Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين الرواية المصرية الرسمية لحرب أكتوبر؟

مطالبات بالكشف عن الوثائق بعد مرور 50 عاماً للرد على ما تنشره إسرائيل لا سيما أنها أفرجت عن 3500 ملف أرشيفي

استسلام القائد الإسرائيلي للجيش المصري في السويس (ويكيبيديا)

ملخص

50 عاماً على حرب أكتوبر وما زالت الرواية الرسمية المصرية مفقودة... فأين الحقيقة؟

ماذا حدث؟ سؤال يتردد طوال 50 عاماً مضت على حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، فالباحثون والمؤرخون لم يجدوا سوى شهادات وكتب لبعض القادة العسكريين ليعرفوا تفاصيل ما جرى، ويدركوا ما وراء مشهد عبور قناة السويس، مروراً بثغرة الدفرسوار، وحتى وقف إطلاق النار، وما صاحب ذلك من حراك عسكري ودبلوماسي، فيما تتوافر وثائق أميركية رسمية تحكي عن تاريخ الحرب، إضافة للرواية الإسرائيلية الرسمية التي أضيف إليها هذا العام تفاصيل جديدة بمناسبة الذكرى الـ50 لما يطلقون عليه حرب عيد الغفران.

حتى الآن لا يوجد أرشيف رسمي مصري حول ما جرى في الحرب، على رغم أن الغموض حول تفاصيلها بدأ منذ الخلاف بين الرئيس الأسبق أنور السادات ورئيس أركان حرب القوات المسلحة خلال الحرب الفريق سعد الشاذلي، حين أورد السادات في كتابه "البحث عن الذات" اتهاماً للشاذلي بالمسؤولية عن الثغرة التي نفذت منها القوات الإسرائيلية إلى غرب القناة في هجوم مضاد، فرد الشاذلي بكتاب "مذكرات حرب أكتوبر" الذي اتهم السادات بالتدخل في القرارات العسكرية، مما أدى إلى تلك الثغرة، وتوالت بعد ذلك كتب ومذكرات لقادة عسكريين وصحافيين عن مجريات الحرب، لكن جميعها انحصرت في نطاق الشهادات والروايات غير الرسمية.

أرشيف إسرائيل

في المقابل، أفرجت إسرائيل الشهر الماضي عن أرشيفها السري الكامل للحرب التي خاضتها ضد مصر وسوريا، من خلال موقع إلكتروني خاص يضم لأول مرة محاضر مداولات الحكومة، والمجلس الوزاري العسكري ومحاضر جلسات الكنيست، وكذلك مراسلات وزارة الخارجية ووثائق عسكرية وسياسية وشهادات، إضافة إلى صور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية وأفلام، لتنضم تلك الوثائق إلى أخرى كان قد كشف عنها في سنوات ماضية، ليتبقى عدد قليل من الملفات تحتفظ السلطات الإسرائيلية بسريتها، وفق موقع "تايمز أوف إسرائيل".

ويصف الكاتب المصري عبدالله السناوي وجود رواية إسرائيلية متكاملة بعد إتاحة الأرشيف دون وجود أخرى مصرية بأنها "معضلة"، وطالب في مقال نشره بصحيفة "الشروق" بنشر وثائق الحرب، مؤكداً أنه حق أصيل ومؤكد للمصريين للاعتزاز بتضحيات الأجيال السابقة، بخاصة أنه "لم يعد هناك سر مخبوء يخشى منه على الأمن القومي"، كما حذر من أن يكون "الرأي العام أسيراً برد الفعل للرواية الأخرى"، واصفاً ذلك بـ"جريمة تاريخية متكاملة الأركان في حق البطولات التي جرت والتضحيات التي بذلت".

ما زالت العدو

لكن مدير إدارة الشؤون المعنوية في الجيش المصري سابقاً اللواء سمير فرج لا يتفق مع المطالبات بإتاحة وثائق الحرب، مبرراً ذلك بأن إسرائيل لا تزال تعد هي العدو الرئيس لمصر، وأرض أية معركة قادمة مع ذلك العدو ستكون على أرض مصرية هي شبه جزيرة سيناء التي شهدت حرب أكتوبر، كما أن معظم الأسلحة التي كانت مستخدمة ما زالت يعمل بها، مما يعني أن نشر الوثائق يفشي أسراراً عن التحركات العسكرية قد تستخدمها إسرائيل لاحقاً في حال تفجرت حرب جديدة.

وقال فرج إن السؤال يجب أن يوجه للجانب الإسرائيلي عن التقرير الكامل للجنة أجرانات التي شكلت للتحقيق في الأخطاء التي ارتكبت وأدت إلى هزيمة إسرائيل.

وبعد نحو شهر على وقف إطلاق النار، شكلت إسرائيل لجنة برئاسة رئيس قضاة المحكمة العليا شمعون أجرانات، للتحقيق في أداء الحكومة والجيش خلال الحرب، حيث استمعت اللجنة لعشرات الشهود من بينهم رئيسة الوزراء غولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان، وخلصت إلى التوصية بإقالة رئيس الأركان ومدير الاستخبارات العسكرية وقادة عسكريين آخرين، وفي يناير (كانون الثاني) 1975 أصدرت اللجنة تقريراً من 1500 صفحة، نشر منها 42 فقط، واعتبر الباقي سرياً، وفي سنوات لاحقة أفرج عن أجزاء أخرى من التقرير.

وفي رأي القائد العسكري المصري السابق، فإن الجانب الإسرائيلي يهدف إلى "إخفاء مصيبة لديه" بنشر أجزاء من الأرشيف هذا العام، إذ لم تعلن النتائج الكاملة لعمل لجنة أجرانات، ولا يستطيعون مواجهة الشعب الإسرائيلي بالتقصير أو إدانة غولدا مائير أو موشيه ديان.

أشرف مروان

وتضمنت الوثائق الإسرائيلية الجديدة معلومات حول إخبار سكرتير الرئيس السادات أشرف مروان الإسرائيليين بموعد الحرب، وأنه كان عميلاً للموساد، لكن اللواء سمير فرج يرى أن ذلك محاولة لإلهاء الشعب الإسرائيلي عن تقرير لجنة أجرانات، وتجنب إدانة غولدا مائير التي تعد رمزاً لإسرائيل، مشيراً إلى أن حديث إسرائيل عن مروان بدأ بهدف الطعن في الاستخبارات المصرية بعد النجاح الكبير لمسلسل "رأفت الهجان" في الأوساط العربية وبين عرب إسرائيل، مضيفاً أنه إذا كان جاسوساً لإسرائيل لكان أخبرهم بالموعد الحقيقي للحرب.

وبينما يؤكد فرج أن قواعد الكشف عن الوثائق في مصر هي الإفراج عنها بانقضاء 50 سنة على الحدث، فإنه من الأهمية أن يكون تنقيحاً للوثائق العسكرية، وحتى السياسية، كي لا تحدث مشكلات سياسية بسببها.

لجنة للمراجعة

كان فرج ضابطاً في هيئة عمليات القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، وعاصر معظم الحروب التي خاضتها مصر في القرن الـ20، ويقول إن الرواية الرسمية لا يمكن الكشف عنها الآن، مؤكداً أنه لا يمكن معرفة متى يكشف عنها، لأن بعض التفاصيل قد تسيء إلى رموز تاريخية، فلا يمكن الإفصاح عن تفاصيل جرت بين الرئيس السادات والفريق الشاذلي، لكنه شدد على أن "الحقيقة موجودة وموثقة لدى القوات المسلحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلمت "اندبندنت عربية" أن القوات المسلحة المصرية شكلت لجنة لمراجعة وثائق متعلقة بحرب أكتوبر بهدف دراسة الإفراج عن بعضها بالتزامن مع الذكرى الـ50 للحرب، إذ شكلت اللجنة من عدد محدود من القادة العسكريين السابقين الذين كانوا في مواقع قيادية مهمة خلال الحرب.

ويطالب مساعد وزير الخارجية الأسبق وأحد الضباط في حرب أكتوبر معصوم مرزوق بعدم التوسع للغاية في مفهوم الأمن القومي في المعايير التي قد تضعها أية لجنة لمراجعة الوثائق المصرية الخاصة بالحرب، وألا تحجب سوى المعلومات التي تشكل خطراً بالغاً على الأمن المصري، بخاصة بعد مضي 50 عاماً تغيرت فيها معظم الحقائق على الأرض وفي العلاقات الدولية، معرباً عن اعتقاده أن الوثائق موجودة ومؤرشفة بشكل جيد في رئاسة الجمهورية ووزارتي الدفاع والخارجية.

حرية المعلومات

وقال مرزوق إن الدولة المصرية تأخرت كثيراً في الكشف عن الوثائق لسبب أساس هو غياب قانون تداول المعلومات، وهي مشكلة تواجه الإعلاميين والباحثين في كافة المجالات، على رغم أن مصر موقعة على اتفاق برن في شأن حماية المصنفات الأدبية والفنية، والذي ينص على أن أقصى مدة لحماية الوثائق الرسمية هي 50 عاماً، وفي بعض الأحيان 25 وأقل، وعلى رغم ذلك كثير من الوثائق لم يكشف عنها.

وفي رأي الضابط والدبلوماسي السابق فإن غياب الوثائق الرسمية تترك ثقوباً سوداء في التاريخ المصري المعاصر، على رغم أن عديداً من الشهادات للقادة كشفت عن أجزاء مما جرى في الحرب، لكن الوثائق لها أهمية خاصة في تكذيب والرد على مثيلتها في الأرشيف الإسرائيلي والأميركي، والتي جزء كبير منها اطلع عليه مرزوق ويصفه بأنه لا يطابق الواقع الذي عايشه بنفسه، إذ كان قائداً لأحد التشكيلات في غرب القناة خلال الثغرة، قائلاً بنبرة يشوبها الحزن، إنه يشعر بالألم عندما يقرأ عن كيفية تفوق الجانب الإسرائيلي، مؤكداً أنه يتذكر دماء الشهداء الذين سقطوا بجانبه بعد أن قاتلوا ببسالة وكبدوا الإسرائيليين خسائر جسيمة، ومن حقهم الكشف عن الحقيقة وتوضيح حجم ما أنجزوه.

الثغرة

كانت القوات الإسرائيلية قد استطاعت الدفع بتشكيلات مدرعة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين، وعبور القناة باتجاه الغرب في 16 أكتوبر 1973، مستغلة تحريك قوات مصرية لتطوير الهجوم في سيناء، وهو ما عرف بـ"ثغرة الدفرسوار"، ودارت معارك ضارية بين الجيشين على حدود مدينة السويس، وفشلت القوات الإسرائيلية في دخول مدينة الإسماعيلية، واستمرت الاشتباكات حتى وقف إطلاق النار في 24 من الشهر نفسه امتثالاً لقرار من مجلس الأمن.

وتتباين الآراء حول تلك الثغرة بين المؤرخين على طرفي الحرب بين من يرى أنها عبور مضاد قلص من حجم الإنجاز المصري، بل إن الإسرائيليين كانوا على مقربة من الوصول إلى القاهرة، ومن يؤكد أن القضاء على الإسرائيليين كان مسألة وقت فقط، لذلك يتساءل أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس جمال شقرة، "لماذا لا تخرج الوثائق لإثبات أنه كان لدينا المقدرة لتدمير القوات الإسرائيلية التي عبرت غرب القناة"، للرد على ما يصفه بالأكاذيب الإسرائيلية في شأن الثغرة.

وأمام غياب الوثائق الرسمية لا يجد المؤرخون سوى الشهادات والمذكرات لتسجيل تاريخ مصر، وهي معضلة تتكرر في الأحداث المهمة بالتاريخ المصر الحديث مثل ثورة يوليو (تموز) 1952 وحروب 1965 و1967 و1973، بحسب شقرة، الذي أوضح أن تلك الشهادات تمثل مادة علمية مهمة، لكنها مليئة بالعيوب، فقد يكون بها نسيان أو تزييف مغرض أو مبالغة أو تبرير للأخطاء التي يقع فيها البعض، ومع ذلك ليس أمام الباحث في التاريخ سوى تلك المصادر واستخدام منهج البحث والمقارنة، لكن لو أتيحت الوثائق سنكون في غنى عن تلك الشهادات.

غياب الحقيقة

ووصف شقرة، وهو محاضر أيضاً في أكاديمية ناصر العسكرية، عدم إتاحة الوثائق الرسمية في مصر بأنه حالة لا يمكن تفسيرها، مؤكداً أنه لا يعني أن بعض الوثائق تؤثر في الأمن القومي أن تحجب كل الوثائق، فالأرشيف البريطاني والأميركي يكشفان عن البعض، ويبقى الآخر سرياً وفق رؤية اللجنة التي تراجع تلك الوثائق، وقال إنه بعد 50 عاماً على الحرب أصبح من الممكن الإفراج عن يوميات الحرب والمناقشات في القيادة العامة للقوات المسلحة.

وأضاف المحاضر العسكري أن وزارة الدفاع أقامت بمناسبة الذكرى الـ25 للحرب مؤتمراً مهماً صدر عنه أربعة مجلدات عن الحرب نشرت بشكل محدود ولم تصل إلى العامة، مطالباً بنشرها الآن للجمهور، مشيراً إلى أن غياب الوثائق الرسمية جعل المصريين لا يعلمون حقيقة ما حدث لأسراهم في حرب 1967، وكشف عنها من الجانب الإسرائيلي عبر تسريبات إعلامية، وكان من الممكن استخدام تلك الوثائق في مقاضاة إسرائيل دولياً والمطالبة بتعويضات لأسرهم.

ليست تاريخية

الوثائق الإسرائيلية التي كُشف عنها في سبتمبر (أيلول) الماضي جاءت مع انتهاء فترة 50 عاماً التي يحددها القانون الإسرائيلي لسرية البيانات، وشملت نحو 3500 ملف أرشيف تحتوي على مئات الآلاف من الصفحات، و1400 وثيقة ورقية أصلية و1000 صورة، إضافة إلى 750 تسجيلاً و150 دقيقة من المداولات الحكومية وثمانية مقاطع فيديو.

ويشكك مؤسس المجموعة "73 مؤرخين" أحمد زايد، في صحة تلك الوثائق، قائلاً إن بعضها ليس تاريخياً من الأساس، وإنما معلومات صيغت حديثاً، وأعطيت رقماً كودياً كي تبدو وثيقة قديمة.

وتعرف مجموعة "73 مؤرخين" نفسها بأنها "مؤسسة ثقافية للتأريخ والأبحاث التاريخية نشأت عام 2008 من شباب مصر المدني المتعلم المتحمس لوطنه وتاريخه، تجمعوا لخدمه مصر ولتأريخ البطولات المصرية في حروبها ونشر الانتماء والولاء للوطن ومحاربه عمليات تشويه البطولات المصرية".

وفي رأي زايد فإن معظم ما جرى في الحرب كشف عنه عبر شهادات المشاركين فيها، بخاصة عبر المجموعة "73 مؤرخين"، لكن ذلك العمل التطوعي لا يغني عن كتاب رسمي من وزارة الدفاع المصرية عن سير العمليات مدعم بوثائق، وهو ما يرضي المؤرخين ويعد صيغة رسمية، معرباً عن اعتقاده أن ذلك لن يحدث.

وقال زايد إن المجموعة اطلعت على خرائط ومعلومات موجودة لدى القوات المسلحة ونشرت في موقع المجموعة، واصفاً الرواية المصرية المتاحة بأنها كاملة وموجودة، على عكس تصريحات إسرائيلية متضاربة، مضيفاً أن إسرائيل لم تفصح عن كامل ما حدث و60 في المئة من تقرير أجرانات ظلل باللون الأسود، بحسب قوله.

وخلال الأيام الماضية، نشرت وزارة الدفاع المصرية عبر صفحات المتحدث العسكري على مواقع التواصل مقاطع فيديو عن قادة مصر في الحرب، إضافة لشهادات جنود شاركوا فيها.

المزيد من تقارير