Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب تبيد مقومات الحياة في غزة وتحولها إلى هيروشيما ثانية

إلقاء 25 ألف طن من المتفجرات على القطاع بمعدل 70 طناً لكل كيلومتر مربع

ملخص

ما الذي تستخدمه إسرائيل في قصفها للقطاع؟ وما أنواع أسلحتها المستخدمة وأثرها في البيئة ومقومات الحياة الأساسية في غزة؟

تعد الحروب سبباً رئيساً في استنزاف الحياة وموارد الطبيعة على اختلاف أنواعها وأشكالها، فهي سبب أساس في دمار النظام البيئي، إذ تعمل على تخريب البيئة وتؤثر في مقومات الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية، ولها أيضاً تأثيرها السلبي والمدمر في الجماد وما يخدم الطبيعة، فالحروب تؤدي إلى انتشار الأمراض الخطرة التي من شأنها تهديد حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى، بالخطر أحياناً، وبالموت أحياناً أخرى.

ومع وصول كمية المتفجرات التي ألقتها إسرائيل على بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً إلى 25 ألف طن، بمعدل 70 طناً لكل كيلومتر مربع في غزة، فهي تعادل بذلك مرتين قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية.

وقال الإعلام العبري إن "الجيش الإسرائيلي ألقى 10 آلاف قنبلة منذ بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي"، أما المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فقد تحدث عن وجود إصابات ترصد لأول مرة في غزة كالبتر وحروق وذوبان للجثث والأطراف، وهذا يستدعي معرفة ما الذي تستخدمه إسرائيل في قصفها للقطاع، فما أنواع أسلحتها المستخدمة؟ وما أثرها في البيئة من إنسان وحيوان وموارد طبيعية ومقومات الحياة الأساسية في غزة وما حولها من بيئات قريبة؟

أسلحة مذيبة

هناك مجموعة متنوعة من الأسلحة الفتاكة التي تستخدم اليوم في الحرب على القطاع، مثل منظومة "جدام" (JDAM) التي يرجح أنها استخدمت في قصف مستشفى المعمداني، ويعتمد نظامها على إنتاج مجموعات هائلة من الشظايا التي تستهدف أهدافاً بشرية دون أن تؤثر بشكل كبير في المباني أو البنية التحتية المحيطة، على رغم وجود آراء تتحدث عن استخدام في قصف المستشفى المذكور قنابل "أم كيه – 82" (MK-82) التي تصل دائرتها التدميرية إلى 360 متراً، فهذه القنبلة تعد نسخة معدلة من "أم كيه – 82"، حيث زاد حجم غلافها الخارجي بمقدار بوصة واحدة، ما يعني أنها تنشطر إلى 17 ألف شظية عند الانفجار، ويتراوح حجم الشظية الواحدة منها بين 2 و6 غرامات مما يعني قدرة تدميرية هائلة. كما تستخدم إسرائيل قنابل مجنحة من طراز "جي بي يو 39" (39GBU)، وهي قنابل موجهة بدقة تطلق من الطائرات المقاتلة النفاثة، وتوجه لاستهداف شقق سكنية أو مبانٍ، بمحيط تدمير يصل حتى نحو 200 متر، وكذلك قنابل "جي بي يو 39" (GBU-28) التي يصل وزنها إلى 2270 كيلوغراماً، وتحمل 286 كيلوغراماً من المتفجرات، مزودة برأس صاروخ موجه بالليزر، أو عبر الأقمار الاصطناعية، ولها القدرة على اختراق ما لا يقل عن 6.7 متر من الخرسانة المسلحة، إضافة لقنابل من طراز "بي أل يو – 109" (BLU-109) الفراغية التي تخترق الملاجئ الخرسانية والهياكل الصلبة قبل انفجارها، وصاروخ "أي جي أم - 114 هيلفاير" (Hellfire 114-AGM) الموجه، ومن الممكن إطلاقه من منصات عدة لإصابة أنواع مختلفة من الأهداف.
أما أخطرها فهي قنابل الفسفور الأبيض التي تشتعل في الهواء وتتسبب في حروق تصل حتى العظم وتتلف أجهزة الجسم وتحدث تهتكات بالجهاز التنفسي لأنها تطلق حرارة تصل إلى 1300 درجة مئوية.

المياه سلاح إضافي

هذا كله يعرض كل مقومات الحياة الطبيعية للإبادة بشكل بطيء تارة، وسريع تارة أخرى، إذ تتعرض المصادر المائية جراء الحروب إلى أضرار بالغة أثناءها، وخلال تلك الفترة التي تعقبها. ويمكن تصنيف تأثيرات الحرب في نوعية المياه بأشكال شتى، حيث إن ضرب المنشآت النفطية والمصانع ومحطات توليد الكهرباء وخزانات الوقود قد يؤدي إلى وصول مواد كيماوية عضوية أو غير عضوية إلى المصادر المائية، وتؤدي الانسكابات على التربة، سواء كانت لمواد كيماوية أو نفطية، إلى تغلغل الملوثات إلى المياه الجوفية.
وتعد مياه الآبار الجوفية أهم مصدر ومورد للمياه في غزة، كما يعتمد القطاع على ثلاثة مصادر أخرى، كالمياه السطحية، وهو مورد محدود جداً ولا يستفاد منه إطلاقاً، وتحلية مياه البحر، وهناك ثمانية ملايين متر مكعب من المياه تخضع سنوياً لسيطرة الاحتلال مباشرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ومن أبرز ما يعانيه القطاع اليوم تصريف مياه المجاري غير المعالجة، والتي تؤثر في بيئة الأنهار من خلال عديد من التأثيرات، منها إحداث قلة في غاز الأوكسجين المذاب، وهي حالة معروفة بكثرة في علم البيئة، وتسمى الاختناق البيئي، والتي تؤثر في الأحياء المائية، وتؤدي إلى عمليات التحلل من النوع الأوكسجيني أو الهوائي، إلى النوع اللاأوكسجيني، أو اللاهوائي، الذي يسبب انبعاث روائح كريهة وغازات ملوثة ومن أهمها غاز كبريتيد الهيدروجين، يرافقها تحول في حامضية المياه، إضافة إلى تزايد خطر الإصابة بالأمراض المعدية المنقولة من طريق المياه كالإسهال وغيره لدى الأفراد الذين يستهلكون هذه المياه. فمن المعلوم أن توقف إنتاج الكهرباء أثناء فترة الحروب قد يؤدي إلى تصريف مياه المجاري إلى الأنهار من دون معالجة، وقد يكون لذلك أثر كبير في زيادة انتشار الأمراض المنقولة من طريق المياه.
وتعد المياه سلاحاً إضافياً تستخدمه إسرائيل في حربها ضد غزة، إذ إن شرب المياه الملوثة زاد من انتشار الأمراض الخطرة، فقد أعلنت وزارة الصحة عن إصابة 3150 مصاباً بأمراض وبائية، كما يوجد 52000 امرأة حامل يشربن المياه الملوثة في غزة وأكثر من 3000 طفل دون سن ستة أشهر، وذلك وفقاً لتقييم وثيقة داخلية لوزارة الخارجية الأميركية، وبسبب تفاقم نقص المياه في القطاع أوصت الوثيقة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالضغط على إسرائيل لاتخاذ خطوات فورية لإنقاذ حياة عشرات الآلاف.

