Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سلم الفساد درنة "فريسة" للإعصار دانيال؟

دراسات سابقة توقعت كارثة الفيضانات والإهمال ساعد في انهيار سدي المدينة الليبية

مشهد من الأعلى يظهر حجم الدمار الذي تعرضت له درنة بعد انهيار السدين (أ ف ب)

ملخص

انهيار السدين في مدينة درنة الليبية أعاد التذكير بشبهات فساد وإهمال ساعدا في كارثة الإعصار دانيال.

بدأ الليبيون يستفيقون من هول الصدمة والكارثة التي تسببت بها سيول الأمطار الناجمة عن العاصفة دانيال في مدينة درنة بشكل خاص وبعض المدن الجبلية المتاخمة لها بشكل أقل، وبدأت أيضاً تطرح الأسئلة عما حدث وكيف وقع ومن المسؤول عن فاجعة المدينة المؤلمة، وهل كان يمكن تقليل أضرارها الصادمة؟

أول الأسئلة طرح عن الأسباب التي أدت إلى انهيار السدين الكبيرين اللذين يحجزان مياه الأمطار في وادي درنة بعد نصف قرن على إنشائهما، لينهال طوفان محمل بـ23 مليون متر مكعب من المياه على المدينة جرفت كل ما في طريقها من أحياء ومنازل وسكان إلى البحر.

انعدام الصيانة في السدين منذ أكثر من 10 سنوات، وتجاهل التحذيرات المتواترة في العقدين الأخيرين عن سوء حالتيهما، على رغم صرف موازنات كبيرة لهذا الغرض ذهبت أدراج الرياح، مما أجج المطالب في درنة وخارجها بفتح تحقيق شامل محلي ودولي لتحديد المسؤول عن هذا الفساد والإهمال الذي ضيع آلاف الأرواح البريئة.

تاريخ بناء السدين

من الصدف الغريبة والمؤلمة في آن واحد أن قصة بناء السدين ولدت من رحم كارثة وانتهت بكارثة أكبر، ففي عام 1959 تعرضت درنة لفيضان كبير من الوادي الذي يشق طريقه إلى البحر عبرها، تسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وصنف بالأعنف في تاريخها الحديث، قبل فيضان الأحد الماضي، مما حرك المملكة الليبية وقتها للتفكير في بناء سد لحماية المدينة من السيول الجارفة.

أخذت الدراسات الخاصة ببناء السد ومواصفاته وموقعه سنوات طويلة، وأوصت ببناء سدين في مكانين متباعدين بالوادي الطويل الذي يمتد 60 كيلومتراً جنوب درنة، ليتحملا الكميات الهائلة من السيول المتوقع تجمعها في الوادي من مصبات خمسة أودية أخرى بالجبل الأخضر، والتي قد تتجاوز في المواسم المطيرة 20 مليون متر مكعب من المياه.

أهمل المشروع طويلاً بسبب الظروف السياسية في البلاد والمنطقة حينها، ولم ينفذ إلا في زمن نظام معمر القذافي من قبل شركة من يوغسلافيا "سابقاً" واستغرق بناؤهما أربع سنوات وافتتحا في عام 1977، وشيدا من طبقة من الطين المضغوط وفوقها طبقة أخرى من الصخور المضغوطة.

ويقود البحث عن الأسباب أو العيوب الفنية والتشغيلية التي أدت إلى انهيار السدين 11 سبتمبر (أيلول) الماضي إلى قائمة طويلة من المسؤولين المحتملين عن كارثة مدينة درنة، تبدأ بأسماء ومؤسسات في زمن القذافي وتنتهي بنظرائهم في الحكومات الحالية شرق البلاد وغربها.

انتقادات مبكرة

تقول دراسات حديثة أجراها متخصصون في العقدين الأخيرين على سدي درنة إن الانتقادات لمشروع سدود وادي درنة بدأت مبكراً جداً عند بداية تنفيذه، إذ انتقد بعض المهندسين الجيولوجيين مكان إنشاء سد درنة، لأنه يقع على أرض باطنها كهوف وفجوات واعتبروا أن أرض الوادي غير مؤهلة لإقامة سد مائي، نظراً إلى سهولة وكثرة انجراف التربة، وهو ما دعمته تقارير جديدة في السنوات الماضية.

وطاولت الانتقادات وقتها الدراسة التي قامت بها الشركة اليوغسلافية عام 1972 قبل بنائها السد، بسبب اعتمادها على بيانات جيولوجية وهيدرولوجية ومناخية لسلسلة زمنية قصيرة في ذلك الوقت، مما أدى إلى وضع تقديرات غير دقيقة.

النذر الأولى للكارثة

بدأت النذر الأولى للكارثة التي وقعت قبل أيام قليلة في عام 1986، أي بعد تسع سنوات فقط على بناء السدين، حين حدث تسرب في أحدهما تمت السيطرة عليه بسرعة، لكنه أعطى مؤشراً مبكراً على ضعف المواصفات الفنية لهما وهشاشتهما في مواجهة كمية المياه الكبيرة التي تتجمع في الوادي بموسم الأمطار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مرت الحادثة بسلام، وواصل السدان صمودهما بسبب شح الأمطار لسنوات طويلة تالية، لكن دراسة أجراها باحثون محليون عام 2002 استعملوا فيها نموذجاً رياضياً للتنبؤ والمحاكاة، حذرت من أن انهيار السد يشكل خطراً محتملاً على مدينة درنة.

أقلقت الدراسة السلطات الليبية وقتها، فكلفت شركة سويسرية عام 2003 بإجراء دراسة لسدود درنة لصالح وزارة الزراعة الليبية آنذاك، وقدمت في الدراسة مقترحات لإجراء تعديلات تصميمية لحماية السدين من الانهيار، وكلفت شركة تركية بتنفيذ المشروع عام 2007 وهو الأمر الذي لم يتم.

مرحلة الإهمال التام

بعد اندلاع الثورة الليبية عام 2011 ودخول البلاد في دوامة طويلة من الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية، أهملت تماماً التقارير التي حذرت من انهيار سدي مدينة درنة، على رغم أن أبحاثاً جديدة حذرت من ارتفاع مؤشر هذا الخطر، كان آخرها دراسة أكاديمية نشرت في "مجلة جامعة سبها للعلوم البحثية والتطبيقية" بتاريخ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وأكدت أنه "إذا لم تبدأ السلطات في إجراءات فورية لصيانة السدود وحماية سكان المنازل التي تقع في مجرى وادي درنة، فإن المدينة ستكون في خطر عظيم".

الدراسة التي أجراها الباحث عبدالونيس عاشور، من كلية الهندسة بجامعة عمر المختار في البيضاء، أطلقت صافرة إنذار أخيرة قبل الكارثة بعد زيارته وادي درنة، إذ وجد بعض المساكن مبنية داخل حوض الوادي، مما يجعل سكانها مهددين في حال وقوع فيضانات.

وقال عاشور وقتها إن "الوضع القائم في حوض وادي درنة يحتم على المسؤولين اتخاذ إجراءات فورية، بإجراء عملية الصيانة الدورية للسدود القائمة".

وحذر أنه "في حالة حدوث فيضان ضخم، فإن النتيجة ستكون كارثية على سكان الوادي والمدينة، مما يحتم عليه ضرورة إيجاد وسيلة لزيادة الغطاء النباتي، لتقوية التربة ومنعها من الانجراف"، مستشهداً بـ"حجم الجريان السطحي الناتج من العاصفة المطرية المسجلة أثناء فيضان عام 1986 في الحوض الذي بلغ 14.8 مليون متر مكعب من المياه، مما يدل على دقة نموذجه في تقدير كمية الجريان السطحي في الحوض".

شبهات فساد

كل هذه التحذيرات وإشارات الخطر المحدقة بدرنة وسكانها لم تلق أذاناً صاغية من السلطات الليبية الحالية، المنقسمة في الشرق والغرب، على رغم وصولها إلى مسامعها، بدليل ظهور مستندات صادرة عن ديوان المحاسبة الليبي تؤكد صرف موازنات مخصصة لصيانة سدود وادي درنة، من دون تنفيذ هذه الصيانة، أو معرفة مصير هذه الأموال التي سُيلت بشكل رسمي لحسابات حكومية.

ففي تقريره الصادر عن عام 2021 انتقد ديوان المحاسبة والرقابة وزارة الموارد المائية الليبية لعدم تنفيذ مشاريع كثيرة صرفت لها مخصصات مالية كبيرة، بينها صيانة سدي وادي درنة.

وبحسب تقرير الديوان عن العام المذكور بلغت قيمة الأموال المسيلة لتنفيذ مشروع الصيانة بالسدين أكثر من 2.5 مليون يورو (2.66 مليون دولار)، لا يعرف مصيرها حتى اليوم، مع عدم تنفيذ المشروع ولو بشكل جزئي.

فتح تحقيق شامل

بعد انتشار هذا التقرير، عقب وقوع المحذور في درنة، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إن "وزارة التخطيط عند مراجعتها الأوراق الخاصة بعقود صيانة سدي مدينة درنة، اكتشفت أن العقود لم تستكمل، على رغم تخصيص عشرات الملايين لها".

وتابع الدبيبة خلال كلمته في اجتماع الحكومة أمس الخميس أن "النائب العام يحقق في أسباب عدم صيانة سدي درنة واستدعى مسؤولي التخطيط لاستيضاح تفاصيل منهم".

المزيد من متابعات