أكثر من 2000 مطلقة في السعودية دون الـ 20 سنة

في عصر بات فيه قسم كبير من الفتيات في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهن يرين الزواج حلماً مؤجلاً يسبقه التفوق العلمي والاستقلال المالي لترضي فيه الطموح المتنامي وبخاصة لدى السعوديات، إلا أن هناك أسراً لا تزال ترى أن الأولوية لبناتهن هي الزواج وإن في عمر صغير، لأسباب عدة أبرزها العادات المجتمعية أو ما يراه بعضهم "ستراً للبنت" أو "تحقيقاً لنصف الدين".

وعلى رغم الوعي المجتمعي وحصول النساء السعوديات على كثير من الحقوق القانونية والاجتماعية والسياسية، إلا أن زواج القاصرات لا يزال موجوداً، بحسب التقرير الذي نشرته الهيئة العامة للإحصاء السعودية الأسبوع الماضي، بمسمى "المرأة السعودية 2022"، والذي أفاد بأن هناك 40348 ألف فتاة متزوجة و2436 مطلقة و415 أرملة في بداية حياتها، تتراوح أعمارهن ما بين سن 15 و19 سنة.

وأثارت الأرقام المعلنة شهية البحث والتقصي عن أسباب زواج الفتيات في هذا العمر، ولماذا لا يزال موضوع كهذا مقبولاً في المجتمع السعودي إلى يومنا هذا؟.

تقاليد وأهداف مادية

ويعتقد الباحثون الاجتماعيون بأن هذه الزيجات تنتشر خارج المدن وفي القرى البعيدة التي لا تزال تسيطر عليها العادات والتقاليد القبلية، وغالباً ما تكون خيارات الفتاة محصورة بين الزواج من أحد أقاربها أو رجل صاحب جاه ومال وإن كان أكبر منها بعقود، بهدف تحسين أوضاع عائلتها المادية.

وذكر المتخصص في مجال التنمية البشرية عبدالعزيز المبارك بأن "هذا النوع من الزواج لا يزال موجوداً لكنه لم يعد ظاهرة منتشرة في المجتمع كما في السابق، والواضح أن النسبة انخفضت بشكل كبير لكن لا توجد أرقام رسمية يمكن الاعتماد عليها".

وأشار المبارك إلى أن "الانخفاض كان نتيجة وعي المجتمع خلال الأعوام الأخيرة بأخطار هذا الزواج، ما عدا بعض المجتمعات القبلية المغرقة بالتقاليد والأعراف الشرقية والتي تحرص على الإسراع في تزويج بناتها".

وعن رضوخ بعض الفتيات القاصرات وقبولهن بهذا الزواج جاءت الأسباب ما بين اجتماعية واقتصادية.

وأوضحت الاختصاصية الاجتماعية حنان الشبة أن "البيئة الموجودة فيها الفتاة التي تسمح بهذا الزواج هي من الدوافع الأولى للرضا به، كما أن المستوى التعليمي والمادي للأسرة يؤدي دوراً مهماً في زواج القاصرات، فإذا كان تعليم الوالدين متدنياً مع ضعف الظروف المادية، وبالتالي فالفتاة ترضخ لهذا الزواج للخروج من بيئتها ولذلك يتم القبول بالزواج في عمر صغير جداً". وتواصل الاختصاصية الاجتماعية حديثها بأن "رغبة الفتاة في إكمال ما ينقصها من حاجات جراء عدم إشباعها من جانب محيطها الأسري، وتعد من أهم الأسباب فهي تبحث عن الشعور بالأمان والاحتواء والاهتمام، وبعضهن تتزوج لتتخلص من ضغوط أسرية قاهرة تعوق استمتاعها بحياتها، وكل هذه العوامل تسهم في موافقتها على الزواج الباكر".

أكرر التجربة

والتقت "اندبندنت عربية" إحدى الفتيات المتزوجات في عمر 16 سنة، وبأجوبة عفوية قالت نورة وهي من مواليد 2004 وتبلغ من العمر حالياً 19 سنة، وتسكن في العاصمة الرياض إن أهلها لم يجبروها على الزواج، وأن هذا أمر طبيعي في مجتمعها فهي أكبر أخواتها وزواجها ما هو إلا نتيجة الموروث الثقافي،

وأضافت "عندما تقدم لي زوجي وهو ابن عمي، رأيته الشخص المناسب لي ولم يكن فارق العمر بيننا كبيراً، فهو يبلغ من العمر 21 سنة وأنا في الـ 16 سنة، ويعمل في القطاع العسكري فهو مستقل مالياً ويقوم بكامل واجباته المنزلية."

وتستكمل نورة حديثها بابتسامة قائلة إنه "خلال الفترة الأولى من الزواج كانت الأجواء لا تشبهني، إذ لم أعتد سابقاً على كثرة المسؤوليات لكني تأقلمت بعد إنجاب ابنتي الأولى، ولو عاد بي الزمن لما كنت سأرفض".

وعن إكمال تعليمها الجامعي ذكرت نورة أن معدلها في الثانوية العامة كان منخفضاً وهو سبب عدم مواصلتها الدراسة، لكنها ستحاول الإكمال في برامج الدبلوم وزوجها لا يمانع ذلك، "طالما أنه لن يؤثر في واجباتها الأسرية."

كيف يتم زواج القاصر في السعودية؟

واعتمدت السعودية حلاً وسطاً بين عدم المنع التام لزواج القاصرات وجعله مسموحاً بمعايير محددة، وذلك عبر إصدارها قوانين وأنظمة تسهم في الحد من انتشاره وتمدده بعدم عقده من قبل مأذون الأنكحة، بل يرجع الأمر إلى المحكمة بعد إحضار ثلاثة تقارير طبية تثبت الاكتمال الجسماني، وأخرى من متخصص نفسي وآخر اجتماعي، تثبت التكافؤ بين الزوجين القاصرين، أحدهما أو كلاهما.

واعتبر عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور فيصل آل فاضل أن "زواج القاصرات يسير باتجاه معاكس ومضاد لتمكين المرأة من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما يعد من انتهاكات حقوق الإنسان بصورة عامة والمرأة بخاصة".

وتعرف منظمة "يونيسف" التابعة للأمم المتحدة "زواج القاصرات" بأنه زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي بين طفل تحت سن 18 سنة وشخص بالغ أو طفل آخر.

الزواج يعوق التعليم

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة في مايو (أيار) الماضي من تراجع مكاسب القضاء على زواج الأطفال، وقالت إن "الفتيات اللواتي يتزوجن في مرحلة الطفولة يواجهن عواقب مستمرة، ومن غير المرجح أن يبقين في المدرسة، كما يواجهن أخطاراً متزايدة للحمل الباكر، مما يزيد بدوره أخطار مضاعفات صحة الأطفال والأمهات والوفيات.

وقال عضو مجلس الشورى فيصل آل فاضل "أن تتزوج الفتاة بهذا العمر يعني بعد عام في الأقل من الزواج ستصبح أماً لطفلٍ أو طفلة، وستصبح مسؤولة عن ذلك الطفل، والتفكير في مثل هذا الأمر شيء مروع بالنسبة إلي، فكيف تصبح هذه الطفلة التي هي بالأساس في حاجة للرعاية أماً؟".

وأكد أن "كل فتاة بحاجة إلى أن تنضج قبل التفكير في الزواج، ولا أقصد النضج الجسدي فقط إنما النضج الفكري والروحي وفهم وإدراك المفاهيم الحياتية الصحيحة".

هل يكون نجاح الزواج مقروناً بسن معينة؟

وفي المقابل فللباحث الاجتماعي خالد الرديعان رأي مخالف، فهو يرى أن "تحديد عمر معين للزواج وجعله قاعدة ثابتة غير صحيح ولا أساس رصين يبنى عليه، فالزواج مرتبط بالقدرة والاستطاعة والنضج ولا علاقة له بالسن".

وبالعودة للتقرير الذي نشرته هيئة الإحصاء السعودية عن "المرأة السعودية في 2022"، فقد تبين انخفاض معدلات الطلاق عند ازدياد أعمار المتزوجين من سن البلوغ ووصولاً إلى أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، أما بعد سن الـ 32 فإن أرقام الطلاق تعود للارتفاع مجدداً، ويفسر ذلك أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي خالد الثبيتي بأنه "عادة ما يكون الشخص قد نضج على الصعيد النفسي، ويكون أكثر حكمة في تقييم خياراته المتعلقة باختيار شريك الحياة، وفي هذا السن يكون الشخص قد خاض تجارب حياتية عدة واتخذ قرارات مهمة مما يجعله أيضاً أكثر استعداداً للزواج".

إلا أن أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود خالد الرديعان رأى أن "الفتيات في سن 15 إلى 18 سنة ناضجات فيزيولوجياً وذهنياً وتنتفي عنهن صفة القاصر، ولا سيما أن نمط الغذاء الشائع وتوفر الرعاية الصحية يساعدان في النضج الجسدي سريعاً، وبخاصة الغذاء ومكوناته الأساس، كما يبقى زواج القاصر مرهوناً بإيجابياته وسلبياته، ويفصل بينهما الوعي والتجربة، وهو خيار شخصي للعائلة والقاصر".

وقال إن "الفتاة إذا رضيت بالزواج بسن باكرة من دون إكراه من وليها أو أسرتها فهذا من حقها، ولا يلزم منعها من هذا الحق".

من جهته، طالب فيصل آل فاضل بزيادة "نشر الوعي بين أفراد المجتمع ومراجعة التشريعات والأنظمة التي أصدرتها الدولة أخيراً، وتقييم مدى فاعليتها في معالجة هذه الظاهرة السلبية وتطوير التشريعات القائمة وآلياتها التنفيذية بما يرفع مستوى الامتثال والالتزام بأحكام التشريعات والأنظمة".