب المحلل السياسي فإن الوضع العسكري الجديد سيفسح المجال أمام قوات "الدعم السريع" للتمدد شرقاً بكل سهولة باتجاه سهل البطانة وصولاً إلى ولايات القضارف المتاخمة للحدود الإثيوبية، وسيضع كل من مدن كسلا وبورتسودان ضمن مرمى أهدافها، وستكون ولاية سنار جنوباً أقرب محاور الاستهداف القادم، فضلاً عن أن ود مدني هي الرئة التي تتنفس بها بورتسودان وتختنق من دونها، وعبرها تتكامل خطوط الإمداد لـ"الدعم السريع" بسيطرته على طول امتداد خط أنابيب البترول ومفاتيح الطرق القومية.
توسع مقلق
أممياً أعرب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث عن قلقه تجاه التوسع المستمر للأزمة في السودان، محذراً من أن الاشتباكات التي دارت حول مدينة ود مدني وسط البلاد، التي تعد مركزاً إنسانياً، تهدد عشرات آلاف المدنيين الذين نزحوا من قبل بسبب الصراع، لافتاً إلى أن الوقت قد حان لإنهاء هذه الحرب بعد مرور ثمانية أشهر على اندلاعها منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
في حين دعا مكتب الولايات المتحدة الأميركية للشؤون الأفريقية قوات "الدعم السريع" المتمردة في السودان إلى الوقف الفوري لهجومها في ولاية الجزيرة، والامتناع عن مهاجمة مدينة ود مدني، والوقف الفوري لأي هجوم لها في الفاشر عاصمة دارفور.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد علق عمل جميع البعثات الإنسانية الميدانية داخل ولاية الجزيرة، بشكل مفتوح.
وأشار المكتب إلى أن ولاية الجزيرة، التي تعرف بسلة غذاء السودان، تعد مركزاً مهماً للعمليات الإنسانية للأمم المتحدة، وتستضيف الولاية أكثر من نصف مليون نازح فروا من الحرب بالخرطوم.
دعوات أفريقية
على نحو متصل أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، عن قلقه المتزايد إزاء تدهور الوضع الأمني في السودان، بخاصة التقارير عن تجدد الهجمات على معسكر أبو شوك للنازحين في الفاشر، وامتداد القتال إلى ود مدني بولاية الجزيرة، التي فتحت جبهة جديدة بالحرب السودانية في شهرها التاسع.
وجدد رئيس المفوضية دعوة الأطراف المتحاربة والقوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية والمشاركة بشكل هادف في المفاوضات الرامية إلى بناء السلام واستدامته في السودان.
وأكد أن ذلك يشير إلى إعادة فتح الجروح المؤلمة لعديد من سكان دارفور، الذين عاشوا على مدى السنوات العشرين الماضية في أبو شوك كمكان للجوء، لكن القتال استؤنف هناك في الأيام الأخيرة.
فزع أوروبي
من جانبه أعرب الاتحاد الأوروبي عن فزعه إزاء هذه التطورات الأخيرة بحرب السودان، وحث قوات "الدعم السريع" على الانسحاب من ولاية الجزيرة ووقف القتال في الفاشر. وذكر الطرفين المتقاتلين بالتزاماتهما الإنسانية وحماية المدنيين بموجب القانون الدولي وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتحمل مسؤولية الفشل في ذلك.
في هذا الوقت أصدر رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فاكلاف باليك، قراراً بتعيين أعضاء بعثة تقصي الحقائق المستقلة في شأن السودان برئاسة التنزاني محمد شاندي عثمان الذي سبق له رئاسة اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان في شأن إثيوبيا.