Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عدنية شبلي تحرم من جائزتها الألمانية لاتهامها بمعاداة السامية

الروائية الفلسطينية لن تشارك في معرض فرانكفورت بعد حملات ضد روايتها الفائزة لتصويرها المأساة 

الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي (صفحة الكاتبة - فيسبوك)

ملخص

الروائية الفلسطينية لن تشارك في معرض فرانكفورت بعد حملات ضد روايتها الفائزة لتصويرها المأساة

في منتصف شهر يونيو (حزيران) أعلنت لجنة تحكيم جائزة "ليبراتور" منح جائزتها إلى الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي عن روايتها "تفصيل ثانوي" الصادرة عن دار الآداب في 2017، والتي ترجمت حديثاً إلى الألمانية. وتمنح الجائزة للآداب "غير الغربية"، أي للآداب الأفريقية والآسيوية والأميركية الجنوبية. احتفت لجنة التحكيم آنذاك برواية شبلي "كعمل فني محكم يحكي عن سطوة الحدود، وما تفعله الصراعات الدموية في البشر". وأضافت اللجنة أن الكاتبة "تلتفت بيقظة كبيرة إلى تفاصيل ثانوية تتيح لنا أن ننظر إلى جراح وندوب قديمة تتوارى خلف السطح".

وكان من المقرر أن تتسلم عدنية شبلي الجائزة الجمعة المقبل في إطار معرض فرانكفورت للكتاب الذي سيفتح أبوابه في الأسبوع المقبل، وكان من المقرر أن تشارك الكاتبة في ندوات بالمعرض.

أثار قرار منح عدنية شبلي الجائزة منذ البدء تحفظات البعض في ألمانيا الذين وصفوا الرواية بأنها "معادية لإسرائيل ومعادية للسامية"، وأنها تظهر الإسرائيليين في صورة "مغتصبين وقتلة"، لكن معظم الأصوات رحبت بخبر الجائزة، واحتفت بالرواية التي وصلت عام 2021 في ترجمتها الإنجليزية إلى قائمة جائزة البوكر الدولية، وفي عام 2022 إلى القائمة القصيرة لجائزة الأدب الدولية التي تمنحها دار ثقافات العالم في برلين.

والآن، وبعد الحرب الدموية الدائرة في غزة، ارتفعت مجدداً أصوات تتهم رواية "تفصيل ثانوي" بمعاداة السامية، مطالبة بإلغاء منح عدنية شبلي الجائزة، لكن هذه التهمة ليست محل إجماع، إذ انبرى نادي القلم في برلين، مدافعاً عن الرواية وعن منح شبلي الجائزة، وقالت المتحدثة باسمه، الروائية والمترجمة إيفا ميناسه إن الرواية "لن تصبح مختلفة، أو أفضل، أو أسوأ، لمجرد تغير نشرة الأخبار. إما أن الرواية تستحق التكريم أو لا تستحق". واعتبرت قرار لجنة التحكيم منح شبلي الجائزة قراراً ممتازاً، وأن سحب الجائزة سيكون عملاً خاطئاً، سياسياً وأدبياً. وأضافت ميناسه ذات الأصول اليهودية، "إن قراءة الرواية في سياق النقاشات الألمانية وحدها، لهو (أمر يدل على ضيق الأفق)، إذ يجب أن يسمح للكتاب العرب أيضاً بوصف خبراتهم مع الاحتلال الإسرائيلي ومعاناة الفلسطينيين منه، وهذا هو ما تصوره رواية عدنية شبلي المتميزة".

وهكذا قرر المسؤولون عن الجائزة تأجيل تكريم شبلي، و"البحث عن سياق ملائم لحفلة تسليم الجائزة في وقت لاحق".

"تفصيل ثانوي"

تتناول الرواية، عبر مستويين، حادثة تاريخية موثقة، وقعت يوم الـ13 من أغسطس (آب) في صحراء النقب، عندما قبضت مجموعة من الجنود الإسرائيليين على فتاة فلسطينية، ثم اغتصبها الضابط، وأمر بقتلها ودفنها. أما المستوى الثاني فتحاول فيه الأنا الساردة البحث عن تفاصيل هذه الجريمة، فتسافر الشابة الفلسطينية – المولودة في يوم قتل الفتاة نفسه، ولكن بعد 25 عاماً - من رام الله إلى صحراء النقب، حيث تلقى في النهاية مصرعها على يد أحد الجنود الإسرائيليين.

تنتقد الرواية بالطبع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وتصور اغتصاب البشر والأرض، لكن هل يكفي ذلك لاتهامها بمعاداة السامية؟ وأي أدب ينتظر من كاتبة فلسطينية شهدت عائلتها التهجير والاقتلاع وبناء المستوطنات على أراضي أجدادها؟ من قرأ الرواية يعرف أنها أبعد ما تكون عن معاداة السامية، وأنها لا تتضمن أي تحريض على العنف أو الكراهية، وكما ذكرنا، الرواية تعرض حادثة تاريخية موثقة، تناولتها الصحافة الإسرائيلية، وحوكم بعدها الجناة – فأي معادة للسامية هنا؟ وهل أصبح أي انتفاد لإسرائيل مساوياً لمعاداة السامية؟

أصبح الموقف الألماني من كل ما يمس إسرائيل الآن يذكر بالمثل الشعبي القائل "الباب الذي تأتيك منه الريح، سده، واستريح". في العام الماضي، وفي معرض "دوكومنتا" الفني، عرضت مجموعة من الفنانين الإندوسيين عملاً قيل إنه يضم "إكليشيهات معادية لليهود"، وقبل أن يرى أحد هذا العمل الفني ويحكم عليه بنفسه، كان قد أزيل. وماذا عن حرية الفن؟ وحرية التعبير عن الرأي؟ لسان حال المسؤولين في ألمانيا يقول الحرية مكفولة، طالما أنك لا تتعرض لإسرائيل. انتقاد سياسات إسرائيل يعني انتقاد اليهود، ويعني أنك مُعادٍ للسامية! يمكنك أن تشك بوجود الخالق، تنكر وجوده، تكفر بالأديان، تهاجمها وتسخر من أنبيائها وتصورهم على نحو كاريكاتيري – ولكن إياك والاقتراب من إسرائيل، هنا تنتهي حدود حرية الرأي.

الفضيحة الألمانية

ونتذكر هنا الضجة الكبيرة التي حدثت في ألمانيا عقب تسلم الكاتب مارتن فالزر جائزة السلام عام 1998، وإلقائه كلمة انتقد فيها "العرض الدائم للفضيحة الألمانية"، أي تناول وسائل الإعلام المستمر للهولوكوست، وبناء النصب التذكاري له في قلب برلين. بالطبع كان خطابه مثيراً للجدل، ويستحق النقاش – لكن النقاش سرعان ما انقلب إلى سؤال حول معاداة فالزر للسامية. الموقف نفسه تعرض إليه الروائي غونتر غراس عندما كتب في عام 2012 قصيدة بعنوان "ما يجب أن يقال"، هاجم فيها إسرائيل التي أعلنت آنذاك نيتها ضرب المفاعل النووي الإيراني. كانت القصيدة – الضعيفة فنياً والمباشرة جداً – تستحق إثارة الجدل، لكن الجدل انصب آنذاك كله، مرة أخرى، حول معاداة غراس للسامية، على رغم أنه طوال حياته كان يؤكد صداقته لإسرائيل، وعلى رغم أنه كان أول كاتب ألماني يزور إسرائيل بعد تأسيسها، لكن صداقته لإسرائيل لم تمنعه من انتقاد سياساتها.

أما إذا رجعنا بالذاكرة إلى عهد أقدم من ذلك، فإننا نتذكر الفيلسوفة (اليهودية) الكبيرة هانه. كانت أرنت قد أدركت منذ الثلاثينيات – أي قبل تأسيس إسرائيل - أن دولة قومية تقوم على استخدام العنف وتلفظ الأقليات العرقية لا يمكن أن تتوافق مع مفهومها الإنساني عن الدولة المدنية، لذا رفضت السمة العسكرية للدولة الإسرائيلية لدى نشوئها وكذا تبعيتها للقوى العظمى، واستشفت وراء ذلك مصدراً للعزلة المتزايدة للدولة الوليدة وللكراهية المتنامية في المنطقة. لم تستطع أرنت أن تقبل مشروعاً عسكرياً مثل المشروع الصهيوني، ولا مشروعاً تبشيرياً يدعو إلى العودة إلى "بلاد الأسلاف" كوطن مثيولوجي، ثم جاءت محاكمة النازي أدولف أيشمان في القدس عام 1961، حيث واكبت جلسات المحاكمة وكتبت سلسلة من المقالات التي نشرت في مجلة "نيويوركر"، وصدرت لاحقاً في كتاب "أيشمان في القدس" الذي أثار ضجة كبيرة. زودت هنه أرنت كتابها بعنوان جانبي جلب عليها طوفاناً من النقد والهجوم والحملات الصهيونية المسعورة، وهو: "تقرير عن تفاهة الشر". كان أيشمان في نظرها نموذجاً للإداري التكنوقراطي الذي يرتكب أبشع الجرائم بضمير مستريح دون أن يرف له جفن. نزع تعبير "تفاهة الشر" القناع الشيطاني عن الجناة، مصوراً أحدهم موظفاً بورجوازياً تافها، وليس سادياً أو شاذاً، كما حاول الادعاء الإسرائيلي أن يصوره، بل شخصاً عادياً تافهاً، ومرعباً في عاديته وتفاهته. لم ترَ أرنت في أيشمان تجسيداً للشر، بل أدركت أن الكارثة تكمن في قدرة النظم الشمولية على تحويل البشر إلى محض "منفذين" و"تروس" في الآلة الإدارية – أي تجريدهم من إنسانيتهم.

محاكمة مسرحية

اعتبرت أرنت المحاكمة محاولة من الدولة الإسرائيلية ترسيخ دعائمها عبر محاكمة مسرحية (وكما نقرأ في كتابها "أيشمان في القدس"، الطبعة الألمانية التاسعة، 1999، ص 71 وما بعدها). ورأت فيها بداية لاستخدام الهولوكوست أداة سياسية، لا سيما أنها أجريت في وقت كان بن غوريون يسعى فيه إلى الحصول على مزيد من التعويضات المالية من ألمانيا الغربية. أما ما لم يغفره لها يهود كثر حتى اليوم فهو فضحها لدور المجالس اليهودية في التعاون و"العمالة" مع النظام النازي. فضحت أرنت هذا الدور بكل قسوة ونقد ذاتي، ما زعزع الاعتقاد الصهيوني في كون اليهود "ضحايا دائمين"، وهو ما جلب على المفكرة اليهودية تهمة "معاداة السامية".

أما الشاعر النمسوي (اليهودي) إريش فريد فقد كتب ديواناً شعرياً كاملاً بعد حرب 1967 بعنوان "اسمعي يا إسرائيل"، شن فيه هجوماً عنيفاً على الحكومة الإسرائيلية التي تحولت تدريجاً من "حكومة قمع" إلى "حكومة مجرمين"، كما قال في إحدى قصائده. في مقدمة كتابه قال فريد محللاً أسباب نشأة "التابو" الإسرائيلي: "منذ أن مارست فاشية هتلر جرائم قتل اليهود، تولد في أوروبا الغربية شعور جماعي بالذنب له أسبابه المفهومة – وكثيراً مما أدى هذا الشعور إلى امتناع المرء عن توجيه أي نقد لليهود، وفي الوقت ذاته فقد ساوى الناس بلا أدنى تفكير بين اليهود والصهاينة، إلا أنني أشعر ليس فقط بالتضامن مع كل المشردين والمضطهدين الأبرياء، وإنما أيضاً بشيء من المشاركة في المسؤولية تجاه ما يرتكبه يهود إسرائيل ضد الفلسطينيين وباقي العرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي قصيدة بعنوان "جزء من كل" توقف الشاعر أمام كلمة "حوادث" و"إرهاب". وقال متهكماً بعد أن عدد الجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في دير ياسين وكفر قاسم وبحر البقر: "حوادث/ كلها مجرد حوادث/ الإرهاب هو/ ما يفعله الفلسطينيون".

وفي مقطع من قصيدة "اسمعي يا إسرائيل" قال "راقبتم جلاديكم/ وتعلمتم منهم/ الحرب الخاطفة/ والجرائم الوحشية الفعالة/.../ عندما كنتم مضطهدين/ كنت واحداً منكم/ كيف أظل منتمياً لكم/ عندما تضطهدون الآخرين؟".

أما في قصيدة "الخلفاء"، فنقرأ: "لأن قتلة فاشيين/ طردوا يهوداً/ ينبغي الآن على قتلة فاشيين/ أن يغتالوا/ فلسطينيين/ أبرياء من مقتل/ يهود أوروبا/ بالطريقة نفسها التي/ اغتيل بها اليهود آنذاك/.../ لأن يهوداً ويساريين/ يسمون ما يحدث جنوناً/ ولا يريدون أن يعاونوا القتلة/ يطلق الصهاينة/ على هؤلاء اليساريين "نازيين"/ وعلى اليهود المعادين للفاشية/ وصف "اليهود المعادين للسامية"/ و"خونة ذويهم".

آنذاك أثار نشر هذه القصائد رد فعل عنيفاً أيضاً داخل ألمانيا وخارجها، كما توالت على الشاعر أبشع الاتهامات، فإضافة إلى تهمة "معاداة السامية"، اتهم فريد بالتجديف وتحريف الكتاب المقدس وبأنه "مدافع عن هتلر"، وبأنه "يهودي كاره لليهود" إلى آخر تلك القائمة من الاتهامات.

وفي الختام أردد مع إريش فريد: "الظلم/ يبقى ظلماً/ عنصرية الصهاينة/ تبقى عنصرية/ المشردون/ يظلون مشردين/ وقراهم المدمرة/ تبقى مدمرة/ وقضيتهم العادلة/ تبقى عادلة/ وأملهم/ يبقى هو الأمل".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة