ملخص
ليس واضحاً ما إذا كان "ثريدز" سيطوي صفحة "تويتر" حقاً، ولكن الواضح حقيقة أن إيلون ماسك كتب فعلاً نهاية هوية "تويتر" السابقة
لا غرابة في أن إيلون ماسك يرغب في أن يتصارع مع مارك زوكربيرغ في نزال ملاكمة داخل الحلبة.
في غضون خمسة أيام فقط، اكتسب تطبيق "ثريدز" Threads، النسخة المنافسة من شركة "ميتا" لمنصة "تويتر"، أكثر من 100 مليون مستخدم وصار التطبيق الأسرع نمواً بين التطبيقات الرقمية على الإطلاق. يضم "ثريدز" فعلاً نحو ربع إجمالي قاعدة المستخدمين النشطين شهرياً على "تويتر". شخصياً، كنت واحداً من بين المستخدمين الـ500 ألف الأوائل الذين تسجلوا في موقع "ثريدز"، وأخذت أستخدمه أكثر مقارنة مع "تويتر" في الأيام القليلة الماضية. في الواقع، يبدو جلياً أن لدى هذه المنصة المؤهلات كي تكون الجهة التي تطيح بـ"تويتر" وتطوي صفحته، وواضح أن إيلون ماسك لا يتعامل بشكل سليم مع النجاح الذي يحصده منافسه.
يهدد "تويتر" الآن بمقاضاة "ميتا"، فيما يلجأ إيلون ماسك إلى تهجمات شخصية، إذ نشر في إحدى تغريداته أن "زوك [زوكربيرغ] رجل ديوث cuck"، وأنه يتحداه حرفياً في مسابقة لاختيار أي منهما يتمتع بالعضو الذكري الأطول. أتمنى لو أن كلامي هذا كان مجرد مزاح، ولكنها الحقيقة. صحيح أن ماسك يستشيط غضباً من زوكربيرغ [على اعتبار أنه أطلق منصة منافسة لمنصته]، ولكنه وحده يتحمل اللوم عن سقوط "تويتر". منذ الفضائح غير المعدودة التي لاحقت "فيسبوك" في العقد الأول من القرن الـ21، كان مارك زوكربيرغ على الأرجح متلهفاً للحصول على فرصة تسمح له بتسويق نفسه مجدداً، وأعطاه إيلون ماسك الدفع المطلوب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قام إيلون ماسك بالمستحيل. تراه يتصرف جهاراً بشكل لئيم، وأصبح "تويتر" تطبيقاً بغيضاً إلى حد أن منصة زوكربيرغ تبدو جيدة مقارنة معه. منذ أن اشترى ماسك "تويتر" قبل ثمانية أشهر، أمضى تلك الفترة في نشر نظريات المؤامرة من ابتداع اليمين المتطرف، وتعديل الخوارزمية وفق أهوائه ومصالحه، في مقابل التخلي عن مستخدميه. ألغى ماسك نظام التوثيق القديم منتزعاً شارات التوثيق الزرقاء من الصحافيين، أمثالي، ومانحاً أياها لأي شخص يدفع ثمانية دولارات.
أطلقت هذه التغييرات دوامة من المعلومات المضللة مع انتحال هويات العلامات التجارية والسياسيين. لم يعد معروفاً من هذا ومن ذاك، وبدأت خوارزمية "فور يو" (لك) For You [مجموعة حسابات يختارها "تويتر" لكي تراها خلال تصفحك للتطبيق] على "تويتر" في الدفع بكم مهول من المحتوى اليميني المتطرف المختل إلى صفحاتنا الرئيسة، من حسابات تحظى بشارات زرقاء بقيمة ثمانية دولارات. عوض أن يكون وسيلة مفيدة لمشاركة وقراءة المعلومات فور ورودها، تحول "تويتر" إلى جهاز راديكالي متطرف مثير للغضب والاستياء.
لما كان "تويتر" زرع في الأجواء مشاعر سامة جداً، إذ خلفت التغييرات التي نفذها ماسك تأثيراً سلبياً لدى منشئي المحتوى على "تويتر" الذين كانوا في الأساس وراء الروعة التي اتسمت بها المنصة سابقاً. في غمضة عين، جاء الملياردير الأناني وجعل كل العمل الذي أبدعه هؤلاء يبدو عديم القيمة. كوني أمضيت سنوات من عمري في نشر كتاباتي الصحافية على جدران "تويتر" ويتابعني آلاف المستخدمين، تركت هذه التعديلات علي وقعاً مباشراً.
بعدما أتم ماسك صفقة الاستحواذ على منصة "تويتر" في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، لم يمر وقت طويل حتى أخذ المستخدمون يستنجدون، بل يتوسلون، منصات اجتماعية بديلة على الشبكة العنكبوتية. على مدار العام الماضي، ظهر كثير منها، وأبلى بعضها حسناً، وكسب مئات الآلاف من المستخدمين. "بلوسكاي" Bluesky، و"سبوتابل" Spoutible، و"سبل" Spill، و"بوست نيوز" Post.News تشكل بعضاً من المنصات البديلة البارزة. صحيح أن الأخيرة تضم مجتمعات متخصصة مزدهرة، ولكن من الصعب عليها الوصول إلى مئات ملايين من المستخدمين اللازمين كي تصبح البديل الأساسي لـ"تويتر". قبل إطلاق "ثريدز"، بدا أننا سنسير في مسار انتقال بطيء وطويل الأمد من "تويتر" إلى عشرات التطبيقات البديلة التي يخدم كل منها مجالات مختلفة موجودة على "تويتر". ولكن واضح أن "ثريدز" قادر على إنجاز ما عجزت عنه الخيارات المطروحة الأخرى.
إذا قصد المستخدمون شبكة اجتماعية جديدة ولم يكن لديهم أي متابعين، ولم تكن تحوي عدداً كافياً من الأشخاص الذين يبحثون عنهم، سيتأثر معدل النمو سلباً وستخفت الحماسة الأولى. هنا يأتي دور ميزة "ميتا" التي تفسر السبب وراء النجاح السريع لتطبيق "ثريدز". "ثريدز" مدموج مباشرة في قاعدة مستخدمي "إنستغرام" المكونة من ملياري شخص.
لطالما كانت الميزة الجاذبة لدى "تويتر" باقة الأشخاص الذين يستخدمونه. لذا، ما إن بدأ الاتجاه المتطرف الذي سلكه ماسك في إخافة الناس، حتى برزت فرصة جديدة. ولكن تلك الخيارات البديلة الجديدة انتهت فقط إلى اقتطاع مجموعات مفككة من "تويتر" بحسب السوق التي استهدفتها، فيما تعذر عليها الاستحواذ بسرعة على السوق الرئيسة برمتها. يبدو واضحاً بعد فوات الأوان أن المنافس الأكبر لـ"تويتر" لن يأتي إلا من منصة مدموجة أصلاً في شبكة اجتماعية أكبر.
مؤكد أن "ميتا" وسيط غير مثالي نظراً إلى دورها في تقويض الديمقراطيات حول العالم، وتدهور الصحة العقلية والنفسية للمراهقين، وأكثر من ذلك. شخصياً، كتبت كثيراً وعلى نطاق واسع حول هذه المسألة ودعوت إلى صوغ مزيد من القوانين التنظيمية. أدرك تماماً الضرر الذي أحدثته "ميتا"، ولكن إيلون ماسك ألحق الأذى بـ"تويتر" جهاراً إلى حد أن المستخدمين الذين يبحثون عن خاصية شبيهة به لم يجدوا أمامهم كثيراً من الخيارات سوى تبني المنصة البديلة التالية الأكثر شعبية التي ستترك تأثيرات مماثلة على الشبكة.
يسترعي "ثريدز" الاهتمام أيضاً بسبب وعده بالاستفادة من البروتوكول اللامركزي الخاص بالشبكات الاجتماعية "أكتيفيتي بوب" ActivityPub، الذي تستخدمه تطبيقات منافسة من قبيل "ماستودون" Mastodon، مما يتيح للمستخدمين نقل متابعيهم إلى الشبكات الاجتماعية الأخرى. يمكن لهذا النهج اللامركزي أيضاً أن يمنح المستخدمين القدرة على إدارة مجتمعاتهم الخاصة، مما يفضي ربما إلى مزيد من كف اليد في الإشراف الذي يسمح للشركات بالإفلات من المحاسبة. أنا على يقين من أن "ميتا" يروقها هذا الكلام.
بطبيعة الحال، "ثريدز" بحاجة بعد إلى الميزات الرئيسة، مثل موجز المتابعة والرسائل المباشرة، والبحث عن المنشورات. يمتلك المستخدمون خلاصة خوارزمية واحدة تقدم لهم محتوى من المستخدمين الذين يتابعونهم وتوصيات بمن لا يتابعونهم. حتى الآن، لم تقدم لي المنصة محتوى يمينياً متطرفاً، وآمل أن تبقى على هذا النحو.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، ستكتسي الطريقة التي يتناول بها "ثريدز" الأخبار أهمية كبيرة. ولكن آدم موسيري، الرئيس التنفيذي لتطبيق "إنستغرام"، الذي يتولى الإشراف على مشروع "ثريدز"، قال إن المنصة الجديدة لا تهدف إلى الحلول محل "تويتر" وأنه لا يريد للمنصة تشجيع المحتوى الإخباري والسياسي، في كلام يحاكي تغييرات طرأت على خوارزمية "فيسبوك". لم تكن هذه الأخبار سارة بالنسبة إلى الصحافيين الآخرين الذين توافدوا، مثلي، إلى المنصة بحثاً عن مكان جديد لمشاركة أعمالنا. سنرى ما إذا كان التطبيق سيضع الأخبار بعيداً في ترتيب قائمة الأولويات، وما إذا كان الصحافيون ومتابعو الأخبار لن يغادروه.
ولكن تبقى بعض التساؤلات الرئيسة مطروحة: هل سيطيح "ثريدز" بـ"تويتر" فعلاً، أم أن في مستطاع المنصتين أن تتعايشا جنباً إلى جنب؟ كم سيبلغ عدد المستخدمين قبل أن يبدأ "ثريدز" في دمج الإعلانات بصفحات التطبيق، كما وعد؟ وكيف ستؤثر الإعلانات في تجربة المستخدم؟ وهل تعلمت "ميتا" من أخطائها التي أدت إلى تقويض الديمقراطية؟ أم أنها ستكرر التاريخ وتسمح لرغبتها في زيادة عائدات الإعلانات بأي ثمن من أجل الفوز، من ثم تمكين المعلومات المضللة والكراهية من الانتشار؟
ليس واضحاً ما إذا كان "ثريدز" سيطوي صفحة "تويتر" حقاً، ولكن الواضح حقيقة أن إيلون ماسك كتب فعلاً نهاية هوية "تويتر" السابقة، ولم يتبق لنا الآن سوى جزء من النظام الأساسي الذي ربطتنا به جميعاً علاقة حب وكراهية. تورط ماسك في الديون بغية شراء "تويتر" في مقابل 44 مليار دولار. وتراجعت القيمة السوقية للموقع إلى 15 مليار دولار في وقت سابق من العام الحالي، وذلك قبل وقت طويل من ظهور "ثريدز". عليه، ليس مستبعداً أن يؤدي الأخير إلى خفض هذه القيمة بشكل أكبر بعد.
يبقى أن إيلون ماسك أضرم النيران بـ44 مليار دولار بغية تحقيق أجندة سياسية واضحة. وعلى قادة الأعمال الكف عن السير على خطاه.
© The Independent