Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سر القذافي في الصراع على طرابلس

نقل كل ما له علاقة بإدارة الدولة وأموالها إلى جانبه

يعتقد كثيرون أن سبب الإصرار على معارك طرابلس مرتبط بوجود المؤسسات الاقتصادية والسياسية فيها (أ. ب)

دخلت معارك العاصمة الليبية طرابلس شهرها الرابع منذ أطلق الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر عملية عسكرية لدخول المدينة. وتشهد محاور القتال هدنة جاءت استجابة لدعوات من البعثة الأممية للدعم في ليبيا برئاسة غسان سلامة. وقد وصف مراقبون هذه الاستراحة بـ"الهدوء الذي يسبق العاصفة". 

يتساءل متابعون للمشهد الليبي عن أسباب الإصرار على السيطرة على طرابلس التي يقطنها نحو مليون ونصف نسمة ودفع الفاتورة الباهظة من الأرواح والخسائر. 

ويعتقد كثيرون أن السبب يعود إلى كونها العاصمة وما تحتويه من مؤسسات لها علاقة بإدارة القرارين السياسي والاقتصادي. فمنها يصدر الأمر وفيها تصب الأموال. وهي مقر الحكومة والوزارات ومصرف ليبيا المركزي وإدارة المصرف الخارجي الذي تُحوَّل إليه أموال عمليات بيع النفط والغاز لحساب المؤسسة الوطنية للنفط التي تدير هذه العمليات من طرابلس أيضاً.

القذافي ومركزة الدولة  

تكدّس المؤسسات في طرابلس كان نتاج عمل ممنهج من نظام معمر القذافي الذي نفذ انقلابه العسكري عام 1969، على نظام الملك ادريس السنوسي من بنغازي قبل أن يصطدم بها وأهلها في سبعينيات القرن الماضي، فيرحل عنها إلى طرابلس، ناقلاً معه كل ما فيها من مؤسسات سيادية وحيوية. وهذا ما يعده المحلل السياسي سامي الأطرش رغبة من القذافي في الإمساك بخيوط اللعبة. 

ويقول الأطرش "مثله مثل كل الأنظمة الشمولية في العالم، عمد القذافي عبر نظامه الغريب إلى نقل كل ما له علاقة بإدارة الدولة وأموالها إلى جانبه بالقرب من باب العزيزية، المقر الشهير الذي أدار منه الحكم لأربعين سنة. لقد كان مهووساً بالسيطرة، فأوجد نظاماً مركزياً فجاً وغير معهود، حتى وصلت الأمور إلى درجة أن بعض الليبيين كان يسافر ألف كيلومتر من بنغازي إلى طرابلس للحصول على توقيع على ورقة غير مهمة".

نقل كل صغير وكبير 

عام 1963، حين كانت الدولة ملكية، عُدّل الدستور، فتحولت الدولة من دولة فيدرالية إلى دولة موحدة. ونص الدستور على أن لليبيا عاصمتين هما بنغازي وطرابلس. وكانت المدينتان تقتسمان المؤسسات السياسية والاقتصادية والإدارت الرسمية، فبينما احتفظت بنغازي بالمؤسسة الوطنية للنفط ومؤسسات عدة، منها الخطوط الجوية الليبية، فازت طرابلس بمقر الحكومة وعدد من مقرات الشركات النفطية والإدارات المهمة. 

بعد غضب القذافي على بنغازي عقب تظاهرات الطلبة عام 1976، انتقل إلى طرابلس ونقل معه المصرف المركزي والوطنية للنفط، ثم الخطوط الجوية، وأُفرغت بنغازي عقاباً من كل ما له علاقة بمؤسسات الدولة تقريباً. ولم يكتفِ بنقل المؤسسات، بل نصّب عليها مقربين منه.

معاناة مع النظام الجديد 

يقول الكاتب الليبي فرج كندي عن الطريقة التي سعى من خلالها القذافي  إلى السيطرة على إدارة البلاد عبر مركزتها في طرابلس، "لقد عانت الدولة الليبية من مشكلة الإدارة المركزية التي تحكمت بها مجموعة من الضباط الصغار في السن والرتب"، مضيفاً "بعدما سيطر القذافي على زمام الأمور، عمل جاهداً على جمع كل السلطات في يده، وأصبح يتحكم في جميع الأمور من خلال إنشاء منظومة مركزية معقّدة. وقد ساعده في تحقيق ذلك أنه استطاع تشكيل بطانة تنفذ تعليماته، فباتت البلاد في جميع تفاصيلها رهناً لفكر ورغبات وأحلام وتهيّؤات شخص واحد".

إبداع شخصي 

ويعتقد الأطرش أن المشكلة لم تكن في مركزة الدولة، بل في طريقة إدارتها، موضحاً أن "المشكلة كانت في أن القذافي لم يخلق نظاماً مركزياً شمولياً تقليدياً، بل أضاف إليه من إبداعاته الخاصة التي اشتهر بها، فأنشأ مؤسسات موازية لكل مؤسسة، تديرها وتراقبها من الظل، طبيعتها أمنية وهدفها ضمان تنفيذ ما يريده لهذه المؤسسات. وهذا بالطبع سبّب إرباكاً لعملها وتصادمات في إدارتها وتراجعاً مخيفاً في مهنيتها، حتى عندما سقط، تركها ركاماً وعاجزة لا فائدة منها". 

اقرأ المزيد

ويقول الأطرش إن هذا لا يشمل الجانب الاقتصادي فحسب، بل طُبق كذلك على المؤسسة العسكرية، قائلاً "لقد حل القذافي الجيش خشيةً من انقلابه عليه كما فعل هو مع الملك ادريس السنوسي، فزج به في حرب لا معنى لها لاستنزافه في تشاد، ثم أنشأ كتائب أمنية لحمايته ونظامه، حلت محل الجيش، ما فاقم الأمور بعد سقوط نظامه، إذ وقعت البلاد في فراغ أمني مخيف".

وتربط دراسات عدة أزمة ليبيا بما تركه لها نظام القذافي من تركة ثقيلة وهشاشة المؤسسات وغياب الكوادر. ويعزو رئيس مجموعة العمل الوطني في ليبيا خالد الترجمان لـ"اندبدنت عربية" كل ما يحدث وعشناه من أزمات بعد سقوط نظام القذافي إلى غياب الكفاءات. لقد أراد القذافي أن يدير كل شيء ويكون محور كل شيء، فحارب الكفاءات ولم يضع أي برنامج للتنمية البشرية. وهذا ما كان كارثة الكوارث. لقد رحل وترك فراغاً مؤسساتياً وإدارياً وسط غياب مَن باستطاعته وضع مشروع مقنع لانتشال البلاد من أزمتها". 

المزيد من العالم العربي