Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عالم قلق والحروب تجعل وصمة المرض النفسي رفاهية

كوارث وحروب وصراعات وفقر واقتصاد متعثر... نفسية المنطقة العربية معتلة

اتسم عام 2023 بالتوتر والقلق  والحروب والأخبار السيئة (اندبندنت عربية - علاء رستم)

ملخص

كوارث وحروب وصراعات وفقر واقتصاد متعثر... نفسية المنطقة العربية معتلة

لقد كان عاماً مليئاً بالقلق، عامراً بالخوف، متخماً بعدم اليقين. وكان عاماً مفعماً بتحية "كيف حالك؟"، وإجابات "مكتئب" و"متوتر" و"محبط" و"غاضب". كما كان عاماً استهل أيامه بواحد بين كل أربعة بالغين يقولون إنهم واقعون في قبضة قلق ما، ويلملم متعلقاته تاركاً قلقاً عارماً في نفوس الملايين.

الملايين في أرجاء الكوكب إن سئلت عن عام مضى ستتحدث عن جرح نفسي غائر أو قلق عصبي واضح خلال هذا العام. درجات متفاوتة من صدمات تتعلق بالصحة النفسية، أو بالأحرى الاعتلال النفسي، أصاب الملايين على مدى عام كامل. وزاد من حدة الإصابة أن العام جاء محملاً بآمال عريضة بأن يكون نهاية حقبة عصيبة تكاتف فيها وباء قاتل واقتصاد قاتم وحروب تأبى أن تخفت أو تذهب لحال سبيلها وتطورات متسارعة لذكاء اصطناعي يهدد الناس في مصادر رزقهم وتفاصيل حياتهم، بل تسبب في إصابات فادحة لهم، بعضها وصل إلى درجة الموت بعدما تحول إلى سلاح أكثر فتكاً ودموية.

ذكاء اصطناعي قاتل

أخبر عام 2023 البشرية أن مسألة الذكاء الاصطناعي في الحروب والصراعات لم تعد تحذيرات تُطلق خلال المؤتمرات والقمم عن مغبة هذه التقنيات في الحروب على البشر، بل أصبحت واقعاً لا ريب فيه.

بينما تستعد حرب روسيا في أوكرانيا لإطفاء شمعتها الثانية في فبراير (شباط) المقبل، ينهمك محللو الصراعات وخبراء الذكاء الاصطناعي في رصد ميادين القتال في هذه الحرب التي تقف شاهد عيان على التطبيق الحديث لهذه التقنيات على أرض الواقع بهدف تعظيم الضرر اللاحق بالعدو وترسيخ الأقدام على قائمة قوى العالم العظمى في الذكاء القاتل. مركبات مسيّرة، بنادق استشعار ثابت مستقل، تشكيلة من الأسلحة ذاتية التشغيل القادرة على تحديد مواقع الأهداف البشرية ومهاجمتها من دون تدخل بشري، مما يقلل خسائر الطرف الذي يشن الهجوم ويفاقم خسائر الطرف الآخر والقائمة تطول.

 

طول قائمة الأسلحة الفتاكة "الذكية" التي كشرت عن أنيابها بصورة واضحة خلال 2023 لا يعني أن الذكاء الاصطناعي في أرض المعارك اقتصر على إلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى بالعدو، مما فاقم بدوره من حجم الأذى النفسي بين صفوف المدنيين، سواء المتابعين للحروب أو الذين وجدوا أنفسهم ضحايا لها.

الضحايا المدنيون في حرب غزة شهود عيان أيضاً على قدوم الذكاء الاصطناعي بقوة في ساحات المعارك. وليس برنامج "ذا غوسبل" الذي تستخدمه إسرائيل عبر تغذيته بالبيانات ليختار الأهداف المراد قصفها إلا مثالاً على ذلك.

تشير المعادلة إلى أن "حرباً" زائد "ذكاء اصطناعي" يساويان حرباً أكثر دموية، مما يعني بالضرورة تفاقم العلل والأمراض النفسية.

موازين جديدة

قلق وخوف وتوتر مضاعف ذلك الذي لحق بالمدنيين العزل في صراعات وحروب 2023 التي تحول كثير منها إلى ساحة اختبار، ثم ساحة منافسة لأسلحة الذكاء الاصطناعي القادرة على الفتك الأشرس والدمار الأكبر.

لم تعد موازين الحرب، والمدنيون العزل في القلب منها، تعتمد فقط على موازين قوة الأسلحة التقليدية وشجاعة المقاتلين وحذاقتهم، بل بات جانب غير قليل منها يرتكن إلى من يملك قدراً أوفر من الأسلحة المستقلة ذاتية التحكم والمركبات المستقلة والبرمجيات التكتيكية التي تقتل وتدمر من حيث لا يحتسب المدنيون أو يدرون.

دراية الشعوب بتأثير الذكاء الاصطناعي في حياتهم ظلت على مدى أعوام التطوير والانتشار التدريجي، وإن كان سريعاً، للذكاء الاصطناعي وتسلله إلى حياتهم على قائمتين رئيستين، الأولى تتعلق بمميزاته عبر فتح مجالات عمل وابتكار جديدة وتيسير الإنتاج وتقليل الكلفة وغيرها، والثانية تدور في أفلاك تبدد وظائف ومهن ستختفي وعلاقات اجتماعية ستتبخر وغيرها. وظل القائمون على أمر الذكاء الاصطناعي والمستفيدون منه من دول وهيئات وجماعات مصالح تهوّن من حجم المخاوف وتهول من قيمة المكتسبات.

التزييف العميق اللامحدود

لكن حجم الدراسات والبحوث التي صدرت طوال عام 2023 عن تعاظم المشكلات والضغوط والعلل النفسية جراء التوسع المذهل للذكاء الاصطناعي غير مسبوق. رصيد هائل من دراسات عن أثر الذكاء الاصطناعي على مهن ووظائف المستقبل، وآثار أتمتة العمل على العمالة ونسب البطالة، ومصير الشباب غير المؤهل لمتطلبات هذا العصر الرقمي، وأثر الذكاء الاصطناعي على تعاظم الشعور بالوحدة، ومعنى ضلوع الرفيق الروبوت بدلاً من الرفيق الإنسان في حياة البشر، ومراقبة الآلة للموظف عبر الذكاء الاصطناعي وآثار ذلك النفسية، وبالطبع لم تخلُ قائمة الآثار النفسية السيئة والسلبية للذكاء الاصطناعي على الإنسان من منظومة التزييف العميق وفبركة الواقع وخلق واقع افتراضي تتماهى خطوطه مع الواقع بصورة إما تغرق المستخدم فيها تماماً أو تفقده الثقة بكل ما حوله. بمعنى آخر، شكل عام 2023 نقلة نوعية من التزييف الوسطي المعقول المحدود إلى عصر التزييف العميق المتغلغل بلا حدود.

جمل سببت القلق

حدود الآثار النفسية السلبية التي ألقت بظلالها على سكان الأرض في 2023 يصعب تعريفها أو حتى حصرها في زوايا بعينها. اليوم العالمي للصحة النفسية في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي جاء تحت عنوان "صحتنا النفسية، حقوقنا".

حق كل إنسان في التمتع بـ"حال من الرفاه النفسي التي تمكنه من مواجهة ضغوط الحياة وتحقيق إمكاناته والتعلم والعمل بصورة جيدة والإسهام في مجتمعه المحلي"، واعتبار "الرفاه النفسي من الصحة والرفاه اللذين يدعمان القدرات الفردية والجماعية لاتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي يعيش فيه الجميع"، واعتبار هذه الصحة النفسية "حقاً أساسياً من حقوق الإنسان"، جمل وعبارات شكلت هذا العام مصدر ضغط وقلق إضافي للملايين من سكان الأرض، لا سيما في المنطقة العربية التي استحوذت على مدى عام مضى على نصيب الأسد من عوامل الاعتلال النفسي. 

النفسية العربية

نفسية المنطقة العربية في 2023 معتلة، ومصادر العلة تنوعت بين كوارث طبيعية ضربت دولاً عدة وصراعات نشبت وأخرى أصرت على الاستمرار، إضافة إلى اقتصادات متعثرة وأوضاع سياسية غير مستقرة وأمنية تهدد بالانفجار بين لحظة وأخرى وفقر يأبى أن تنخفض نسبه وغيرها من مشكلات تكالبت على ملايين العرب، وشكلت آثارها النفسية السلبية أجندة عمل مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي لشرق البحر المتوسط على مدى العام تلقي الضوء على مصادر الاعتلال النفسي.

زلزال مدمر ضرب سوريا وتركيا خلف نحو 50 ألف ضحية، إضافة إلى آلاف المصابين والمدن المدمرة عن آخرها وتشرد الملايين، وفيضانات في الصومال تؤدي إلى وفاة العشرات ونزوح نحو مليون شخص، وحرائق غابات في المغرب وبعدها الجزائر ووقوع ضحايا وإجلاء الآلاف من بيوتهم، وإعصار "دانيال" ضرب مدنية درنة الليبية مخلفاً آلاف الوفيات والمصابين ناهيك عما لحق بالمدينة من دمار كامل، ونشوب حرب السودان واستمرارها وفرار ما لا يقل عن 4 ملايين شخص وآلاف القتلى والجرحى، واستمرار الصراع في اليمن، واستمرار عدم الاستقرار في سوريا والعراق وليبيا، وأخيراً وليس آخراً حرب القطاع وتوسع حلقة العنف لتشمل جنوب لبنان والعراق واليمن، إضافة إلى ما ينجم عن كل من هذه المصائب من كوارث بيئية وغذائية وأمنية خلقت بيئة عربية حاضنة للعلة النفسية.

 

الصحة النفسية، أو بالأحرى العلة النفسية التي تهيمن على أجواء الشعوب العربية لم تجد في البيان الصادر عن جامعة الدول العربية في أكتوبر الماضي لمناسبة اليوم الدولي للصحة النفسية ما يضمد جراحها، فجاء في البيان أن جامعة الدول العربية تولي الصحة النفسية اهتماماً كبيراً وأن هذا اليوم فرصة لإذكاء الوعي والمضي قدماً في الإجراءات التي تعزز الصحة النفسية للجميع وتحميها، وأنه لفرط أهميته، أدرجته (الصحة النفسية) ضمن المواضيع الصحية التي تناولتها الدورة غير العادية لمجلس وزراء الصحة العرب الشهر الماضي.

بيانات التأكيد ومؤتمرات وفعاليات المطالبة بالاهتمام بالصحة النفسية نظرياً وقفت على طرف النقيض طوال عام مضى من واقع عربي معاش لخصه عنوان "برميل الشرق الأوسط المتفجر".

الرفاه رفاهية مستعصية

بعد عقود من العمل التوعوي من أجل التعريف بأهمية الصحة النفسية والتركيز على أهميتها شأنها شأن الصحة الجسدية، والعمل من أجل إدماج الصحة النفسية في الرعاية الأولية والتأكيد على أن وصمة المرض النفسي أو العقلي لا مجال لها أو داعٍ، وبعد أعوام من بدء اكتساب العلاج النفسي قبولاً بحثاً عن رفاه نفسي أفضل، إذ بمجريات الأوضاع العربية تجعل الرفاه النفسي رفاهية مستعصية لا طاقة للملايين للتفكير فيها، فما بالك بالسعي إليها؟!

تسعى دول العالم المتقدمة إلى قياس أداء شعوبها على مؤشر الصحة النفسية والعقلية، وتتواتر الإحصاءات والأرقام السنوية حول نسب الإصابة بالاكتئاب والقلق والتوتر والفئات العمرية الأكثر عرضة للإصابة والمستجدات التي أسهمت في تفاقم الأرقام من أوبئة أو اقتصاد متعثر أو نسب بطالة إلخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي كل عام تخرج الإحصاءات لتثير صدمة المتلقي، إذ إن ثلاثة من كل 10 بالغين في الولايات المتحدة الأميركية مصابون بالاكتئاب السريري، وواحدة من كل أربع شابات في بريطانيا تعاني كآبة أو قلقاً أو اضطرابات عاطفية، وزيادة ملحوظة في الحاجة للجوء إلى الرعاية الطارئة للاضطرابات المزاجية والتصرفات والميول الانتحارية لدى الأطفال والشباب الفرنسي في الفئة العمرية بين 11 و24 سنة وغيرها.

العلل النفسية غربية؟

المضحك المبكي أن مطالعي هذه الإحصاءات والدراسات في الجزء العربي من العالم يعتقدون بأن العلل النفسية سمة غربية لا شأن للعرب بها، ويشير ذلك إلى أن التزييف العميق ليس حكراً على الذكاء الاصطناعي، ولكنه قد ينتج من تخمة دراسات نفسية في دول بعينها وشحها أو غيابها في دول أخرى، مما يعطي إيحاءً بأن المرض النفسي حكراً على الأولى.

الأَوْلى بالاهتمام في الصراعات عادة يكون من نصيب المقاتلين والعتاد والتجهيزات والدفع من أجل تمهيد الأرض لنصر عظيم، وما خلف "النصر العظيم" أو العكس يبقى غائباً حتى نهاية الحرب وربما يظل غائباً إلى ما لا نهاية.

وعلى سبيل المثال، فإن الصراع والحرمان أثرا بصورة غير مسبوقة في الصحة النفسية لليمنيين، لا سيما النساء والفتيات، في مجتمع يعاني أصلاً شح خدمات الرعاية الصحية النفسية وتعرض المرضى الذين يعانون الأمراض النفسية للوصمة الاجتماعية.

مثال اليمن

صندوق الأمم المتحدة للسكان قال في بيان صدر قبل أيام إنه بين 7 ملايين يمني يحتاجون إلى الرعاية الصحية النفسية، يتمكن نحو 12 ألف شخص فقط من الوصول إلى هذه الخدمات، ولا يوجد سوى عدد قليل جداً من الاختصاصيين النفسيين في اليمن بمعدل اختصاصي واحد لكل 700 ألف شخص.

وتعاني النساء والفتيات الأثر الأكبر لاعتلال الصحة النفسية والعقلية، إضافة إلى تزايد أخطار العنف القائم على الفئة الاجتماعية، لا سيما في سنوات الحرب، وقدّر الصندوق عدد النساء والفتيات اليمنيات اللاتي يحتجن إلى خدمات الوقاية والعلاج من العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى نحو 7.1 مليون امرأة وفتاة. ونظراً إلى انعدام هذه الخدمات ومحدودية خيارات الإيواء وانهيار آليات الحماية تتضاعف خطورة زواج الأطفال والإتجار بالبشر والتسول وعمالة الأطفال.

 

صدمة الحرب

ومن اليمن إلى غزة مروراً بالسودان، تترك صدمة الحرب عام 2023 آثارها النفسية الثقيلة على الملايين، فمنظمة الصحة العالمية تقول إن 22.1 في المئة، أي واحد بين كل خمسة أشخاص ممن تعرضوا للمحن على مدى العام الماضي يعانون اضطرابات نفسية، وهي الاضطرابات التي تراوح ما بين أشكال ودرجات مختلفة من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، إضافة إلى الاكتئاب والقلق الشديدين والاضطرابات العقلية الشديدة التي تحول دون عودة الشخص لعمله أو حتى القيام بعمل يضمن له دخلاً حتى بعد انتهاء الظروف الطارئة المتمثلة في الحرب.

وكما هي العادة، فإن النساء والفتيات معرضات أكثر للإصابة بهذه الآثار، لا سيما مع تفاقم ما يتعرضن له من اعتداءات جنسية وغيرها.

عام 2023 المثقل بحروب تفجرت وصراعات مستمرة وكوارث طبيعية خصت المنطقة العربية بالنصيب الأكبر ستترك وراءها آثاراً وعواقب نفسية طويلة المدى، ليس فقط على من بقوا على قيد الحياة وأسرهم، لكن على ملايين المتابعين الذين غرقوا طوال العام في ملاحقة أخبار القتل وعدادات القتلى وبيانات التباهي بالقوة والتفاخر باستمرار القتال، ناهيك عن تواصل مصادر القلق التي باتت كلاسيكية من وباء جديد يلوح في الأفق، أو موجة بطالة تخيم على سوق العمل، أو كساد أو تضخم أو هيمنة ذكاء اصطناعي على حياة البشر رغم أنفهم أو من دون علمهم والقائمة طالت في 2023.

الوباء النفسي

جهات عدة متخصصة في شؤون الصحة النفسية والعقلية حول العالم تقدم هذه الآونة نصائح وخدمات "أونلاين" في محاولة لتحجيم ما أسماه بعضهم "الوباء النفسي" الناجم عن متابعة الكوارث، إذ إن غالبية هذه المواقع تتحدث عن الشعور البشري الطبيعي بالحزن والاكتئاب والخوف والقلق والغضب والشعور بالذنب الذي يجتاح الأفراد، لا المعرضين للصراع مباشرة، بل من المراقبين والمتابعين له، وهذا يحصل بسبب الشعور بالعجز والإحباط وعدم القدرة على الفعل أمام هول ما يحدث.

هول ما حدث في 2023 دفع "إبسوس" (العاملة في مجال البحوث والاستطلاعات) إلى إجراء مسح للصحة النفسية في 31 دولة طوال العام، واللافت أن 62 في المئة من المستطلعة آراؤهم حول العالم قالوا إن حياتهم اليومية خلال عام 2023 تأثرت بسبب التوتر، وذكر 39 في المئة أنهم اضطروا إلى أخذ إجازات من العمل تحت وطأة هذا التوتر، وعلى رغم أن 78 في المئة أكدوا أن الصحة العقلية والنفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، إلا أن 34 في المئة فقط أفادوا بأن الأنظمة الصحية في دولهم تتعامل مع الصحتين بالقدر نفسه من المساواة والاهتمام.

وتشير الدراسة إلى أن التوتر والإجهاد النفسي أصبحا مشكلة متنامية خلال الأعوام الماضية، وبات ثالث أكبر سبب للقلق الصحي، فقال نحو 62 في المئة إن التوتر والإجهاد النفسي أثرا في حياتهم خلال 2023 بصورة انعكست سلباً على حياتهم اليومية، وذكر 34 في المئة أن الأثر تكرر مرات عدة خلال العام.

قليل من الإجهاد لا يضر

منظمة الصحة العالمية ترى أن قليلاً من الإجهاد أو الضغط النفسي ربما يكون مفيداً ويساعد الناس على أداء الأنشطة اليومية، لكن كثيراً منه يتسبب في مشكلات صحية جسدية ونفسية، مما يؤثر سلباً في صحة الإنسان.

سؤال "كيف الصحة؟" هذه الأيام عادة يباغته رد لا يخرج عن "متوتر جداً" أو "أجد التركيز في العمل أو الدراسة صعباً جداً" أو "لدي صداع طوال الوقت" أو "معدتي مضطربة يومياً" أو "لا أنام جيداً" أو "أشعر بإجهاد دائم" أو "لا شهية لدي لتناول الطعام" أو "بتّ آكل طوال الوقت".

وتخبرنا منظمة الصحة العالمية أن كل ما سبق هو علامات الإجهاد، ويضاف إلى شيوع التوتر والإجهاد النفسي خلال العام الماضي، أن واحداً بين كل ثمانية أشخاص في العالم يعاني اضطرابات الصحة النفسية مع ارتفاع نسبة الإصابة بين النساء والشباب. وبين كل أربعة أفراد يعانون هذه الاضطرابات، ثلاثة لا يتلقون الرعاية النفسية المناسبة، أو لا يتلقون رعاية نفسية على الإطلاق.

في مقدمة تقرير صادر قبل أيام عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تحت عنوان "الصحة العقلية تعني كثيراً"، تقول رئيسة وحدة الدعم النفسي والاجتماعي في اللجنة ناتالي هيلينا ريغال إن "المعاناة الإنسانية العميقة التي يعيشها العالم حالياً تستعصي على التعبير المناسب. تتسبب الكوارث والطوارئ والقيود المالية وغيرها من المحن في خسائر فادحة، مما لا يؤثر في الصحة الجسدية فقط، ولكن في الصحة العقلية والنفسية بصورة غير مسبوقة".    

مليار شخص حول العالم يعانون ويتعايشون مع اضطرابات الصحة النفسية والعقلية ويواجهون مشكلات جمة، لكن الأشخاص الذين يواجهون أزمات مثل الحروب والكوارث والأوبئة، يواجهون عوائق متزايدة ويخوضون معاناة أكبر في سبيل تلقي رعاية نفسية مناسبة وربما لا يلقونها إطلاقاً. وواحد من كل خمسة أفراد متضررين من النزاع سيعاني مشكلة صحية عقلية خفيفة أو متوسطة أو شديدة، أبرزها الاكتئاب أو القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام.

يلملم 2023 متعلقاته ويتركنا في وضع نفسي صعب، وفي حسرة على زمن كان غاية المنى رفع الوصمة عن المرض النفسي، وكل الأمل إدماج الصحة النفسية ضمن الرعاية الصحية الأولية، ويستقبل العالم العام الجديد بندوب نفسية عميقة ومخاوف من صحة عقلية عليلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير