Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أساطير وحقائق حول الكعبة التي يطوف حولها المسلمون

بناء الكعبة على مر العصور... من شرارة امرأة إلى حادثة المنجنيق

يولي المسلمون اهتماما خاصا بالكعبة باعتبارها قبلتهم وأول بيت للعبادة، ويُرجّح بأن تاريخ بنائها يعود إلى الملائكة، فهم من وضعوا أساساتها وقواعدها، وفي فترة تاريخية تالية بناها إبراهيم عليه السلام مع ابنه إسماعيل، بعد أن قَدِم إلى مكة فوجدها صحراء مقفرة تحيطها الجبال والمرتفعات المهيبة من كل الجهات، ولا يسكنها البشر، أو ينمو بها العشب لانعدام الماء، قبل أن تتدفق مياه زمزم بغزارة من جوف الأرض ليحيل هذه الصحراء إلى أرض مخضرّة، ومازال الملايين من المسلمين ترتوي من عين زمزم الدافقة، التي تقع بجوار الكعبة، وعلى مقربة من جبل الصفا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الدكتور فهد الحسين، أستاذ إدارة موارد التراث الثقافي بجامعة الملك سعود "تعددت أسماء مكة حسب الفترات التاريخية، واسم مكة قديم، اشتق من الكلمة السامية بك التي تعني الوادي، ومنه في اللغة البابلية مكا، وتعني البيت، مرجّحا أن أول إشارة وردت للكلمة كانت في الكتابات اليونانية عند بطليموس الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، حيث ذكرها باسم مدينة مكربة، وهي مفردة معجمية عربية جنوبية قديمة تعني المدينة المقدسة، أي المقربة من الله".

ويبرز الدكتور الحسين أن مما يقوي هذا الرأي أن قبيلة جرهم من عرب الجنوب كانت أول القبائل التي سكنت مكة المكرمة وعاش إسماعيل بن إبراهيم بينهم وتزوج منهم.

ويستطرد الدكتور الحسين "مرّت عمارة هذا البيت بمراحل بنائية توالت عليه عبر تاريخها الضارب في القدم، وعلى الأرجح أن الأسس الأولى لبناء الكعبة وضعتها الملائكة، ثمَّ في فترة تاريخية أخرى أعاد نبي الله إبراهيم عليه السلام في حدود عام 2800 قبل الميلاد رفع قواعد جدرانها وبناها على الصورة التي نعرفها، ويرجّح أن مسمى كعبة مشتق من صفة عمارتها المرتفعة، فهي كاعب، أي مرتفع عن مستوى سطح الأرض، في حين سميت بالبيت الحرام لأن التكوين المعماري لبنائها يأخذ شكل البيت المربع".
 
التكوين المعماري للكعبة
يشكّل قوام الكعبة بناءً مكعب الشكل ومجوفا من الداخل وغير مسقوف، وجعل إبراهيم عليه السلام طولها 9 أذرع، وجعل لها مدخلين ملاصقين للأرض، أحدهما من الشرق والثاني من الغرب، أما داخل الكعبة فقد جاء وصفها بأنها قاعة مستطيلة الشكل غطيت جدرانها برخام مجزع، وبسقف خشبي حمل على ثلاثة أعمدة ضخمة، ويوجد في الناحية الشمالية منها فتحٌ في سقفها يتم الصعود منه إلى سطحها، وتحتوي داخلها على صندوق ضخم تُحفظ فيه بعض مقتنياتها، وقد تدلت من السقف قناديل ضخمة من الذهب رُصّعت بالجواهر واللآلئ، وحسب الدكتور الحسين، تُجْمع المصادر التاريخية أن الكعبة هذا البناء الشامخ الجليل الذي يقع في قلب الحرم المكي، قبلة المسلمين، ومحط أنظارهم، هو أول بيت للعبادة عرفته البشرية.
 
إعادة بناء الكعبة
 
مرّت الكعبة بمراحل بناء متعددة نتيجة للظروف التي طرأت تلك الفترة، ومن أبرز هذه المراحل إعادة قريش بناءها بعد أن التهمها حريق كبير بسبب شرارة طارت من جمرة امرأة كانت تقوم بتعطير الكعبة، فاشتلعت النيران بالكساء وتداعى بناؤها جرّاء ضخامة النيران، لتدبَّ الحيرة في أرجاء قريش، فذهب فريق إلى ضرورة هدمها وإعادة بنائها من جديد، بينما رأى آخرون بعدم هدمها، وفي خضم هذا الخلاف سرى سيل جارف حطم الأجزاء المتبقية من الكعبة، مما أدى إلى التفكير الملّح في قطع هذا الخلاف، فبدأت قريش عملية الهدم التي توقفت عندما لامست أدواتهم حجارا ضخمة لها شكل مغاير عمّا ألفوه، فأدركوا بأن هذه أساسات الكعبة، ثم بدأ البناء فوقها مستعينين بالأخشاب والأحجار، وما يميّز هذا البناء أن باب الكعبة رُفع عن الأرض خشية أن تجتاحها السيول، وجعلوا لها سطحا، وهكذا أصبح دخولها يتطلب سلّما، وصنعوا لها ميزابا يسرّب مياه الأمطار بقي إلى يومنا الحالي.
في عهد عبدالله بن الزبير، وبعد حادثة المنجنيق، كان أمام ابن الزبير إما ترميم الكعبة أو هدمها وإعادة بنائها، لكنه قرر بناءها بعد هدمها وصولا إلى قواعد الكعبة المتماسكة، وقد جعل لها بابين، وزاد من ارتفاعها، فضلا عن توسعة المسجد الحرام في تلك الفترة.
تلا ذلك بناء الحجاج للكعبة بعد انتقاده لعبدالله بن الزبير محتجا بأن بناءه لم يكن كالبناء الذي أقامته قريش، فكتب إلى عبدالملك بن مروان الذي ما لبث أن أمره بإعادة البناء على الأساس الذي اعتمدت عليه قريش، وهذا محل جدل حيث يُروى عن الرسول أنه قال أن قريش استقصرت في بناء البيت، وعلى ذلك زاد الزبير ارتفاع الكعبة وجعل لها بابين، إلا أن ذلك ما لم يتفق عليه الحجاج.
في مرحلة لاحقة أعاد السلطان مراد بناء الكعبة بعد أن غمر سيل عظيم المسجد الحرام، مما أدّى الى تداعي جدرانها، وهذا ما دعا الشريف مسعود بن إدريس إلى فتح باب إبراهيم ليندفع الماء منها خارج الحرم، ثم حاولوا فيما بعد ترميم الكعبة إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل بعد هطول الأمطار الغزيرة مرة أخرى، لذا استوجب الأمر الهدم ومن ثمَّ إعادة البناء من جديد، وانتهى البناء في الثاني من ذي الحجة عام 1040 هجري.
 

 

العهد السعودي
ما يميّز هذه المرحلة هو تسخير جميع الطاقات والإمكانيات في مجال العمران الحديث لتوسعة المسجد الحرام، ففي الرابع من ربيع الثاني عام 1956، بدأت أعمال التوسعة في عهد الملك خالد بعد إصداره مرسوما ملكيا يقضي بتوسعة المسجد الحرام، وتم العمل على مشروع يسهم في تجنيب ساحات المسجد الحرام من السيول الناتجة عن الأمطار الكثيفة، وتلا ذلك عدة توسعات أدت إلى ازدياد ملحوظ في أعداد الحجاج والمعتمرين، إلا أن ذلك لم يشمل على حالات إعادة بناء جميع أجزائها، وإنما اقتصر على تصميم باب مذهب لها يبلغ وزنه 280 كيلوغراما، وعلى ترميم جدرانها وسقفها، وغيرها من عمليات الترميم الدورية.
 
سدانة الكعبة
من المعروف لدى المسلمين أن أول من قام بخدمة الكعبة هو النبي إبراهيم ، ثم ورث إسماعيل وأبناؤه هذه المهمة التي ترتكز على القيام بشؤون الكعبة، والعناية بها وغسلها، واستقبال زوارها، وظلت السدانة لديهم إلى أن انتزعتها قبيلة جرهم، وصولا إلى خزاعة، ثم قصي القرشي، ويشير هذا التنافس إلى المكانة العظيمة التي توليها القبائل لسدانة الكعبة التي استقرت أخيرا عند بني شيبة استنادا إلى أمر النبي محمد عليه السلام، وامتدَّ ذلك إلى وقتنا الحالي، حيث ينفرد كبير آل شيبة بحمل مفتاح الكعبة، ويتم العودة إليه دائما عند غسلها، وتشمل السدانة عددا من المهام كالرفادة والسقاية وهي إطعام الحجاج وسقايتهم، بالإضافة إلى الحجابة التي تتضمن الاحتفاظ بمفتاح الكعبة.
 
رحلة الكسوة في العهد السعودي
كسوة الكعبة لها تاريخ عتيق، وتعد العناية بكسوة الكعبة مفخرة عظيمة منذ القدم؛ وكان العرب يهتمون بكسوتها باعتبار أن هذا الاهتمام يمثل واجبا من الواجبات الدينية، ويقومون بتجديدها دوريا عندما تبلى، ويؤكد الدكتور فهد الحسين، بأن السعودية التزمت خلال ما يزيد على 220 عاماً، بتقاليد توارثها السعوديون من أجدادهم الأئمة العظام، فكانت أول كسوة للكعبة صنعت في العهود السعودية الأولى وتمت حياكتها في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ثالث أئمة الدولة السعودية الأولى، فأمر في عام 1806م بتأسيس دارٍ للكسوة، واختار محافظة الأحساء شرقي السعودية مكاناً لدار نسج كسوة الكعبة ، لتوارث حرفييها تقاليد متينة وراسخة لحياكة أجود النسيج.
ويردف الحسين قائلا "تناوبت حياكة الكسوة بين دارين يقعان في مدينتي المبرز والهفوف، حيث صنع فيهما على ثمان كسوات، وبلغ عدد كسوات الكعبة المشرفة التي صنعت في زمن الإمام سعود  7 كسوات، وقد وصفت كسوة الكعبة المصنوعة في عام 1806م بأنها منسوجة من خيوط قز أحمر، بينما كانت العام الذي يليه قيلانية حساوية سوداء، أما كسوة بابها كانت من الحرير المطرز بالزري"، كما حظيت الأحساء مرة أخرى بحياكة كسوة ثامنة كُسيت بها الكعبة بعد دخول الملك عبدالعزيز الحجاز في عام 1823م.
كما تصدرت دار الكسوة في مدينة المبرز حياكة ست ثياب كسوة للكعبة، وعند سؤالنا للدكتور فهد الحسين عن ملكية دار المبرز، أجاب بأنها تقع في حي المقابل بمدينة المبرز التاريخية، وتعرف هذه الدار ببيت ابن شمس، حيث تعود ملكيتها للشيخ عيسى بن عبدالقادر بن شمس، وبقيت هذه الدار قائمة حتى عام 2005م.
 
 

 

أما الدار الثانية فتقع في حي الكوت بمدينة الهفوف، بالقرب من أحد أعرق الجوامع التاريخية وهو مسجد الجبري، وقد نسجت في هذا الدار كسوتان عمل عليها مجموعة من الحياكين تحت إشراف عبدالله بن إبراهيم السقوفي، وكان خصصه الشيخ الملا داراً أوقفت لحياكة الكسوة.

 
مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة
عندما تولت الحكومة السعودية إدارة الحرم بعد استعادة الملك عبدالعزبز آل سعود لمكة سارعت إلى حياكة كسوة جديدة تم نسجها في الأحساء، وكسيت بها الكعبة في عام 1925م.
وفي العام 1927 م أصدر الملك عبدالعزيز أمرا بإنشاء دار لصناعة الكسوة، والذي تم تغيير مسمّاه في مايو (أيار) 2017 م إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة، حيث يهدف المجمع إلى توفير الكسوة سنويا، بحلّة تليق بقبلة المسلمين، وتشمل كافة أجزائها، الجدير بالذكر أنه على الرغم من وجود الآلات الحديثة فإن الاعتماد الأكبر لا يزال على الحياكة اليدوية لضمان الجودة والكفاءة في صناعة الكسوة.
وحسب الدكتور الحسين، اختير موقع مصنع الكسوة في حي أجياد، الواقع جنوب المسجد الحرام، حيث بني على أرض مساحها 1500متر مربع، وجلب له نساجون من الهند، وفي عام 1932م صنعت أول كسوة سعودية بالكامل.
ولتطلّع الحكومة السعودية إلى إدخال أحدث التقنيات بنت مصنعاً جديداً جهزته بأحدث آلات الحياكة، وابتعثت مجموعة من الأيدي السعودية العاملة للتدرب على الآلات الحديثة، وقد بدأ تشغيله في عام 1976م. ويقع هذا المصنع في حي أم الجود بمكة المكرمة، ولا يزال ينتج أفضل أقمشة كسوة الكعبة، ويستخدم في نسج الكسوة أفضل أنواع خيوط الحرير الطبيعي، حيث تحتاج لحياكة الكسوة الواحدة نحو 670 كيلوغراماً، و120 كيلوغراماً من أسلاك الذهب، و100 من أسلاك الفضة.
ويضم مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة، سبعة أقسام رئيسة، إضافة إلى الأقسام المساندة تشمل قسم المصبغة، والنسيج الآلي والنسيج اليدوي، وقسم الطباعة، وقسم الحزام وقسم المذهبات، وقسم خياطة وتجميع الكسوة الذي يضم أكبر مكينة خياطة في العالم وتعمل بنظام الحاسب الآلي.
وتنقسم مراحل صناعة الكسوة إلى سبع مراحل رئيسة، تبدأ بمرحلة الصباغة، وهي أولى مراحل إنتاج الثوب بالمصنع، ويراعي المسؤولون على المجمع استمرار هذه العملية وفق أفضل الممارسات العالمية، واستخدام أجود أنواع الحرير الطبيعي في العالم، وهو عبارة عن خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعي.
ثم يليها مرحلة النسيج الآلي التي يستخدم فيها نظام الجاكارد حيث يحتوي على العبارات والآيات المراد تطريزها على القماش، ثم مرحلة النسيج اليدوي التي تتطلب الدقة والاحترافية في الأداء من قبل مجموعة من المختصين، ويتم إيداع الكسوة فيما بعد إلى قسم المختبر الذي يتمثل دوره في التأكد من مطابقة الخيوط للمواصفات المطلوبة، واختبار نسب الألوان المستخدمة، فضلا عن تسلمه للعينات العشوائية من الأقمشة ليتم فحصها والتأكد من جودتها، ثم يتم تحويلها إلى قسم الطباعة الذي يقوم بدوره في طباعة الزخارف والعبارات على قماش الكسوة ضمن عملية دقيقة تمر على عدة مراحل تصنيعية وبواسطة أحبار خاصة ذات جودة عالية، وصولا إلى مرحلة التطريز حيث تكتسي الكسوة في هذه المرحلة رونقا فريدا بالأسلاك الفضية والمذهبة، وانتهاءً بمرحلة جمع الكسوة حيث يتم توصيل القطع بعضها مع بعض، ويببلغ ارتفاع الكسوة 14 مترا، ومقاس عرض القماش من جهة الركنين 10 أمتار، وتشمل كسوة الكعبة المشرفة على 53 قطعة مذهبة، و16 قطعة خاصة بحزام الكعبة بعد تطريز الآيات القرآنية عليها، و4 صمديات تطرّز فيها سورة الإخلاص، و17 قنديلا، بالإضافة إلى ستارة الكعبة وحلية الميزاب.
اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي