Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تهجير قسري للفلسطينيين في البلدة القديمة بالخليل

سجل خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 أكثر من 1300 اعتداء نفذه المستوطنون على السكان بالضفة الغربية

وضع الجيش جدولاً حركياً للسكان يلزمهم في كل منطقة باستخدام حاجز عسكري للمغادرة خلال 45 دقيقة بعد السابعة صباحاً والعودة بين الخامسة والسادسة مساء (اندبندنت عربية)

ملخص

أعلن الجيش أن بإمكان الفلسطينيين بالأحياء المغلقة الخروج من منازلهم ساعة واحدة في الصباح وأخرى في المساء

عند الخامسة فجراً شعرت نغم جابر (20 سنة) وهي حامل في شهرها الرابع بألم شديد أسفل البطن، لكن الجنود المتمركزين خارج منزلها بالبلدة القديمة في الخليل رفضوا السماح لها بالمغادرة، ساعات عدة، للاطمئنان على الجنين، ما اضطر عائلتها إلى الاتصال بسيارة الإسعاف لنقلها إلى المستشفى بأسرع وقت ممكن بعد أن أصابها نزف حاد، إلا أن الحصار التام وحظر التجوال وعشرات الحواجز التي يفرضها الجيش الإسرائيلي على 11 حياً في البلدة القديمة بالخليل (جنوب الضفة الغربية) منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتقع جميعها ضمن منطقة "H2" الإسرائيلية، تسببت في تأخر الإسعاف ساعات طويلة، مما أدى لوفاة طفلها. قصة جابر ليست إلا واحدة من عشرات القصص التي يعيشها نحو 5 آلاف فلسطيني داخل الأحياء المغلقة بالخليل، حيث المعاناة الإنسانية تتفاقم هناك منذ نحو شهرين، ومع الساعات الأولى لبدء حرب غزة، منعهم الجيش الإسرائيلي، بشكل قطعي، من الحركة أو التنقل في الشوارع والطرقات وحظر عليهم فتح النوافذ والأبواب أو حتى الجلوس في حدائق أو شرفات منازلهم، بل هدد المخالفين بإطلاق الرصاص نحوهم، وهذا ما حصل فعلياً مع الشاب يوسف إدريس (19 سنة)، الذي قتله أحد الجنود عند حاجز عسكري داخل البلدة القديمة، لأنه خالف التعليمات.

 

وفقاً لبروتوكول الخليل، الذي وقع عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات في عام 1997، تم تقسيم الخليل وهي أكبر مدينة في الضفة الغربية إلى جزأين، يقع الأول تحت سيطرة فلسطينية تامة ويعرف باسم "H1" يشمل 80 في المئة من المدينة، في ما تخضع 20 في المئة المتبقية من الخليل لسيطرة عسكرية إسرائيلية تامة تعرف باسم "H2" وتضم 700 مستوطن إسرائيلي في خمسة مواقع تحولت إلى بؤر استيطانية، إلى جانب 40 ألف فلسطيني، في ما يقيم الجيش في المنطقة نفسها قرابة 144 حاجزاً تقيد حركة السكان الفلسطينيين.

 

حصار مشدد

بعد أسبوعين من حظر التجوال التام، أعلن الجيش أن بإمكان الفلسطينيين في الأحياء الفلسطينية المغلقة الخروج من منازلهم لمدة ساعة واحدة فقط في الصباح وساعة واحدة أخرى في المساء في كل مرة من أيام الأحد والثلاثاء والخميس، كما وضع جدولاً حركياً للسكان يلزم الأهالي في كل منطقة أو حي باستخدام حاجز عسكري معين للمغادرة خلال 45 دقيقة بعد السابعة صباحاً، والعودة بين الخامسة والسادسة مساء، وهي مدة يقول السكان إنها تحول دون تمكنهم من التسوق بحسب حاجاتهم، مما يبقيهم من دون غذاء وماء ودواء أو غاز للطبخ. ولأن إجراءات التفتيش الدقيقة على الحواجز تستغرق وقتاً طويلاً، فإن كثيرين من السكان الذين يخرجون للتسوق لا يتمكنون من المرور عبر الحاجز خلال الوقت المحدد الذي خصص لهم، مما يضطرهم للمبيت خارج منازلهم حتى إعادة فتح الحاجز من جديد.

 

وتسبب حظر التجوال منذ أكثر من 50 يوماً بإغلاق كل المدارس في المناطق المغلقة والمحاذية لها، والتي يقدر تعداد طلابها بالمئات، في حين قدر محليون أن من 30 إلى 40 في المئة من سكان المناطق المغلقة في الخليل، اضطروا لترك منازلهم خوفاً على حياتهم من هجمات محتملة من المستوطنين والجيش، وتكبد آخرون خسائر فادحة في الدخل زادت من أزماتهم الاقتصادية جراء إغلاق محالهم التجارية في المناطق والأحياء المغلقة، وبحسب التقديرات، هناك نحو 2000 إلى 3000 حانوت ومحل تجاري قد أغلق في منطقة "H2" منذ بداية الانتفاضة عام 2000 وحتى اليوم .

الناشط الشبابي البارز ضد الاستيطان عيسى عمرو يقول "من دون مبالغة أي حركة للفلسطينيين في المناطق المغلقة قد تتسبب حرفياً في مقتل أحدهم، لأن الجنود يوجهون بنادقهم طوال الوقت إلى النوافذ والأبواب والشرفات في حصار خانق ومشدد لم يسبق أن عاشته عائلات البلدة القديمة في الخليل في أحلك الأيام وأصعبها". أضاف "الخروج من المنزل يعني المرور بعشرات الحواجز والمواجهة مع الجنود، والتعرض لكم هائل من الشتائم البذيئة، ناهيك بالإهانات والضرب والتنكيل وعمليات التفتيش الجسدي المشددة. نحن نعيش في سجن مقابل حرية مطلقة للمستوطنين".


نظام "أبارتهايد"

وفقاً لتقرير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، فإن حظر التجوال على مناطق"H2" في الخليل يقوض حياة السكان بشكل تام إذ يعيش السكان حالاً من عدم اليقين التام ولا يعرفون متى سيتمكنون من العودة إلى حياتهم العادية. في الوقت نفسه يتمتع المستوطنون الذين يسكنون في المدينة بحرية الحركة بشكل كامل، وهم يستغلونها أيضاً للمس بالسكان الفلسطينيين وللاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم.

ويرى مسؤول وحدة البحث الميداني في منظمة "بتسيلم" كريم جبران أن التضييق الجارف والمشدد على حرية تنقل مئات الأشخاص وسجنهم في منازلهم، أسابيع طويلة، لا يوجد له أي مبرر. أضاف "إسرائيل تستغل انشغال العالم بما يحدث في غزة وتتخذ إجراءات في الضفة الغربية عموماً، وفي الخليل خصوصاً، بعيدة الأثر وغير قانونية". وتابع "هذا السلوك ليس سوى مظهر واحد من مظاهر نظام الأبارتهايد الذي تديره إسرائيل، الذي يتجلى على النحو الأشد تطرفاً في مدينة الخليل لأن القيود القاسية على حرية الحركة والتنقل قد مست في حق المواطنين في الحصول على خدمات صحية وتعليمية بشكل منتظم". ولفت إلى أن "الإغلاق على الفلسطينيين تقابله حرية كاملة للمستوطنين، من ثم هو انتقام من الفلسطينيين لإرضاء المستوطنين".

وعلى رغم أن إسرائيل مسؤولة عن سلامة وأمن السكان الفلسطينيين في منطقة"H2" في الخليل، فإنها تتجاهل، باستمرار، هذا الواجب، إذ يركز الجيش الإسرائيلي جهوده على حماية المستوطنين المقيمين في المنطقة، بشكل يمس بحقوق الإنسان للمواطنين الفلسطينيين. ووفقاً "لتجمع المدافعين عن حقوق الإنسان"، فإن نحو 1000 أسرة من سكان المنطقة "H2" يعيشون في عقاب جماعي ومخالف لأبسط الأعراف والقوانين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بهذا الصدد، يقول عارف جابر، وهو ناشط في التجمع، "حصل قطاع غزة على هدنة أياماً عدة، في حين أن الأحياء والمناطق المغلقة في الخليل والتي تأوي آلاف المواطنين لا تزال تحت حصار خانق ومشدد، ويجهلون إلى متى سيصمدون في هذه الظروف القاسية". أضاف "المنازل التي تركها الناس خوفاً على حياتهم باتت مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالاحتلال من قبل المستوطنين الذين يراقبون من كثب كل ما يجري. هم سعداء لأننا منهكون".

التهديد الأكبر

وأظهر استطلاع للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية نشرت نتائجه قبل أيام، أن هذه العام هو الأسوأ منذ عام 2005، حيث سجل، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، أكثر من 1300 اعتداء نفذه المستوطنون على السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، وقد شكل ذلك زيادة قدرها 40 في المئة مقارنة بعام 2022. ولم تعد جرائم المستوطنين، وفقاً للاستطلاع، تقتصر على مناطق (جيم) ومناطق (باء)، بل أصبحت تتمدد لتشمل مناطق (أ) أيضاً.

وأشار الاستطلاع إلى أن إرهاب المستوطنين يمثل التهديد الأكبر لسكان الضفة الغربية، فيما أشارت الغالبية ممن استطلعت آراؤهم أن تشكيل مجموعات مسلحة يعد الآلية الأكثر فاعلية لحماية الفلسطينيين من هجماتهم. وقال 69 في المئة من الفلسطينيين المستطلعة آراؤهم، إنهم يخشون حصول اعتداءات من المستوطنين عليهم في المستقبل، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 80 في المئة في المنطقة (جيم)، و73 في المئة في المنطقة (ب)، وتنخفض إلى 61 في المئة في المنطقة (أ).

وأظهرت النتائج أن التهديد من إرهاب المستوطنين يتصاعد ليصل إلى 96 في المئة في المناطق التي شهدت أو ما زالت تشهد اعتداءات كهذه في المنطقتين (باء) و(جيم)، ومنطقة "H2" في الخليل حيث تصل هذه النسبة هناك إلى 93 في المئة.

 

وبينت نتائج الاستطلاع أن مخاوف السكان الفلسطينيين تشمل الاعتداءات على المساكن والممتلكات، والخوف من التهجير أو الإجبار على الانتقال إلى مناطق أكثر أمناً. وأظهرت المعطيات أن المواطنين لا يثقون أبداً بحماية الجيش الإسرائيلي لقناعة الفلسطينيين الواسعة بأن هذا الجيش يشكل مصدر تهديد إضافي للمواطنين، في حين قال معظم سكان المناطق التي تتعرض لاعتداءات المستوطنين، إن الجيش يقوم بمساندة المستوطنين في اعتداءاتهم، وتقول نسبة تبلغ الثلثين من سكان الضفة الغربية، إن الجيش يقف متفرجاً على هذه الاعتداءات. ورأت الغالبية أن تشكيل مجموعات مسلحة في المناطق المهددة من المستوطنين هي الآلية الأكثر فاعلية وواقعية في حمايتهم من إرهاب المستوطنين.

وأشار نحو 88 في المئة من الفلسطينيين إلى أن هجمات المستوطنين الدموية في منطقه سكنهم لا تدفعهم للهجرة. وعندما خير جمهور الاستطلاع بالطرق الأكثر نجاعة لمواجهة إرهاب المستوطنين: هل هي الاعتماد على الجيش الإسرائيلي، أم نشر قوات الشرطة الفلسطينية في المناطق المعرضة للاعتداءات، أم تشكيل مجموعات مسلحة من سكان تلك المناطق، أم تشكيل مجموعات غير مسلحة من سكان تلك المناطق؟ فقال ما يقارب نصف الجمهور، إن تشكيل المجموعات المسلحة هو الخيار الأكثر نجاعة، وكان هذا هو الخيار الأقوى عند سكان منطقة " H2"  (64 المئة) في الخليل، ثم سكان المناطق التي تعرضت للتهجير أو لاعتداءات المستوطنين (58 في المئة)، ثم مناطق القدس المعزولة (54 في المئة)، ثم سكان المنطقة (ألف) (46 في المئة)، ثم (باء) (44 في المئة) ثم مجمل المنطقة (جيم) الموسعة (39 في المئة).

المزيد من تقارير