ملخص
في لبنان لا يمكن لمن أتم 18 سنة الحصول على رخصة قيادة بسبب اضطراب عمل "هيئة إدارة السير".
انضمت "رخصة القيادة" إلى قائمة الصعوبات في لبنان، بعد أن اضطربت أعمال "هيئة إدارة السير" بفعل ملاحقة أعداد كبيرة من الموظفين بتهم الفساد. وتشكل هذه الأزمة "رأس جبل جليد" معاناة اللبنانيين مع المعاملات التي تتصل بتنظيم قطاع النقل والمواصلات، لا سيما مع إسناد الأمر إلى إحدى الشركات.
الانتظار الطويل
منذ أشهر، يحاول رياض جاهداً الحصول على رخصة قيادة و"دفتر السواقة" في لبنان، ففي كل مرة يسمع عن قرب فك الإضراب أو انتظام عمل مؤسسة "النافعة" وهيئة إدارة السير، يسارع لترتيب أوراقه وملفه بالتعاون مع أحد مكاتب تعليم القيادة، كما يبدأ بالتدريبات على سيارة ذات ناقل حركة عادي، ولكن سرعان ما يكتشف أن الأمور معقدة للغاية.
بعد سلسلة من التأجيلات بدأ الشاب قيادة السيارة على الطرقات، فقد بات واحداً من شريحة وازنة في أوساط الشباب، ممن يقودون السيارة من دون رخصة. ويؤكد أنه "سيستمر في محاولته لإنجاز دفتر السواقة، وإن اضطر لدفع مبلغ إضافي أو التوجه إلى الدائرة المركزية في بيروت"، مضيفاً "أريد دفتر السواقة من أجل القيادة بصورة شرعية، ولكي أحمي نفسي من الملاحقة القانونية في حال توقيفي عند حاجز أمني أو وقوع أي حادثة، والاستفادة من بوالص التأمين".
في محاولة لاستكشاف الصعوبات التي يعانيها المواطن، قامت "اندبندنت عربية" بالتواصل مع ثلاث مؤسسات متخصصة في إنجاز معاملات السيارات، وجاءت الإجابات مشابهة "لا إمكانية لإنجاز دفاتر قيادة جديدة، وإنما تقتصر المعاملات على تجديد الدفاتر القديمة أو إصدار دفتر بدل فاقد".
عودة مربكة
في المقابل، أعلنت هيئة إدارة السير والآليات والمركبات (مصلحة تسجيل السيارات والآليات) عن فتح الباب أمام حجز المواعيد من خلال المنصة الإلكترونية للهيئة، وأنها "سوف تستقبل المواطنين هذا الأسبوع أيام الثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وسوف تقوم في المركز الأساس بالدكوانة بإنجاز المعاملات الجديدة التي تتصل بـ"فك رهن السيارات السياحية الخصوصية وإعادتها إلى السير على اسم صاحبها"، إضافة إلى "تأمين الخدمات التي توفرها، إصدار رخصة سوق بدل فاقد أو تلف وتجديد الرخص منتهية الصلاحية، وكذلك إصدار رخصة سياقة دولية، والحصول على استمارة رخصة سياقة الخارج"، معلنة عن أن "المصلحة سوف تعلن عن توفير خدمات جديدة خلال الأيام المقبلة".
رأس جبل الجليد
تعتبر أزمة "دفاتر السواقة" انعكاساً لأزمة هيئة إدارة السير، وهي نتيجة لمسار طويل، يؤصل المحامي المتابع لقضايا الفساد علي عباس المشكلات الراهنة في "النافعة" التي يصفها بـ"المتجذرة"، متحدثاً عن مشكلة متصلة بتلزيم "شركة إنكريبت" التي لزمتها الحكومة مهمة طباعة دفاتر القيادة الجديدة.
وقد "ضم دفتر شروط التلزيم جميع خدمات النافعة، وهذا مخالف للقانون، لأنه أدى إلى احتكار سائر الخدمات" من وجهة نظر علي عباس، الذي ينوه بأن "الدولة اللبنانية وهيئة إدارة السير لا تمتلك القدرة للولوج إلى المعلومات وقاعدة البيانات التي تجمعها الشركة خلال عملية إعداد دفاتر سياقة جديدة أو طباعة نمر سيارات جديدة"، مضيفاً "هناك معلومات تشير إلى وجود السيرفير خارج لبنان، الأمر الذي يشكل مساساً بالأمن القومي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يكمل عباس "واصلت الشركة عملها إلى أن قررت بصورة منفردة تقاضي الأموال العائدة إليها بالدولار في حين أكد ديوان المحاسبة والحكومة اللبنانية أن العقد يخضع للعقود التي تسعر بالليرة اللبنانية، ولكن مع جواز مواكبتها لرفع الحد الأدنى للأجور"، مضيفاً "أدى الخلاف إلى قرار الشركة وقف أعمالها، مما دفع ديوان المحاسبة إلى مطالبة النيابات العامة للتحرك من أجل ردعها من القيام بحبس مرفق عام".
وقرر الديوان محاسبة رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم، والموظفين بسبب مواصلة العمل خلافاً للقانون. ويؤكد عباس أن "الشركة استعادت 60 في المئة من قيمة العقد في السنتين الأوليين من عقدها، كما قامت بتلزيم جزء كبير من خدماتها بصورة باطنية إلى شركات أخرى مع أن الدفتر يمنع ذلك".
المعاينة الميكانيكية
لا تقتصر المشكلات في هيئة إدارة السير على "إصدار رخص القيادة"، وإنما تتجاوزها إلى المعاينة الميكانيكية، إذ يلفت المحامي علي عباس إلى "قرار رئيس الشركة برفع بدلات الخدمة بصورة منفردة، فإن وزير الداخلية أوقف هذا الأمر. واعتبر أن تجهيزات الشركة ملكاً للدولة".
ونوه عباس إلى فشل المزايدة الجديدة بسبب دفتر الشروط، وإلزام الشركة الرابحة باستمرار التعاقد مع 400 موظف، كانوا يشكلون عماد الشركة القديمة، لذلك، توقفت المعاينة الميكانيكية، وامتنعت جميع الشركات عن التعاقد مع الدولة.
يؤكد المحامي تقديم إخبارات إلى القضاء في ملفات رخص القيادة، والمعاينة الميكانيكية، والسماسرة والفساد لأن "استمرار الأعمال على الحالة التي هي عليها، تشكل خطراً على السلامة العامة، ولا بد من فرض رقابة على أعمال النافعة للحيلولة دون تمرير السيارات للمخالفة".
وأوضح أن "التوقيفات التي شملت أعداداً كبيرة من الموظفين، لم تأت لأسباب عابرة، وإنما بسبب ملفات كبيرة"، و"إخلاء سراحهم لا يعني انتهاء الملاحقات القضائية بحقهم، وإنما جاء نتيجة انتهاء فترة التوقيف الاحتياطي القانونية، ومن ثم إمكانية عودتهم لممارسة مهامهم"، مضيفاً "من هذا المنطلق، قمنا بالتعاون مع النائب إبراهيم منيمنة بتقديم اقتراح قانون يمنع عودة الموظف الملاحق في قضايا فساد إلى الوظيفة نفسها التي لوحق بسببها، إلا بعد صدور حكم بالبراءة".
يقر عباس بتأثير ملاحقة أعداد كبيرة من الموظفين على عمل الهيئة، لكنه يشير إلى حسنات تكليف مسؤولين جدد بعد أن وضع الموظفين الملاحقين تحت تصرف سلطة الوصاية في إجراء احترازي لعدم عودتهم إلى مواقعهم الإدارية".
واقترح المحامي "استغلال إغلاق النافعة من أجل القيام بعملية إصلاحية جذرية داخل القطاع، وتحديثه وتعيين موظفين جدد وفق آليات شفافة"، متخوفاً من تطبيق مبدأ "عفا الله عما مضى" لإخضاع "النافعة" مجدداً لقبضة السماسرة من أجل تسريع خدمات المواطنين في ظل الاكتظاظ الذي تسبب به الإقفال المستمر.