ملخص
3 جهات تتولى حفظ تاريخ البلاد والباحثون الأكثر احتياجا له
مع اختلاف أشكال التوثيق عبر الأزمنة المتعاقبة من التناقل الشفاهي للمعلومات والمعارف والمهارات وصولاً للرقمنة والعرض عبر الإنترنت، تظل المهمة واحدة متجسدة في حفظ الأحداث التاريخية والمعلومات العلمية ونقلها من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل وإلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها، وهو أمر قائم في تونس كغيرها من البلدان العربية.
يقول المدير السابق لمركز التوثيق الوطني التونسي، الصحراوي قمعون، إن "التوثيق يعيش أزمة في العالم العربي وبخاصة تونس، حيث لا يحظى على كل المستويات بأي أولوية أو أهمية وهو ما تؤكد عليه معاناة أقسام التوثيق أو الأرشيف من التهميش".
ويضيف قمعون في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن "علم التوثيق كان مزدهراً في العصر الإسلامي الزاهر زمن الدولة العباسية مثلما تدل عليه كثرة المصنفات التوثيقية وكثرة علماء التوثيق كان أبرزهم بن النديم".
الحضارات تنمو بتدوين وثائقها
يؤمن المدير السابق لمركز التوثيق الوطني التونسي بأنه "في العالم العربي ما زال هناك خوف من الوثيقة التي تدين فيجري إحراقها أو تغييبها في حين تنمو الحضارات بتدوين وثائقها وتركها للأجيال القادمة".
ويرى أنه "في علم التوثيق والأرشيف هناك تحديد مضبوط للسنوات التي تظل فيها الوثيقة حبيسة الإدارة ولا تفتح للعموم إلا بعد مرور عدد من السنوات لتضمن عدم توظيفها للإضرار بحياة أناس ما زالوا على قيد الحياة، وهناك وثائق تاريخية لا يفرج عنها للعموم إلا بعد مضي نصف قرن أو قرن كامل عنها".
وفي تونس تتكون منظومة التوثيق من ثلاث مؤسسات وهي مركز التوثيق الوطني الإعلامي ويحتفظ بنسخ من الصحف والمجلات الصادرة بتونس منذ صحيفة "الراد" التونسي عام 1860، وثانياً مؤسسة الأرشيف الوطني التي تحفظ كل الوثائق الإدارية لمختلف الإدارات، وأخيراً المكتبة الوطنية التي تضطلع بحفظ الكتب الصادرة في تونس أو الواردة إليها.
وتعيش المؤسسات الحكومية في تونس تحدياً كبيراً يتمثل في رقمنة الأرشيف الوطني، فمثلاً مؤسستا الإذاعة التونسية والتلفزة التونسية تملك أرشيفاً مهماً وثرياً يوثق لعدة مراحل في تاريخ تونس المعاصر كخطابات الرؤساء أهمها خطابات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والأحداث الكبرى التي عاشتها البلاد منذ الاستقلال والحفلات الكبرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسعى هذه المؤسسات التونسية لحفظ الأرشيف وتقديمه للمتقبل بشكل جديد وبطريقة سهلة للولوج إليه والاستفادة منه أو إعادة استغلاله، وهناك مؤسسات أخرى نجحت في رقمنة أرشيفها ليكون مادة سهلة التناول خصوصاً للباحثين.
في هذا الصدد، يقول الصحراوي قمعون إن "الرقمنة اليوم أساسية في التوثيق لأنها تسمح بالاستغلال الأوسع والأسرع للمعلومة بخاصة في مجال الصحافة والإعلام".
لكن قمعون يرى أن "تونس لم تحقق حتى الآن انتقالها الرقمي في مجال رقمنة الصحافة والتوثيق، إذ ما زالت الوثائق الورقية هي السائدة في الاستعمال، وهو نفس الوضع الذي تعيشه باقي القطاعات في تونس".
