ملخص
أصبح جسر القرم رمزاً لمحاولات روسيا الطويلة الأمد للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية و"إضفاء الطابع الروسي" على الأراضي
استهدف اعتداء مميت وقع قبيل الفجر جسر كيرتش، في ثاني هجوم من نوعه على الجسر خلال تسعة أشهر. وبينما تواصل أوكرانيا هجومها المضاد خلال الصيف، يشكل هذا الحدث ضربة شخصية لفلاديمير بوتين الذي تبجح مرات كثيرة بتشييده.
شكلت هذه الطريق التي تضم مساراً للسيارات وسكة حديدية على امتداد 12 ميلاً (نحو 19 كيلومتراً) -وهي الأطول في أوروبا- مشروعاً فاخراً بلغت قيمته 2.7 مليار دولار، افتتحه السيد بوتين منذ خمس سنوات. وهو يربط البر الروسي الرئيس بشبه جزيرة القرم المحتلة، التي وضعت موسكو اليد عليها بشكل غير قانوني وقضمتها من أوكرانيا وضمتها إليها في عام 2014. عند افتتاح الجسر، تباهى السيد بوتين بأن القياصرة الروس حلموا بتشييد هذه "المعجزة" من دون أن ينجحوا في ذلك يوماً. واحتفى الإعلام الرسمي الروسي ببناء هذا الجسر معتبراً أنه "أهم إنجاز من نوعه في هذا القرن".
ومنذ إطلاق روسيا غزواً واسع النطاق على أوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، تحول الجسر إلى شريان أساسي يمد رجال موسكو في أرض المعركة بالعتاد العسكري، كما يزدحم الجسر صيفاً بالسياح الروس المتوجهين لقضاء العطلة في القرم- الوجهة السياحية ذات الشعبية الكبيرة على رغم الحرب الدائرة على بعد أميال قليلة.
وفي أوكرانيا، أصبح الجسر محط غضب باعتباره رمزاً لمحاولات روسيا الطويلة الأمد للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية و"إضفاء الطابع الروسي" على الأراضي.
من شأن فقدان الجسر أن يضعف خطوط الإمداد الروسية وربما حتى أن يقطع طريق العودة إلى البر الرئيس أمام عشرات آلاف المصطافين الروس الموجودين في شبه جزيرة القرم.
ومن الناحية الرمزية، يحمل أي ضرر يصيب هذا الهيكل - الذي يقع في عمق الأراضي التي احتلتها روسيا - أهمية كبيرة. ولهذا تعرض للهجوم.
في أكتوبر (تشرين الأول)، تعرض الجسر للتفجير بعد يوم من عيد ميلاد السيد بوتين السبعين. واتهمت السلطات الروسية أوكرانيا بالمسؤولية عن الهجوم، فيما نفت الأخيرة بداية هذه الاتهامات قبل أن تقر بشكل غير مباشر بأن هدف الضربة كان "قطع الخط اللوجيستي للجيش الروسي". بعد فترة قصيرة، شنت روسيا سلسلة من الضربات على المدن الأوكرانية ومحطات توليد الكهرباء، وأمر السيد بوتين بإصلاح الجسر فوراً. في ديسمبر (كانون الأول)، قاد شخصياً سيارته المرسيدس وعبر بها الجسر.
خلال الساعات الأولى من الإثنين، تعرض الجسر للهجوم مجدداً: أفادت روسيا عن مصرع والدين وإصابة ابنتهما البالغة من العمر 14 سنة بجروح بالغة في هجوم "إرهابي" نفذته مسيرات بحرية أوكرانية. وأظهرت الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الروسية والأوكرانية انفصال جزء من الجسر عن باقي الطريق والتواء الحاجز المعدني على طرفي الجسر، كما ازدحام سيارات الإسعاف والركاب في خضم الفوضى. توقفت حركة السير والقطارات ساعات عدة بعدها.
وأشار الجيش الأوكراني إلى أن الهجوم قد يكون حركة استفزازية قامت بها روسيا نفسها، لأنه وقع في اليوم نفسه الذي كان من المفترض بموسكو أن تحسم قرارها فيه في شأن تمديد، أو عدم تمديد، الاتفاق الموقع بوساطة أممية، والذي يسمح بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود، لكن الإعلام الأوكراني حمل جهاز الأمن الأوكراني مسؤولية الحادثة، نقلاً عن مصادر مجهولة الهوية. وقالت إدارة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية إن الجسر هدف مشروع لأنه أصبح "مركزاً لوجيستياً كبيراً لنقل القوات والمعدات (الروسية) إلى عمق الأراضي الأوكرانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأحوال كلها، سارع الساسة الروس للقول إنه على موسكو الرد بتدمير البنية التحتية الأوكرانية بدل التباحث في صفقة الحبوب.
أبرم الاتفاق الذي يتيح تصدير الحبوب بعد وساطة من الأمم المتحدة وتركيا العام الماضي، وكان هدفه التخفيف من حدة أزمة أمن غذائي عالمي متنامية. وسمح لأوكرانيا - خامس أكبر مصدر للحبوب في العالم - باستئناف شحن المواد الغذائية من مناطقها في الجنوب، على رغم النزاع.
وصرح الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا قررت وقف تنفيذ الاتفاق، زاعماً بأن هذا القرار لا علاقة له بهجوم الجسر. ليس من الواضح بعد إن كانت روسيا ستقرر استئناف العمل بالاتفاق الذي حاولت الانسحاب منه سابقاً.
وفي هذه الأثناء، كتب جهاز الاستخبارات الأوكراني تغريدة فيها إشارة إلى تهويدة أطفال محبوبة، عدلت لكي تعني بأن الجسر "غفا [دخل في سبات] من جديد".
© The Independent