أكبر خطر

كما يعد الهواء من أكثر القطاعات البيئية تأثراً جراء الحروب، حيث يمتد هذا التأثير في الهواء أثناء الحروب ولفترة زمنية أطول بعد انتهاء الحروب، حيث يشمل التلوث على إنبات كميات هائلة جداً من الملوثات الغازية السامة التي تنتج من عمليات الاحتراق غير التام للمشتقات النفطية، وذلك بسبب المواد المطاطية وزيوت المحولات والمواد الكيماوية الأخرى، حيث إن احتراق كل هذه المواد، أو حتى إحداها، يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة جداً من الملوثات الغازية، كما يتلوث الهواء أيضاً من طريق انتشار الجسيمات، التي يشكل عنصر الكربون الغالبية العظمى منها. ويتلوث الهواء من جراء الحروب بالإشعاعات مما يتسبب في كارثة بيئية تدوم طويلاً وتؤثر سلباً في البشرية عامة، والبيئة المحيطة بخاصة.
وهناك أدلة علمية حديثة وقاطعة تشير إلى أن عمليات التفجير الشديد يصاحبها عادة انطلاق كم هائل من الطاقة أو الأشعة الكهرومغناطيسية، وينتج منها تأيُّن شديد في الهواء (العملية الفيزيائية لتحويل الذرة إلى أيونات بإضافة أو إزالة جسيمات مشحونة مثل الإلكترونات أو الأيونات)، كما يعد الغبار الخرساني الناجم عن الهدم مصدراً رئيساً لتلوث الهواء.
وأثبتت دراسة بيئية أن "الهواء يمثل أكبر خطر بيئي على الصحة، وبخاصة عند الأطفال، إذ يتنفس الأطفال بشكل أسرع، لذلك يستنشقون كمية أكبر من السموم المحمولة في الهواء بما يتناسب مع وزنهم مقارنة بالبالغين المعرضين للكمية نفسها من تلوث الهواء، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالربو في مرحلة الطفولة ومشكلات صحية مدى الحياة"، لذلك فمن لم يموت من أطفال غزة جراء القصف، فقد حمل معه مشكلة صحية دائمة.

صدمة التراب

إن العلاقة بين القصف الجوي الصاروخي وزيادة محتوى العواصف الرملية والترابية من العوالق الصلبة أمر معروف ومثبت علمياً منذ سنوات، وهو لا يقتصر على التفجيرات فقط، بل يتعداه إلى أية تأثيرات متشابهة من شأنها أن تقلل من تماسك سطح التربة ما ينتج منه تصدع الطبقات المتماسكة من السطح وتفتيتها، وبذلك تتوفر كميات أكبر من دقائق التراب أو الرمال الجاهزة للتطاير والتي تتطاير حالما تتوفر لها الظروف المناخية المواتية التي من أهمها سرعة الرياح باتجاه عمودي كتلك الناشئة عن اصطدام جبهتي هواء ساخنة وأخرى باردة أو غير ذلك من الظروف المناخية، لذلك فإن التربة في غالب المناطق التي تتعرض لقصف جوي وصاروخي أثناء الحروب والنزاعات، تعاني خفض الإنتاجية بدرجة ملحوظة وفقدان قوامها الأصلي، وذلك لعديد من العوامل منها حجم الانفجارات والقصف الجوي الصاروخي وحجم العمليات العسكرية التي تفتت طبقة سطح التربة المتماسكة وحدوث التشققات والحفر العميقة نسبياً، كما أن تسرب المواد الكيماوية والنفطية إلى التربة يؤدي إلى تلوثها بمواد خطرة أو سامة مما يؤثر في نشاط الأحياء المجهرية واللازمة لخصوبتها، إضافة إلى أن الأمطار الحامضية السوداء بسبب الدخان المتصاعد تعد خطرة على التربة والثروة النباتية عامة، وعليه فإن رقم الخسارة المادية الذي سيتم الحديث عنه لا يوازي الضرر الذي يؤثر بشكل دائري في كل مقومات الحياة في غزة وما حولها، وبخاصة بعد 15 سنة على حصار خانق تخلله ست حروب، وما يجري اليوم هي الحرب السابعة على أرض قرر لها أن تكون محروقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير