Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من ينتصر في معركة النقاب بمدارس مصر؟

قرار منع الفتيات من ارتدائه وأعطى ولي الأمر حق إجبار ابنته على ارتداء الحجاب

 رغم تأكيدات الأزهر أن النقاب ليس فرضاً ولا سنة من المتوقع أن يلقى قرار حظره هجوماً  من بعض الأسر (أ ف ب)

ملخص

القرار حظر النقاب على تلميذات المدارس وأعطى ولي الأمر حق إجبار ابنته على ارتداء الحجاب. فهل ثمة معركة قادمة؟

تخوض وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر معركة طالما تجددت فصولها في المجتمع، فالمؤسسة الرسمية المعنية بمراحل التعليم ما قبل الجامعي اتخذت قراراً مفاجئاً بمنع الفتيات من ارتداء النقاب في المدارس، وهو الأمر الذي ينجح دوماً في إشعال الخلافات ويفجر التوترات من الأطراف كافة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كانت الوزارة تنال دوماً جانباً كبيراً من أحاديث المصريين تزامناً مع موسم العودة للمدارس بسبب ارتفاع كلفة العملية التعليمية ككل بعد وصول معدل التضخم الاقتصادي إلى 41 في المئة، وفقاً لبيان البنك المركزي، وإلى جانب تلك الشجون هناك حزمة من القرارات التي أثارت الخلافات بين المؤيدين والمعارضين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إن العنوان البارز هو منع النقاب في المدارس، وفي حين أن بعضهم أثنى على هذا التوجه آملين أن تطاول هذه القرارت مستقبلاً الحجاب أو غطاء الرأس للمرأة، يرى آخرون أنها حرب على القيم والمجتمع بل والدين، ويطالبون بالتراجع عنها، فيما فريق ثالث يقول إن من غير المطلوب أساساً التدخل في نوعية ملابس الفتيات لأن لهن حرية الاختيار، وإن فرض توجه معين على أزيائهن سواء بإلزامهن غطاء الرأس أو نزعه هي أمور ينبغي التوقف عن ممارستها.

في كل الأحوال فإن المساس بأية قطعة ملابس تخص مجتمع الفتيات في مصر، قضية تثير الأزمات تلقائياً وهي مضمونة التأثير والانتشار وجديرة بالمناقشة والجدل الذي يصل إلى حد المبالغة في أوقات كثيرة، وعلى رغم أن الانشغال بالعملية التعليمية البحتة وتوفير النفقات يكون هو الهم الأكبر للعائلات مع تراجع قيمة العملة المحلية، لكن أضيف إليه هم آخر يتعلق بما يسمونه تدخل المدرسة في اختيار ملابس البنات وإجبارهن على نمط معين قد لا يتفق مع أفكار الأسرة.

وجوه الفتيات

المحاسب فوزي طارق الذي يسكن في منطقة راقية بوسط العاصمة المصرية القاهرة، وترتاد ابنته مدرسة حكومية مجاورة للمنزل، يقول إن ابنته ترتدي النقاب منذ أن كانت في الصف الثالث الإعدادي وتتحضر هذه السنة لعامها الأول في المرحلة الثانوية، مشيراً إلى أنه ليس من حق أي مؤسسة أن تتدخل في مستوى الاحتشام الذي يريد لابنته أن تبدو به، فما دامت تلتزم مواصفات الزي المدرسي من اللون وخلافه فهذا يجعلها غير مخالفة لأية قواعد بهذا الخصوص.

طارق لا يزال يجهل أن الوزارة قالت هذا العام بشكل واضح إن من مواصفات الزي المدرسي ألا يغطي الوجه، لكنه يرد الآن بعد أن عرف بالقرار بأنه لم يعتد الدخول في خلاف مع أية مؤسسة، وسوف ينتظر لحين إبلاغ ابنته رسمياً بذلك، وسوف ينتظر أسبوعين بعد انتظام الدراسة ليرى ماذا سيحدث.

هذا الموقف الذي يتبناه كثيرون جعل بعضهم يتوقع أن يحدث تراجع عن القرار من قبل الوزارة بخاصة أن هناك تياراً دينياً يعتقد أن النقاب فريضة.

 

الآباء هنا يتحدثون عن عرف شائع، وهو أن الأهل عادة من يختارون المظهر العام لأبنائهم لا سيما الفتيات، حتى إن بعض العائلات تجعل بناتها يرتدين غطاء الرأس في المدارس منذ المرحلة الابتدائية، كما أن وزارة التربية والتعليم في قراراتها الجديدة تحدثت بشكل صريح عن حظر النقاب في عبارة تقول إن "الحجاب يشترط ألا يحجب الوجه"، ولكنها أعطت للأب أو ولي الأمر سلطة أن يجبر ابنته على ارتدائه في حين أن ارتداء الحجاب بشكل عام اختياري، وليس إلزامياً في المدارس وفقاً لبنود القرار.

ومما جاء في النص الموزع على المدارس ضمن كتيب إرشادي مرسل أولاً إلى المديريات التعليمية بمختلف المحافظات أنه "في حال ارتداء الطالبة الحجاب يجب أن يكون ولي الأمر على علم باختيار ابنته، وأن اختيارها لذلك قد تم بناء على رغبتها من دون ضغط أو إجبار من أي شخص أو جهة غير ولي الأمر"، وهي النقطة التي كانت مثار تحفظ، واعتبر بعضهم أنها تحمل تناقضاً مع فكرة منع النقاب وفكرة أن الحجاب بشكل عام اختياري وليس إلزامياً في المدارس، فولي الأمر هنا وهو في الغالب الأب، وفي بعض الأوقات تكون الأم، أو في ظروف أخرى يكون الوصي على الفتاة من الأقارب، من حقه بنص قرار الوزارة أن يجبر الطالبة على ارتداء غطاء الرأس، إذ عبر كثير من النشطاء عن امتعاضهم من هذه الفكرة لأنها تكرس عدم أحقية الفتيات في اتخاذ قرار ارتداء الحجاب من عدمه.

أطياف الملابس

على أرض الواقع نجد أطيافاً متباينة من طرق التعامل مع مثل هذه الأمور، ففي الوقت الذي لم يتحدث القرار عن المعلمات وترك لهن حرية ارتدء النقاب أو غيره، فإن هناك بعض المدارس الخاصة والدولية في مصر لا توظف معلمات منتقبات، وبطبيعة الحال فإن النقاب ليس من قطع الملابس المرحب بها في الزي المدرسي للطالبات كذلك، وهي شروط قد لا تكون مكتوبة بشكل رسمي ومحدد، ولكنها معمول بها ومتفق عليها بشكل ضمني.

على العكس تماماً نجد مدارس لها طبيعة إسلامية، وتستقطب كثيراً من المعلمات المنتقبات، ولا تمانع ارتداء النقاب للطالبات أيضاً، ذلك أن جميعهن يرتدين غطاء الرأس بسبب طبيعة المدرسة، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى المعاهد الدينية الأزهرية، فالأخيرة حتى الآن مستثناة من قرار حظر النقاب الذي ينتشر بين طالباتها في المرحلتين الإعداية والثانوية وفي ما بعد الجامعة، وهي مؤسسات تابعة للأزهر لا وزارة التربية والتعليم، وفي العام الماضي أثير لغط واسع بعد تداول فيديو لطالبات مدرسة إعداية يتردين جميعاً "الإسدال" الأسود الشبيه بالزي الإيراني في طابور الصباح، وهي الواقعة التي أثارت غضباً كبيراً دفع مديرية التربية والتعليم في الدقهلية شمال القاهرة، وهي المنطقة التعليمية التابعة لها المدرسة، لاتخاذ قرار باستبدال الزي المدرسي تماماً وجعله موحداً (بنطلون وقميص، أو جونلة وقميص)، مشيرة إلى أن "الإسدال" لا يعبر عن الهوية المصرية بل يمثل ثقافة دخيلة، على رغم أنه كان الزي الرسمي للطالبات خلال ثلاث سنوات كاملة قبل كشف تلك الواقعة وتداولها عبر مواقع التواصل.

 

 

يعلق معلم اللغة العربية عادل العدوي الذي يعمل في إحدى المدارس الدولية بالقاهرة الجديدة، التي انتظمت بها الدراسة بالفعل منذ أسبوعين، بالقول إن مدرسته لم تتلق حتى الآن تعليمات بتنفيذ القرارات الجديدة، لكنه بشكل شخصي يعتبر أن الملابس حرية شخصية وفكرية بما فيها الحجاب وغيره، لكنه كمعلم منوط به أن يدخل في حوار إذا تطلب الأمر مع الطلبة وأولياء الأمور لتبرير الغاية من منع تغطية الوجه في المدرسة.

يشير العدوي إلى أنه سوف يركز على المخاطر الأمنية التي يمكن أن تسببها تغطية شخص ما لوجهه، فالتخفي والتنكر قد يجعل الطلبة معرضين للخطر لعدم التأكد على وجه اليقين من هوية من يخفي ملامحه، لافتاً إلى أن النقاب على وجه التحديد ليس واجباً دينياً، ومشدداً على أنه سوف يحاول إقناع الآباء بتطبيق القرار.

ما قاله العدوي يتوافق مع تصريحات لبعض المصادر في وزارة التربية والتعليم، أشارت إلى أنه سوف يتم التعامل مع الأمر بحكمة والنقاش مع أولياء الأمور والطلبة برفق ولين، كما ستتم الاستعانة بمدرسي التربية الدينية واللغة العربية وأيضاً المتخصصيين الاجتماعيين لإظهار الهدف من هذا القرار وهو المساعدة على الالتزام بالقواعد وعدم المغالاة.

الكمامة هي الحل

في المقابل أبدت الطالبة روان خالد، التي تستعد لدخول الصف الثاني الثانوي في إحدى المدارس الحكومية بصعيد مصر، اندهاشها تماماً من هذا القرار، لافتة إلى أنها ارتدت النقاب العام الماضي هي وثلاث من زميلاتها وكانت تدخل به المدرسة بشكل طبيعي بعد أن تتحق إحدى المعلمات من هويتها.

وأضافت روان أنها حتى الآن لا تعرف بشكل دقيق ماذا ستفعل، بخاصة أنها لم تواجه تلك الأزمة كثيراً هذا العام، فالسائد هو أن طلبة الصفين الثاني والثالث الثانوي لا يذهبون إلى المدرسة سوى يوم أو يومين فقط في الأسبوع، ويعتمدون على مذاكرة المواد منزلياً وحضور مجموعات دروس خصوصية.

وتابعت "على الأغلب سوف أغطي النصف الأعلى من الوجه بالحجاب العادي، وفي ما يتعلق بالأنف والفم فسوف أغطيهما بكمامة طبية، وإذا تعنتت إدارة المدرسة سأحاول أن أجلب تقريراً طبياً موثقاً بأنني أحتاج إلى تغطية وجهي بسبب حساسية بشرتي من الشمس لكي أتمكن من ارتداء النقاب، غير أنني أعتقد أنه ليس من حق المدرسة أن تجبرني على اختيار نمط ملابسي".

 

 

أما في القاهرة وضواحيها فالأمر على ما يبدو لن يكون بتلك الصعوبة، وهو ما يؤكد عليه عادل العدوي، لافتاً إلى أن النقاب في المدارس القاهرية أمر نادر بالأساس، ونظراً إلى طبيعة البيئة فإن عدد التلميذات في الثانوية ممن يرتدين النقاب قليل للغاية، مضيفاً "إذا أضفنا إلى ذلك أن طلبة المرحلة الثانوية في المدارس الحكومية وبخاصة السنة الثالثة تقريباً لا يذهبون إلى المدرسة بسبب أمور كثيرة بينها عدم وجود عدد كاف من المعلمين، فإنه من غير المرجح أن تحدث مواجهات وأزمات بهذا الشأن في المناطق البعيدة من جنوب مصر، حيث ينتشر ارتداء النقاب بصورة أكبر بسبب طبيعة البيئة الاجتماعية هناك، وبشكل عام فإن عدد التلميذات المنتقبات قليل للغاية وقد لا يتجاوز اثنين في المئة".

سوابق جامعية

ما بين حق الفتيات في اختيار الأزياء، وحق المجتمع المدرسي في التعامل مع طالبات لا يخفين وجوههن، لا يزال الجدل المحتدم يذكرنا بمحاولات حظر النقاب السابقة على طالبات الجامعات المصرية أثناء الامتحانات، فقد كانت هناك محاولة شهيرة بهذا الخصوص قبل أكثر من 13 عاماً، بدعوى أن النقاب يسمح بإخفاء الهوية والتنكر في زي أخريات أثناء الاختبار، لكن القرار قوبل برفض عنيف.

في الوقت الحالي هناك قرار ملزم في بعض الجامعات المصرية يمنع ارتداء النقاب بالنسبة إلى الملتحقات بهيئة التدريس، إذ أيدت المحكمة الإدارية العليا قبل ثلاثة أعوام قرار جامعة القاهرة حظر ارتداء النقاب بين عضوات هيئة التدريس، وهو القرار الذي بات ملزماً بهذه الجامعة العريقة، إضافة إلى جامعات عين شمس والزقازيق وحلوان.

 

 

ويعود القرار إلى عام 2015 حينما اتخذه رئيس جامعة القاهرة آنذاك جابر نصار، لكن عشرات الباحثات المنتقبات لجأن إلى القضاء، وفي النهاية أيدت المحكمة قرار الجامعة، وهو الحكم الذي اعتبره مراقبون منصفاً ويبعد الجامعة من مظاهر التشدد، لا سيما وأن شيخ الأزهر أحمد الطيب كان قد صرح سابقاً بأن النقاب ليس فرضاً ولا سنة ولا حتى مستحباً وليس أمراً شرعياً، بل وصفه بأنه "يعادل الزينة".

على رغم ذلك لا يزال بعض المتشددين يصرون على أن النقاب واجب ومن أساسيات زي المرأة المسلمة، فهل سيقود هؤلاء حملة لإجبار وزارة التعليم على التراجع عن قرارها؟ هذا الأمر غير متوقع على الأغلب في ظل انتصار المعارضين للنقاب في معركتهم القضائية بالجامعات.

اللافت أن هناك بنوداً كثيرة تتضمنها قرارات وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المنوطة بمراحل التعليم ما قبل الجامعي، التي من شأنها تنظيم العام الدراسي 2023- 2024، لكن التركيز الأكبر من قبل الجمهور كان يتعلق بمواصفات الملابس وبالتحديد قصة النقاب، ومن الحيثيات التي استندت إليها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في ما يتعلق بمواصفات الزي المدرسي الموحد، سواء الحذاء أو الجوارب أو أغطية الرأس غير الحاجبة للوجه، فإن الحد من التنمر والسخرية كان أبرزها، وكذلك محاولة القضاء على قيم التباهي والتفاخر والمنافسة المادية بين الطلبة، وأيضاً إظهار التناغم والانضباط والتنظيم، ودعم مبادئ المساواة والالتزام بقوانين ولوائح المدرسة.

بالنظر إلى قرارات سابقة تتكرر كل عام تقريباً وتتعلق بتنظيم العملية التعليمية مع بداية كل عام دراسي، فإن كثيراً منها يتم التحايل عليه بطرق كثيرة، ومن بينها منع العقاب البدني "الضرب"، واستخدام الهواتف المحمولة المزودة بالكاميرات، والشيء نفسه بالنسبة إلى استخدام سور المدارس في الدعاية والشعارات، وهي أمور يتم تجاوزها طوال الوقت في مدارس كثيرة، فهل سيلقى حظر النقاب المصير نفسه؟

المزيد من تحقيقات ومطولات