Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل اختفت شخصية "سي السيد" أم ألبست بدلة عصرية؟

نموذج عن الرجل الشرقي الصارم والوقور والجاد في بيته واللعوب الذي ينصرف إلى ملذاته خارجه

شخصية "سي السيد" نموذج عن الرجل الشرقي الصارم (وسائل التواصل الاجتماعي)

ملخص

فهل اختفت شخصية "سي السيد" من الدراما العربية مع تغير الزمن؟ أم أنها تخلت فقط عن الجلباب والطربوش والعصا والحزام الحريري، وارتدت بدلة وربطة عنق

"سي السيد" من أشهر الشخصيات التي قدمتها الدراما التلفزيونية والسينمائية في مصر، وهي برزت في ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية) وبرع يحيى شاهين في تجسيدها سينمائياً ومحمود مرسي تلفزيونياً. شخصية "سي السيد" نموذج عن الرجل الشرقي الصارم والوقور والجاد في بيته واللعوب الذي ينصرف إلى ملذاته خارجه، وزوجته أمينة هي إمرأة مغلوب على أمرها تبذل ما في وسعها لإرضائه ولا تتحرك من دون استئذانه، ومع الوقت تحولت شخصية "سي السيد" إلى رمز يستخدمه دعاة حرية المرأة للتنديد بالرجل الشرقي المستبد، ولكن مع تغير الزمن ونيل المرأة حقوقها، تأسست في مصر جمعية "سي السيد" لاستعادة الرجل حقوقه المسلوبة.

فهل اختفت شخصية "سي السيد" من الدراما العربية مع تغير الزمن؟ أم أنها تخلت فقط عن الجلباب والطربوش والعصا والحزام الحريري، وارتدت بدلة وربطة عنق، بعدما استلهم منها الكتاب العرب في تقديم شخصية الرجل الذي يعاني من انفصام في الشخصية حين نراه متحكماً وأنانياً ومتسلطاً مع زوجته وأولاده، ليتحول إلى شخص آخر يضحك ويهرج وراء الأبواب الخلفية؟

الخبز الحرام

يؤكد المخرج السوري مروان قاووق "أن الدراما السورية تناولت شخصية سي السيد في كثير من الأعمال، وينطبق عليها المثل الشامي (رجال جوا البيت دبور وبرا شحرور)، فهو الرجل الصارم الذي يثور لأتفه الأسباب في بيته، ويتحول إلى رجل لعوب خارجه، في الواقع هو مريض نفسي ويتصرف مع زوجته بهذه الطريقة كي لا تساورها الشكوك حول خيانته لها. وهذه الشخصية موجودة في المجتمعات العربية، أما درامياً فإن وجودها في العمل يرتبط بالقصة، ونحن كصناع دراما نحاول إيجاد تبريرات كثيرة لها لأن الرجل يدافع عن الرجل، فالكاتب في نصه يدافع عنها ويبرر تصرفاتها تماماً كما تدافع المرأة عن المرأة في نصوصها".

"سي السيد" شخصية مركبة كما يوضح قاووق، ويضيف "لقد قدمتها في أعمال عدة من بينها (الخبز الحرام) التي جسدها الممثل عباس النوري، ومن شروطها أن يكون الرجل مرتاحاً مادياً وصاحب سلطة في العمل، يستغل ماله للبذخ على النساء والتقرب منهن، وفي الحقيقة هو كاذب داخل بيته وخارجه. أما شكلياً فهو جميل، ولكن الشكل ليس مهماً أمام المال، فهو يمكن أن يكون غير جميل أيضاً، ولكنه أنيق ويملك سيارة فارهة لجذب النساء".

نجومية البطل

الكاتب طوني شمعون يعتبر أن "سي السيد" تغير مع تغير العصر ويقتصر وجوده على بعض المجتمعات في الريف السوري أو المصري أو الأردني أو في القرى اللبنانية النائية، ويتابع "أما درامياً فهذه الشخصية تغيرت ولم تعد كما كنا نعرفها سابقاً لكيلا يخسر الممثل البطل نجوميته. بينما هي موجودة بكثرة في أعمال البيئة وتظهر في الأعمال المودرن لدى الطبقة الثرية، ولكنها ليست شخصية مقبولة عند المشاهد، وتكون نهايتها الندم درامياً، وأنا ضدها ككاتب ولم أتناولها في أعمالي".

محمد رمضان وعادل إمام

في المقابل، يرى الناقد خالد شاهين وجود اختلاف في الرأي بين ما إذا كانت الدراما تعكس الواقع، أم أن الواقع هو الذي يمثلها، ويقول "كتابات نجيب محفوظ كانت محاكاة للواقع، وكل الشخصيات التي قدمها كانت حقيقية من بينها شخصية سي السيد التي كانت تعيش في حي الأزهر، ويعمل صاحبها في مجال العطارة، ولكن محفوظاً بالغ في تقديمها لضرورات درامية، فبرزت بشكل كبير خصوصاً وأنه قدمها في أعماله الثلاثة (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية)، ومن بعده لم يتناولها الكتاب والمؤلفون بشكل بارز مثله بسبب اختلاف الأزمنة". ويردف "سي السيد موجود حالياً بشخصية الرجل الديكتاتور والمتسلط، ولكن ليس كما قدمه محفوظ. ففي الماضي لم يكن يوجد مجلس قومي للمرأة، ولم يكن هناك من ينادي بحقوقها وبالمساواة بينها وبين الرجل، بل كان هو اليد العليا. سي السيد لا يزال يفرض نفسه درامياً لكن مع بعض الاختلافات البسيطة كما في (عريس من جهة أمنية)، الذي جسد فيه عادل إمام شخصية الرجل العربي الذي يحب النساء والصارم جداً مع أهل بيته. فهو يرفض أن تسهر ابنته خارج البيت أو أن يكون لها أصدقاء أو علاقة بالرجال، بينما قدم فتحي عبد الوهاب في (سهر الليالي) شخصية الرجل السكير الذي يقيم علاقات مع النساء مع أنه متزوج من منى زكي، السيدة المحجبة والمحترمة التي يتحكم بها ويرفض تواصلها مع أصدقائها، وفي (عمارة يعقوبيان) قدم نور الشريف شخصية عضو في مجلس الشعب صاحب الحصانة ومثال الأخلاق والاحترام أمام الناس، ولكنه في الحقيقة (بتاع ستات)، يشرب ويسكر ويتزوج عرفياً وعندما تحمل زوجته منه يضربها ويجهضها، ولكنه لم يكن كأحمد عبد الجواد أو سي السيد في السكرية بل نموذجاً عنه".

ويؤكد خالد أن "سي السيد شخصية" ثرية درامياً "الناس تحب هذا النوع من الدراما والشخصيات وسي السيد شخصية مؤثرة، كان لها في السابق مواصفات شكلية معينة فهو يرتدي الجلباب البلدي والطربوش والحزام الحرير وله شنب ضخم، بينما اليوم هو رجل عصري يرتدي البدلة وربطة عنق. لكن شخصية سيد السيد ليست في الزي، بل في الصفات الشخصية، ولقد أوصلها لنا نجيب محفوظ بهذه المواصفات ورصد تعامله داخل البيت وخارجه، لذا نحن عرفناه بكلا الوجهين، ولكن لا يمكن أن نتخيل أن الشخص الفرفوش الذي نلتقيه في المقهى ويصرف ببذخ هو نفسه الشخص الذي يتعامل مع زوجته وعائلته بطريقة دكتاتورية، لأننا لم نتعرف إلى وجهه الثاني".

ويلفت شاهين إلى أن "سي السيد" لا يزال موجوداً في الصعيد المصري ويتقمص شخصيته شبان في ريعان العمر، وهذا الواقع ينعكس في الدراما، ويوضح "هذه الشخصية تبرز في الدراما الصعيدية أكثر من الأعمال الأخرى مع أن عددها إلى تراجع. في الصعيد نسبة التعليم أقل والعائلات ترفض أن تكمل المرأة تعليمها، لذلك هي لا تعرف حقوقها كاملة وهذا ما يجعل من الرجل الصعيدي سي السيد. ولقد لامس محمد رمضان هذه الشخصية في (جعفر العمدة) فهو متزوج من أربع سيدات ورجل شجاع وعادل في الحارة التي يعيش فيها، ولكنه كان يسهر بشكل دائم عند إحدى الراقصات". كذلك يؤكد أن "سي السيد يعكس شخصية الرجل الشرقي فهو يحب الرقص الشرقي وينقط الراقصات بمئات الدولارات، ولكنه يرفض أن ترقص ابنته أو زوجته أو شقيقته، كما أنه يعشق الموضة والشياكة والمرأة الأنيقة، ولكنه إذا شاهد إحدى نسائه بالمكياج وشعرها منسدل على كتفيها تقع المصيبة".

شخصية موجودة في الوطن العربي

الناقد رئيس قسم الفن في إحدى الصحف العربية مفرح الشمري يقول "على رغم اعتراف الأديب الراحل نجيب محفوظ بأن شخصية سي السيد خيالية ومن بنات أفكاره، لكنها لا تزال حية وموجودة، وكثيرون يتذكرونها من خلال الأعمال التي قدمتها وهي (قصر الشوق وبين القصرين والسكرية) وجسدها ببراعة الراحل محمود مرسي تلفزيونياً ويحيى شاهين سينمائياً. وهذه الشخصية موجودة في الوطن العربي وفي أغلب البيوت لابد وأن نجد سي السيد صاحب الهيبة والكلمة والمتسلط على أهل بيته، الذي يتحول وراء الأبواب الخلفية إلى شخص يحب الفرفشة، لكنه يرفض أن يرى في بيته ما يقوم به هو بنفسه في الخارج.

لا بد أن نجد هذه الشخصية في أي عمل درامي كونها محركاً أساسياً للأحداث، وهذا الأمر يحسب للراحل نجيب محفوظ لأنه رسم شخصية للمؤلفين والكتاب، وهم بنوا عليها قصصهم لإيصال رسائل اجتماعية وتربوية وسياسية، وسي السيد موجودة حتى في السياسة من خلال بعض الشخصيات المتمثلة في بعض الدول وهم من أصحاب القرارات المؤثرة والقوية، ولكنهم في الخفاء غير ذلك تماماً".

ومن وجهة نظر الشمري، لا تملك شخصية سي السيد مواصفات خاصة، ويوضح ذلك بقوله "يمكن تناولها بشكل جاد وبشكل هزلي، ولكنها شخصية لها جاذبيتها في العمل التلفزيوني والسينمائي، ولو لم تكن كذلك لما استعان بها كثير من الكتاب والمؤلفين، ولما انتظر المشاهد مصيرها في الأعمال التلفزيونية أو السينمائية، خصوصاً إذا كان العمل مكتوباً بطريقة جيدة وحواراته قوية".

المزيد من فنون