لئن كان الأجل تخطف أخيراً أحد رجال الرعيل الأول من المثقفين السعوديين، فإن الراحل منصور الخريجي قبل أن يمضي، وثق منذ حين محطات حياته الاستثنائية، التي شهدت تحولات بين عوالم الطفولة المرة في مدينة "القريتين" السورية التي رحل منها على ظهر شاحنة طوت رمال النفوذ شمال السعودية، قبل أن يجتمع شمله بعائلته الكبيرة في المدينة المنورة.
لكن الكاتب لم يضع عصا الترحال عند تلك المحطة، فما هي إلا بداية رحلات أخرى أبعد وأطول، غير أنها مليئة بالحظوة والمفاجآت بين مجالس الملوك والزعماء، لا بد أنها غسلت قلبه من وعثاء سفر الرحلة الأولى، يوم استيقن وصحبه بمن فيهم أمه وإخوته أن شاحنة الصحراء، ماهي إلا رسول موت وفناء.
استدعى لحظات الرحلة العصيبة حين استسلمت السيارة لقدرها وما عادت تطيق الحركة بعد العطب البالغ، فطفق اليائسون يحفرون قبورهم بأيديهم ينتظرون النهاية، لولا أن الفرج أطل في أشخاص أكثر قدرة على تحمل الصعاب انتدبوا أنفسهم لإدارة أزمة العطل، فأحكموا سيطرتهم على المياه وقرروا ترك السيارة لمصيرها، والبحث عن طوق النجاة في الصحراء، كما علمتهم سليقة الأسلاف، يتلمسون بئر مياه في تلك الجبال الرملية مترامية الأطراف، كأن عروقها أمواج المحيط المتلاطمة.
"انجوا بأنفسكم واتركوني أموت"
ويصور شدة الكرب في مشهد والدته وأصغر أخواته، إذ كانت "أضعف من أن تسير لمدة طويلة، فكان يحملها أخي صالح كلما شعرت أنها لم تعد قادرة على المشي... أما والدتي فقد بلغ بها الأمر بعد أن سرنا معظم الشطر الأول من النهار أن أصرت على أن نتركها في الصحراء لتموت وننجو نحن بأنفسنا... تصور أولاداً يتركون والدتهم في قلب الصحراء لتموت، كانت قلوبنا تتفطر ألماً عليها... كنا نلجأ إلى إثارة عزيمتها بتأكيدنا أن بين المسافرين يكبرنها سناً ومع ذلك لم يسمع أحد منهن شكوى، ثم نعود فنؤكد أنها لو توقفت عن السير فلسوف نتوقف نحن أبناؤها جميعاً وسيكون مصيرنا وقتها هو الموت المحتم".
وكان الفتى المديني، حطت به الأقدار بعيداً من موطن أجداده في ديار أخواله السوريين في محلة "القريتين" على بعد أميال من حمص، لأن والده مثل عدد من مواطنيه في أوائل القرن الماضي، ترك القصيم (وسط نجد) ليعمل هجاناً عند الانتداب الفرنسي في الشام، إلا أن صلف المستعمر لم يكن ليروق للشاب العربي، فاستعاض عن ذلك بالتجارة في صنعة أجداده العقيلات، يشتري ويبيع في الإبل، حتى كون ثروة ظن أنها تكفيه دهراً، فصار كريم القرية الذي لا يبرح الزوار داره، قبل أن تغدر به عوادي الزمن ويعود سيرته الأولى فقيراً معدماً، رحل عن صبية صغار في "القريتين" القصية، من دون أي ملاذ من الفاقة، غير خال كان لطيف المعشر حنوناً، إلا أن الحاجة كانت تحيط به هو الآخر من كل جانب مثل البقية.
طفل المهمات الصعبة
قاسى منصور وإخوته شظف عيش تلك الأيام وفاقتها بعمل وصبر، حتى أظلتهم في إحدى الأيام سحابة تباشير من السعودية القادمة يحملها الحجاج، ومعها استدعاء من الأقارب وصرة من قروش، شكلت ثروة كبرى للعائلة الصغيرة التي كان جهدها لسنين لا يتجاوز الكفاف، فسار الركب في رحلة نحو الفضاء الجديد، كاد العطش يفترسهم فيها لولا عناية الله وجسارة أهل الصحراء، قبل أن تقبل المدينة النبوية بسكينتها وبهائها للقادمين الجدد من أبنائها كأنها تعانق فيهم الأرواح قبل الأجساد.
بعد التئام الشمل في السعودية، بدأت رحلة جديدة من حياة الراحل، متنقلاً بين مراحل الدراسة في بلاده مثل أقرانه من ذلك الجيل، الذين شقوا طريقهم نحو مصر القومية مبتعثين ومعايشين عن قرب قصتها بحماسة، قبل أن ينتقلوا منها إلى أميركا يكتسبون معارف الغرب الحديث.
مترجماً بدلاً من دكتور
لكن النقطة الفاصلة في حياة الشاب المحظوظ أنه بينما كان محاضراً في جامعة الملك سعود كونه عاد من أميركا بالماجستير فقط، نشط في مجال الترجمة بفضل إمكاناته المتراكمة، قبل أن يستدعى من دون ترتيب مسبق إلى ديوان الملك فيصل، لتصبح تلك الخطوة جسره نحو الترجمة للملوك من بعده، وشغل المراسم في قصور المُلك السعودية.
ولذلك قصة يرويها، قائلاً "عدت مدرساً تنقصه هالة الدكتوراه التي تتوج رؤوس الآخرين. كان كل من حولي وما حولي يذكرني بأنني أقل شأناً من سواي، وأنني لكي أقف مع الآخرين على قدم المساواة، علي أن أحصل على تلك الورقة السحرية المسماة شهادة الدكتوراه ولا بديل عن ذلك. بدأت أستعد للعودة لإكمال المشوار في الوقت الذي واصلت فيه أداء واجباتي كمدرس في الجامعة... وكنت قد حصلت في هذه الأثناء على قبول من إحدى جامعات إنجلترا، وبدأت أستعد للسفر في نهاية السنة الدراسية".
إلا أن ما حدث، كان أقرب إلى الحكمة التي تقول "وتقدرون وتسخر الأقدار، فقد حدث في تلك الأثناء أن مرض عبدالعزيز الماجد، وكان هو المترجم الخاص للملك فيصل طيب الله ثراه، كان عبدالعزيز هذا رجلاً مصرياً جاء إلى المملكة لتدريس اللغة الإنجليزية في مدارسها، وانتهى به الأمر أن اختير للترجمة في الديوان الملكي لدى الملك سعود بن عبدالعزيز، وعندما تولى الملك فيصل العرش استمر الأستاذ الماجد مترجماً له، إلا أنه كان قد كبر وانتابه الضعف، وكما عرفت في ما بعد فقد اختير عدد من الأشخاص ممن يتقنون الإنجليزية ليحلوا محل الأستاذ الماجد، ولكن لم يقع الاختيار على أحد منهم".
ولا يذكر المؤلف حين وثق شهادته من الذي رشحه لتلك المهمة، غير أنه ظن أن الديوان الملكي طلب من وزير المعارف آنذاك الشيخ حسن آل الشيخ أن يبحث عمن يمكن أن يقوم بهذا العمل من الجامعة، "المهم أنني استدعيت إلى الديوان الملكي للقيام بالترجمة بشكل مؤقت إلى أن يشفى الأستاذ عبدالعزيز الماجد"، وهكذا صار كما عنوان أحد فصول الكتاب الشيق "مترجماً بدلاً من دكتور".
"غبت عن الوعي" في أول ترجمة
وقبل أن يمضي في قصته مع الترجمة يلفت مثلما يعرف كثيرون، أنه لا يكفي أن يتحدث الإنسان لغة أجنبية مثلاً ليكون مترجماً جيداً، فهناك "أناس يتقنون لغة أجنبية إتقاناً جيداً ومع ذلك أسقط في أيديهم عند جملة قيلت وطلب منهم ترجمتها. ولا أقول هذا انتقاصاً من قدر أحد لأن الموقف وهيبة الحاضرين وشخصياتهم تقمع أحياناً قدرة المترجم على السيطرة على النفس والاحتفاظ بهدوء الأعصاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويروي حكاية أول مرة ترجم فيها للملك فيصل، إذ "كان الكل يشجعني ويشد من أزري... وأنني سوف أنجح في التجربة، والمسألة لا تحتاج إلا إلى شيء من الإقدام وتمالك النفس والثقة بها أمام الملك...هكذا وقفت أمام الملك فيصل في أول تجربة لي بالترجمة. كانت المناسبة تقديم أوراق اعتماد سفیر جدید ترجمت كلمة السفير ثم ترجمت جواب الملك عليه وكنت أقوم بهذا كله وأنا شبه غائب عن الوعي، وأرجو أن أستطيع نقل شعوري هنا للقارئ، كما أرجو أن يكون أحد ممن يقرأ هذه الصفحات قد مر بمثل تلك التجربة".
وأضاف "كان الموقف بلا شك رهيباً بالنسبة لي وأنا أقفه لأول مرة، فلم يسبق لي أن وقفت إلى جانب ملك في غرفة واحدة، بل إنني لم أكن قد شاهدت ملوكاً إلا في الصور، مع ذلك هأنذا أجد نفسي فجأة في غرفة واحدة مع ملك، وأي ملك، إنه الملك فيصل نفسه، ومن حوله كبار رجال دیوانه. انتهت المقابلة بسرعة لحسن الحظ إذ إن مراسم تقديم أوراق الاعتماد لا تستغرق أكثر من بضع دقائق، والدقائق الأولى هي التي كانت عسيرة لأنها الأولى في حياتي كمترجم، ولأن من ذكرتهم كانوا حاضرين وشاهدين على ما سوف أنجزه، انتهت المقابلة وخرج السفير، وخرجت لأتلقى تهاني الحاضرين".
أما انعكاس ذلك على حياته في ما بعد، فيقول عنه "كان سروري عظيماً بإنجازي هذا وعدت إلى الجامعة وأنا أسبح في سعادة غامرة، كان معنى نجاحي في الترجمة للملك فيصل هو أنني سوف أوفر على نفسي العودة إلى إنجلترا أو الولايات المتحدة لإكمال الدراسة لنيل الدكتوراه، فإذا كان الديوان يريدني مترجماً للملك فلا داعي للدكتوراه، بقيت مدرساً في جامعة الملك سعود بقية ذلك العام الدراسي 1967 – 1968م، وكنت أذهب إلى الديوان الملكي كلما كانت هناك حاجة إلى خدماتي، في نهاية العام الدراسي نقلت خدماتي نهائياً إلى المراسم الملكية، وكانت معظم ترجمتي مع فيصل، وإن كنت قد ترجمت أيضاً للملك خالد، والملك فهد بن عبدالعزيز".
بتلقائية توسدوا صدور وأفخاذ بعض
في عمله الجديد، شاهد عديداً من المواقف التي استوقفته، إلا أن أطرفها كما يروي، كان في موريتانيا يوم تفاجأ الوفد المرافق عند زيارته نواكشوط بعادات لم يألفها السعوديون "كان المكان فسيحاً وفي الهواء الطلق، وقد نصبت طاولة صغيرة نسبياً للملك ورئيس الدولة وبعض كبار الرسميين من الجانبين، أما نحن الباقين فقد أجلسونا حول صوان كبيرة وضعت عليها الذبائح وتوابعها، وجلس حول كل صينية عدد يتراوح ما بين الستة والثمانية فوق طنافس تستخدم عندهم بدلاً من المقاعد أو الكراسي، وهي مستديرة الشكل وترتفع قليلاً عن الأرض.. انتهى العشاء، وقام الشعراء يتبارون في إلقاء قصائد المديح والترحيب، وكان عددهم كبيراً جداً حتى إنني ظننت وقتها أن كل الحاضرين كانوا شعراء، ولم يكن مكمن الغرابة في ذلك بل في شيء آخر لا علاقة له بالشعر أو النثر، فبعد انتهاء الجميع من تناول الطعام فوجئنا نحن السعوديين بأن الحضور من أهل البلد أخذوا يستلقون على ظهورهم أو جوانبهم وكل واحد منهم يتوسد فخد الآخر أو صدره هكذا بكل بساطة وعفوية".
ومع أن الكاتب بدا من رواياته متحفظاً بشدة، خوفاً من الكشف عن أي أسرار لا ينبغي أن تروى، إلا أنه لم ينس حالة الدهشة والرغبة في الضحك التي تملكته وأعضاء الوفد المرافق للملك فيصل عند زيارته إحدى الدول الأفريقية أيام حملته للتضامن الإسلامي، فعندما حلوا في تلك الدولة وقف زعيمها بكل زهو، يتباهى باعتناء دولته بالثقافة الإسلامية، فأقام جولة لضيفه السعودي، كانت أهم فقراتها، نساء يتراقصن في أحد النوادي على أنغام مصحوبة بكلمات من سور القرآن الكريم، فهال الوفد طرافة ما رأى، فسارع الملك بعد عودته، إلى إرسال مجموعة من المرشدين الدينيين لتلك الدولة.
حديث الهفوات
ولم ينس الكاتب في الفصل الأكثر تشويقاً بعد معاناته في "القريتين" ورحلته منها، أن يروي مواقف طريفة، حدثت معه لدى التعامل مع الملوك السعوديين المتعاقبين، الذين لاحظ أن لكل منهم سمته التي تميزه عن صاحبه، غير أنه تجاوز ذلك إلى القول بتجرد، إنه "كان محظوظاً بعملي في الديوان الملكي، فالعمل مع الملوك والحكام لا شك أنه شرف كبير لا يناله إلا السعداء، وأستطيع أن أقول جازماً إنه ما من أحد تتاح له فرصة ليعمل في المواقع العالية هذه إلا ويغتنمها، بخاصة إذا عرفنا أن ملوكنا رحم الله من لاقى ربه منهم قد خصهم الله بقدر وافر من الطيبة والرحمة والحنو على من يعملون معهم، وما أكثر الهفوات والغلطات التي نرتكبها، تقابل بالصفح والتسامح".
ومن المواقف المحرجة، يوم شاهد بأم عينه كيف أن أحد الدبلوماسيين عندما جاء ليقدم أوراق اعتماده بين يدي الملك فيصل، كاد أن يسقط على الأرض أمام هول الموقف، فما كاد ينهي جملاً مكتوبة في خطابه، حتى اهتزت جميع أركانه، على رغم محاولات الحضور تخفيف الكرب عنه بالابتسام وإظهار اللطف في وجهه.
الكاتب نفسه يروي قسطاً وافراً من المواقف حدثت له، ومن بينها حين غلبه الجوع فبدأ يأكل من صحن أمامه، وفاته أن ذلك كان من قبيل مجاملة المضيف الإيراني، إذ يقتضي البروتوكول ألا يأكل المترجم على المأدبة الرئيسة، حتى يتفرغ لترجمة الحديث بين الزعيمين على المائدة.
ذهبت رباطة الجأش مع العشاء الياباني
وعلى مائدة أخرى في اليابان حدث موقف ليس ببعيد من السابق، خلاصته أن الإمبراطور هيروهيتو أقام حفل عشاء كبير لضيفه الفيصل ومرافقيه، وكانت مظاهر الأبهة والفخامة تسيطر على الجو العام، "وعندما وقفت بعد العشاء أترجم كلمة الملك فيصل أرتج علي لسبب لعله يكون واضحاً مما سلف ذكره، فقد كنت مدعواً إلى مأدبة العشاء طبعاً بصفتي عضواً رسمياً في الوفد المرافق، فجلست إلى المائدة ولم تكن لدي أي شهية للأكل لأنني كنت أنتظر أن أقوم إلى مايكروفون وضع في أحد أطراف القاعة لأترجم كلمة الملك التي سيلقيها بعد العشاء، كان الأشخاص الجالسون أمامي وعلى جانبي من المائدة يتحدثون معي أحاديث لم أعد أذكر منها إلا كلام واحد منهم كان يمتدح لحم البقر الياباني ويعلن في زهو عن ثمن قطعة "الأستيك" الموجودة في الصحن أمامي التي لم أقربها.. لم أكن بحالة تسمح لي أن أتمتع بقطعة لحم البقر التي وضعت أمامي، كان كل تفكيري محصوراً في الترجمة التي سأقوم بها بعد قليل".
انتهى العشاء وألقى الإمبراطور كلمته وجاء دور الملك وكان الخريجي قد وصل إلى المايكروفون، إلا أن كل تصميمه على ألا يرتكب أية غلطات أو يفقد رباطة جأشه "ذهبت أدراج الرياح عند أول جملة ترجمتها. فقد بدأ الملك بمخاطبة الإمبراطور، ثم الإمبراطورة، ثم ولي العهد الياباني، ثم رئيس الوزراء، ثم الوزراء وهكذا حسب ما يقتضيه العرف الدبلوماسي في مثل تلك المناسبات، وتوقف الملك ليتيح لي فرصة الترجمة. أحسست في جزء من الثانية أنني على وشك أن أغيب عن الوعي...وعندما تمالكت نفسي لم أستطع أن أزيد على قول كلمتين فقط هما سيداتي سادتي! ... وانتظر الملك أن أقول شيئاً آخر، ولما لم يبدر مني شيء أخذ يلقي بقية كلمته، وأحمد الله أنني تمالكت بعد ذلك أعصابي وترجمت بقية الكلمة".
غضبة الملك فهد
لكن التصرف الذي أغضب الملك فهد منه خارج الترجمة، فكان حين زار مسؤول عربي الطائف، وأبلغ رفاقه المراسم السعودية أن المسؤول يرغب البقاء أكثر من المعتاد، فحدث بعض خلل في تنسيق وداع الضيف، الذي غادر المطار السعودي من دون الوزراء المودعين، مثلما يقتضي البروتوكول المعتاد.
ويدون الكاتب ما بعد ذلك بأنه "ما إن تحركت طائرة الضيف حتى ناداني الملك فهد، فاقتربت منه ووجدت علامات الغضب واضحة على معالم وجهه، وكنت شبه متأكد بأنني أعرف سبب غضبه، وكان السؤال الذي انتظرته هو، لماذا لم يحضر الوزراء للتوديع؟ وشرحت له ما حصل وأنه إن كان اللوم يقع على أي أحد فـعـلـي أنا لأنني أنا الذي طلبت إليهم عدم الحضور إلى المطار حسب إفادة رئيس مراسم الضيف، وهدأ الملك وابتسم عندما عرف الحكاية".
وهو الملك الذي يروي أنه سافر مرات عدة معه "وكنت أشعر دائماً، كما يشعر كل مرافقيه، أنه لا يميز نفسه عن رفاق السفر إلا عند المناسبات الرسمية التي لا بد أن تكون لها طقوسها الخاصة، وكان ذلك يزيده علواً ورفعة في أنظار كل من هم في معيته، وأعرف أنه ما احتد على إنسان، أو وبخ موظفاً ممن يعملون في كنفه على تقصير أو غلط ما، إلا وسارع في أقرب فرصة إلى إبداء رضاه عن ذلك الإنسان بكلمات رقيقة أو مداعبة خفيفة تثلج صدره وتسري عنه".
لم يتوقف الكتاب عند هذه المواقف وحدها، فقد تضمن توثيقاً لمحطات تنموية في تاريخ البلاد شهدها الكاتب الذي عاصر أزمنة العاصمة السعودية، وكيف كانت في ذلك العهد المبكر من تاريخها ثم صارت بعده، في تحولات كان القاسم المشترك بينها الملك سلمان، الذي قاد لـ50 عاماً حركة التوسع والعمارة والنمو في المدينة، ثم لاحقاً في كل البلاد، بفضل الخطة الاقتصادية التي قادها ولي عهده الأمير محمد، وجعلت من المملكة مترامية الأطراف "قصة القرن الحادي والعشرين"، أو هكذا أراد لها أن تكون.