Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اختبار صعب لتونس مع إيقاف نزف "هجرة الكفاءات"

دول غربية تستقطب الآلاف منهم ومخاوف على قطاعي الصحة والتعليم

الصحة من بين القطاعات التي تأثرت بشدة من هجرة الكفاءات في تونس (أ ف ب)

ملخص

متخصصون ومسؤولون في تونس يحذرون من شبح إفراغ البلاد من كفاءاتها لا سيما الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين

تشهد تونس جدلاً ما انفك يخفت حتى يعود إلى الواجهة من جديد حول هجرة الكفاءات على غرار المهندسين والأطباء، التي باتت تمثل صداعاً برأس السلطات كذلك المتخصصون لكن من دون تبني سياسات واضحة المعالم من شأنها إيقاف هذا النزف.

وعلى رغم حديثها عن مسار إصلاحي في عديد من المجالات مثل التعليم غير أن السلطات التونسية لم تنجح في إقناع الكفاءات التي أنفقت عليها الدولة أموالاً طائلة بالبقاء في البلاد مع تنامي مشاعر الإحباط في ظل ارتفاع معدلات البطالة وانهيار القدرة الشرائية وغيرهما.

ونبه عدد من المتخصصين والمسؤولين في تونس، أخيراً، من شبح إفراغ البلاد من كفاءاتها لا سيما الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين في أعقاب مغادرة 1200 طبيب وطبيبة إثر نجاحهم في مناظرات للانتداب في وقت يشهد فيه القطاع الصحي في تونس مزيداً من التأزم.

بحث عن خلاص فردي

وتشهد تونس واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، بينما يتعهد الرئيس قيس سعيد الذي يمسك السلطة بقبضة من حديد، بوضع حد لها وأطلق عدداً من الوعود في شأن التغيير المنشود من بينها إرساء مشروع "الشركات الأهلية" وإجراء صلح جزائي مع رجال أعمال يتهمون بالفساد وغيرها من الإجراءات التي يقول إنها ستنهي أزمات البلاد.

ويثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كانت ستقود بالفعل إلى إقناع التونسيين بالبقاء في بلادهم في ظل ما بات يتردد حول سعي الشباب إلى إيجاد "خلاص فردي" بالسفر إلى الخارج بحثاً عن مواطن شغل.

وقال وزير التشغيل والتكوين المهني السابق، فوزي عبدالرحمن، إن "هذه كلها شعارات شعبوية تهدف إلى تقاسم البؤس والفقر وليس الثروة، هذه أفكار لن تؤدي إلى خلق الثروة، فالهجرة ظاهرة بصدد التفاقم، والناس الذين كانوا يتقدمون إلى الوظائف في السنوات الـ10 التي سبقت الثورة في 2011 كانوا في حدود 120 ألف سنوياً وبعد الثورة تراجعت هذه النسبة بشكل مفاجئ إلى 80 ألفاً".

وأضاف عبدالرحمن في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن "هذا التراجع لا يمكن تفسيره سوى بالهجرة، فالتونسيون يغادرون إلى الخارج بأعداد كبيرة تقدر بـ30 و40 ألف سنوياً، وهناك دول أوروبية وكندا تطلب الخبرات التونسية لحسن تكوينها وقدرتها على الاندماج في تلك المجتمعات لكن الإشكال الحقيقي ليس في الأمور المادية بل في غياب الطموح والرؤى الواضحة بالبلاد في ظل غياب لحلم مشترك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أن "ظروف العمل سيئة في تونس، فمثلاً الأطباء يتعرضون حتى إلى العنف في المستشفيات، وغياب المشروع المجتمعي الذي من شأنه أن يكرس وحدة وطنية يجعلان التونسيين يقبلون على الخلاص الفردي كملاذ لانتهاء السردية الجماعية تمكن التونسيين من العيش مع بعضهم".

ونجحت عديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا في استقطاب الكفاءات التونسية، لكن في الأعوام الماضية برزت كندا كوجهة إضافية لهؤلاء وهو مما أدى إلى تضاعف التحذيرات من تبعات ذلك خصوصاً على قطاعات حساسة مثل الصحة والتعليم الجامعي.

هجرة جماعية

ولا تخفي السلطات في تونس توجسها من هجرة الكفاءات، فسبق وأن قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي، المنصف بوكثير، في مايو (أيار) الماضي إن "الدولة التونسية قلقة من هجرة الأدمغة، فأحياناً يتم تسجيل هجرة كل الدفعات التي تتخرج من الجامعة، ويعود ذلك إلى التهافت الموجود على المتخرجين من المدرسة التونسية".

وكانت رئيسة تنسيقية "الدكاترة المعطلين عن العمل" في تونس رباب التويتي كشفت عن أن استبياناً أجرته التنسيقية عبر فيه 19 ألفاً من الدكاترة عن رغبتهم في الهجرة إلى خارج تونس.

واعتبر رئيس "جمعية التونسيين في المدارس الكبرى"، أمين علولو، أن "الكل يبحث عن المغادرة في تونس، عندما يجد الشاب فرصة لا يتردد في اقتناصها للهجرة، فالحالة الاقتصادية المتردية وقدرة البلاد على إنتاج الثروة يجعل الهجرة هي الحل لدى الكفاءات".

وأردف علولو في تصريح خاص أن "سوق الشغل التونسية لا تشجع هؤلاء على البقاء في بلادهم، فالهجرة أصبحت هدفاً في حد ذاتها لدى فئة واسعة من التونسيين، يريدون اكتشاف العالم وفي الوقت نفسه تأمين مستقبلهم".

لا أمل في التغيير

وكانت جائحة كورونا سلطت الضوء بالفعل على معضلة هجرة الكفاءات التونسية، إذ عانى القطاع الصحي من افتقاده إلى عدد كبير من الإطارات والكوادر الطبية، بينما استفحلت ظاهرة مغادرة الأطباء وخاصة الشبان إلى الخارج.

وشهدت تونس في 2011 احتجاجات أطاحت حكم الرئيس زين العابدين بن علي في ما أطلق عليها آنذاك "ثورة الياسمين"، التي ألهمت عدداً من الشوارع العربية التي تطمح إلى التغيير لكن بعد عقد من الزمن مست مشاعر الإحباط قطاعات واسعة من التونسيين وباتت تدفعهم إما إلى ركوب ما يعرف بـ"قوارب الموت" للعبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط أو الهجرة بشكل قانوني في إطار ما يعرف بـ"هجرة الكفاءات".

وقال الباحث في علم الاجتماع خالد الطبابي، إن "هناك فرقاً بين الطرق النظامية من خلال الخروج بشكل قانوني والهجرة غير الشرعية، لكن الثابت أن هناك تصاعداً كبيراً للهجرة من تونس بسبب الأوضاع الراهنة، مناخ الإحباط في البلاد مع تردي الخدمات العمومية في النقل والصحة والتعليم وهشاشة البنى التحتية أسباب تعزز مشاعر الإحباط واليأس".

وأوضح الطبابي، أنه "لا يمكن الحديث عن إصلاح جذري بمعزل عن السياسات العمومية، للأسف الخطاب السياسي ما بعد 25 يوليو (تموز) 2021 يتمثل في شعارات بعيدة عن الواقع، المقترحات المطروحة حالياً لن تؤدي إلى التغيير الذي يريده كثيرون في تونس".

واستنتج الباحث ذاته أنه "حتى المكاسب التي جاءت بها ثورة 2011 بصدد فقدانها مثل حرية التعبير وغيرها لذلك لا أمل في الحد من الهجرة سواء النظامية أو غير النظامية في الوقت الراهن".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات