Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علاقة "حماس" بسوريا عقود من المواقف المتقلبة

عودة الحركة إلى دمشق مواكبة للتطورات الإقليمية والدولية وفق مصالحها الاستراتيجية

كما كانت قطيعة حركة "حماس" للسلطة السياسية في سوريا مفاجئة كذلك كانت الحال حين عودتها (أ ف ب)

ملخص

تقلبت العلاقة بين سوريا وحركة "حماس" من التعاون والدعم إلى الجفاء والقطيعة على مدار عقود مضت... فكيف حالها الآن؟ 

عام مر على عودة حركة "حماس" إلى سوريا بعد قطيعة دامت عقداً من الزمن، حين وصل وفد من كبار مسؤولي التنظيمات الفلسطينية، ومن بينهم مسؤول رفيع المستوى في الحركة إلى القصر الجمهوري في العاصمة السورية، وذلك منتصف أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022، ومعها طوت الزيارة خلافاً مريراً جاء نتيجة تأييد الحركة للحراك الشعبي في وجه السلطة حين اندلاعه في مارس (آذار) عام 2011، وسط صدمة سرت في أرجاء الشارع السياسي سواء مؤيدين ومعارضين لما تحظى به من اهتمام ورعاية بالنسبة إلى الدولة السورية. 

وكما كانت قطيعة حركة "حماس" للسلطة السياسية في سوريا مفاجئة وصادمة للغاية في فبراير (شباط) عام 2012، أعلنت فيه الحركة تأييدها لما يسمى "الربيع العربي" في مصر وتونس وسوريا، كذلك الحال تركت عودتها صدمة جديدة حين واجهت انتقادات من داخل جمهور "المقاومة" في الداخل الفلسطيني وخارجه، واجهت معها معارضة شديدة، بينما برره سياسيون لاعتبارات لوجستية تخص موقع دمشق من القضية الفلسطينية.

عودة صامتة

انقلاب حركة "حماس" على موقفها جاء دون توضيح الأسباب المباشرة، فإذا ما كان إقفال مكتب الحركة السياسي في دمشق "للوقوف إلى جانب الشعب السوري الذي يتطلع إلى الحرية والديمقراطية والإصلاح" وفق ما أعلنه قيادي الحركة إسماعيل هنية في خطبة ألقاها بجامع الأزهر في فبراير 2012، فإن العودة الصامتة أشبه بقارب نجاة إلى السفينة السورية التي قفزت منها الحركة حين بدأت ملامح غرقها، بل كانت "حماس" أول الراحلين.

ولكن على رغم هذا لا يمكن إخفاء حدة المواجهة واللغط الحاصل حول العودة إلى الحضن السوري إلى درجة أطلق أفراد الحركة عدداً من فتاوى لعلماء ودعاة ينتمون إلى الحركات الإسلامية بتحريم العلاقة مع سوريا، وسط عدم ذكر الدوافع المقنعة لجمهورهم كي تعيد العلاقة بشكل خجول وضمن وفد فلسطيني يمثل"حركات المقاومة".

وتعود علاقة "حماس" مع سوريا إلى إغلاق مكتبها في العاصمة الأردنية 1999، وعلى إثرها استقبلت دمشق الشخصيات السياسية للحركة وافتتحت لهم مكاتب تمثلهم، فضلاً عن دعم ونشاط إعلامي وسياسي كبيرين في العاصمة إلى جانب المدن التي تحظى بتجمعات سكنية وغالبية فلسطينية مثل مخيم اليرموك في دمشق، ومخيمي النيرب وحندرات في حلب، كما لعبت سوريا إلى جانب قطر دوراً لعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية في أعقاب اندلاع حرب غزة الأولى (2008 ـ 2009) دعت إليه ممثلين عن الحركة.

تحرك أيديولوجي

على الصعيد الأيديولوجي تعرف "حماس" نفسها بحركة تحرر وطني ذات طابع إسلامي، وليس خافياً أنها انطلقت في إطار عمل جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها الأولى، ولكن دمشق التي تحظر الإخوان على أراضيها منذ أحداث فترة الثمانينيات في القرن المنصرم، سلمت بنشاط إيماناً بوقوفها إلى جانب قضايا فلسطين، ولعل أوساطاً سياسية ترده إلى تطابق في الرؤية بين دمشق وطهران بشأن دعمهما لها، لكن في المقابل فكت الحركة ارتباطها بالجماعة 2017، وأعلنت عن نفسها كياناً مستقلاً. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يأتِ انقلاب "حماس" على دمشق إلا بعد عام من اندلاع الحراك الشعبي والتزمت فيه الحياد، لكن سرعان ما دقت ساعة الصفر مع بداية الشهر الثاني من عام 2012، وأخذت التصريحات المعلنة تخرج عن اصطفاف الحركة إلى جانب الشارع المعارض.

موازين القوة

يفسر مراقبون ما حدث من السفر بأسلوب سري لرئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، خالد مشعل وإقفال المكتب، وصمت "المقاومة الإسلامية" خلال (2011 ـ 2012) إلى حسابات أجرتها حول اتجاه موازين القوة ويبدو أنها أيقنت وقت ذاك إلى سقوط وشيك للسلطة حالها كحال دول كثيرة من مصر وتونس وليبيا، ولم تتوقع وقوف إيران وموسكو العسكري والسياسي الذي غير المعادلة.

على الجانب الآخر لم تكن القطيعة "الحمساوية" تأتي سياسياً وإعلامياً، بل على المستوى العسكري في عام 2013، مع تحول الحراك الشعبي إلى تسليح المعارضة، وهنا اتهم الفريق الموالي للسلطة السورية "حماس" بالتعاون مع فصائل المعارضة المسلحة.

وكشفت صحيفة "التايمز" البريطانية نقلاً عن دبلوماسي غربي عن وجود مستشارين لـ"حماس" وتدريبات تجريها كتائب عز الدين القسام وهو الجناح العسكري لوحدات فصائل عسكرية معارضة أطلقت على نفسها "الجيش الحر" في بلدات خرجت عن سيطرة الدولة في ريف العاصمة منها جرمانا ويلدا وببيلا.

حضور رسمي

وبعد سنوات حرب طويلة تقلص الحضور العسكري للحركة على الأراضي السورية، وبعد إعادة الدولة لأراضيها المحيطة للعاصمة عام 2016 ـ 2017، ومنها مخيم اليرموك، حيث تحول لمدينة أشباح، وجاء في تقرير للجنة الإشراف على إعادة تأهيل المخيم أن هناك قرابة 40 في المئة من الأبنية وضعها الإنشائي جيد وليست بحاجة لترميم وكذلك 40 في المئة منها بحاجة إلى تدعيم وإصلاح أما 20 في المئة مهدم بالكامل وبحاجة إلى ترحيل.

"يوم مجيد، ويوم مهم، نستأنف فيه حضورنا إلى سوريا العزيزة، ونستأنف العمل المشترك" هذا ما جاء على لسان رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في "حماس" خليل الحية في مؤتمر صحافي 19 أكتوبر عام ،2022 على خلفية عودة العلاقات مجدداً، وهو انقلاب جديد على موقفها إثر توقيع الفصائل الفلسطينية اتفاق مصالحة في الجزائر تلتزم بموجبه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام.

وليس بعيداً ربط استئناف "حماس" لعلاقتها مع دمشق مع عودة الانفتاح العربي مجدداً مع سوريا والتطورات الإقليمية المتسارعة ومنها الحرب الأوكرانية، وقضايا إقليمية من بينها المصالحات الواسعة التي جرت، وعلى رأسها عودة العلاقات بين الرياض وطهران وتسوية كثير من الملفات العالقة في المنطقة التي بدت ذاهبة باتجاه تبريد القضايا وحلحلة على المستوى العربي.

تقارب روسي

مقابل ذلك يعتبر متابعون في الشأن الفلسطيني رغبة "حماس" في دعم روسي وسط ما يحدث من مجريات عالمية كالحرب الأوكرانيةـ الروسية التي تعدها فرصة سانحة لتقوية العلاقات مع موسكو، بالتالي العودة إلى دمشق وفتح صفحة جديدة معها هي أولوية بالنسبة إلى الكرملين الذي يأخذ بالاعتبار القطيعة الطويلة، بالتالي تمكن وفد من الحركة برئاسة رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية زيارة العاصمة الروسية في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

ويعيش قطاع غزة اليوم فترة عصيبة من قصف إسرائيلي متواصل طال المدنيين ومرافق حياتهم إثر هجوم مفاجئ شنته "حماس" في السابع من أكتوبر الجاري، ولعل المباغتة وعنصر المفاجأة هو ما يجعل الحركة من أكثر الفصائل التي تتمتع بسرية عالية وتغلب على تحركاتها السياسية والعسكرية الصدمة، لكن يبقى السؤال الذي يراود الشارع السوري إلى أي مدى يمكن أن تبقى الحركة ثابتة على موقفها دون انقلاب على مواقفها وعلاقتها مع حلفائها؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير