Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتكرر حوادث انهيار العقارات في مصر؟

بناء 3.2 مليون مبنى مخالف منذ يناير 2011 والحكومة سجلت 1.4 مليون عقار آيل للسقوط

شهدت مصر سلسلة وقائع عدة لحوادث انهيار عقارات ومنازل (الحقوق محفوظة - وسائل التواصل)

ملخص

علامات استفهام وراء تكرار سقوط المباني في مصر ومطالبات بتشديد دور الأجهزة الرقابية وحصر الأبنية المهددة والآيلة للسقوط ومواجهة الغش في مواد البناء وإجراء الصيانة الدورية.

عادت حوادث انهيار العقارات وسقوط المنازل في مناطق عدة بمحافظات مصر لتطل برأسها من جديد، للحد الذي باتت تشكل فيه تلك الوقائع المتكررة كابوساً مفزعاً أصبح يؤرق الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها، لا سيما في ظل تزايد تلك الحوادث في الآونة الأخيرة، مما خلف بدوره تساؤلات وعلامات استفهام عدة حول أسباب الانهيارات المتكررة لتلك المباني، وما إذا كان هناك حصر واضح بأرقام العقارات المهددة والآيلة للسقوط، وكذلك دور الأجهزة الرقابية في مواجهة تلك الأزمة لمنع تفاقمها، فلا يكاد يمضي يوم إلا ويستيقظ المصريون على كارثة سقوط منزل أو انهيار لعقار في محافظات مختلفة ولأسباب متنوعة، والتي غالباً ما ينجم عنها إصابات بشرية وسقوط حالات وفاة.

حوادث متكررة

وعلى مدى الأيام القليلة الماضية شهدت مصر سلسلة وقائع عدة لحوادث انهيار عقارات ومنازل كان آخرها حادثة انهيار جزئي لواجهة منزلين متلاصقين مكونين من طابقين ومشيدين بالطوب اللبن والطين ومسقوفين بالعروق الخشبية "غير مأهولين بالسكان" في محافظة سوهاج (جنوب)، ولم ينتج من الواقعة حدوث أي خسائر أو إصابات بشرية بأحد، وعلل مالكا المنزلين سبب الانهيار لقدم المنزلين وتهالكهما.

وفي محافظة الإسكندرية (شمال) شهد حي الجمرك انهيار عقار مكون من طابقين، مما أسفر عن مصرع شخص، وسبق تلك الواقعة بأيام عدة انهيار عقار مكون من 13 طابقاً في منطقة سيدي بشر أدى إلى وفاة 10 أشخاص تحت الأنقاض وإصابة أربعة آخرين.

وكشفت البيانات الرسمية لتعداد المنشآت لعام 2017 التي أعدها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية رسمية)، أن عدد العقارات الآيلة للسقوط من دون أن يتخذ إجراء في شأنها يبلغ 97535 عقاراً موزعة على أنحاء الجمهورية كافة، واستحوذت محافظة الشرقية على نصيب الأسد من العقارات الآيلة للسقوط بواقع 11430 عقاراً تمثل 11.7 في المئة من إجمالي العقارات الآيلة للسقوط، وتصنف هذه العقارات بالتعداد تحت بند "غير قابل للترميم ومطلوب الهدم"، تليها محافظة المنيا بإجمال 10424 عقاراً، ثم سوهاج بإجمال 7370 عقاراً ثم الدقهلية بواقع 7095 مبنى.

ودخل البرلمان المصري على خط المواجهة في تلك القضية، إذ انهالت طلبات الإحاطة والاستجوابات، وخاض عدد من النواب معارك عدة مع السلطات والأجهزة التنفيذية بالدولة المعنية بذلك الملف من أجل وضع حل لأزمة الانهيار المتكرر للعقارات والمباني، وحماية سلامة أرواح المواطنين القاطنين في العقارات المهددة والآيلة للسقوط في كثير من المحافظات، والتي تشكل خطورة على حياة الأهالي، علاوة على مطالبة الحكومة بوضع خطة واستراتيجية للتعامل مع هذه الظاهرة الخطرة، وعمل حصر شامل للعقارات الآيلة للسقوط في المحافظات كافة، والعقارات القديمة أو المخالفة التي صدرت لها قرارات ترميم أو إزالة بسبب عيوب السلامة الإنشائية، وتنفيذ تلك القرارات فوراً وتحديد الجهات المسؤولة عن تأخير تنفيذها.

عجز المحليات

وفي هذا السياق يرى عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب المصري محمد عطية الفيومي أن انهيار العقارات والمباني في الآونة الأخيرة يعزى لعدم وجود تراخيص جديدة للمباني، وهو ما جعل غالبية المخالفين يتسرعون في إنشاء عقاراتهم المخالفة من دون الاهتمام بمدى توافر مقومات السلامة الإنشائية وقوة تماسك العقار، متوقعاً تفاقم الأزمة بصورة أكبر في الفترة المقبلة، قائلاً إن "المحليات عاجزة عن مقاومة الكم الهائل من تلك المخالفات".

وأضاف الفيومي أنه لابد من فتح الباب أمام منح رخص جديدة للمباني لردع هؤلاء المخالفين، مشيراً إلى أن هناك ملايين العقارات المخالفة في مصر والتي تفتقر لمتطلبات السلامة الإنشائية وهو ما يؤدي في النهاية لانهيارها وسقوطها، مطالباً بضرورة أن يتدخل مجلس النواب لمسائلة الحكومة عن أسباب عدم منح رخص جديدة للمباني من أجل القضاء على تلك الظاهرة، قائلاً إن "الاشتراطات البنائية الحالية تعجيزية ويجب أن يكون هناك تغيير في السياسات المتعلقة بالبناء لمواجهة تلك المشكلات".

وفي مارس (آذار) الماضي أعلن وزير التنمية المحلية بمصر اللواء هشام آمنة أن عدد طلبات التصالح في مخالفات البناء بلغ 2.8 مليون طلب منهم 1.6 مليون في الريف و1.2 مليون في الحضر.

الإيجار والأزمة

ويعضد الطرح السابق حديث رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب معتز محمود، موضحاً أن المعضلة الرئيسة تكمن في سببين، الأول عدم قيام اتحاد ملاك العقارات بإجراء صيانة دورية للمباني مما يسبب تآكل الأجزاء الخرسانية ينجم عنها مع مرور الوقت سقوط العقار وإحداث تهديدات جسيمة بحياة المواطنين، والسبب الثاني يرجع لملاك الإيجار القديم الذين يرفضون إخلاء عقاراتهم المهددة بالسقوط ويتمسكون بها على رغم صدور قرارات بالإخلاء لها وهو ما يزيد تفاقم الأزمة.

وأكد رئيس لجنة الصناعة ضرورة أن تكون هناك صيانة دورية للعقارات والمباني بصفة مستمرة، وأن يقوم ملاك الإيجار القديم بتنفيذ قرارات الإخلاء للعقارات المتهالكة والآيلة للسقوط، علاوة على تغيير ثقافة المصريين في التعامل مع العقار في مصر.

وتشير دراسة للمركز المصري للحق في السكن إلى وجود نحو 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى الجمهورية، وأن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة.

صيانة دورية

وفي هذا السياق يعقب المستشار القانوني لرابطة مستأجري الإيجار القديم والخبير الحقوقي في تشريعات الإسكان محمد عبدالعال مؤكداً أن محاولة الربط بين سقوط العقارات والإيجار القديم نظرة ضيقة ومغلوطة، مدللاً على ذلك بانهيار عقارات ومباني تمليك وحديثة الإنشاء أيضاً وليست مباني إيجار قديمة ومتهالكة فقط، مشيراً إلى أن السبب الرئيس وراء أزمة انهيار العقارات يكمن في عدم إجراء الصيانة الدورية، مما يتطلب ضرورة إجراء تعديل تشريعي على قانون اتحاد الشاغلين المعني بتشكيل اتحاد ملاك العقارات المنوط بهم إجراء الصيانة الدورية للعقارات سواء بأنفسهم أو من خلال الاستعانة بمتخصصين، علاوة على سرعة إصدار قانون الإدارة المحلية لإجراء الرقابة على العقارات التي يتم بنائها، لافتاً إلى أن كثيراً من العقارات المخالفة تم بناؤها في غيبة المحليات.

وأوضح عبدالعال أنه في حال إجراء التعديل التشريعي على قانون اتحاد الشاغلين وظهور قانون الإدارة المحلية للنور فستكون المسؤولية مشتركة بين الدولة وملاك العقارات، وهو ما سيسهم في الحفاظ على الثروة العقارية في النهاية.

مواد مغشوشة

ممارسات الغش في مواد البناء لم تكن بمنأى عن سلسلة انهيار العقارات والمباني المتكررة التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة، إذ يقول رئيس شعبة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية أحمد الزيني إن أزمة انهيار العقارات والمنازل المتكررة ترجع لأسباب عدة، أبرزها التلاعب في مواد الغش والبناء واستخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات، قائلاً إن  "الأسمنت تنتهي صلاحيته بعد ثلاثة أسابيع ويتحلل ويصبح غير صالح للاستخدام، وكذلك الحديد يتعرض للصدأ ويصنع طبقة عازلة لو تم تخزينه في مخزن لفترة، وهو ما يسبب حوادث انهيار للعقارات في كثير من الفترات"، مشيراً إلى أن جزءاً من الأزمة بدأ أثناء اندلاع "ثورة يناير"، فلم تكن هناك رقابة على المباني واستغل ملاك العقارات تلك الفترة وقاموا بالتلاعب والغش في مواد البناء وتجاهل صلاحية التربة للبناء من عدمه، مما تسبب في تفاقم الأزمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف الزيني أن بعض المخالفين لجأوا أيضاً إلى تعلية الأدوار في العقارات بالمخالفة للقانون وشروط الترخيص، مما ترتب عليه حدوث ضغط على أساسات تلك المنازل وسقوطها مع مرور الوقت، موضحاً أن المسؤولية في الوقت الراهن تقع على عاتق المقاولين والمهندسين الاستشاريين، ومشدداً على ضرورة أن تكون هناك رقابة صارمة من الأحياء والأجهزة المعنية بذلك الملف لمنع تفاقم الأزمة.

وأوجب قانون البناء رقم (119) لسنة 2008 عقوبات ضد جرائم الغش في أعمال البناء وما يترتب عليها تصل إلى الحبس والغرامة، ونصت المادة (104) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مثلي قيمة الأعمال المخالفة بحد أدنى 50 ألف جنيه (1620 دولاراً أميركياً)، ولا تجاوز ثلاثة أمثال قيمة الأعمال المخالفة أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أقام أعمالاً من دون مراعاة الأصول الفنية المقررة قانوناً في تصميم أعمال البناء أو تنفيذها أو الإشراف على التنفيذ أو في متابعته أو عدم مطابقة التنفيذ للرسومات والبيانات أو المستندات التى منح الترخيص على أساسها أو الغش في استخدام مواد البناء أو استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات المقررة، وتنص المادة على أنه إذا نتج من ذلك سقوط البناء كلياً أو جزئياً أو صيرورته آيلاً للسقوط كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن مثلي قيمة الأعمال المخالفة ولا تزيد على ثلاثة أمثال قيمة الأعمال المخالفة.

واستحوذت قضية البناء المخالف على اهتمامات الدولة المصرية، وهو ما بدا في غالبية تصريحات المسؤولين في مناسبات ومحافل عدة، أعربوا خلالها عن إصرارهم على حل تلك الأزمة، ففي يوليو (تموز) 2020 أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال افتتاحه أحد المشاريع عزم الدولة على حل مشكلة البناء المخالف، مؤكداً أن وقف تراخيص البناء أمن قومى ومصلحة وطنية، موضحاً أن الدولة لن تتهاون مرة أخرى مع البناء غير المخطط أو المخالف.

وفي مايو (أيار) الماضي عقد رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي اجتماعاً لبحث عدد من التعديلات المقترحة في ما يخص مشروع قانون التصالح على مخالفات البناء التي تستهدف إضافة تيسيرات تساعد في تذليل بعض الجوانب الإدارية والإجرائية بما يحقق هدف الدولة في غلق ملف المخالفات نهائياً، مؤكداً الانحياز إلى المواطنين.

ثغرات قانونية

ويشير متخصص الإدارة المحلية حمدي عرفة إلى أن الحل الأمثل لمواجهة تلك الظاهرة يكمن في إجراء تعديل على قانون البناء الموحد رقم (119) لسنة 2008، لأنه يزيد تفاقم أزمة العقارات المخالفة بطريقة غير مباشرة، علاوة على أن القانون يؤدي إلى تدهور التخطيط العمراني، كما أنه يحوي ثغرات عدة تسمح بوجود فساد سواء من بعض العاملين في الإدارات الهندسية بالوحدات المحلية المختلفة أو من قبل المواطنين الذين يعجزون عن الحصول على تراخيص البناء المختلفة نظراً لصعوبة الإجراءات، مطالباً بضرورة وضع تشريع قانون جديد يسمح  بحبس كل من المقاول أو المهندس الذي ينفذ أية إنشاءات مخالفة، علاوة على حبس صاحب العمارة المخالفة ذاتها، مشيراً إلى أن إجمال عدد العقارات المخالفة في 27 محافظة منذ اندلاع "ثورة يناير" حتى الآن وصل إلى 3.2 مليون عقار مخالف.

وفي مايو 2020 أعلن وزير التنمية المحلية السابق اللواء محمود شعراوي أن عدد مخالفات البناء التى شهدتها محافظة الإسكندرية من يناير (كانون الثاني) 2001 وحتى ديسمبر (كانون الأول) 2019 بلغت نحو 132193 مخالفة، موضحاً أن عدد المخالفات من يناير 2020 وحتى شهر مايو الماضي بلغت 1773 مخالفة، مضيفاً أن هذه المخالفات تنوعت بين بناء من دون ترخيص وتجاوز في ارتفاع المباني من دون ترخيص ومخالفة خط التنظيم، أي البناء على أراض غير مخصصة للبناء.

وأكد عرفة ضرورة إعادة النظر في قانون الإدارة المحلية رقم (43) لسنة 1979 لوجود تضارب اختصاصات بين وزارتي التنمية المحلية والإسكان تتعلق بصفة مباشرة بمشكلة العشوائيات والبناء المخالف، إلى جانب سرعة تعديل قانون المجتمعات العمرانية رقم (58) لسنة 1979، متابعاً القول إنه "لا يعقل أن يتم العمل حتى الآن بقانون منذ أكثر من 40 عاماً"، علاوة على سرعة نقل جميع الإدارات الهندسية التابعة لـ 184 مركزاً و 92 حياً و1211 وحدة محلية قروية و214 مدينة تتبع الإدارات المحلية إلى مديريات الإسكان المنتشرة في المحافظات البالغ عددها 27 محافظة، إذ إن عدد المهندسين في تلك الإدارات لا يتخطى ثمانية في المئة والباقي هم من حملة الدبلومات الفنية، وهي مرحلة تعليم قبل الجامعي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير