في التاسع من أغسطس (آب) 2019، يطوي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 20 عاماً من الحكم في السلطة، ليكمل مسيرة سياسية لا يبدو أنها ستنتهي قبل نهاية ولايته الرئاسية الرابعة عام 2024، ويرجّح أيضاً ألا تنتهي حتّى بعد هذا العام، على الرغم من أن الدستور الروسي لا يسمح بترشّح الرئيس لولاية ثالثة على التوالي.
الرجل الذي وُلد في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 1952 في ضواحي مدينة لينينغراد، سانت بطرسبورغ حالياً، لأبوين من العمّال، بات عاملاً بارزاً على الساحة الدولية، وليس فقط في نطاق أوراسيا.
من عضو في "كي جي بي" إلى رئاسة الوزراء
بدأ بوتين مسيرته السياسية في جهاز الاستخبارات السوفياتي "كي جي بي" (KGB) عام 1975، ليصبح في ما بعد رئيساً له في 25 يوليو (تموز) 1998، بعدما تحوّل هذا الكيان إلى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي على أثر سقوط الاتحاد السوفياتي.
وبينما كان الرئيس الروسي بوريس يلتسين يبحث عن خلف له قبل رحيله عن سدّة الرئاسة، وبعدما بدّل ثلاثة رؤساء وزراء في أقلّ من 18 شهراً، وقع اختياره على بوتين لرئاسة الحكومة، في التاسع من أغسطس 1999. وبعد أقلّ من ثلاثة أشهر على تولّيه المنصب، أمر بوتين، الذي لم يكن معروفاً جداً حينها، بتدخّل القوات الروسية في الشيشان ضدّ الانفصاليين، في عملية استمرّت حتى أبريل (نيسان) 2009، حين أعلنت موسكو انتهاء "عملية مكافحة الإرهاب".
عام 2000... تولّى سدة الرئاسة
وليلة رأس سنة عام 2000، استقال يلتسين وعيّن بوتين رئيساً للبلاد بالوكالة، ليتمكّن هذا الأخير من حصد شعبية أتت به رئيساً منتخباً لروسيا لولاية أولى في 26 مارس (آذار) عام 2000، ومن ثمّ رئيساً لولاية ثانية بعدما أُعيد انتخابه عام 2004.
وفي ظلّ استحالة ترشّحه للرئاسة بعد قضائه ولايتين متتاليتين في الكرملين، اختار بوتين في السابع من مايو (أيار) 2008 رئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف ليكون رئيساً، وتسلّم هو رئاسة الوزراء، ليعود في السابع من مايو 2012 إلى سدّة الرئاسة الأولى، بعد انتخابه في مارس لولاية مدّتها ستّ سنوات، غير أن الانتخابات التي أتت بولايته الثالثة، ترافقت مع تظاهرات غير مسبوقة للمعارضة في البلاد.
وفي السادس من يونيو (حزيران) 2013، أعلن الرئيس الروسي طلاقه من زوجته ووالدة ابنتيه ليودميلا، بعد 30 عاماً من الزواج، في قرار فاجأ المجتمع الروسي وبقيت أسبابه مجهولة، على الرغم من أن الكلام دار عن علاقة جمعته ببطلة الجمباز لمرتين في الأولمبياد والفائزة بالميدالية الذهبية الشابة ألينا كاباييفا، التي كانت تبلغ من العمر حينها 30 سنة بينما كان يبلغ هو 60 سنة.
حملات خارجية
باشر بوتين حملته "التوسعية"، فتحدّى المجتمع الدولي وضمّ، في مارس 2014، شبه جزيرة القرم الأوكرانية بعد احتلالها من القوات الروسية وتنظيم استفتاء اعتبره المجتمع الدولي غير شرعي. وفي سبتمبر (أيلول) 2015، أمر بتقديم الدعم العسكري لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بعدما أوشك هذا الأخير على الانهيار أمام الانتفاضة الشعبية التي اندلعت ضدّ حكمه عام 2011.
أعيد انتخاب بوتين لولاية رابعة، منذ الدورة الأولى، في 18 مارس 2018، إلا أنه على الرغم من احتفاظه بمعدّلات شعبية مرتفعة مقارنة مع معظم نسب التأييد للقادة الغربيين، يواجه بوتين تراجعاً بعض الشيء بمعدّلات تأييده بسبب جمود الاقتصاد وتدني مستويات المعيشة، مع ارتفاع تكاليف الانخراط العسكري الروسي خارج أراضي البلاد.
ماذا بعد 2024؟
ويواجه الرئيس الروسي اليوم، البالغ من العمر 66 سنة، معضلة تحضير خلافته، فهذه آخر ولاية رئاسية له بحسب الدستور، وبعدما استبعد كل منافسيه وهيمن على معظم وسائل الإعلام، يبدو أنه ليست هناك شخصية جاهزة لخلافته، ويرى محللون أنه من غير المرجّح أن يسلم بوتين، الذي تولى أطول فترة حكم في روسيا منذ جوزف ستالين، السلطة بشكل كامل عند انتهاء ولايته عام 2024.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل والمعلق الإعلامي غريغوري بوفت إن بوتين وفريقه يسعيان الآن لإيجاد سبيل يتيح لهم الحفاظ على نفوذهم بعد الخروج من الكرملين، موضحاً أن هذا ممكن عبر إقامة مؤسسة جديدة بدلاً من عودة قصيرة إلى دور رئيس الوزراء كما حصل عام 2008، وتابع "يجري التفكير بإنشاء هيئة جماعية لتوجيه البلاد، على أن يبقى بوتين رئيسها على الدوام"، في نظام مماثل لجمهورية كازاخستان السوفياتية السابقة، حيث تنحى الرئيس نور سلطان نزارباييف لكنه يحتفظ بنفوذه في البلاد، ولكن إذا حصل هذا الأمر فإن بوتين سيكون بعيداً من تسيير الشؤون اليومية لروسيا.
وعلى كل حال، قد تخلق السنوات الأربع المتبقية من ولاية بوتين ما لا يخطر على بال أو ما لم يُحسب له حسبان، ولكن في جميع الأحوال، استطاع هذا الرجل أن يحجز لنفسه موقعاً خاصاً في التاريخ الروسي والعالمي.