Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما آليات نجاح "الاستجابة الإنسانية" حول أزمة السودان؟

تقوم على الدعم المادي وجهود الوقاية وفق عمل منسق يركز على المساءلة والشفافية والتواصل المنتظم لرصد النتائج

تسببت المعارك بنزوح أكثر من .2 2 مليون شخص، فيما لجأ أكثر من 500 ألفاً منهم إلى دول الجوار (أ ف ب)

ملخص

تم تكوين لجان طوارئ لمواجهة الأزمة الإنسانية المعقدة بغرض التنسيق مع الجهات المعنية لإيصال المعونات الخارجية إلى مستحقيها، فهل تنجح؟

لم تبدأ الأزمة الإنسانية والحاجة إلى الحماية من آثار الكوارث الطبيعية والبشرية، لا سيما حروب السودان، مع حرب الخرطوم التي اندلعت في الـ 15 من أبريل (نيسان) الماضي، لكن سبقتها بعقود أثناء الحرب الأهلية في جنوب السودان وحرب دارفور المستمرة منذ عام 2003 نتيجة العنف الإثني وانعدام الأمن.

وقامت الدول الشقيقة والصديقة ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بعمليات إغاثية واسعة النطاق، وكذلك الصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي و"يونيسف" وغيرها.

وتسببت الحرب الحالية بمقتل أكثر من 2000 شخص، بحسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، لكن الأعداد الفعلية قد تكون أعلى بكثير.

وكذلك تسببت المعارك بنزوح أكثر من .2 2 مليون شخص، فيما لجأ أكثر من 500 ألفاً منهم إلى دول الجوار، وفق المنظمة الدولية للهجرة.

ومن دارفور حيث قالت الأمم المتحدة إن الإقليم يشهد ما يرقى إلى "جرائم ضد الإنسانية"، عبر أكثر من 149 ألف شخص الحدود الغربية للسودان نحو تشاد بعد اشتعال النزاع في الإقليم، خصوصاً في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، مما أسفر عن مأساة إنسانية عبارة عن مزيج من الحرب الإثنية القائمة على الهوية والانتماء العسكري لأي من الطرفين، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا وفاقم مشكلات النزوح واللجوء والتهجير.

وكان حاكم دارفور مني أركو مناوي أعلن من قبل أن دارفور "منطقة منكوبة"، وناشد المجتمع الدولي المساعدة.

ومع دخول الحرب في الخرطوم شهرها الثالث بعد مقتل آلاف الضحايا ونزوح ولجوء ملايين الأشخاص، بات واضحاً أن الاستجابة الدولية لآثار النزاع السوداني بطيئة، مما أثار الانتقادات التي وجهت للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية إزاء ما تتمسك به من قيود تؤجل تصديها لحالات الطوارئ وتؤخر استجابتها وتعوق جهود الإغاثة الفورية.

بدء الاستجابة

بالتزامن مع هدنة جديدة لمدة ثلاثة أيام بدأت أول من أمس الأحد بين الجيش وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار، تنعقد آمال عريضة على المؤتمر الدولي الذي خصص للأزمة السودانية بعنوان "إعلان التعهدات لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان والمنطقة" وانعقد في الـ 19 من يونيو (حزيران) الجاري في جنيف برئاسة السعودية وبالتعاون مع قطر ومصر وألمانيا والاتحاد الأوروبي ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

وقالت الأمم المتحدة إن "أكثر من نصف السكان في حاجة ماسة إلى المساعدة والحماية"، وأكد أمينها العام أنطونيو غوتيريش أن "الشعب السوداني ودول الجوار يتحملون عبء الأزمة الإنسانية". وفي ختام المؤتمر قال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، "اليوم أعلن مانحون عن قرابة 1.5 مليار دولار للاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه أعرب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن أنه "يتطلع إلى مشاركة واسعة من الدول المانحة للإسهام في تخفيف آثار الأزمة في السودان"، موضحاً أن "السعودية تؤكد استمرار مساعيها إلى حل الأزمة السودانية سلمياً، خصوصاً أنها قدمت 100 مليون دولار من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية".

وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إن "قطر تتعهد بتقديم مساعدات للسودان بقيمة 50 مليون دولار"، فيما أكدت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور إن "الولايات المتحدة تتعهد بتقديم مساعدات إضافية قدرها 171 مليون دولار للسودان".

أما الاتحاد الأوروبي فتعهد "بتقديم 190 مليون يورو (207 ملايين دولار) كمساعدات إنسانية وتنموية إلى السودان". وتعهدت وزيرة الدولة الألمانية للشؤون الخارجية كاتيا كول "بتقديم مساعدات إنسانية للسودان والمنطقة بقيمة 200 مليون يورو (218 مليون دولار) حتى عام 2024".

وقال منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة بالأمم المتحدة مارتن غريفيث إنه "سيخصص 22 مليون دولار إضافية للحاجات الإنسانية ذات الأولوية في السودان".

عنف مواز

ويضطلع مؤتمر جنيف بجمع المساعدات من أجل تغطية الحاجات الإنسانية للسودان، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن 25 مليون شخص من مجموع عدد السكان البلغ 45 مليوناً بحاجة إلى المساعدة.

وفي السابع من يونيو الحالي أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوغاريك أن "فرق العمل الإنساني التابعة للأمم المتحدة في السودان مستمرة في جهودها على الأرض لإيصال المساعدات الإنسانية"، وطالب بوقف كامل لأعمال العنف حتى تتمكن فرق الإغاثة من إيصال المساعدات لمن يحتاجون إليها، كما طالب "بإنهاء أعمال نهب المساعدات الإنسانية".

وأشار دوغاريك إلى أن "خطة الاستجابة الإنسانية التي تم تعديلها في وقت سابق حصلت على تمويل بأقل من 16 في المئة من إجمال 2.6 مليار دولار مطلوبة للاستجابة الإنسانية عام 2023، إذ لم نتلق سوى 400 مليون"، موضحاً أن "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية قام بتسهيل حركة نحو 148 شاحنة تحمل 7400 طن من مواد المساعدات لجميع أنحاء السودان".

وقبل حرب الخرطوم كانت وكالات الإغاثة المشاركة في برامج النازحين من الحرب في دارفور تكابد من أجل القيام بمهماتها الإنسانية، واستطاعت في ظل ظروف صعبة أن تعمل على نقل الموارد وتوزيع مواد الإغاثة في دارفور، ولكن بعد أن هوجمت مكاتبها وقتل ثلاثة من موظفيها علقت أعمالها هناك وخرجت ضمن عمليات الإجلاء.

والآن امتدت آثار حرب الخرطوم وخلقت واقعاً موازياً من العنف في دارفور التي أصبحت المركز الثاني للقتال بين الجيش والدعم السريع الذي يضاف إلى النزاع القائم، وتتواصل عمليات العنف في مدينة الجنينة حيث قتل أمس الإثنين مسؤول مفوضية العون الإنساني وعضو "هيئة أحداث كريندق" الصادق محمد.

و"العون الإنساني" هي هيئة حكومية سودانية تدير وتنظم الأعمال الإنسانية المنفذة في السودان وتديرها وزارة الضمان والتنمية الاجتماعية.

وقبيل انعقاد المؤتمر ناقش وزير التنمية الاجتماعية أحمد آدم بخيت مع نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي التطورات وسبل الإغاثة في دارفور والمناطق المتضررة من الحرب ومعاناة وأزمة النازحين.

وأكدت سلامي أن "جملة المساعدات التي يحتاجها السودان تقدر بنحو 2.5 مليار دولار، في حين لم تتجاوز المساعدات نصف المليار، والحاجة ملحة في ظل الظروف الكارثية التي تعيشها البلاد"، مطالبة بمساعدات إضافية من قبل المانحين وأصدقاء السودان.

مسار المساعدات

وتقوم الاستجابة الإنسانية لحاجات الأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة على الدعم المادي وجهود الوقاية وفق عمل إنساني منسق يركز على الأزمة الممتدة، مع التركيز على المساءلة والشفافية والتواصل المنتظم لرصد النتائج، ولا يزال المانحون خلال الأزمات الإنسانية يكافحون من أجل تسليم المساعدات الإنسانية بطرق داعمة ومتابعة لها.

والآليات التي يتم الاتفاق عليها من قبل المجتمع الدولي والجهات المانحة تدفع بالتمويل مباشرة أو ضمن منظمات إنسانية دولية أو وكالات الأمم المتحدة، وتتحاشى إشراك الحكومة إلا كطرف منسق، والآن تخشى جهات كثيرة من أن المساعدات، إن لم يحط بها حتى وصولها إلى مستحقيها، قد تتعرض للنهب أو حالات فساد واستغلال مباشر، ولن تجد طريقها إلى المتضررين.

وعن آليات التنسيق قال المحامي المعز حضرة إن "كل محاولات إدخال المساعدات والإعانات تظل غير فاعلة ما لم يتم وقف إطلاق النار برقابة دولية وبطريقة واضحة مع وجود مراقبين على الأرض، خصوصاً مع إعلان الأمم المتحدة أن أكثر من نصف سكان السودان يحتاجون إلى مساعدات، والأعداد متزايدة بفعل استمرار الحرب".

وأوضح حضرة أنه "بما أن لكل أزمة إنسانية خطة استجابة معينة فإن المجتمع الإنساني ينشئ ويدير رصد الاستجابة بشكل مشترك، وفق وسائل تسهل جمع وتحليل البيانات حول الاستجابة الإنسانية الجماعية على مدار العام، ومراقبة مجموعة من الممارسات التي تؤديها جميع الجهات الفاعلة الإنسانية، والتتبع المالي من طريق التنسيق وصولاً إلى النتائج".

وأضاف، "أية آلية لإنجاح هذا المؤتمر لا بد أن تحدث بإشراك القوى الحية الفاعلة الموجودة، مثل القوى المدنية والأحزاب السياسية ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة وتجمع محامي الطوارئ، لكي تسهم مع المنظمات الدولية في إيصال هذه المساعدات إلى مستحقيها، لأن كل المساعدات السابقة ذهبت إلى الجيش ولم تجد طريقها إلى المحتاجين".

آثار ممتدة

وكانت مفوضية العون الإنساني انتقلت مباشرة عملها من مدينة ود مدني التي تبعد نحو 200 كيلومتر من العاصمة الخرطوم، وقال نائب المفوضية آدم إبراهيم إن الوضع الإنساني في المدينة سيئ، إذ "لا يزال الملايين من سكان العاصمة محاصرين وسط المعارك التي تحول دون إيصال المساعدات الغذائية والدوائية لهم، مع عدم توفر ممرات آمنة". وكشف عن لجان للطوارئ تم تكوينها لمواجهة الأزمة الإنسانية المعقدة تعمل في كل من مدينتي ود مدني وبورتسودان بغرض التنسيق مع الجهات المعنية لتوصيل المعونات التي تأتي من الخارج إلى مستحقيها.

وفي السياق ذاته أورد الموظف السابق في مفوضية العون الإنساني محمد عبدالله الأمين أنه "عند وضع إستراتيجية لتفعيل دعم الاستجابة الإنسانية فيجب على صانعي السياسات بناؤها على رؤية مركزة وواقعية من شأنها أن تسمح للمانحين بوضع أهداف محددة، وفق نهج لتمويل ودعم برنامجها الإنساني بما يضمن المشاركة الكاملة من الشركاء الرئيسين وأصحاب المصلحة الآخرين المهتمين بنجاح برنامج الدعم".

ويرى الأمين أنه "لا يجب تجاهل دور الحكومة بينما يتم إشراك منظمات المجتمع المدني، فالحكومة هي التي تنسق مع المانحين بنشاط لتعزيز الروابط عبر برامج التفاهم، لا سيما في هذا الظرف الاستثنائي وهذه المأساة الإنسانية".

وذكر أن "هناك مشاريع دشنها الاتحاد الأوروبي مثل ’مشروع ثمرات‘ الذي يهدف إلى إعانة الأسر المتعسرة، وأشرف عليه مكتب رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، ولم ينجح بعد أن شابه كثير من الثغرات الأساس بما فيها قضايا فساد".

ويتابع الأمين، "يخاطر المانحون بالضغط السياسي لتوسيع نطاق جمع الموازنات الإنسانية، وهي في حال الحرب السودانية تتجاوز الضرورات الإنسانية الناتجة من الكوارث التقليدية، فالمعضلة هنا هي إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة والحفاظ على كرامة الإنسان ومعالجة الآثار الناجمة عن الحرب، وهي آثار ممتدة قد تستمر فترة طويلة قبل أن يحل السلام، ولذلك فهي تفتح الباب للاستفادة منها بوضع أسس لتعزيز فرص التعاون بموازنة المجتمع الدولي بين الأهداف الإنسانية الطارئة والتنمية الأوسع".

إخفاقات حرجة

يذكر أنه إضافة إلى النقص المريع في الغذاء والدواء فإن أحياء كاملة في الخرطوم تفتقر إلى خدمات المياه، كما يواجه المواطنون انقطاعات الكهرباء لأيام قبل أن تعود لساعات قليلة، ومعظم المستشفيات في مناطق القتال خارجة عن الخدمة، كما نُهبت مرافق الإغاثة مما زاد المعاناة الإنسانية لملايين المدنيين.

ومع أنه لا يمكن للمجتمع الدولي معالجة إخفاقات الدولة المتجذرة في مشكلات البنية التحتية، فإنها قد تكون أحد العوامل المؤدية إلى إخفاق المساعدات، وهو ما يسمى في مجال العمل الإنساني بـ "الإخفاقات الحرجة"، وبالتالي فإن الاستجابة الشاملة تستحضر معها الجوانب الدبلوماسية والسياسية والعسكرية وتطغى أحياناً على المجال الإنساني.

ولتجنب ذلك يمكن تفعيل ما جاء به مؤتمر "القمة العالمية للعمل الإنساني" عام 2016، إذ أقرت المناقشات بأن النظام الإنساني يواجه تحديات مستقبلية، وانبثقت عن ذلك المؤتمر مجالات عمل تربط بين النظام الإنساني القائم وسلسلة مبادرات المساعدات القائمة التي تقودها جهات خارجية، وتكييفها مع مبادرات ناشئة تقودها منظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية.

ويستلزم ذلك التعهد بمعالجة أوجه القصور المعترف بها، وتشمل الالتزام في شأن تعزيز الشفافية والرقابة على المساعدات والمشاركة، وتعزيز الترابط بين العمل الإنساني ليس كمساعدات طارئة وإنما كنهج لبناء السلام والتنمية. وتسعى هذه المنهجية المستجدة للعمل في مجال البرامج الإنسانية إلى تمكين الجهات الخارجية الفاعلة في مجال المساعدات من التواصل مع مجموعات المساعدة الذاتية المحلية ودعمها، وتعزيز دورها عند تحديد وتصميم ورصد الاستجابات للأزمات بين السكان المتضررين من الأزمات، وفق ضوابط ورقابة صارمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير