Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل قاتم في عيون أطفال غزة... فهل يولد العنف عنفا؟

روايات تحكي حجم المآسي اليومية التي يواجهونها

كثيراً ما كانت حياة الأطفال في قطاع غزة صعبة لكن هذه المرة لا تشبه سابقاتها (رويترز)

ملخص

كل ما يعيشه أطفال غزة من مآس حالياً يولد لديهم جروحاً لا تلتئم إلا بالدعم النفسي الجدّي

تخطت حصيلة حرب قطاع غزة منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" 18 ألف قتيل من بينهم 7875 طفلاً، بحسب التحديث الأخير لوزارة الصحة في غزة بداية الأسبوع الجاري. فإذا بنسبة الأطفال تقارب نصف عدد القتلى. وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قال إن طفلاً يقتل تقريباً كل 10 دقائق في غزة. وإضافة إلى كارثة الأطفال، هناك الناجون الجرحى الذين لا تتوافر لهم أدنى الخدمات ومقومات العيش والرعاية الصحية، ويخضعون لجراحات من دون تخدير، ويعيشون في ظل عنف متواصل وقصف ورعب. ومن أطفال غزة ممن لم يقتلوا ولم يصابوا، من فقدوا أهلهم وأفراداً من عائلاتهم وأصدقاء لهم. فما وقع هذه الظروف القاسية على حياة أطفال غزة؟ وهل تصح في مثل هذه الظروف نظرية أن "العنف يولد عنفاً في المستقبل"؟

حجم المأساة يُقرأ في عيون الأطفال

كثيراً ما كانت حياة الأطفال في قطاع غزة صعبة، لكن هذه المرة لا تشبه سابقاتها، إذ تحكي مشاهد الأطفال وآثار الصدمة على وجوههم وفي عيونهم كثيراً عن حجم الآثار المدمرة التي لحقت بهم. في تقرير "يونيسيف" الصادر عام 2021، ورد أن ثلث أطفال غزة كانوا بحاجة إلى الدعم النفسي نتيجة الصدمات المرتبطة بالنزاع لأنهم أكثر من يتحملون وطأة العنف. لكن في بيانها الأخير، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة من أن "حياة مليون طفل باتت معلقة بخيط رفيع" بعدما انهارت الخدمات الصحية للأطفال. في الواقع، عيون أطفال غزة تحكي اليوم عن حجم المأساة التي يعيشون في ظلها مع القصف المتواصل الذي يحصد أفراد عائلاتهم ومشاهد القتل والعنف والدم التي تحيط بهم من كل صوب، حتى أصبحت تشكل جزءاً من يومياتهم.

دمار وحزن

تشير الاختصاصية في المعالجة النفسية شارلوت خليل إلى أن "الأطفال في مناطق الحروب والنزاعات، كما في غزة، لا يعيشون حياة طبيعية، فهم يشهدون على دمار منازلهم ويخسرون أفراد عائلاتهم وأصدقاءهم والمقربين منهم بصورة متواصلة، ولا يتمكنون أحياناً من التعبير عن مشاعرهم بالكلام، بل من خلال السلوكات. ففي مثل هذه الحالات، قد يحصل تراجع على مستوى السلوكات الملائمة لأعمارهم، أو يمكن أن يعانوا اضطرابات في النوم، حتى إنهم قد يجدون أنفسهم عاجزين عن ممارسة الأنشطة اليومية. كما قد تظهر مشكلات سلوكية أكاديمية علائقية أيضاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتابع "مما لا شك فيه أن هناك آثاراً متفاوتة للصدمة بين شخص وآخر، وأيضاً بين طفل وآخر بحسب ظروفه والأحداث التي يتعرض لها ومصادر الدعم المتوافرة له وسرعة التدخل لمساعدته"، لكن خليل توضح أنه ما من فرد محصن في مواجهة الصدمات، محذرة من الآثار الطويلة الأمد لهذه الصدمات، "إذ يمكن أن تستمر لأجيا، ويمكن توارثها من جيل إلى جيل. وقد تظهر هذه الآثار المباشرة للحرب على الأطفال من خلال الإصابات الجسدية والإعاقة وتأخر النمو، إضافة إلى الآثار النفسية والسلوكية والعلائقية والفكرية. أما الآثار غير المباشرة، فتلك التي تحصل على إثر تدمير البنى التحتية النفسية الضرورية لنمو مثالي للأطفال. فعدم توافر الظروف المعيشية المناسبة قد يؤثر في النمو وفي وظائف الجهاز المناعي وفي التطور المعرفي للأطفال. ومثل هذه الآثار موجودة بكثرة في المناطق التي تشهد نزاعات وحروباً، كما في غزة حالياً".

بصورة عامة، يحتاج الأطفال إلى الأهل والراشدين لتأمين حاجاتهم الأساسية وليشعروا بالأمان، مما يُفقد في الحروب، مع ما له من انعكاسات على الأطفال الذين يمكن أن يطوروا اضطرابات ما بعد الصدمة واضطرابات نفسية أخرى مثل القلق المرضي والتوتر والسلوكات الخطرة والاكتئاب واضطرابات النوم وغيرها، "يؤثر ذلك في قدرة الأطفال على متابعة حياتهم بطريقة طبيعية ما لم يتأمن لهم الدعم النفسي والصحي الضروري، مع ضرورة التركيز على الأطفال الذي أصيبوا بإعاقة جراء الحرب لاعتبارهم أكثر تأثراً بعد بما يتعرضون له".

عندما يصبح التعرض للعنف والمآسي عادياً

من شدة ما يتعرض له الأطفال من مآسٍ وعنف في هذا الوضع، يمكن أن تلاحظ لديهم حال الانسحاب العاطفي وانعدام التأثر مع الوقت بما يحصل من حولهم أيضاً. بمعنى آخر، يبدو وكأن ثمة اعتياداً على العنف وأن هؤلاء الأطفال يتوقفون عن التعبير عن تأثرهم بالمشاهد القاسية والمآسي. "يخفض التعرض المستمر للعنف غالباً من معدل التأثر به ومن ردود الفعل عليه. أيضاً، في مناطق النزاعات والحروب، يلاحظ غالباً ميل الأطفال إلى السلوك العدواني وهو أمر متوقع أحياناً، إذ يسعى الطفل الذي فقد أفراد عائلته إلى الحفاظ على نفسه وعلى من حوله. لذلك، يبحث عن كل الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسه وعن المقربين وعن معتقداته أيضاً. ويمكن أن يلجأ عندها إلى أي وسيلة في دفاعه عن نفسه. وسبق أن شاهدنا أطفالاً انضموا إلى القتال في الحروب، ضمن ردود الفعل العنيفة على إثر التعرض للعنف".

وتضيف خليل أنه "من الآليات الدفاعية النفسية التي قد يستخدمها الطفل أمام الصدمة أيضاً ما يُعرف بالخدر العاطفي، إذ يفصل فيها العقل نفسه عن التجارب المفرطة القسوة التي يصعب تحمّلها. في مواجهة الصدمات، يساعد هذا الأمر على إدارة الوجع العاطفي والحد منه، بخاصة لدى الأطفال الذين لا تزال أدمغتهم في طور النمو ولهم خبرة محدودة في الحياة. فيحد ذلك من قدرتهم العاطفية على معالجة الصدمات القوية، فكيف بالأحرى إذا كانت بحجم تلك التي يشهدها أطفال غزة؟ يسبب ذلك إرهاقاً لنظام الاستجابة العاطفية عند الطفل. لذلك، تلاحظ لدى أطفال غزة ردود فعل ربما تبدو غريبة وغير متوقعة بكل ما يظهر فيها من برودة، لكن من الممكن أن تخفي وراءها مساعي لحماية الذات أو يمكن أن تخفي وراءها وجعاً نفسياً أكبر، علماً أنه قد يشاهدها لدى المحيطين به فيلجأ إليها من باب التقليد للتعبير. وكل هذه التغييرات تؤثر في طريقة استجابة الطفل ومعالجة التجارب الصادمة في حياته".

قد تدمر الصدمات الأفراد والعائلات والمجتمعات كما يمكن أن تصنعهم، بحسب خليل التي توضح أيضاً أن كل الجراح النفسية الناتجة من الصدمة ربما لا تكون مرئية، وتكون لها آثار قصيرة الأمد وأخرى بعيدة المدى، مما يؤثر في الطفل في مختلف جوانب حياته ويستدعي حكماً التدخل لحمايته بأسرع وقت ممكن، فالدعم النفسي كفيل برسم مستقبل أفضل للطفل بعيداً من الأجواء التي نما فيها، وإن كانت الظروف التي كان موجوداً فيها قاسية.

جراح لن تلتئم

من جهتها، تشير الاختصاصية في المعالجة النفسية لانا قصقص إلى أنه عندما يتعرض الطفل لهذا الكم الهائل من العنف، يصبح لديه مخزون كبير من العنف والصدمات والمشاعر السلبية تجاه مسبب العنف، "ونتيجة لذلك تبقى لديه جراح غير ملتئمة وندوب نفسية كبرى. وما دام أن الاحتلال موجود، لا يمكن أن تلتئم هذه الجراح. فتستمر القضية في الذهن والجسم وفي الوجع النفسي وفي كل تفاصيل الحياة. ويخزن الطفل وجعاً هائلاً صعب الوصف أثناء نموه، ولا يمكن أن ينساه بأي شكل من الأشكال. لذا، من الطبيعي أن يخزن العنف لأنه يتلقاه، ويواجه الحروب التي فيها هذا الكم من الوحشية. قد يولّد ذلك لديه غضباً، ويحاول أن يرد ما يتعرض له تعبيراً عما يشعر به، وانتقاماً للألم الذي شعر به، لذلك نرى جيلاً تلو الآخر يحمل معه هذه القضية لأن الشعب الفلسطيني يتعرض باستمرار للمجازر والنكبات والحروب".

المزيد من تقارير