ملخص
ستتواصل على الأرجح الزيادة في أسعار الذهب الفترة المقبلة حتى تحرير تعويم الجنيه المصري من قبل البنك المركزي
فيما بدت رؤية سعر الذهب في مصر من جديد عند مستويات أبريل (نيسان) الماضي أمراً غير متوقع على المدى القريب، حتى فوجئ المصريون بارتفاع المعدن الأصفر إلى أعلى مستوى منذ ستة أشهر، لكن ليس هذه المرة بسبب موجة الشراء التي شوهدت في أبريل، وأدت إلى الصعود بالسعر آنذاك إلى مستويات قياسية، ولا لحرب تدور رحاها في قطاع غزة المجاور منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل بضغوط محلية من السوق الموازية لصرف الدولار في البلاد، إذ ارتفع السعر التحوطي للذهب في السوق المصرية إلى 50 جنيهاً في المتوسط (1.62 دولار رسمياً) من مستوى 43 جنيهاً (1.39 دولار) في المتوسط الشهر الماضي، على خلفية النشاط القوي للسوق الموازية في الآونة الأخيرة.
بدت استجابات غرام الذهب في مصر أكثر تأثراً بعوامل محلية قادت السعر نحو مستويات مرتفعة من أي عوامل أخرى، فلا السوق العالمية ولا التوترات الجيوسياسية في الإقليم، تدفع نحو صعود المعدن في مصر، أكثر من طلب مدفوع بالرغبة في التحوط من تآكل المدخرات بفعل التضخم وتغيرات في معادلة تسعير الذهب على أساس سعر الدولار في السوق السوداء.
توقعات سابقة لـ"اندبندنت عربية" في سبتمبر (أيلول) الماضي، في تقريرها المعنون "سوق الذهب تتهيأ لصعود قريب في مصر" بارتفاع سعر المعدن إلى مستوى 91 دولاراً لغرام "21" صارت واقعاً، حين ارتفع منتصف نهار الأربعاء الماضي، إلى 2800 جنيه (90.61 دولار)، وزيادة الأوقية (الأونصة) بنحو 10 دولارات، لتسجل 1988 دولاراً، في حين صعد غرام الذهب عيار 24 الأكثر نقاءً إلى 3200 جنيه (103.55 دولار)، وبيع عيار 18 بـ2400 جنيه (77.66 دولار) وبلغ غرام الذهب عيار 14 سعر 1867 جنيهاً (60.42 دولار) وارتفع الجنيه الذهب (ثمانية غرامات عيار 21) إلى 22400 جنيه (724.85 دولار) بخلاف الرسوم والضريبة والمصنعية.
الارتفاعات جاءت لتكمل سلسلة متتالية من ارتفاع الأسعار، كان آخرها، في الأيام اقليلة الماضية، حين بلغ إجمال ارتفاعات الغرام الواحد 45 جنيهاً (1.46 دولار)، في وقت أسهم ضعف الدولار أمام سلة العملات الرئيسة وتدني عوائد السندات الأميركية، في صعود مريح للمعدن النفيس.
وستتواصل على الأرجح الزيادة في أسعار الذهب الفترة المقبلة حتى تحرير سعر صرف الجنيه من قبل البنك المركزي، أو "التعويم الرابع"، إذ يتوقع في أعقاب هذا الإجراء رفع لجنة السياسة النقدية أسعار الفائدة، وربما قيام بنوك حكومية بطرح شهادات ادخارية بعائد مرتفع لتعويض أصحاب المدخرات عن خفض الجنيه المصري، ومنع خروج هذه الأموال خارج القطاع المصرفي إلى أوعية أخرى، بخاصة مع حلول موعد استحقاق الشهادات مرتفعة العائد، كان طرحها البنك الأهلي المصري وبنك مصر، قبل عام، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وهي السياسة المتبعة في أعقاب أي تحرير لسعر الصرف، وفق مصدر مصرفي لـ"اندبندنت عربية".
"شماعة العرض والطلب"
يقول المدير التنفيذي لإحدى منصات بيع الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت في مصر سعيد إمبابي إن التوقعات بإبقاء "الفيدرالي الأميركي" على سياساته الحالية وتثبيت أسعار الفائدة في اجتماعه ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إضافة إلى خفض أسعار الفائدة الأميركية بنحو لا يقل عن 25 نقطة أساس بحلول مايو (أيار) المقبل، تعزز من قوة الذهب كملاذ آمن الفترة المقبلة.
وتحدث إمبابي، عن تسعير الذهب في السوق المصرية ويرى أن هذه العملية لا تزال تتم وفق سعر صرف الدولار الأقل من مستويات السوق السوداء. وقال إن أسعار الذهب في مصر تحدد وفق ثلاثة عوامل تشمل سعر الأوقية عالمياً وسعر الدولار، إضافة إلى العرض والطلب، مشيراً في هذا الصدد إلى انفصال الأسعار في مصر عن مثيلاتها العالمية، ليبقى العرض والطلب الأكثر تأثيراً في سعر غرام الذهب بمصر. لكنه يلفت إلى أن آلية العرض والطلب صارت "شماعة" لتبرير ارتفاعات وهمية في بعض الأوقات، متسائلاً بقوله "من في مصر يملك بيانات العرض والطلب ليحدد توجهات وتحركات السعر المحلي للذهب؟".
ارتفاع الطلب على الجنيهات الذهبية
ويرى أحد تجار الذهب محمود الشرقاوي أن الأسعار تشهد ارتفاعاً بدعم من صعود سعر الدولار في السوق الموازية إلى مستويات قريبة من 50 جنيهاً، إضافة إلى طلب ملحوظ بوتيرة أقل من تلك التي شهدتها السوق في الربع الأول من العام الحالي. ويضيف الشرقاوي، أن الطلب في مصر يشهد ارتفاعاً كلما زادت أسعار الذهب، وهو ما يراه مخالفاً للأعراف، إذ يفضل شراء الذهب من مستويات منخفضة أملاً في الربح، لكن توقعات البعض في شأن اتجاه "المركزي المصري" لتعويم جديد في الجنيه المصري، تعطي زخماً قوياً لسوق الذهب المصرية هذه الأيام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتحدث تاجر الذهب عن اتجاه المستهلكين. ويقول إن الطلب على المصوغات كان هو السائد في الأشهر الأخيرة، غير أن المبيعات الحالية تمنح الجنيهات الذهبية والسبائك النسبة الأكبر، متوقعاً مواصلة ارتفاع الطلب على الجنيهات والسبائك الفترة المقبلة، رغبة في التحوط من تآكل المدخرات، وتدني القيمة الشرائية للجنيه المصري.
وارتفعت مبيعات الذهب في مصر، على وقع التضخم الذي يستنزف القدرات الشرائية للجنيه المصري، وحالة انعدام اليقين الاقتصادي ونشاط السوق السوداء، على خلفية تعويم الجنيه المصري أمام العملة الأميركية منذ مارس (آذار) من العام الماضي، وتراجع السعر من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، إلى متوسط 30.85 جنيه للعملة الأميركية، وسجلت مشتريات المصريين من المعدن خلال الربع الثاني من 2023 إلى 17.3 طن مقابل 16.2 طن في الربع السابق و10.7 طن في الربع نفسه من العام الماضي، وفق بيانات مجلس الذهب العالمي مطلع الشهر الماضي.
ويتحوط المصريون عبر أوعية مختلفة من بينها شراء الذهب، بغرض حماية عملة بلادهم المحلية من التراجع، بخاصة مع ارتفاع التضخم في البلاد إلى مستويات قياسية، قبل أن يُسجل تباطؤ طفيف الشهر الماضي، إذ سجل المعدل السنوي للتضخم الأساس في مصر، 38.1 في المئة، بحسب بيانات البنك المركزي المصري متباطئاً من 39.7 في المئة في سبتمبر (أيلول) 2023، فيما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الأسبوع الماضي، تسجيل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بلغ 190.1 نقطة لشهر أكتوبر الماضي مسجلاً تراجعاً في معدل التضخم السنوي، إذ وصل إلى 38.5 في المئة مقابل 40.3 في المئة لشهر سبتمبر 2023.
وبينما ستظل حالة عدم اليقين في شأن قرار "المركزي المصري" حيال التخفيض الرابع للجنيه ماثلة في أذهان المصريين، فإن الطلب على الذهب الفترة المقبلة سيأتي ربما بوتيرة أعلى، بخاصة مع تنامي نشاط السوق السوداء في البلاد، وصولاً إلى تحرير سعر الصرف، وتجميد نشاط سوقه الموازية، وهدوء الطلب على المعدن الأصفر، وانصراف المدخرات إلى منتجات مصرفية بعائد مرتفع.