Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نعتقد أننا أقوياء لكن الحزن يكشف عن ضعفنا

نحن بحاجة إلى دعم بعضنا بعضاً ليس فقط خلال اللحظات السعيدة لكن أيضاً في أحلك الأوقات

"كيف تجد الكلمات المناسبة لتعزية شخص عانى مثل هذه الخسارة الجسيمة؟" (رويترز)

ملخص

لم تكن لدي أية معرفة شخصية بالطالبين البالغين من العمر 19 سنة اللذين قضيا طعناً في نوتينغهام الأسبوع الماضي. ومع ذلك، عرفت الحزن في ذلك العمر، وأكثر ما يتبادر إلى ذهني هو مدى تناقض المشاعر التي اجتاحتني 

تركت رؤية الزهور الموضوعة في ساحة السوق القديمة في مدينة نوتينغهام، تأثيراً عميقاً في نفسي، كان أشبه بصعقة كهرباء.

كان الطلاب يتقدمون الواحد تلو الآخر، حاملين باقات الزهور بإحكام، قبل وضعها على سطح الخرسانة الساخنة في الساحة المشمسة. وجوههم الشابة كانت تعبر عن مشاعر مختلطة، طغت عليها مسحة من الأسى العميق الذي خلفه ذلك المشهد الكئيب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد يكون من السخافة بمكان أن ترى في كل باقة من تلك الزهور الصغيرة مدى هشاشة تلك الحياة وقصرها ومدى جمالها من جهة أخرى، لكنها منحتني في الواقع بعض العزاء وسط الحزن الجماعي الذي عبر عنه آلاف الناس على خسارتهم الفادحة.

لم أكن أعرف غريس أومالي كومار أو بارنابي ويبر، الطالبين البالغين من العمر 19 سنة، اللذين قتلا طعناً في مدينة نوتينغهام الأسبوع الماضي. لكنني عرفت الحزن في ذلك العمر، وأكثر ما أتذكره هو مدى تناقض ذلك الشعور وغرابته. ألا يفترض أن تتشح سماء الصيف بالسواد؟ ألا يجب أن تفرغ الطرقات من الناس؟ لماذا تستمر الحياة كالمعتاد، وتواصل حبوب لقاح النبات بالتساقط؟ إن الحياة غريبة وغير متوقعة حقاً.

عندما يبلغ الفرد سن الـ19، يميل إلى الاعتقاد بأنه لا يقهر، أو على الأقل لا يفكر في وضع  آخر بديل عن ذلك. فالموت بالنسبة إليه هو فكرة غريبة وبعيدة - وهو حكر على الأقارب الأكبر سناً.

في سن الشباب، يميل الفرد إلى التهور في تناول الكحول، ويغفل عن الاتصال بوالديه لفترات طويلة، ويعود من النوادي الليلية عند الرابعة فجراً عندما تبدأ الطيور بالتغريد، وهو يعتقد أن أصدقاءه سيبقون معه طوال الحياة. يضع خططاً لفصل الصيف الذي يبدو أن لا نهاية له. ويطغى على السنة الأولى من الجامعة مزيج من القلق والحماسة والسعادة والانفصال، وتزخر بليالي السهر المتأخر، والصباحات الباكرة، وبجميع تلك الفرص الواعدة التي لا حدود لها.

لكن ما لا يكون متوقعاً هو أن ينتزع ذلك منك على نحوٍ غير متوقع، وتلك الفكرة نادراً ما تخطر ببالك. ففي مثل هذا الوقت من السنة تقريباً قبل ما يزيد عن عقد من الزمن، رن هاتفي أثناء وجودي في "مهرجان غلاستونبري". كنت أحاول معرفة كيف وجدت نفسي هناك أشاهد فرقة "إلبو"  Elbow الإنجليزية لموسيقى الروك بمفردي، عندما علمت أن صديقي العزيز جوني تعرض لحادثة سيارة وتوفي.

لم تكن تجربتي الأسوأ عندما حضرت مراسم الجنازة فحسب، بل كان الأمر مروعاً أيضاً بمجرد رؤية ذلك النعش الصغير ومشاهدة الألم العميق الذي عصف بعائلته الرائعة. قيل لي إنني تحدثت في تلك اللحظة، لكن لا أتذكر تماماً ما قلته، وربما كان هذا أمراً جيداً. فالاستنتاج الأساسي من مثل هذه الأحداث هو أنه يجب ألا يحدث هذا النوع من المآسي، ويجب ألا يصيب شاباً في مقتبل العمر. وكلما تلاشت تفاصيل الجنازة من ذاكرتي مبكراً، كان ذلك أفضل.

والدة غريس، شينيد أومالي، ألقت كلمة أمام حشد من آلاف الحاضرين قائلة: "لنتعامل بلطف مع بعضنا بعضاً، ولننتبه لبعضنا بعضاً. لا تسمحوا للكراهية بأن تتسلل إلى قلوبكم. وأرجو أن تصلوا من أجل فتاتي الصغيرة".

كيف تجد الكلمات المناسبة لتعزية شخص عانى مثل هذه الخسارة الجسيمة؟ هناك كلمات يمكن أن تجرح وكلمات يمكن أن تشفي في أوقات الفجيعة. كلمات تريد التشبث بها بقوة، وأخرى تريد التخلص منها، ومحو أثرها. فعلى سبيل المثال، قد تبدو عبارة "الحزن هو الحب الذي فقد مسكنه" شاعرية، لكنني أردت إبادتها من الوجود. كان الحب هو الشيء الوحيد الذي لم أفقده طوال فترة الحزن. فالتصرف الأفضل الذي يمكن اعتماده هو ببساطة البقاء على مقربة من الآخر.

أتذكر استرسالي في الضحك كثيراً في ذلك الصيف، حتى في يوم الجنازة، عندما دخل أصدقاء جوني إلى حياتي كأشعة الشمس. فذكراه تراودني وتعود إلي كثيراً، ليس بمقدار ما أريد، لكن في الأحلام، وفي لحظات قصيرة.

لقد كان صديقي المفضل لمدة سبعة أعوام تقريباً. كان يضحك وينشر الفرح من حوله. كان قوياً ورائعاً بشكل لا يصدق. أفتقده كل الوقت. كانت لديه أيضاً موهبة رائعة في تكوين صداقات - وهي مهارة حاولت اكتسابها منه منذ ذلك الحين: أن أعمل جاهداً على عدم فقدان صديقٍ مرة أخرى أبداً، وأن أمتلك أكبر عدد ممكن من الأصدقاء، وأن أحتفظ بمن أحبهم بقربي أكثر مما يتوقعون. والله يعلم أنني أحبهم جميعاً.

في نهاية المطاف، نحن، كبشر، أشخاص حساسون وعابرون ورائعون. نحن بحاجة إلى دعم بعضنا بعضاً، ليس فقط خلال اللحظات السعيدة، لكن أيضاً في أحلك الأوقات. هذه الكلمات مرة أخرى، تحمل حقيقة عميقة: "اعتنوا ببعضكم بعضاً". في هذا الوجود الغريب الذي نسميه الحياة، ما الذي يمكن أن تكون له أهمية أكثر من ذلك؟

© The Independent

المزيد من منوعات