Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا سقطت منظمة تجسس صهيونية في غزة عام 1917

شبكة استخباراتية انتحرت قائدتها الميدانية قبل وصول العثمانيين إليها

جنود أتراك يقدمون عرضا بزي الجيش العثماني السابق (أ ف ب)

ملخص

لم تتمكن الاستخبارات العثمانية من جمع معلومات كافية في البداية من الكشف عن منظمة التجسس الصهيونية "نيلي" الداعمة للبريطانيين؟

قبل قرن من الزمان، نفذت منظمة التجسس "نيلي"، التي تعد اختصاراً لجملة "خلود إسرائيل ليس كذبة" بالعبرية وأسسها الصهيوني الروماني آرون آرونسون، سلسلة من العمليات وقفت شقيقته سارة خلف الجانب الميداني منها، بهدف التجسس على الأتراك لصالح البريطانيين في الحرب العالمية الأولى.

استطاعت "نيلي" أن تجمع معلومات تكتيكية حول الخصائص الجسدية والمهارات القتالية للضباط الأتراك، وكانت تركز على استخدام العميلات الإناث، وتقدم خدماتها للبريطانيين مباشرة، فيما كان الضابط التركي أحمد جمال باشا هدفاً خاصاً لهذه المنظمة، إذ كانت أي معلومات استخباراتية عنه تحظى بأهمية كبيرة لدى لندن، لأنه لاحقاً واجه الهجوم على مدينة غزة.

في البداية وحتى عام 1916م لم تتمكن الاستخبارات العثمانية من جمع معلومات كافية عن آرون أو شقيقته سارة، بل إنها لم تعرف أن سارة موجودة على الأراضي الخاضعة لسلطة الأتراك. ولفتت سارة انتباه الاستخبارات العثمانية من خلال زوجها السابق حاييم إبراهيم، وعلى رغم أن حاييم لم يكن يعمل ضمن منظمة "نيلي"، فإن تورطه في أنشطة تجسس أخرى دفع الاستخبارات لمراقبة زوجته السابقة سارة.

وبحلول عام 1917، توصلت مديرية الأمن العام التركية إلى نتيجة مفادها أن اليهود الصهاينة، وبخاصة الأوروبيون، يعملون ضمن شبكة استخباراتية في منطقة ممتدة من أضنة وحتى غزة، لكن حينها لم يكن هناك معلومات كافية عن كل أنشطة هذه الشبكة والغرض منها.

في السابق كانت الإمبراطورية العثمانية تتخذ كل الاحتياطات اللازمة لفك رموز وشيفرات منظمات التجسس التي تعمل في مصر والمناطق المحيطة بالقدس، خصوصاً من العرب اليهود والمسيحيين، لكن آرون استطاع أن يبني هيكلاً دقيقاً وقوياً لدرجة أن أنشطته لا تبدو أنها مزعجة، إلا أنه بعد تحقيقات واسعة اكتُشفت هذه المنظمة، وحُددت أهدافها.

لعل أول تلك الأهداف، محاولة الحصول على معلومات حول قطارات "أفيول"، من خلال رشوة بعض الضباط، والمعلومات المطلوبة كانت هي عدد القطارات التي تمر كل يوم، وكمية الذخيرة والحبوب والمدفعية والطائرات ووسائل النقل، والضباط الموجودين في مركز منطقة درعا، ومعرفة كمية وعدد القوات الموجودة في القدس، وعدد الكتائب وأسماء القادة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتولت منظمة التجسس الصهيونية مهمة التحقق من ماهية القوات الموجودة في يافا وحيفا والناصرة وعكا والمناطق المجاورة، وإعداد جداول وخرائط لمواقع السيارات والعربات وطرق السكك الحديدة وأسماء الضباط والمسؤولين الذين يميلون إلى حكومة الحلفاء، وذلك لأجل التخطيط لما بعد نهاية الدولة العثمانية، ولأجل نفس الهدف أيضاً كان لا بد من إجراء اتصالات مع رجال الدين في فلسطين.

ومن بين الأهداف أيضاً كان معرفة العربات والآلات المتوفرة في المحطات، والمواقع الاستراتيجية على ساحل فلسطين من أجل تزويد الألمان الموجودين هناك. وباختصار استطاعت منظمة "نيلي" خلق شبكة رشوة خطرة في البيروقراطية العثمانية، ووقع في فخ هذه المنظمة كثير من الضباط بهدف الحصول على مزيد من الأموال، لكن وعلى رغم كل هذه التعقيدات كانت الاستخبارات في تركيا جيدة واستطاعت اتخاذ خطوات استكشافية، وكان جمال باشا منخرطاً من كثب في هذه القضية لأنه كان يعلم أنه الهدف النهائي للمنظمة.

التوصل إلى المدعو "يوسف ليشانسكي"، وهو أحد الأعضاء المهمين في المنظمة، شكل ضربة كبيرة لها، فبعد الوصول إليه بدأت المنظمة بالتفكك، وبعد ذلك ضاقت الدائرة على المؤسس آرون أرونسون، لكن كان وضع شقيقته سارة في الإجراءات الميدانية قد أخر الضربة القاصمة للمنظمة، كون الأتراك حينها قللوا من أهمية سارة في البداية، وعندما أدركوا أهميتها شرعوا بالبحث عنها بشكل موسع حتى وصلوا إليها، لكنها أطلقت النار على نفسها وانتحرت قبل إلقاء القبض عليها.

لم يكن انتحار "سارة" فقط لحماية المنظمة، بل لأنها كانت تمتلك معلومات مهمة عن عملية غزة التي كان البريطانيون على وشك شنها، وبعبارة أخرى فإنها انتحرت لكي تسقط غزة.

بعد أن كُشف أمر المنظمة، أصدر أحمد جمال باشا تعليمات للجنود الأتراك تمثلت في أن القوة التي تحافظ على المنطقة الساحلية غير كافية من حيث الجودة، والمراكز التي تحرس الساحل قليلة جداً، والتدابير المتخذة لوقف أنشطة العدو لا تفي بالغرض، لذلك ستُشدد الإجراءات الأمنية على الجبهة الساحلية، وسيُكفل كل فيلق بحماية أمن منطقته، وإبلاغ قائد الجيش بالتدابير الجديدة المتخذة، مع تنفيذ "الإعدام" في حق أي مسؤول عن هذا الخطأ الكارثي، وفي حالة الضرورة فرض حظر ليلي على استخدام الطرق المؤدية إلى الشاطئ، على أن تمنع قيادة المشاة التركية من المرور عبر المنطقة الصحراوية، وبالنسبة إلى الصيادين سيتم حراسة قواربهم ليلاً من قبل المقاطعات المسؤولة.

بعد كل هذه الإجراءات وبعد انتحار "سارة" أُعدم 14 عضواً من "نيلي"، لكن معظم أعضاء المنظمة تمكن من الفرار، ومعظمهم فر إلى القاهرة. أما التقارير التي قدمتها المنظمة للبريطانيين فاستفادوا منها بشكل كبير خلال حرب غزة.

وبالنسبة لمنظمة "نيلي" فهي تعد سلف الموساد، وتمكن الأتراك حينها من القضاء عليها وتفكيكها، لكن بعد تأسيس إسرائيل كدولة بشكل رسمي أصبح الموساد أعظم قوة لها.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لـ"اندبندنت التركية".

المزيد من تقارير