Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تدفع ثمن إهمال حكوماتها المتعاقبة للتهديد الصيني

التوازن كان قائماً كما هي الحال دائماً لكن يبدو أننا أخطأنا في التراخي

لا يمكن للمملكة المتحدة أن تخوض وحدها حروباً باردة في وقت متزامن مع كل من روسيا والصين (رويترز)

ملخص

سلط تقرير برلماني بريطاني حديث الضوء على الخطر الصيني ودعا لندن للحذر واليقظة من محاولات اختراق أمني صيني مع عدم التخلي عن أهمية التجارة بين البلدين

على رغم أن التقرير الأخير المتعلق بالصين، الصادر عن "لجنة الاستخبارات والأمن" Intelligence and Security Committee (ISC) في البرلمان البريطاني، بدا حاد اللهجة، إلا أنه يشبه إلى حد كبير فيلم إثارة مخيفاً وسريع الإيقاع، أكثر من التقرير الرسمي المعتاد.

فعلى سبيل المثال، يحذر أحد المقاطع المثيرة فيه بشكل خاص من "أننا [المملكة المتحدة] في طريقنا إلى سيناريو كارثي، بحيث تسرق الصين مخططات وتضع معاييرها الخاصة وتطور منتجات، وتمارس نفوذاً سياسياً واقتصادياً من خلال كل خطوة تقوم بها. وفيما يشكل ذلك تحدياً تجارياً جدياً، إلا أنه من المحتمل أن يمثل تهديداً وجودياً للأنظمة الديمقراطية الليبرالية".

في غضون ذلك، لم تبدِ الحكومات المتعاقبة في المملكة المتحدة سوى القليل من المقاومة - في مواجهة استراتيجية صينية فائقة التنظيم وشاملة الأطر وطويلة الأمد، تهدف إلى تعزيز التكنولوجيا والتأثير على بريطانيا، وفرض مستوى معين من السيطرة عليها - وفي الواقع، لا يبدو أن وزراءها كانوا أكثر من مجرد حفنة من الأغبياء وعناصر تمكين لتلك الاستراتيجية، في مواجهة هجوم صيني قوي وحازم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما أوضحت "لجنة الاستخبارات والأمن" البرلمانية في تقريرها، فإن "حجم الصين الكبير وأهدافها وقدراتها الطموحة، كانت من بين العوامل التي مكنتها من التسلل بشكل فاعل إلى كل قطاع من قطاعات الاقتصاد البريطاني. يُضاف إلى ذلك أنه - إلى حين تفشي جائحة "كوفيد - 19" - كانت الحكومة البريطانية تستقبل استثمارات صينية بسهولة من دون تدقيق كاف". وفيما برز بعض الوعي الرسمي في شأن التسلل الصيني، لوحظ تلكؤ بارز في مبادرات الحكومة للقيام بتخطيط استراتيجي متماسك، ناهيك بتقاعسها عن اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة التجسس، في إطار معالجة هذا القلق المتزايد.

ويتعمق تقرير "لجنة الاستخبارات والأمن" البرلمانية في وصف التفاصيل المؤلمة ملقياً الضوء على نهج الصين المدروس بدقة لجهة تركيز جهودها بشكل خاص على المجالات الاستراتيجية، بقصد واضح وهادف - ويشمل ذلك استهداف قطاعات مثل الطاقة النووية المدنية، والجامعات، وممارسة النفوذ بين دوائر "النخبة".

في مقابل كل ذلك، بدت الحكومات البريطانية المتعاقبة عديمة الخبرة في نهجها، على أحسن الأحوال. ومن الأمثلة البارزة على ذلك التحالف بين حزبي "المحافظين" و"الديمقراطيين الليبراليين" الذي أظهر درجةً ملحوظة من السذاجة قبل عقد من الزمن، عندما أرسل إلى بكين [في العام 2010] رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون وجورج أوزبورن [وزير خزانته] وفينس كابل [زعيم حزب "الديمقراطيين الليبراليين" في حينه]، إضافةً إلى وفد ضخم من رجال الأعمال البريطانيين، لإطلاق ما سُمي "العصر الذهبي" للعلاقات الصينية - البريطانية.

وبحلول مرحلة تولي رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي السلطة في البلاد في عام 2017، لوحظ تحول بارز في الموقف الرسمي تجاه الصين. وطلبت ماي "مراجعة" خطة إنشاء محطة الطاقة النووية الضخمة الجديدة "هينكلي بوينت سي"، Hinckley Point C والتدقيق فيها - وهي مشروع مشترك بين الصينيين والفرنسيين (التحفظات البريطانية عن الصفقة ارتبطت حينها بمخاوف تتعلق بالأمن القومي والمشاركة الأجنبية في البنية التحتية الحيوية للمملكة المتحدة) - لكن العمل في المشروع كان قد بلغ مرحلةً متقدمةً للغاية، ولم يكن إلغاؤه خياراً عملياً وواقعياً، فشعرت الحكومة البريطانية بأنها مضطرة للمضي فيه.

ومع ذلك، أعربت "لجنة الاستخبارات والأمن" البرلمانية عن استيائها المبرر، من أن هذا القرار سهل اتخاذ قرار آخر سمح باستخدام التكنولوجيا الصينية والتحكم التشغيلي بالمحطة النووية "برادويل بي" Bradwell B. وترى اللجنة أنه "من غير المقبول أن تستمر الحكومة في التفكير في مشاركة الصين في ’البنية التحتية الوطنية الحرجة‘ في المملكة المتحدة من دون النظر في المخاطر الأمنية الأوسع وتقييم كل حالة على حدة".

وكان قرار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون تقليص دور شركة "هواوي" الصينية في تطوير شبكة "الجيل الخامس" من الاتصالات 5G قبل نحو عامين، مثالاً نادراً على اليقظة والحذر من جانب المملكة المتحدة. لكن باستثناء ذلك، اتسم النهج البريطاني العام تجاه الاستثمار الأجنبي كما القرارات السياسة، بعدم الحزم، وباسترضاء مؤسف على طريقة "نعم، وشكراً". ويبدو من المحبط أيضاً ألا توجد أي إشارة فورية على أن هذا الموقف سيتغير، على رغم أنه يعكس إخفاقات صانعي السياسة البريطانيين في ثلاثينيات القرن الماضي في فهم صعود ألمانيا (تفادت المملكة المتحدة الصراع مع ألمانيا النازية من خلال تقديم تنازلات لها).

رئيس الوزراء البريطاني الراهن ريشي سوناك، حرص دائماً على تجنب وصف الصين بأنها دولة معادية أو أن صعودها يمثل تهديداً، معتبراً أنه مجرد تحد "منهجي" أو "تحد عصري". وكان جوابه على التعابير اللاذعة التي وجهتها "لجنة الاستخبارات والأمن" البرلمانية، مخففاً وضعيفاً بقوله: "نحن لسنا راضين عن أنفسنا، وندرك جيداً أن هناك المزيد مما ينبغي عمله. وحيثما تهدد تصرفات الصين أو نياتها المصلحة الوطنية، سنواصل اتخاذ التدابير السريعة اللازمة لمواجهة الأمر".

ربما كان رئيس الوزراء البريطاني سوناك ديبلوماسياً. لكنه كان قد أكد بوضوح في وقت سابق أنه يعتقد أن الانفصال عن الصين على نحو أكثر حسماً - وفقاً لما ترغب به "لجنة الاستخبارات والأمن" البرلمانية - من شأنه أن يجعل الاقتصاد البريطاني مكشوفاً وعرضةً للخطر إلى حد كبير. وبصراحة، على رغم أن الحكومة لا يمكنها أبداً الإقرار بذلك علناً، فإن إحدى العواقب المؤسفة لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، تتمثل في فقدانها النفوذ والأمن اللذين كانت تتمتع بهما عندما كانت عضواً في أكبر كتلة تجارية في العالم، ما كان سيسهل عليها الوقوف في وجه الرئيس الصيني شي، سواء في الداخل أو في هونغ كونغ وشينغيانغ وبحر الصين الجنوبي.

وفي الواقع لا تستطيع المملكة المتحدة أن تواجه وحدها التحديات في وضعها الراهن، لجهة الانخراط على نحو متزامن في صراعات باردة مع كل من روسيا والصين. يُضاف إلى ذلك، أن المملكة المتحدة هي في حاجة ماسة، بعد تخليها عن العضوية الكاملة في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لشركاء تجاريين ديناميكيين ونشطين حيثما أمكن. ويشكل هذا الوضع معضلةً صعبة ومؤلمة للبلاد.

مجموعة "لجنة الاستخبارات والأمن" البرلمانية - المؤلفة من أعضاء يمثلون مختلف الأحزاب البريطانية والتي مُنح جميع أعضائها تصريحاً أمنياً خاصاً - أمضت مقداراً كبيراً من الوقت في تقييم مساعي الصين لتحقيق مصالحها الوطنية في المملكة المتحدة. وتبين أن الأعضاء أعطيوا امتياز الوصول إلى مصادر داخل حكومة المملكة المتحدة، والأجهزة الأمنية، وبعض الخبراء المستقلين رفيعي المستوى.

ويُعرف عن أعضائها أنهم أشخاص رصينون يتميزون بنظرة عقلانية وتحليل للأمور قائم على الحقائق. وهم ليسوا حفنةً من الأفراد الذين لديهم "رهاب الصين" Sinophobes المصابين بجنون الارتياب. لكنهم على رغم ذلك قلقون. إن ما يقولونه يستحق أن يُصدق. ونظرتهم تمثل في الواقع، إحدى أكثر السرديات إدانةً لعملية صنع القرار السياسي في بريطانيا، على مدى عقود من الزمن.

وكما هي الحال دائماً، هناك توازن، لكن يبدو أن البريطانيين أخطأوا لجهة التراخي مع المسألة، إن لم يكن عدم المبالاة. ويمكن للمملكة المتحدة، لا بل يجب عليها، أن تقوم بالتجارة مع الصين - إنه أمر لا مفر منه - لكن يتعين على الأجهزة الأمنية أن تقوم بشكل أفضل بمتابعة عن كثب لجوانب معينة من الوجود الصيني في هذه البلاد، مثل مبادرات بكين إلى تقديم الرعاية للجامعات، بحيث تعتبرها مشبوهةً ومثيرةً للشكوك، على أقل تقدير.

أخيراً ربما لم تعد بريطانيا تشكل قوة إمبريالية عالمية - على نقيض ما أصبحت عليه الصين في الوقت الراهن - لكن ينبغي ألا تسمح بأن يتم التعامل معها على أنها تحصيل حاصل، أو يُنظر إليها على أنها متفرج ساذج.

© The Independent

المزيد من آراء