Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عشت تجربة الحرب السورية ولكنني أشعر بانعدام الأمان في دبلن

لقد رأيت هذا النوع من أعمال الشغب من قبل. لقد رأيت السيارات وهي تشتعل وسمعت الصيحات الغاضبة. أعلم أن الأمر لن ينتهي على خير

 (رويترز) لقد رأيت أعمال الشغب تلك من قبل. لقد رأيت السيارات تشتعل فيها النيران وسمعت الصيحات الغاضبة

ملخص

لا تزال كوابيس الحرب السورية التي عشتها تلاحقني في دبلن حيث أشعر اليوم بانعدام الأمان.

[تشاء الصدف الغريبة] لزوجي الانطوائي، الذي يُقبل برضى على العمل من البيت كمهندس برمجيات، أن يكون في هذا اليوم بالذات، في وسط مدينة دبلن لتناول عشاء بمناسبة عيد الميلاد أقامته الشركة التي يعمل لديها، علماً أن بشرته سمراء وأصوله مزدوجة فهو نصف فلسطيني ونصف سوري. أقبله قبلة الوداع قبل أن يستقل قطار لواس، من دون أن أدري أن ليلتنا كانت توشك أن تنقلب رأساً على عقب.

كنت أتابع الأخبار في وقت سابق من هذا اليوم. وقد قرأت عن طعن أطفال ومقدمي الرعاية بشكل مروع. وبما أنني أماً لطفل يبلغ من العمر ست سنوات، فأنا أفكر في الأمهات اللاتي يتلقين أخباراً هي بمثابة أسوأ كوابيسهن. لماذا يرتكب أي شخص في العالم مثل هذه الجريمة الفظيعة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد بحثت من دون جدوى عن أي أخبار حول دوافع هذه الجريمة أو هوية المرتكب. إلا أن قسم التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي له آراء أخرى. وشبكة الإنترنت المظلمة التي تحدث الناس عنها منذ فترة طويلة باعتبارها شبكة غامضة ومعزولة عبر الإنترنت، قد أصبحت اليوم مظلمة بالفعل [إذ جاء فيها ما يلي:]

لا بد أن يكون [المجرم] مهاجراً...

هذا ما يحدث عندما تفتح الحدود...

أعيدوهم كلهم إلى ديارهم...

أنا محتارة في أمر هذه [التعليقات] التي تبدو دوماً أول حل مقترح لأي مشكلة، أخيراً. من هم [هؤلاء الذين يُشار إليهم بـ] "هم" وإلى أين هذه "العودة"؟

قرأت عن خطط للقيام باحتجاج، ولكنني لا أفهم ضد ماذا؟ وبطبيعة الحال، نحن جميعاً ندين هذا الهجوم المروع. وهل يمكن أن يدعمه أحد؟

بعثت برسالة نصية إلى زوجي لكي يبتعد عن شارع بارنيل، المقرر أن يتم فيه الاحتجاج. يخبرني أن سائق الترام أعلن أنه سيتوقف في سانت ستيفن غرين، على بعد محطتين فقط [من نقطة الانطلاق]، بسبب مشاكل تحدث على مسافة أبعد على الطريق. ويذكر لي أيضاً أنه بينما كان على وشك الخروج، سحبه السائق جانباً من أجل تنبيهه إلى وجوب البقاء في أمان وبعيداً عن تلك المنطقة.

يبلغني زوجي مازحاً كيف بدت بشرته سمراء للغاية في نظر السائق الذي شعر بالقلق [عليه]، ومع ذلك فهو لا يزال يقدر هذه اللفتة اللطيفة التي تنم عن الحكمة من شخص إيرلندي غريب.

وفي غضون أقل من ساعة، تفحصت هاتفي بعد أن حممت طفلي ووضعته في السرير، لأرى فيه صوراً ومقاطع فيديو تبدو فيها دبلن كما لم أرها من قبل، إذ كان هناك رجال مقنعون، وسيارة شرطة وقد أُضرمت فيها النار، ومجموعة من شرطة مكافحة الشغب يحتمون خلف الدروع ويشكلون خطاً من أجل منع المتظاهرين الغاضبين من التقدم.

أبعث برسالة نصية إلى زوجي مرة ثانية بتوتر، لأطلعه على التصعيد الأخير الذي يجري من حوله. وأكد لي أن كل شيء يبدو طبيعياً في المطعم، الذي يقع على بعد أقل من كيلومتر واحد من ميدان بارنيل، وأنه ليس هناك ما يجب أن يدعوني إلى القلق. ولقد وعد بعدم البقاء لفترة طويلة بعد العشاء.

وباعتباري قد عشت ظروف الحرب السورية، فقد اكتسبت حاسة سادسة عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالخطر. إنها في الغالب إيجابيات كاذبة للمبالغة أو إثارة المخاوف غير الواقعية، لكنها حاضرة معي بقوة هذه المرة. لقد رأيت أعمال الشغب تلك من قبل. لقد رأيت السيارات تشتعل فيها النيران وسمعت الصيحات الغاضبة. وفي أقل من 30 دقيقة، وعندما يظهر مقطع فيديو للحريق الذي شبّ في الترام والإعلان الرسمي عن إيقاف خدمة النقل، أعلم أن الأمر لن ينتهي على خير.

"من فضلك غادر الآن!"، أتوسل إليه عبر الهاتف وأنا أطلعه مرة أخرى على ما يحدث خارج فقاعة المهرجان الذي كان يحضره.

وبعد 10 دقائق أرسل لي رسالة صوتية يقول لي فيها إنه غادر وأنه لا شيء حوله يبدو خارجاً عن المألوف باستثناء بعض المروحيات التي تحلق في السماء باتجاه الشمال.

تعود مشاهد الحرب في سوريا إلى بالي باستمرار. وكانت المروحيات في ذلك الوقت [في سوريا] تعني شيئاً واحداً، وهو البراميل المتفجرة. أنا أدرك أن هذا لن يحصل في دبلن، لكن اضطراب ما بعد الصدمة الذي أعاني منه لا يعرف ذلك.

رقبتي [تصلبت كما لو كانت] صخرة وأنا أشد على هاتفي بقوة. أنتقل من خبر إلى آخر على وسائل التواصل الاجتماعي وموقع زوجي المباشر الذي يشاركه على خرائط غوغل مثل بطارية هاتفه الآتي تشير إلى [أنها مشحونة بمجرد] 9 في المئة. تتحرك النقطة الزرقاء لموقعه ذهاباً وإياباً في متنزه سانت ستيفن غرين بينما تنخفض بطاريته بسرعة على غرار العد التنازلي لسفينة فضاء. أنا لست طبيبة أعصاب، لكني أشعر بأعصاب عقلي وهي تذوب واحداً تلو الآخر.

وأظل أقول لنفسي. سوف يتمكن من العودة إلينا.

لقد نجح في العودة من قبل، أتذكرين؟ عندما كان عالقاً في مخيم اليرموك بدمشق، تحاصره دبابات الجيش والقناصون والمحتجون والصواريخ الجوية العشوائية. أتذكرين؟ عندما قطعت الحكومة جميع الاتصالات حول حيه السكني ولم تتمكني من الوصول إليه وشعرتِ بالدم يجف في عروقك.

سوف ينجح في العودة، وسوف تضحكين عليه كما تفعلين مع كل شيء آخر أصبح مظلماً في حياتك. ولكن ربما لن يعود قريباً، كما يبدو.

تتحرك النقطة الزرقاء جنوباً، بعيداً عن أعمال الشغب، لكنها لا تزال غير قريبة بدرجة كافية من نقطتي على الخريطة. لا أستطيع معرفة ما إذا كان يمشي أم أنه على متن حافلة، لكنني أتجنب إرسال الرسائل النصية إليه، خوفاً من أن تستنزف كلماتي القليلة بطاريته التي وصل شحنها الآن إلى 2 في المئة.

تتصل صديقة إيرلندية للاطمئنان علينا وأخبرها بما يحدث. تعرض أن يلجأ إلى مكان سكنها في المدينة. وتقول على نحو مخلص "يمكنه أن يشحن هاتفه، وسأحضر له سيارة أجرة". أبعث له بالعنوان في رسالة نصية، ولكنني لم أحصل على أي رد. تقفز نقطته إلى الجنوب، ثم أرى الكلمة المخيفة بجوار اسمه. غير متصل بالإنترنت.

قبل يومين، ابتهج باتريك، سائق التاكسي الذي أقلني من المطار، عندما علم أنني سورية واستقبلني ببضع كلمات عربية جعلتني أنسى رحلة طويلة. أخبرني عن الفترة التي قضاها كجندي في قوات حفظ السلام الإيرلندية التي خدمت في لبنان. وقال "لم أتمكن من زيارة دمشق، لكن أحد أصدقائي أخبرني أنه لو كانت هناك جنة على الأرض لكانت هي دمشق".

روى لي باتريك قصصاً تثلج القلب عن وطني وعن شعبي وقال "مرحباً بك في هذا البلد، أيتها السيدة الشابة"، قبل أن يضيف بينما كنت أستعد لمغادرة السيارة "يا إلهي، ماذا أقول؟ إنها بلدك الآن بعد 10 سنوات! يمكنك الترحيب بالآخرين هنا."

بينما أحمل هاتفي وأشاهد موقع زوجي يصبح غير نشط، أتمنى لو كان لدي رقم باتريك. لقد كان ليندفع بسرعة ليقلّه بعيداً عن تلك الفوضى.

تعلن MASI وهي حركة طالبي اللجوء في إيرلندا أن هناك "مذكرة صوتية يتم توزيعها تدعو علناً إلى قتل الرعايا الأجانب". لكن كيف يمكنك التعرف على الأجنبي؟ تلك الكلمة القبيحة التي تطارد الناس أمثالي، تلك الجريمة التي لم نرتكبها ويبدو أننا لا نستطيع أن نخلص أنفسنا منها.

وبعد 30 دقيقة، ظهرت رسالة نصية على هاتفي.

لقد ركبت حافلة واستعرت كابل شحن من رجل هنا. لا تقلقي سأعود للمنزل قريباً.

وبقيت أشعر بالقلق حتى عاد إلى البيت، بعد بعض الوقت، ولكن بابتسامة زائفة ترتسم على وجهه على أمل أن يخفف ذلك من همومي. أبكي بين ذراعيه عند الباب الأمامي لمنزلنا وهو يؤكد لي أنه بخير.

أخبرني لاحقاً كيف سار في شوارع دبلن برفقة أشخاص آخرين تقطّعت بهم السبل لمسافة تزيد على ثلاثة كيلومترات حتى وصل إلى مرآب حافلات دبلن في دونيبروك، حيث تم ترتيب حافلة مجانية لنقله هو والآخرين إلى نقطة أقرب جنوباً.

وبعد الحافلة، وجد سيارة أجرة تقله إلى المنزل بأمان. استسلم للنوم بسرعة، بينما بقيت أنا مستيقظة إلى ما بعد منتصف الليل، حبيسة جسدي المتوتر، الذي كان لا يزال يضخ الأدرينالين. كيف صارت دبلن مظلمة بين عشية وضحاها؟ أفكر في الأصدقاء الإيرلنديين الذين تعرفت عليهم خلال السنوات الـ10 التي أمضيتها هنا، وأشعر أن نبضات قلبي القلقة تتباطأ قليلاً إذ أشعر بالدفء بفكرة حبهم ودعمهم.

إيرلندا. هذا مجرد يوم جمعة أسود، وسوف يمر. أنا أؤمن بأن ترحيب الألف مرة الإيرلندي سيعيدها من جديد خضراء كما كانت.

سعاد الدارة كاتبة ومهندسة سورية أيرلندية مقيمة في دبلن. نشرت دار بنغوين مذكراتها، "لا أريد أن أتحدث عن الوطن" في يوليو (تموز) 2022 وتم إدراجها في القائمة المختصرة لجائزة السيرة الذاتية للكتاب الإيرلندي لهذا العام.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل