Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رياح الاقتصاد تضرب سفن العلاقات التونسية - الأوروبية

إصلاحات صندوق النقد عطلت القرض الطارئ والبلد الأفريقي يحتفظ بورقة اللاجئين

الغموض يلف مستقبل العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي (رويترز)

ملخص

تصريحات تونسية - أوروبية منفصلة أظهرت خلافات بين الطرفين وإن ظلا في حاجة إلى بعضهما بعضاً

عكست تصريحات صحافية لوزير الخارجية التونسي نبيل عمار بلوغ الخلافات بين بلاده والاتحاد الأوروبي ذروتها، حين ألقى باللائمة على الغرب في شأن الأزمة الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها الدولة، منتقداً بشدة تسريب دوائر أوروبية لوثيقة في شأن طلب المساعدة المالية من التكتل.

ومن غير الواضح ما إذا ستؤدي التصريحات التونسية والتصريحات الأوروبية المضادة إلى قطيعة وهو أمر يستبعده دبلوماسيون وأوساط تونسية، لا سيما في ظل حاجة الطرفين إلى بعضهما بعضاً في ملفات مثل الهجرة غير النظامية، لكن الانسداد الحاصل يثير بالفعل تساؤلات حول مآلات معركة لي الأذرع، وما إذا كان للبلد الأفريقي حسابات دبلوماسية أخرى.

وراهنت تونس في الأشهر الماضية على الدعم الأوروبي الذي قادته بشكل لافت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، من أجل الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي يقدر بـ1.9 مليار دولار، لكن هذا الدعم لم يكن مجدياً ولا يزال مصير القرض يكتنفه كثير من الغموض في ظل تشدد موقف الصندوق إزاء الإصلاحات التي يحاول فرضها ومن بينها رفع الدعم عن المواد الأساسية في البلاد.

هذا درس لكم

بدت تصريحات الوزير التونسي نبيل عمار أكثر حزماً تجاه الأوروبيين والغرب هذه المرة، إذ قال بنبرة لم تخل من التحذير "رددنا عليهم أموالهم، وقلنا لهم حذار من مواصلة التمويه ونشر الوثائق المسربة، وإن عدتم عدنا لكم بكشف مزيد من الحقائق التي ليست في مصلحتكم".

ويشير الوزير بحديثه إلى مبلغ يقدر بـ60 مليون يورو كان قد حوله الاتحاد الأوروبي إلى تونس أخيراً، ورفض السلطات التونسية هذا المبلغ، إذ اعتبر الرئيس قيس سعيد أن بلاده لا تقبل "الصدقة أو المنة" وهو ما قاد إلى تفاقم الخلافات بين الطرفين.

وجاء الرد الأوروبي على لسان مفوض زار تونس أخيراً ودعا منها السلطات التونسية إلى إعادة الأموال الأوروبية إذا كانت ترفضها، ونشر في منشور على منصة "إكس" صوراً لوثيقة رسمية تكشف عن طلب تونس المبلغ في 31 أغسطس (آب) الماضي.

وأوضح المفوض أوليفر فارهلي أن هذا المبلغ يأتي في إطار دعم الميزانية التونسية في مكافحة جائحة كورونا، ولا علاقة له بمذكرة التفاهم التي تم توقيعها في يوليو (تموز) الماضي، لافتاً إلى أن "الاتحاد يقدر شراكته مع تونس وهو على أهبة الاستعداد للتعاون بروح الشراكة الحقيقية".

ووقعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم استراتيجية في 16 يوليو بهدف مكافحة الهجرة غير النظامية وتعزيز التعاون في مجالات أخرى، وترجمت آنذاك الاجتماعات تقارباً كبيراً غير أن تأخر صرف مبلغ 900 مليون يورو (نحو 950 مليون دولار) متضمنة في المذكرة أثار على ما يبدو انزعاجاً تونسياً.

أزمة موجودة

وكانت العلاقات بين تونس وبروكسل قد شهدت في الأسابيع الماضية تذبذباً ترجم حالة التنافر التي تخيم على الطرفين، بعد أن رفضت تونس استقبال وفد من البرلمان الأوروبي ثم إرجاء زيارة لوفد من المفوضية الأوروبية، مما أثار تكهنات حول مآل هذا التوتر.

والآن باتت مذكرة التفاهم التي وقعها الطرفان على المحك على رغم تمسك الجانب الأوروبي بها، إذ تصاعدت الانتقادات لها لا سيما أنها كانت تستهدف الحد من تدفق المهاجرين بينما عرفت الأسابيع الماضية اجتياح المئات للسواحل الإيطالية ولا سيما جزيرة لامبيدوزا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر العضو في البرلمان الأوروبي عن حزب "إيطاليا حية" نيكولا دانتي أن "مذكرة التفاهم الأوروبية في شأن المهاجرين مع تونس التي دعمتها بقوة ميلوني فشلت فشلاً ذريعاً".

لكن الدبلوماسي التونسي عبدالله العبيدي رأى أن "هناك خلطاً للشخصي بالرسمي في الأزمة بين تونس والاتحاد الأوروبي، فالمفروض مهما كانت الأزمات أن يتم حلها، وفي اعتقادي التصريحات والتصريحات المضادة بين الطرفين ليس لها أي موجب ويجب أن تكون في إطار رسمي وثنائي وليس بهذا الشكل، فنحن شركاء للأوروبيين وأكثر من 90 في المئة من جالياتنا في أوروبا والعملة الأجنبية التي نتباهى بها متأتية من أوروبا ومبادلاتنا التقليدية بشكل كبير مع الاتحاد الأوروبي".

وتابع العبيدي في حديث لـ"اندبندنت عربية "لا أعتقد أن الدوائر الرسمية في أوروبا تسعى إلى تعقيد الأمور مع تونس، المفروض أن نتفاوض من أجل إيجاد حلول، لأن الأزمة موجودة لا سيما على مستوى التواصل ويجب حلها، لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع".

وهذه من المرات النادرة التي تدخل فيها العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي نفقاً من التوتر لم تظهر بعد ملامح للخروج منه، على رغم أن أوساطاً تونسية كثيرة ترى أنه سيتم احتواء الموقف لا سيما في ظل وجود مصالح مشتركة بين الطرفين.

وجهة أخرى؟

وتثير النبرة شديدة اللهجة التي باتت تتحدث بها تونس تجاه الأوروبيين تساؤلات عما إذا كانت ستقود إلى قطيعة مع الغرب لا سيما بعد زيارة بدت مثيرة في توقيتها ورمزيتها لنبيل عمار إلى روسيا، وهي زيارة تزامنت مع دعوات من أنصار الرئيس قيس سعيد إلى تغيير جذري في الدبلوماسية التونسية يتم فيها الانتقال من التحالف التاريخي مع الغرب إلى التوجه شرقاً.

وحول ما إذا كانت تونس ستغير بوصلتها الدبلوماسية بشكل كامل يجيب العبيدي بأنه "لا يمكن تغيير الدبلوماسية هكذا أو إحداث قطيعة مع الأوروبيين، لأن ذلك سيقتضي تغييراً جذرياً ويتطلب وقتاً طويلاً على المستوى الداخلي أولاً، فتاريخنا وكل ثقافتنا وغيرها من المسائل مرتبطة بالأوروبيين، من الصعب تغيير باخرة مثل تونس بشكل مفاجئ نحو وجهة أخرى".

أما المحلل السياسي ماجد البرهومي فيعتقد أن "الذهاب إلى روسيا والصين لا يتعارض مع إبقاء علاقاتنا القوية مع شركائنا التاريخيين، فالدبلوماسية التونسية لن تقطع مع الأوروبيين، لأنه منذ بزوغ فجر الاستقلال اعتمدت البلاد سياسة صفر مشكلات مع الخارج وعدم الانخراط في أي محور على حساب آخر على رغم ميلنا إلى الغرب الذي فرضه التاريخ".

وأردف البرهومي في تصريح خاص أنه "على رغم تصريحات عمار فإن الأوروبيين أذكى من الدخول في خلاف قد يؤدي إلى قطيعة مع تونس، لأنهم في حاجة إليها في عديد من الملفات الحارقة مثل الهجرة غير النظامية باعتبارها منطقة عبور، مثلما تونس في حاجة إلى أوروبا لأن علاقاتنا معهم تاريخية وهم الأقرب إلينا جغرافياً وحتى في فترة جائحة كورونا هم الذين ساندونا بمساعدات في شكل هبات وغير ذلك".

ولفت المتحدث إلى أن "لا شيء يمنع تونس من تنويع شراكاتها الخارجية لكن من دون التخلي عن شركائنا التقليديين".

وعلى رغم أن تونس في حاجة ماسة إلى الدعم المالي، فإن دول الاتحاد الأوروبي أيضاً وفي مقدمتها إيطاليا تجد نفسها تحت ضغط غير مسبوق، فإلى حدود 30 سبتمبر (أيلول) المنقضي وصل إلى السواحل الإيطالية 130 ألفاً و220 مهاجراً، وهو ما قد يدفع الأوروبيين إلى البحث عن صيغ أفضل للتفاهم مع تونس في المرحلة المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات