Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدران شوارع الجزائر... إبداع ومتنفس للمشاعر

حالمون يرسمون "غرافيتي" بمعان اجتماعية وإنسانية تعكس الواقع المعيش

يعتبر مشجعو الأندية الرياضية أكثر الفئات الشبابية التي تستعمل فن الغرافيتي (اندبندنت عربية)

ملخص

شبان جزائريون مبدعون وجدوا في جدران الشوارع مستمعاً جيداً لهم فحولوها إلى لوحات غرافيتي مميزة.

لا تتوقف محاولات الإنسان في البحث عن أساليب تترجم مشاعره، وعندما لا يجد من يفهمه بالبوح فإنه يتكئ على الصمت أو يخرج أداة من أدوات الفن والإبداع، إما قلمه للكتابة أو ريشته للرسم أو آلته الموسيقية لنسج مقاطع صوتية.

الكتابة أو الرسم على الجدران حالة فنية لا تخلو من الإبداع وبعيداً من المخطوطات واللوحات الفاخرة التي تخرج من "المرسم" لتصل أسعارها أحياناً لمبالغ ضخمة، يجد مبدعو الشوارع في الجزائر طريقتهم لاستنطاق الحائط بكتابات ورسومات جدارية تعبر عن واقع معيش وعما يدور في وجدانهم من أفكار ومعان بشكل مجاني.

وعادة ما تحمل هذه الرسومات كلمات مقتضبة، مكتوبة بلهجة عامية شعبية لا يفهمها إلا بعض الناس، وحتى وإن بدت غامضة في معانيها، فمنها ما يسرد التاريخ الثوري المجيد للجزائر، ومنها ما يتغنى بالرياضة، ومنها ما يحرض على الحب ومنها أيضاً ما ينبش في السياسة، وأيضاً ما يعبر عن "استياء" من الظروف الاجتماعية التي يمر بها.

ويعد "فن الغرافيتي" أو رسم الجدران من فنون الرسم التي عرفت انتشاراً واسعاً في مدن الجزائر الكبرى، وبشكل خاص في العاصمة الجزائر، وهو فن يستمد أصوله من الحضارات العتيقة وبشكل خاص قدماء المصريين والإغريق والرومان وغيرهم.

مشهد إنساني

في بلدية بولوغين بقلب العاصمة لم يجد مشجعو فريق اتحاد العاصمة الجزائري من طريقة مثلى للتعبير عن حزنهم وتعاطفهم مع لاعب فريقهم بلال بن حمودة، الذي توفي في حادثة مرور مروعة عام 2022، إلا برسم جدارية له على مستوى الجدار الخارجي لملعب عمر حمادي ببولوغين، حيث شدت الصورة انتباه كثيرين لرمزيتها الإنسانية.

 

 

حملت الجدارية صورتين للراحل، الأولى على اليمين أثناء تقديم قميص اتحاد الجزائر، والثانية على اليسار لحظة تسجيل بن حمودة هدف الفوز خلال إحدى مبارياته، كما حملت الجدارية عبارة باللغة الفرنسية "بلال ستبقى دائماً في القلب".

يتقارب الواقع في شارع بلكور (بلوزداد حالياً)، أشهر الشوارع الشعبية في العاصمة، حيث حول شباب الجدران إلى لوحات فنية تحاكي تاريخ فريقهم الكروي "سياربي" وتفتخر بتتويجاته وهو الحائز بطولات وكؤوس في مناسبات عدة.

حب في الشارع

وفي زاوية من زوايا شارع ديدوش مراد بقلب العاصمة، كتب شباب كلمة "حب" بالخط العربي على الجدران، إذ يقف العابرون لتصويرها نظراً إلى جماليتها على رغم بساطتها، وكما يقال "لا يصدر الحب من البخيل فهو ينبت على أيدي الكرماء"، وربما أراد كاتبها أن يخبرنا أن الشوارع ينقصها الحب والفن والناس المبتسمة، أو ربما تكون رسالته أعمق من ذلك.

 

 

وبالقرب من مبنى البريد المركزي أشهر ساحة بالجزائر العاصمة يتوقف المارون أمام جدارية للفنان عثمان عريوات الملقب بـ"ملك الكوميديا"، والذي على رغم ابتعاده عن الشاشة لما يزيد على ثلاثة عقود لم تتأثر شعبيته، بل على العكس من ذلك فإن مجرد ظهور له يصنع ضجة على فضاء التواصل الاجتماعي.

والفنان عثمان عريوات من الوجوه الفنية المحسوبة على الجيل الثاني للسينما الجزائرية، ولد في 24 سبتمبر (أيلول) 1948 وشارك في أكثر من 15 فيلماً حمل فيها مفهوماً راقياً للفن، إذ يعتبره رسالة وليس سلعة تباع وتشترى، وهو ما جعله يرفض المشاركة في عروض سينمائية لا تتوافق مع هذه الرسالة، وقد سمح ذلك في بقاء أعماله راسخة في السينما الجزائرية.

وفي أعالي القصبة العتيقة تحولت الجدران الصامتة إلى ناطقة برسومات لعمالقة الفن الشعبي مثل الحاج مـحمد العنقة أو بشهداء الثورة التحريرية مثل علي لابوانت والعربي بن مهيدي وحسيبة بن بوعلي، الأمر الذي دفع كثيراً من الجزائريين إلى التقاط صور مع هذه الرسومات.

قبول ورفض

تصطدم هذه الرسومات والكتابات الحائطية في بعض الأحيان برفض لدى البعض من الجزائريين، الذين يرون فيها تشويهاً للمدن والشوارع، وهو ما يذهب إليه السيد أحمد (45 سنة) الذي يقول إن "أصحاب هذه الرسومات شباب ناقمون على الوضع الاجتماعي ولم يفعلوا شيئاً لتغيير واقعهم واكتفوا بالانتقاد فقط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في الجهة المقابلة يعتبر الشاب مراد (27 سنة) أن الجداريات تحمل رسائل عميقة وتبرز الجانب المسكوت عنه من هموم ومشكلات المواطن التي قد يعبر عنها بقالب هزلي أو بكلمة بسيطة على غرار "زوجونا" (نريد الزواج) للدلالة على غلاء المعيشة أو "حبيت نخدم" (أريد العمل)، وعبارات تعبر عن لغة الشباب وعلى المسؤولين حسن قراءتها.

الجدار لا يعاند الإنسان

يعتبر بعض الناس أن الكتابة الحائطية أو "فن الغرافيتي" المشتقة من الكلمة اليونانية القديمة "غرافين" أي "يكتب" حالة اجتماعية لا يمكن إنكارها في جميع المجتمعات وفن واع حتى وإن بدا لنا أنه عشوائي وبألوان وخطوط غير متناسقة.

الإعلامية الجزائرية المهتمة بشؤون المرأة والثقافة سارة بانة، تتحدث عن أن "الدوافع التي تقود الإنسان إلى التعبير كثيرة، يأتي في مقدمتها دافع التعبير عن الذات".

وتقول بانة في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، "الناس تحتاج إلى من يسمعها وهناك مشكل تواصل كبير في الجزائر، حتى على مستوى الأسرة وهناك عجز عن سماع الآخر وتقبله كما هو وحتى عجز عن منح الفرصة له".

وترى أن "الجدار لا يعاند الإنسان وإنما يعكس ما يريده من محاولات لإيصال صوته في قضايا سياسية واجتماعية وغيرها"، مضيفة "كذلك يوجد شيء متعلق بتحقيق الذات بخاصة المراهقين ومحاولاتهم لإبراز جانب من الوجود والشخصية والهوية بمعنى أنا أعبر إذاً أنا موجود، وأنا أكتب في الحائط إذاً أنا موجود، حتى إذا كان هذا التعبير شيئاً مهملاً فالجدار يسمع أكثر مما نسمع نحن في المجتمع".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات