جاء قرار ماتيو سالفيني زعيم الحزب اليميني "الرابطة" بسحب ثقته من الحكومة الائتلافية التي تضمّ ممثلين عن تنظيمه وعن "حركة خمس نجوم"، والمطالبة بإجراء انتخابات فورية، لينهي بشكل مفاجئ تجربة إيطاليا القصيرة في حكومة "ائتلاف شعبوية".
وعلى الرغم من الادعاءات المخالفة لذلك، فإن هذه الخطوة تنسجم مع هدف سالفيني الاستراتيجي بتحويل "الرابطة" من حركة "انفصالية" شمالية كما كانت في السابق إلى حزب يميني يسعى إلى استرجاع السيادة القومية، و يمتلك قوة انتخابية كافية لقيادة حكومة تمثل أقصى اليمين وأيضاً لترؤس شبكة الأحزاب الأوروبية ذات التفكير المتماثل لها.
تُفسر هذه الاستراتيجية التي تضع السياسة قبل الخطط السياسية، لماذا كان أداء الائتلاف الشعبوي الحكومي ضعيفاً خلال الأربعة عشر شهراً الأخيرة. فالطرفان أجبِرا على هذه الخطوة بعد انتخاب برلمان جديد عام 2018 لا تحظى فيه أي قوة سياسية بالغالبية. ولما لم يتفق الحزبان، "الرابطة" باعتباره زعيم أكبر ائتلاف و"خمس نجوم" بوصفه أكبر حزب، على من يقود الحكومة الائتلافية، عيّنا غيسيب كونتي، أستاذ القانون غير المعروف، رئيساً للوزراء، بينما أصبح زعيما الحزبين الحليفين، سالفيني ولويجي دي مايو، نائبين له.
غير أن هذا الترتيب جرّد مكتب رئيس الحكومة من صلاحياته كافة، وعزّز شكلاً من التنافس الانتخابي غير المسؤول في الحكومة بين طرفي الائتلاف. وإذ ظلا يتجادلان حول معظم الخطط السياسية، فقد وعدا باتخاذ جملة من القرارات تشتمل على تخفيض الضرائب والزيادة في الانفاق العام، مما وضع الحكومة قاب قوسين أو أدنى من التعرض للإجراءات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي حيال الدول التي تخرق قواعده المتعلقة بالعجز المالي.
من جانبه، ظل سالفيني متصلباً في مواقفه، فإما أن ينجح في تنفيذ سياساته التي تعكس نهجه القائم على مبدأ "إيطاليا أولاً"، مثل مشروع القانون الذي صودق عليه ليصبح قانوناً بفرض غرامة قدرها مليون يورو على السفن التي تحمل مهاجرين إلى الموانئ الإيطالية، أو يشتكي مع مناصريه من الحد الذي بلغه وزراء حزب "خمس نجوم" في قطع الطريق على مبادراته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حقّق هذا النهج لـ"الرابطة" نتائج مذهلة، إذ برز في انتخابات الاتحاد الأوروبي البرلمانية التي أجريت في شهر مايو (أيار) الماضي، كأكبر حزب إذ حصل على 24 في المئة من الأصوات، بزيادة 7 في المئة عما نالته "حركة خمس نجوم". وعكست استطلاعات للرأي أجريت على المستوى الوطني ارتفاعاً مطرداً في شعبية "الرابطة" يبلغ هذه الأيام حوالي 38 في المئة، مقابل 17 في المئة لـ "حركة خمس نجوم". وهذا يقلب الموقع الذي كان عليه الحزبان خلال انتخابات عام 2018 العامة، راساً على عقب، إذ حصلت "الرابطة" حينذاك على 17 في المئة فقط من الأصوات بينما فازت الحركة بـ 32 في المئة.
وكل ذلك يضع قرار سالفيني بإنهاء الحكومة الائتلافية في سياقه. فالدعم الذي حظي به سالفيني في البرلمان عند التصويت على مشروع القطار السريع الذي يربط بين مدينتي تورين الإيطالية وليون الفرنسية، ووقوف الحزبين المتحالفين في طرفين متعارضين، جعله يسارع إلى القول إن هذا الانقسام حول قضية سياسية عامة كهذه يؤكد أن الحكومة قد ماتت سلفاً.
بيد أنه كان قبل ذلك يبحث عن حجة لإسقاط الحكومة. وإذ جاءت نتائج استطلاع الرأي الأخيرة لتشجعه على المضي في خطته لفضّ التحالف، فقد أغضبته في الوقت نفسه نتائج التحقيق الأخيرة التي تشير إلى احتمال تورطه في تمويل روسي مزعوم لنشاطات الرابطة.
مع ذلك فقد تؤدي التكتيكات التي يتبعها سالفيني إلى تداعيات سلبية عليه، خصوصاً أن سقوط الحكومة سيخلّف البلاد في وضع محفوف بالمخاطر بما يخص موازنتها. فأقرب تاريخ ممكن لإجراء الانتخابات هو يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لكن على الحكومة أن تقدم تقديراتها المعدّلة عن موازنتها للمفوضية الأوروبية بحلول 15 أكتوبر، وأن تعرض الموازنة على البرلمان بحلول 20 أكتوبر، لا سيّما أن من الواجب إقرارها قبل نهاية العام الحالي.
وإذا لم يُصادق عليها ضمن هذه الفترة المحددة، سيكون هناك ارتفاع تلقائي في معدل "ضريبة القيمة المضافة" من 22 في المئة إلى 25.2 في المئة (ولمعدل "ضريبة القيمة المضافة" المخفضة من 10 في المئة إلى 13 في المئة)، يدخل حيّز التنفيذ بدءاً من 1 يناير (كانون الثاني) المقبل، كجزء من "بند احترازي" اتُفق عليه مع المفوضية الأوروبية في أوائل العام الحالي لضمان بلوغ الهدف المتعلق بالعجز عام 2020.
تتمثل الطريقة الوحيدة للتحرر من "البند الاحترازي" في عثور الحكومة على مجالات يمكن أن تُجري فيها تخفيضات في الإنفاق، أو توليد دخل جديد، لتوفير 23 مليار يورو قبل نهاية هذه السنة. وإذا تعذّر ذلك، سيتكبد المنتجون والمستهلكون الإيطاليون خسائر مالية كبيرة، وسيبحثون عن شخص ما لإلقاء اللوم عليه. وفي ضوء الوضع الحالي، فإن من المرجح أن يستكشف الرئيس ماتيرلا خيارات أخرى قبل حلّ البرلمان مثل تعيين حكومة "متخصصة" بتفويض محدود لتمرير الموازنة قبل انتهاء هذه السنة.
يمكن لسالفيني أن يخسر في الحالتين، إذ إن خصومه سيستهدفونه لمسؤوليته مرة أخرى عن إجراء انتخابات، أو أن وزيراً متخصصاً سيحلّ محله في الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تسببت الحكومة السابقة فيها.
لذلك ليس غريباً أن يرفض كونتي الاستقالة من رئاسة الوزراء نزولاً عند الرغبة التي يلحّ عليها سالفيني، وأن رئيس الوزراء يدعو زعيم "الرابطة" إلى طرح اقتراح على البرلمان بحجب الثقة عن حكومته وشرح الأسباب التي تدفعه إلى إسقاط الحكومة، للشعب الإيطالي. على الرغم من أن كونتي رئيس حكومة ضعيف، فهو يدرك أبعاد لعب سالفيني حالياً بالنار، وأنه إذا لم يُكبح جماحه فمن الممكن ألّا يتسبب في حرق حزبه فقط، بل إضرام النار بغيره أيضاً.
(مارتن جي بول هو أستاذ الدراسات السياسية في جامعة سالفورد)
© The Independent