أزمة تاريخية
من جانبه، يتحدث الباحث في التاريخ محمد ذويب عن أزمة التوثيق في تونس والعالم العربي، قائلاً "هي أزمة المصادر والمعلومات موجودة تاريخياً وبخاصة إحصاءات الحروب، فكل خصم يريد دائماً أن يظهر نفسه أنه الفائز ويحاول التخفيف من عدد خسائره لاعتبارات دعائية ومعنوية هذا المشكل الأول"، مضيفاً "أما المشكل الثاني فهو التباين الكبير في الأرقام بين كل جهة أو طرف أو خصم".
في المقابل هناك مصادر أخرى يمكن العودة إليها للعثور على الأرقام والإحصاءات، فالصحف مثلاً في الأوقات التي تتزامن مع الحرب أو مع أي أحداث مهمة يمر بها أي بلد تكون والتصريحات الإعلامية لقيادات وجنرالات الحرب والوزراء وشهود العيان والشهادات الشفوية وما تحتويه وسائل الإعلام من أرشيفات وحتى الأفلام والأغاني، تستطيع توفير مادة مصدرية لاعتمادها لمعرفة بعض الإحصاءات شريطة مقارنتها بمصادر أخرى للتأكيد من صحة المعلومات.
من جهة أخرى، يتأسف ذويب لأن الغرب "يفوقنا بكثير في مجال التوثيق وحفظ المعلومات"، مواصلاً "أيضاً لا ننسى أن الدول الاستعمارية استحوذت على كم هائل من الوثائق التاريخية والمهمة، التي تسعى دول عدة ومنها تونس إلى استرجاعها".
يعتبر التوثيق ركيزة أساسية من ركائز أي بحث علمي، فالمراجع والمصادر والدراسات السابقة هي أوضح دليل على ما قام به الباحث من جهود، قصد الحصول على المعلومات التي ساعدته في الوصول إلى نتائج بحثه، وكل هذا يستدعي من الباحث أن يوثق ذلك بشكل صحيح ودقيق لتحقيق الغرض العلمي من البحث.
مهمة مستحيلة من دون أرشيف
يعيش بعض الباحثين في تونس في اختصاصات معينة خصوصاً المرتبطة بالتاريخ، صعوبات كبيرة في الحصول على مصادر تاريخية مهمة يثرون بها بحثهم.
وتقول الباحثة في التاريخ القرطاجني مليكة الغابري، إنه "لا يمكن إجراء أي بحث أو إتمامه بطريقة علمية دقيقة وصحيحة إلا بالمرور عبر المراجع المهمة، التي عادة تكون في أقسام ومؤسسات التوثيق".
وتضيف الغابري، أنه "رغم أن تونس تملك مؤسسات وطنية للتوثيق فإن مهمتنا تعتبر صعبة وربما مستحيلة أحياناً، فمثلاً حين أريد في بحثي إثبات أن بعض الإنجازات هي منذ العهد القرطاجي وليس لها علاقة بحضارات أخرى مرت بتونس كالرومانية أو الأندلسية يكون هذا الأمر صعباً جداً لقلة الوثائق والمراجع العلمية".
وترى أن "التوثيق ذاكرة الوطن يجب الاهتمام بها وصيانتها وتجديد منابعها ليستنفع منها الجيلان الحالي والقادم".
وتسعى تونس إلى صيانة هذه الذاكرة بغرض رقمنة مجموعاتها الوثائقية المادية والمحافظة على المعلومات العلمية والتقنية وتثمينها وتسهيل النفاذ إليها، وفي سبيل ذلك، ركز المركز الوطني للتوثيق وحدة رقمنة بالمكتبة المركزية للبحث.
ويهدف هذا المشروع إلى المحافظة على الرصيد الوثائقي وضمان مرئية المعلومات العلمية والتقنية الوطنية على الإنترنت، وتنويع الخدمات المقدمة للمستعملين من خلال وضع النص الكامل على الخط، وتطوير استخدام التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصال في استغلال المعلومات العلمية والتقنية المتوفرة.