ملخص
لا عقوبات أوروبية جديدة وتهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على معطلي انتخابات رئاسة الجمهورية عملية ضغط لتحريك الجمود
هل انتقل المجتمع الدولي والعربي من مربع النصائح إلى سياسة الإجراءات القاسية في مقاربة الأزمة اللبنانية؟ سؤال تردد في الأيام الأخيرة بعد تبدل اللهجة الدبلوماسية في شأن لبنان، وخصوصاً على مستوى المجموعة الخماسية التي تبنت اللغة المعتمدة في بيان الاتحاد الأوروبي لجهة الاستعداد بفرض إجراءات، المقصود بها عقوبات بحق المعطلين والمعرقلين لانتخابات رئاسة الجمهورية، وانشغل كثيرون بمدى تأثير هذه التهديدات على الجمود الرئاسي وإمكانية إحداثها تغييراً في موقف المعطلين.
ففي اجتماعها الثاني الذي عقد في 17 يوليو (تموز) في قطر، خرجت دول المجموعة الخماسية (الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) عن الأسلوب الدبلوماسي الناعم الذي اعتمدته منذ اجتماعها الأول في باريس، في مخاطبة المسؤولين اللبنانيين لا سيما المعطلين للاستحقاق الرئاسي، وعلى عكس اجتماع فرنسا الذي حمل كثيراً من التأويلات والتفسيرات، خصوصاً أنه خلا من بيان ختامي، خرج اجتماع الدوحة ببيان مكتوب عكس إجماع الدول الخمس على مضمونه، وبرز في البيان تلويح المجموعة الخماسية للمرة الأولى بـ"إجراءات بحق المعرقلين للانتخابات الرئاسية اللبنانية". وأشار إلى أن "على أعضاء البرلمان اللبناني الالتزام بمسؤوليتهم والشروع في انتخاب رئيس للبلاد".
وقبل بيان المجموعة الخماسية بأيام قليلة، اعتمد البرلمان الأوروبي صيغة التهديد نفسها من دون لهجة تخفيفية، واستخدم عبارة عقوبات وليس إجراءات. ودعت الدول الـ27 في بيان البرلمان الأوروبي إلى "تطبيق عقوبات هادفة في الإطار الذي اعتمده المجلس، في 30 يوليو2021، ضد كل من يخالف العملية الديمقراطية والانتخابية في المؤسسات اللبنانية.
لغة التهديد بالعقوبات التي تصاعدت بشكل تدريجي بعد شغور رئاسي مر عليه أكثر من 10 أشهر، تزامنت أيضاً مع "جردة حساب" تحذيرية، قدمتها سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو في خطابها الوداعي، وتحدثت عن الدولة الغائبة، وصارحت اللبنانيين بالقول "إن لبنان ليس على ما يرام" و"الاستقرار الحالي استقرار خادع"، ووصفت غريو من موقع الصديقة لا الدبلوماسية، كما قالت النموذج اللبناني المالي والاقتصادي بالمنهك. وأكدت أن لبنان يخسر ويتعرض للبتر، والنظام غير قادر على أن يتجدد، وتحدثت أيضاً عن تعاظم الاستخفاف والزبائنية والاتجار غير المشروع والفساد والخوف من أشباح النزاعات.
التهديد بالعقوبات ليس جديداً
ولم يكن القرار الصادر عن الاتحاد الأوروبي، في 12 يوليو، الوحيد الذي أشار إلى عقوبات بحق شخصيات لبنانية سواء أفراداً أو كيانات، تؤثر سلباً في أكثر من استحقاق وموضوع ملح في لبنان، فالأزمة اللبنانية وتطوير الإدارة ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء والقوانين المتعلقة بالإصلاح والحوكمة والاستحقاقات الدستورية واحترام المهل القانونية، كلها عناوين تابعها الاتحاد الأوروبي وهدد بقرارات سابقة بفرض عقوبات على معرقليها. وأكد المتخصص في الشأن القانوني في المفوضية الأوروبية محيي الدين الشحيمي أن قرار الاتحاد الأوروبي الأخير ليس جديداً وهو في إطار المتابعة الأوروبية الدائمة بحثاً عن تطور نوعي لإيجاد حل للأزمة اللبنانية. ورأى الشحيمي أن التذكير الأوروبي بقرار سابق صادر عنه، هو بمثابة توصية وتذكير بأن الاتحاد الأوروبي مجتمعاً يراقب المسؤولين في لبنان ومستمر بدعم الشعب اللبناني. وأكد ألا عقوبات أوروبية جديدة موضحاً أن القرار الأخير هو بمثابة عملية ضغط يخوضها البرلمان الأوروبي مجتمعاً للقول إنه لم يتخلَ عن الإطار المؤسساتي في لبنان، انطلاقاً من ضرورة ملء الشغور في الموقع الأول، وإنه مستعد لتنفيذ هذه التهديدات في أي وقت عندما يرى ذلك مناسباً. وكشف عن نقاشات مطولة حصلت في أروقة مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل بين ممثلي الدول الأوروبية وسط تفاوت في الآراء بين متحمس لفرضها في المرحلة الحالية وخصوصاً ألمانيا وبلجيكا، ومتريث بحذر كفرنسا والنمسا، انطلاقاً من أن فرض العقوبات لن يساعد في تغيير الواقع ولن يساعد في انتخاب رئيس للجمهورية، وتعتبر فرنسا أن فرض العقوبات قد يؤثر سلباً على الملف اللبناني، فيما الأولوية بالنسبة إلى الفرنسيين هي للتفاهم الداخلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر الفرنسيون أن العقوبات غير مجدية وقد سبق وفرضت باريس عقوبات على شخصيات سياسية، في مرحلة سابقة، واتخذت بحقهم إجراءات منع سفر وتجميد إقامات وإلغاء تأشيرة الدخول إلى فرنسا كما جمدت حساباتهم فيها، وسياستهم التعطيلية لم تتبدل.
التقاطع الأوروبي الخماسي
وسلط الضوء على البيان الصادر عن المجموعة الخماسية المولجة بإيجاد حل للملف اللبناني، على التقاطع بين الدول الخمس (أميركا والسعودية وفرنسا ومصر وقطر) ودول الاتحاد الأوروبي الـ27، في شأن الملف اللبناني خصوصاً لجهة التلويح المشترك بفرض عقوبات على المعطلين للاستحقاق الرئاسي، على رغم أن بعض الدول في المجموعة الخماسية لم تكن متحمسة لخيار العقوبات، وقد كان الموفد الأميركي الأكثر دعماً لهذا الخيار، وعلى رغم عدم تحديد بيان الدوحة نوعية العقوبات التي قد تفرضها الدول الأعضاء في المجموعة الخماسية، أوضح مصدر دبلوماسي عربي أن كل الاحتمالات مفتوحة والعقوبات يمكن أن تكون مالية أو معنوية، وهي لن تتخذ بشكل فردي باستثناء الولايات المتحدة، ويمكن أن تصدر بقرار مشترك من دول مجلس التعاون الخليجي وأيضاً من جامعة الدول العربية، ولم يستبعد المصدر نفسه أن يتطور الموقف ليصبح على مستوى الأمم المتحدة بناءً على ورقة قد تقدمها المجموعة الخماسية، تزامناً مع تزايد المطالبات في الداخل اللبناني بضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي وتحميل المعطلين للنصاب ولجلسات الانتخاب المسؤولية، وأوضح الشحيمي أن العقوبات في الدول الأعضاء بالمجموعة الخماسية وخصوصاً العربية قد تكون مختلفة الإيقاع والمفهوم القانوني عن العقوبات الأوروبية.
هل يتأثر المعطلون
ولا شك أن التلويح بـ"إجراءات" بحق المعطلين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية أتى بمثابة التهديد الذي استهدف بشكل مباشر ومعاكس مطلب الحوار الذي ينادي به "حزب الله"، وصدرت عن "حزب الله" إشارات أولية تعكس انزعاجه من منحى التصعيد والتهديد، خصوصاً أنه يعتبر، وفق ما تؤكد مصادر مقربة منه، أن مثل هذه الإجراءات يجب أن تتخذ بحق من يعرقل الحوار ويرفضه، وليس بحق من يعرقل انتخاب الرئيس.
وأكد رئيس لقاء "سيدة الجبل" النائب السابق فارس سعيد أن العقوبات إن فرضت لن تؤثر في المشهد الرئاسي ولن تدفع بالمعطلين إلى تأمين نصاب الجلسة، لكنها قد تكون ورقة يمكن للمعارضة أن تستخدمها في وجه الفريق المعرقل للانتخابات، وبحسب سعيد، فإن سياسة العقوبات لا تطال الشخص المعاقب وحده بل تطال الشعب اللبناني بكامله، بالتالي، إذا فرضت عقوبات على رئيس مجلس النواب نبيه بري مثلاً أو على "حزب الله" أو أي مسؤول رسمي، فإن الفريق الآخر يمكن أن يستخدمها لتأكيد نظريته أن الجهة المعاقبة هي المعطلة وهي المسؤولة عن تدهور الأوضاع في البلد، لكن لسوء الحظ، أضاف سعيد، في بلد مثل لبنان حيث يعمد أهل السياسة إلى تدوير الزوايا والمسايرة، فإن العقوبات لن تفعل فعلها، وذكر سعيد بعقوبات أميركية فرضت على "حزب الله" ولم يتأثر بها كما لم تدفع القوى السياسية إلى وقف التعاطي معه بحجة أنه معاقب، واستذكر أيضاً العقوبات على رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بتهمة سرقة الأموال العامة والفساد، ولم يمنع ذلك قوى سياسية من التقاطع معه والبحث في موضوع رئاسة الجمهورية.