ملخص
المرتزق هو جندي محترف مأجور يقاتل من أجل أي دولة أو أمة بغض النظر عن المصالح أو القضايا السياسية
منذ تمرد قوات "فاغنر"، في يونيو (حزيران) الماضي، واقترابها من موسكو في سيناريو غير مسبوق انتهى بمقتل مؤسس وزعيم المجموعة يفغيني بريغوجين قبل أيام، سُلطت الأضواء على خطورة الدور الذي تضطلع به شركات الأمن الخاصة وقواتها من المرتزقة وأسباب لجوء القوى العالمية في روسيا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى لها في حروبها وصراعاتها العسكرية كأداة مهمة توفر من الامتيازات مالاً تؤمنه القوات النظامية للجيوش، فما الذي حوّل القوات المرتزقة وشركات الأمن الخاصة إلى ما يسمى "جنود الثروة" وكيف يصبح هؤلاء أحياناً نقطة ضعف استراتيجية؟
من هم المرتزقة؟
بحسب الموسوعة البريطانية فإن المرتزق هو جندي محترف مأجور يقاتل من أجل أي دولة أو أمة بغض النظر عن المصالح أو القضايا السياسية، ووفقاً للقانون الإنساني الدولي، يجب على الفرد أن يستوفي ستة معايير حتى يتم تصنيفه على أنه مرتزق، إذ تنص المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول لمؤتمر جنيف على أن المرتزق هو أي شخص تم تجنيده خصيصاً في الداخل أو في الخارج للقتال في نزاع مسلح شرط أن يشارك بشكل مباشر في الأعمال الحربية، ويكون دافعه الأساسي هو الرغبة في تحقيق مكاسب خاصة، وأن يعده أحد أطراف النزاع أو من ينوب عنه بتعويضات مادية تزيد بشكل كبير عن تلك التي وعد بها المقاتلون النظاميون، وألا يكون مواطناً لأحد أطراف النزاع ولا مقيماً في إقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع، كما يجب ألا يكون عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، وألا يكون قد أوفدته دولة ليست طرفاً في النزاع في مهمة رسمية كفرد من قواتها المسلحة.
وبموجب اتفاقية للأمم المتحدة، تم تعريف المرتزق على أنه شخص غير مواطن يعمل على الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لتلك الدولة بدافع تحقيق مكاسب خاصة أو تعويضات مادية.
ومع ذلك، يختلف الخبراء حول ما إذا كانت هذه التسمية تنطبق تماماً على الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة مثل "فاغنر" الروسية، أو "إيجيس" البريطانية، أو الشركات الأميركية مثل "بلاك ووتر"، و"فينيل"، و"أم بي آر أي"، و"هاليبرتون"، نظراً لأن نسبة من المقاتلين فيها يكونون مواطنين لأحد أطراف النزاع مثل الأميركيين في العراق بعد الغزو عام 2003 والروس في أوكرانيا وسوريا حالياً.
تاريخ المرتزقة
على مرّ التاريخ، لعبت العديد من مجموعات وجيوش المرتزقة دوراً حاسماً في الحروب الكبرى، متفوقة في بعض الأحيان على القوات النظامية في ساحة المعركة، ويعود هذا التاريخ المثير للجدل في الصراع الدولي، إلى ما لا يقل عن 3000 عام منذ الإمبراطورية المصرية في عهد رمسيس الثاني، ثم استخدامهم بشكل متكرر من قبل الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية.
واستمر ذلك إلى القرون الوسطى مثل "الشركة البيضاء" التي كانت معروفة كواحدة من نخبة جيوش المرتزقة في إيطاليا خلال القرن الـ 14، وكانت قواتها خليطاً من المغامرين الإنجليز والألمان والمجريين، كما شارك أكثر من مليون مغامر سويسري في صفوف الجيوش الأوروبية بين القرنين الـ 15 والـ 19 وفقاً لموقع "هيستوري" الأميركي.
غير أن توظيف المرتزقة قد يكون خطيراً ومكلفاً من الناحية السياسية، كما هي الحال حينما استأجرت الإمبراطورية البيزنطية، في أوائل القرن الـ 14، مرتزقة رجال الحدود الإسبان لمحاربة الأتراك، لكن بعد المساعدة في هزيمة العدو، انقلب المرتزقة على رعاتهم وهاجموا إحدى المدن البيزنطية ونهبوها.
وفي أعقاب حرب الـ 100 عام (1337-1453)، اجتاح أوروبا آلاف الرجال الذين لم يتدربوا إلا على القتال، وباعت ما تسمى "الشركات الحرة" المكونة من جنود سويسريين وإيطاليين وألمان خدماتها لمختلف القادة والأمراء، وكان كثيرون من هؤلاء الجنود المأجورين، جشعين ووحشيين وغير منضبطين، يتمردون بخيانة رعاتهم ونهب المدنيين نتيجة لعدم رغبة صاحب العمل أو عدم قدرته على دفع الأموال مقابل خدماتهم.
لكن منذ أواخر القرن الـ 18، كان المرتزقة في معظمهم، جنوداً أفراداً باحثين عن الثروة لذا أطلق عليهم "جنود الثروة"، ومنذ الحرب العالمية الثانية، اكتسبوا بعض الشهرة في بعض دول العالم الثالث، واستخدم المرتزقة الأجانب في الصراعات داخل أفريقيا والشرق الأوسط والأميركيتين وجنوب شرقي آسيا، وغالباً ما تم توظيف المرتزقة للإطاحة بالحكومات غير المستقرة في البلدان النامية وتوفير القوة البشرية الضرورية للعديد من الانقلابات الصغيرة.
وفي العقود الأخيرة، بدأ استخدام الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة التي قدمت خدماتها، بما في ذلك القتالية باعتبارها كيانات مشكلة بشكل قانوني تتعاقد معها الحكومات للحصول على خدمات أمنية محددة ذات صلة، وكانت هناك أسباب عدة وراء ذلك.
الشركات الأمنية الخاصة
أحد أبرز الأسباب أن العديد من الدول الغربية لجأت إلى خصخصة تصنيع الأسلحة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتبع ذلك خصخصة الخدمات العسكرية كما تقول كاثرينا ستاين الباحثة المتخصصة في دور الميليشيات الخاصة في النزاعات المسلحة بمعهد القانون العام بجامعة "فرايبورغ" في ألمانيا.
وعندما انتهت الحرب الباردة عام 1990، وبدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق في تقليص حجم جيوشها، بقي العديد من الجنود المدربين جيداً من دون عمل، ووجد هؤلاء الأفراد مواقع جديدة لهم في الشركات العسكرية الخاصة، وغالباً ما تم التعاقد معهم من قبل تلك البلدان نفسها للتدخل في صراعات أقل حدة بما يسمح لهذه الدول نفسها بالتدخل عسكرياً.
"بلاك ووتر"
تعد شركة "بلاك ووتر" التي تأسست، في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1996، على يد ضابط البحرية السابق إريك برينس، شركة مقاولات عسكرية أميركية خاصة بدأت بتقديم الدعم التدريبي لسلطات إنفاذ القانون ووزارة العدل والمنظمات العسكرية، وحصلت على أول عقد لها من حكومة الولايات المتحدة، عام 2000، بعد تفجير المدمرة الأميركية "يو أس أس كول"، غير أن اسم الشركة تلطخ بالوحل في العراق بعد مذبحة أودت بعشرات العراقيين ما سلّط الضوء على العديد من الأسئلة المحيطة بالوضع القانوني والإدارة والإشراف والمساءلة للقوة العسكرية الأميركية الخاصة في العراق وفقاً لبيتر سينغر الخبير الاستراتيجي في مركز "نيو أميركا".
واعتبر سينغر آنذاك أن أسوأ ما في هذه الفضيحة أن الحكومة الأميركية لم تعد قادرة على تنفيذ إحدى مهامها الأساسية وهي القتال والفوز في حروب البلاد ولهذا استعانت بمصادر خارجية ضخمة لتنفيذ العمليات العسكرية عبر الاعتماد على شركات خاصة مثل "بلاك ووتر"، والمتعاقدين العسكريين، ما يظهر كل علامات الانحدار والإدمان على المقاولين العسكريين، كما كشفت لجنة "واكسمان" في الكونغرس، التي ركزت على الشركات ذات العلاقات السياسية والفساد في العراق، عن سلسلة من الوثائق كشفت عن بعض الأنماط المظلمة لشركة "بلاك ووتر".
حجم هائل من المقاولين
ووجد إحصاء داخلي لوزارة الدفاع الأميركية، عام 2007، أن ما يقرب من 160 ألف شخص كانوا يعملون مع مقاولين من القطاع الخاص الأميركي في العراق وهو ما كان يعادل تقريباً إجمالي القوات الأميركية في ذلك الوقت، ومع ذلك اعتبر هذا الرقم تقديراً متحفظاً، نظراً لأن عدداً من الشركات الكبرى، فضلاً عن أي شركات تستخدمها وزارة الخارجية أو غيرها من الوكالات الفيدرالية الأميركية أو المنظمات غير الحكومية، لم يتمّ تضمينها في هذا العدد.
وفي تقدير آخر صدر، عام 2006، قال مدير رابطة شركات الأمن الخاصة في العراق إن 181 شركة أمنية خاصة تعمل في العراق.
أصل المشكلة
ووفقاً للخبير الاستراتيجي في "المجلس الأطلسي" شون ماكفيت، فإن أصل المشكلة يعود إلى أن وزارة الدفاع الأميركية وجدت أن القوة العسكرية النظامية المكونة بالكامل من المتطوعين في أفغانستان والعراق غير قادرة على تجنيد عدد كافٍ من المتطوعين لتحمل حربين طويلتين، وترك ذلك لصناع القرار السياسي ثلاثة خيارات رهيبة، أولها الانسحاب والتنازل عن القتال وهو أمر لم يكن متصوراً، والثاني إطلاق التجنيد الإجباري بما يشبه حرب فيتنام لسد العجز وهو ما كان يعدّ انتحاراً سياسياً، وثالثاً جلب المقاولين لتنفيذ المهام المطلوبة ولهذا لم يكن من المستغرب أن تختار كل من إدارتي جورج بوش وباراك أوباما المقاولين، غير أن الاعتماد على المقاولين يعود في الواقع إلى فترة الحرب العالمية الثانية حيث تم التعاقد مع حوالى 10 في المئة من حجم القوات المسلحة الأميركية، وخلال الحربين في العراق وأفغانستان، قفزت هذه النسبة إلى 50 في المئة.
قلق بشأن المستقبل
وتشير هذه النسبة الكبيرة إلى اتجاه مثير للقلق وهو أن الولايات المتحدة طورت من اعتمادها على القطاع الخاص لشن الحرب، وهو ما يشكل نقطة ضعف استراتيجية لأنه يعني أن أميركا لم تعد قادرة على خوض الحرب من دون القطاع الخاص، والنقطة الأهم هي أن الولايات المتحدة تشن حروبها إلى حد كبير عبر المقاولين، وستكون القوات القتالية الأميركية عاجزة من دونهم، وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد نرى 80 أو 90 في المئة من القوة تتقلص في الحروب المستقبلية.
وبحسب صحيفة "أتلانتيك"، فإن التعاقد مع المقاولين يعدّ عملاً تجارياً كبيراً، ففي السنة المالية 2014، بينما كانت حربا العراق وأفغانستان مستمرتين، التزم "البنتاغون" بمبلغ 285 مليار دولار للعقود الفيدرالية، وهو مبلغ أكبر مما تلقته جميع الوكالات الحكومية الأخرى مجتمعة، فقد كان يعادل ثمانية في المئة من الإنفاق الفيدرالي، وثلاثة أضعاف ونصف الضعف ميزانية الدفاع البريطانية بأكملها، وكان حوالى 45 في المئة من هذه العقود للخدمات، بما في ذلك المقاولون العسكريون الخاصون.
"فاغنر"
لكن الوضع في روسيا يختلف قليلاً إذ إن "فاغنر"، وهي شركة عسكرية خاصة أسسها عام 2014 يفغيني بريغوجين لم تكن شرعية في روسيا، ولهذا قالت كيمبرلي مارتين الأستاذة في كلية "بارنارد"، في شهادتها أمام الكونغرس الأميركي عام 2020، إن إبقاء "فاغنر" غير شرعية وفي حال من الضبابية في روسيا، سمح للكرملين بأن ينأى بنفسه عن أي تصرفات بغيضة أو محفوفة بالأخطار تتخذها هذه المجموعة، وهو ما ظهر جلياً عندما مات مقاتلو "فاغنر" خلال معركة شرسة ضد القوات الأميركية في سوريا عام 2018 أسفرت عن مقتل نحو 300 من مرتزقة "فاغنر"، وفي حين ظل الكرملين ينفي على مدى سنوات أي علاقة له مع مجموعة "فاغنر"، التي ارتبطت بجرائم حرب، يسلّط الإعلام الغربي الضوء على أنها تعمل بأوامر من الاستخبارات الروسية، في وقت تقول صحيفة "ذا دايلي بيست" الأميركية، إن الشركات العسكرية الخاصة مثل "فاغنر"، لا تعمل بشكل قانوني بموجب القانون الروسي، لكن يسمح لبعض الشركات المفضلة منها بالعمل في شراكة من نوع ما مع الدولة الروسية، واتهمت من قبل بمحاولة تسميم معارضين روس خارج الأراضي الروسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خدمات "فاغنر" القتالية ليست سوى جزء من مساهمتها في لعبة السياسة الخارجية لروسيا، بحسب ما تقول كانديس روندو مديرة برنامج "فيوتشر فرونتلاينز" في مركز "نيو أميركا"، الذي يدرس المجموعة عن كثب، وترى أنها تقوم بأدوار متعددة الأغراض لعمليات الحرب غير النظامية والحرب النفسية، كما يلعب مقاتلو "فاغنر" دوراً تكتيكياً مهماً في مناطق النزاع الأخرى، ومنها تدريب القوات الشريكة في النزاعات داخل عدد من الدول الأفريقية، وهو وجود من شأنه أن يخلق الانطباع، بأن روسيا تستطيع إبراز نفسها عسكرياً في أي مكان في العالم.
وتتصرف مجموعة "فاغنر" بحكم الأمر الواقع كوكيل لطموحات روسيا العالمية من دون إشراك الحكومة الروسية رسمياً في معارك وحروب، وهو ما يعزز فائدة "فاغنر"، ويسمح لروسيا بالسير إلى الأمام من دون تكلفة كبيرة في الوقت نفسه، وبصرف النظر عن تغلغلها في عدد من الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط، فإن وجودهم صاحبه كثير من التكلفة الإنسانية، والتي تجسدت في ارتكاب المرتزقة الروس انتهاكات عكست أحياناً تلك التي ارتكبها مقاتلو تنظيم "داعش" من تعذيب وإعدام عدد من الأشخاص.
مميزات التعاقد مع الشركات
غالباً ما تكون الاستعانة بمصادر خارجية فعالة من حيث التكلفة هي التي تجذب الدول إلى ما يبدو وكأنه بديل غير مكلف لجيش كامل، إذ تظهر الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أقل تكلفة بكثير، ولا تضطر الدول إلى تدريبها، ولا يتعيّن عليها دفع تكاليف تقاعدها، أو تحمل كلفة علاج أفرادها عندما يصابون أو يمرضون.
وبحسب ستاين، استثمرت الولايات المتحدة نحو 300 مليار دولار في 12 ميليشيا خاصة في الفترة من عام 1994 إلى عام 2007 وهو استثمار ضخم للغاية، ولكنه على رغم ذلك يعدّ استثماراً جيداً في نظر أغلب البلدان، ذلك أن هذه الشركات التي تتعاقد مع الحكومة الأميركية ويطلق عليهم لقب "مقاولون" متخصصون للغاية ومدربون جيداً ويحضرون معداتهم الخاصة.
ولكن قبل كل شيء، تتولى الشركات الأمنية العسكرية الخاصة العمل القذر، ولا يثير المتعاقدون القتلى أو الجرحى المناقشات الداخلية نفسها التي يثيرها الجنود القتلى من الجيش كما أن المسؤولية عن جرائم الحرب، يمكن التغاضي عنها بسهولة أكبر، ولهذا يمكن دائماً التعاقد مع الشركات العسكرية الخاصة إذا لم يكن من الممكن إقناع البرلمان بنشر قوات الجيش.
ومع ذلك، ليس من المفيد دائماً أن تتخلى الدولة عن احتكارها للسلطة، كما ظهر من خلال مسيرة قوات "فاغنر" عبر روسيا باتجاه موسكو في يونيو الماضي حينما تمرد قائدها بريغوجين ضد بلده للمرة الأولى.
انتفاء المسؤولية الجنائية
كقاعدة عامة، يصعب على الدول السيطرة على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لأنها غالباً ما تعمل في مياه قانونية غامضة وتشعر بأنها أقل التزاماً باحترام القواعد أو التصرف وفقاً لقوانين الحرب الدولية، ومن أفضل الأمثلة على هذا السلوك مذبحة عام 2007 التي راح ضحيتها 17 مدنياً عراقياً على يد مقاتلين من شركة الأمن الأميركية الخاصة "بلاك ووتر" في بغداد، والذين أصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عام 2020، عفواً عن أربعة من المسؤولين عن تنفيذ عمليات القتل.
ويشير مراقبون إلى أن الملاحقة الجنائية للشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في البلدان التي تنتشر فيها لا تحدث أبداً، وعلى مدى العقود القليلة الماضية، كانت الإدانات الجنائية الوحيدة المعروفة هي ما نتج من الانقلاب الفاشل، عام 2004، في غينيا الاستوائية حيث حُكم على سايمون مان المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "ساندلاين إنترناشيونال"، بالسجن لمدة 34 عاماً، ومع ذلك عفا عنه رئيس غينيا الاستوائية في عام 2009.
أين دور الأمم المتحدة؟
وما شجع على انتشار هذه الشركات هو عدم تصديق الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين على الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم التي دخلت حيز التنفيذ عام 2001 حيث لوحظ أثناء مناقشة هذا القرار، أن الاتفاقية تمثل جهداً دولياً مهماً للحد من الضرر الذي يسببه استخدام المقاتلين الأجانب لدعم الصراعات العنيفة للسكان المدنيين بما يشبه اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والتي تحظر القرصنة، سواء التي ترعاها الدول أو من قبل أطراف غير نظامية، وتنص اتفاقية الأمم المتحدة للمرتزقة على أن استخدام وتمويل المرتزقة في النزاعات المسلحة يمثل جريمة، لكن لم تصادق على الاتفاقية سوى 35 دولة عضواً فقط، ولم تصادق الولايات المتحدة وروسيا والصين على المعاهدة.
ويعود السبب وراء عدم تصديق الولايات المتحدة جزئياً إلى التصور بأن بروتوكولات الأمم المتحدة وقراراتها السابقة بشأن هذا الموضوع تضمنت تعريفات مختلفة، إن لم تكن متعارضة، وقالت بعض الدول إن الشركات العسكرية الخاصة يجب أن تكون مشمولة بتعريف المرتزق، ولهذا يبدو أن حكومة الولايات المتحدة قررت ببساطة أن التقاعس عن العمل هو المسار الأفضل الذي يجب اتباعه، على الأقل حتى تصبح غالبية الدول الأخرى والقوى الكبرى على استعداد للالتزام بحظر المرتزقة.
هل يتغير الوضع؟
وفي حين يأمل بعض الخبراء في أن تؤدي التطورات الأخيرة بشأن مجموعة "فاغنر" إلى حدوث تحول جوهري في التفكير بشأن الشركات العسكرية الخاصة، وأن يخلق ضغطاً يدفع إلى لوائح دولية تحكم انتشارها، إلا أن أية محاولات سابقة للقيام بذلك باءت بالفشل إذ تم حظر جميع هذه المحاولات، من قبل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وجنوب أفريقيا، وإسرائيل، وهي الدول الأربع التي تستخدم الشركات العسكرية الخاصة أكثر من غيرها.
وإذا كانت العديد من الدول تشير إلى ما يسمى "وثيقة مونترو" التي تم إقرارها في 17 سبتمبر (أيلول) 2008، كورقة يمكن تطويرها دولياً بعد إطلاقها بمشاركة ألمانيا وأوكرانيا والولايات المتحدة لتنظيم كيفية تعامل الدول مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، إلا أن الوثيقة غير ملزمة، وتتعلق بالمظاهر حيث لا يجوز استنتاج الحقوق أو الالتزامات من الوثيقة.